تعود ذكرى النكبة السادسة والسبعين في ظروف مختلفة لم يشهدها الشعب الفلسطيني منذ نكبته الأولى. ويبدو للشعب الفلسطيني بكاملة أن الكيان الصهيوني وهو يشن حرب الإبادة في غزة والضفة الغربية يحاول الآن استكمال ما تبقى من حلقات من حرب التطهير العرقي الذي قام بها عام 1948. ويعتبر المؤرخ بني موريس بعد ردّته عما ساهم في كشفه من أرشيفات الجيش حول التطهير العرقي الذي تم القيام به عن عمد وسبق إصرار، أن أكبر خطأ تاريخي ارتكبته "إسرائيل" هو الإبقاء على نحو 150 ألف فلسطيني في "الدولة" وكان يجب طردهم جميعا. لقد تحولت فكرة القضاء على الوجود الفلسطيني تماما ثقافة عامة وقناعة عابرة للأحزاب والطوائف والخلفيات. وتشكلت أحزاب جديدة وخاصة بعد الانتفاضة الثانية تدعو إلى التطهير العرقي والاستيلاء الشامل على الأرض الفلسطينية وتقطيع أواصر الوجود الفلسطيني وتحويل السكان إلى معازل صغيرة لا تستطيع التواصل مع بعضها البعض. من هنا يجب أن نفهم ما يجري في غزة الآن.
لقد تم عزل قطاع غزة عن العالم منذ عام 2007 وجمدت الأموال ورفضت البنوك المعاملات المالية وتحول القطاع إلى سجن حقيقي وليس مجازيا.؟ حوصر من االبر والبحر والجو. ولم يبق إلا معبر رفح يفتح مرة ويغلق مرات حسب مزاج الضباط المصريين. وبدأت إسرائيل عمليات الاجتياح المتكرر للقطاع ابتداء من الهجوم على بيت حانون عام 2006 بعد أسر المجند جلعاد شاليط، وصولا إلى حرب الإبادة الحالية ومرورا بحروب واجتياحات. فهناك في غزة ثلة من المناضلين لم يرفعوا الراية البيضاء رغم - عملية غيوم الخريف في بيت حانون في نوفمبر 2006 وعملية الرصاص المصبوب بين 27 ديسمبر 2008 و 18 جانفي 2009 وعملية عامود السحاب - من 14- 22 نوفمبر 2012 وعملية الجرف الصامد بين 7 جويلية إلى 26 أوت وقتل فيها 2101 وجرح أكثر من 11,180. كما أن اشتبكات مسيرات العودة عامي 2018 و 2019 أدت إلى مقتل أكثر من 300 فلسطيني وجرح نحو 6000 وعملية حارس الأسوار في ماي 2021 التي سقط فيها أكثر 200 وتدمير 32 برجا سكنيا.
ماذا بقي للمقاومة إلا أن تدافع عن نفسها وشعبها والرد على غطرسة العدو الصهيوني. هل خيار "المفاوضات" الذي رفعته جماعة أوسلو والتزمت به يغري أحدا باتباعه بعد كل ما شاهده الفلسطينيون من ممارسات على الأرض في الضفة الغربية والقدس. ألم يكن التمسك بهذا الخيار لأكثر من 30 سنة استكمالا لنكبة 1948؟ ألم يكن أوسلو المنفذ الذي دلف منه المطبعون العرب؟ وماذا عن التنسيق الأمني، هل يخدم المشروع الوطني الذي يتغنى به الأوسلويون؟
من تلك الخلفية جاءت عملية 7 أكتوبر والتي، رغم ما اعتراها من بعض الشوائب الشعبوية بعد تدفق أعداد من الجماهير للمشاركة بطريقة غير منظمة أو مدروسة، إلا أنها أثبتت حقيقتين أساسيتين: أن إمكانية هزيمة هذا العدو المتغطرس ممكنة وثانيا أن خيار المقاومة هو الوحيد الذي يوجع ويجبر العدو على دفع ثمن غالٍ، بل وغالٍ جداً ثمن الاحتلال.
تحليل عملية 7 أكتوبر وتبعاتها انقسم إلى قسمين: تحليل المهزومين الذين لا يرون إلا الدمار والقتل والخراب، وكأن إسرائيل في اجتياحاتها السابقة كانت تنثر الأزهار على الناس، وما يقوم به المستوطنون في الضفة الغربية والقدس حركات صبيانية لا علاقة لها بالدولة والمخطط الكبير لابتلاع جميع الأرض وتطهيرها من سكانها الأصليين. وتحليل يستند إلى التغييرات العميقة التي جرت بعد ذلك التاريخ على المستويات الفلسطينية والعربية والدولية. ونحن نؤمن أن التحليل الموضوعي يجب أن يأخذ بعين الاعتبار الضحايا والخراب ولكن لا يجوز أن نتغافل عن التحولات الدولية لصالح القضية الفلسطينية وحجم هذا التعاطف عبر الكرة الأرضية من شرقها إلى غربها.
الانتصار العالمي لفلسطين
تمر ذكرى النكبة هذه الأيام وهناك نهوض فلسطيني وعربي وإسلامي وعالمي على مستوى الشعوب انتصارا لفلسطين. البوصلة الدولية الآن لا تتحرك بعيدا عن غزة. قد تهتز يمينا أو شمالا لكنها تعود لتشير إلى غزة.
تتصدر قضية فلسطين جدول أعمال الأمم المتحدة. لا يمر أسبوع إلا ويعقد مجلس الأمن جلسة أو جلستين عن فلسطين. اعتمدت ثلاثة قرارات حول غزة.؟ والولايات المتحدة استخدمت الفيتو 4 مرات. وصدرت بيانات عن المجلس كان آخرها يوم الجمعة 10 ماي حول ضرورة التحقيق في المقابر الجماعية التي اكتشفت في ساحات مستشفيات غزة.
- الجمعية العامة أصدرت قرارين حول وقف إطلاق النار الأول في أكتوبر حصل على 120 صوتا إيجابيا والثاني في ديسمبر حصل على 153 صوتا. كما صوتت الجمعية العامة يوم 10 أكتوبر لصالح أهلية فلسطين لتكون دولة كاملة العضوية وإعطائها نحو 10 امتيازات لا تعطى إلا للدول المستقلة. اعتمد مشروع القرار بغالبية 143 دولة. الولايات المتحدة التي أجهضت يوم 18 أبريل مشروع القرار الجزائري الذي يدعو للاعتراف بفلسطين دولة كاملة العضوية، وجدت نفسها معزولة تماما ولم يقف معها ومع الكيان الصهيوني إلا سبع دول أربع منها لا أحد يعرف أين هي موجودة على الخارطة( ناورو، بالاو، مايكرونيزيا، وباباغينيا الجديدة).
- محكمة العدل الدولية كانت ساحة محاكمة قانونية لكيان حول حرب الإبادة التي يشنها ضد الشعب الفلسطيني الواقع تحت احتلال هو الأشرس في التاريخ المعاصر. لقد طالبت المحكمة إسرائيل، وفقا لالتزاماتها بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية، "باتخاذ جميع التدابير التي في حدود سلطتها" فيما يتعلق بالفلسطينيين في غزة لمنع ارتكاب أعمال إبادة". كما أشار القرار إلى عمليات القتل، والتسبب في أذى بدني أو عقلي جسيم، وتعمد الكيان إلى إخضاع الجماعة لظروف معيشية يقصد بها تدمير الجماعة. وأشارت قرارات المحكمة إلى أن "السكان المدنيين في قطاع غزة لا يزالون معرضين للخطر الشديد"، وتشير إلى أن "العملية العسكرية التي نفذتها إسرائيل بعد 7 أكتوبر 2023 تسببت إلى قتل وجرح عشرات الآلاف والدمار للمنازل والمدارس والمرافق الطبية وغيرها من البنى التحتية الحيوية، فضلا عن النزوح الجماعي للسكان". ولذلك أصدرت المحكمة أمراً واضحاً لإسرائيل بالتأكد بأثر فوري من أن جيشها لا يرتكب أي عمل يشكل جريمة إبادة جماعية، ومنع ومعاقبة ارتكاب الإبادة الجماعية والتحريض على ارتكابها ضد الفلسطينيين في غزة، واتخاذ تدابير فورية وفعالة لتمكين توفير الخدمات الأساسية والمساعدات الإنسانية. إسرائيل كعادتها تدير الظهر للقانون الدولي والمحكمة والقضاة والعالم كله. ونحن الآن ننتظر الدور الذي يجب أن تقوم به محكمة الجنايات الدولية التي تأخرت كثيرا قبل أن تقول شيئا.
- المظاهرات المؤيدة لفلسطين انتشرت في معظم دول العالم من سانتياغو إلى سيدني ومن برلين إلى لندن وباريس وروما ومن نيويورك وواشنطن إلى شيكاغو ودالاس وفيلادلفيا وسان فرنسيسكو ومن عمّان إلى تونس ومن الرباط إلى الدار البيضاء ومن صنعاء وتعز إلى بيروت وطرابلس وبغداد والبصرة. وما عدا بعض دول التطبيع العربي السابقة واللاحقة، وليس كلها، دفنت رأسها في الرمال وألجمت حركات الجماهير، وكأن الأمر لا يعنيها، فالعالم كله ينتصر لفلسطين والمقاومة والصمود وبعض الدول العربية مشغولة بالمهرجانات والأغاني والمسابقات.
- ثورة الطلاب في الولايات المتحدة غير مسبوقة ولقد انطلق الحراك من جامعة كولمبيا إلى جامعات نيويورك الأخرى ثم إلى نحو 200 جامعة. ثم اجتازت الانتفاضة الطلابية الحدود إلى كندا وقطعت المحيط لتحط في جامعات فرنسا وبريطانيا واسبانيا وهولندا وصولا إلى استراليا ونيوزيلندا واليابان وتونس. شعارات متشابهة يرفعها الطلبة: وقف حرب الإبادة، فلسطين حرة، سحب الاسثمارات من الكيان وقطع العلاقات مع الجامعات الصهيونية. لقد أصبحت غزة رمزا للحرية والحق والعدالة ورفضا للظلم والهيمنة والاتجار في الحرب وقتل الأبرياء. لقد أصبحت غزة البرزخ الذي يعبر منه جميع الشرفاء.
- الكيان يكاد ينهار اقتصاديا ومعنويا وسياسيا ومجتمعيا. مئات الألوف فروا إلى حيث جنسياتهم الاحتياطية. ثلث السكان لا يرون مستقبلا لهذا الكيان حسب استطلاعات الرأي. الشروخات المجتمعية تتسع وتكاد تؤدي إلى مواجهات عنيفة ولولا دول الاستعمار القديم منه والجديد التي تضخ في عروقه المليارات وتقدم له الأسلحة الثقيلة والقذائف والطائرات والغواصات وترسل حاملات الطائرات لحمياته من طوق المواجهة الثاني الذي يمتد من صنعاء الى بيروت لانهار وعاد كل صهيوني إلى موئل آبائه وأجداده في بولندا وأوكرانيا والأرجنتين وبروكلين وجنوب إفريقيا.
في ذكرى النكبة السادسة والسبعين نود أن نوجه مجموعة من الأسئلة لجميع الأطراف: هل المفاوضات ستعيد الحقوق أم المقاومة؟ من منا لم يستعرض في ذهنه أين وصلت القضية منذ اتفاقية أوسلو المشؤومة وحتى الآن؟ كم بقي من الأرض لإقامة الدولة التي وعدتنا بها السلطة منذ عام 1993؟ انظر إلى ممارسات إسرائيل منذ دخول السلطة، أين كنا وأين نحن؟ كيف كانت القدس وكيف أصبحت؟ كيف كان الاستيطان وكيف أصبح. انظر إلى الجدار العنصري والطرق الالتفافية التي لم تكن موجودة. كم من الآلاف دخلوا السجون وكم من الشهداء سقطوا دون أي مردود سياسي لأن تلك المواجهات كانت تنتهي بجولات جديدة من المفاوضات ما يعطي إسرائيل صك غفران على جرائمها.
المقاومة بكافة أشكالها هي التي ستجبر العدو على الرضوخ وتكشف زيف إدعائه بالعمل من أجل السلام. فحرب الإبادة على غزة رسمت الصورة الحقيقية للمرة الألف بأن إسرائيل تريد للفلسطينيين أن يختفوا من التاريخ والجغرافيا. فهل المفاوضات ستفشل هذا الهدف أم المقاومة والصمود والمواجهة والتفاف الشعوب العربية والإسلامية ومحبي العدل والسلام حول العالم حول أعدل قضية عرفها التاريخ الحديث. الفجر آت رغم التضحيات. وهل حصل شعب على حريته واستقلاله وسيادته إلا عبر التضحيات؟ إذن هذه الذكرى تختلف عن سوابقها. إننا على موعد مع الحرية والاستقلال والسيادة.. الانتصار قادم لا محالة.
* محاضر في مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة رتغرز بولاية نيوجرسي الأمريكية
بقلم: عبد الحميد صيام
تعود ذكرى النكبة السادسة والسبعين في ظروف مختلفة لم يشهدها الشعب الفلسطيني منذ نكبته الأولى. ويبدو للشعب الفلسطيني بكاملة أن الكيان الصهيوني وهو يشن حرب الإبادة في غزة والضفة الغربية يحاول الآن استكمال ما تبقى من حلقات من حرب التطهير العرقي الذي قام بها عام 1948. ويعتبر المؤرخ بني موريس بعد ردّته عما ساهم في كشفه من أرشيفات الجيش حول التطهير العرقي الذي تم القيام به عن عمد وسبق إصرار، أن أكبر خطأ تاريخي ارتكبته "إسرائيل" هو الإبقاء على نحو 150 ألف فلسطيني في "الدولة" وكان يجب طردهم جميعا. لقد تحولت فكرة القضاء على الوجود الفلسطيني تماما ثقافة عامة وقناعة عابرة للأحزاب والطوائف والخلفيات. وتشكلت أحزاب جديدة وخاصة بعد الانتفاضة الثانية تدعو إلى التطهير العرقي والاستيلاء الشامل على الأرض الفلسطينية وتقطيع أواصر الوجود الفلسطيني وتحويل السكان إلى معازل صغيرة لا تستطيع التواصل مع بعضها البعض. من هنا يجب أن نفهم ما يجري في غزة الآن.
لقد تم عزل قطاع غزة عن العالم منذ عام 2007 وجمدت الأموال ورفضت البنوك المعاملات المالية وتحول القطاع إلى سجن حقيقي وليس مجازيا.؟ حوصر من االبر والبحر والجو. ولم يبق إلا معبر رفح يفتح مرة ويغلق مرات حسب مزاج الضباط المصريين. وبدأت إسرائيل عمليات الاجتياح المتكرر للقطاع ابتداء من الهجوم على بيت حانون عام 2006 بعد أسر المجند جلعاد شاليط، وصولا إلى حرب الإبادة الحالية ومرورا بحروب واجتياحات. فهناك في غزة ثلة من المناضلين لم يرفعوا الراية البيضاء رغم - عملية غيوم الخريف في بيت حانون في نوفمبر 2006 وعملية الرصاص المصبوب بين 27 ديسمبر 2008 و 18 جانفي 2009 وعملية عامود السحاب - من 14- 22 نوفمبر 2012 وعملية الجرف الصامد بين 7 جويلية إلى 26 أوت وقتل فيها 2101 وجرح أكثر من 11,180. كما أن اشتبكات مسيرات العودة عامي 2018 و 2019 أدت إلى مقتل أكثر من 300 فلسطيني وجرح نحو 6000 وعملية حارس الأسوار في ماي 2021 التي سقط فيها أكثر 200 وتدمير 32 برجا سكنيا.
ماذا بقي للمقاومة إلا أن تدافع عن نفسها وشعبها والرد على غطرسة العدو الصهيوني. هل خيار "المفاوضات" الذي رفعته جماعة أوسلو والتزمت به يغري أحدا باتباعه بعد كل ما شاهده الفلسطينيون من ممارسات على الأرض في الضفة الغربية والقدس. ألم يكن التمسك بهذا الخيار لأكثر من 30 سنة استكمالا لنكبة 1948؟ ألم يكن أوسلو المنفذ الذي دلف منه المطبعون العرب؟ وماذا عن التنسيق الأمني، هل يخدم المشروع الوطني الذي يتغنى به الأوسلويون؟
من تلك الخلفية جاءت عملية 7 أكتوبر والتي، رغم ما اعتراها من بعض الشوائب الشعبوية بعد تدفق أعداد من الجماهير للمشاركة بطريقة غير منظمة أو مدروسة، إلا أنها أثبتت حقيقتين أساسيتين: أن إمكانية هزيمة هذا العدو المتغطرس ممكنة وثانيا أن خيار المقاومة هو الوحيد الذي يوجع ويجبر العدو على دفع ثمن غالٍ، بل وغالٍ جداً ثمن الاحتلال.
تحليل عملية 7 أكتوبر وتبعاتها انقسم إلى قسمين: تحليل المهزومين الذين لا يرون إلا الدمار والقتل والخراب، وكأن إسرائيل في اجتياحاتها السابقة كانت تنثر الأزهار على الناس، وما يقوم به المستوطنون في الضفة الغربية والقدس حركات صبيانية لا علاقة لها بالدولة والمخطط الكبير لابتلاع جميع الأرض وتطهيرها من سكانها الأصليين. وتحليل يستند إلى التغييرات العميقة التي جرت بعد ذلك التاريخ على المستويات الفلسطينية والعربية والدولية. ونحن نؤمن أن التحليل الموضوعي يجب أن يأخذ بعين الاعتبار الضحايا والخراب ولكن لا يجوز أن نتغافل عن التحولات الدولية لصالح القضية الفلسطينية وحجم هذا التعاطف عبر الكرة الأرضية من شرقها إلى غربها.
الانتصار العالمي لفلسطين
تمر ذكرى النكبة هذه الأيام وهناك نهوض فلسطيني وعربي وإسلامي وعالمي على مستوى الشعوب انتصارا لفلسطين. البوصلة الدولية الآن لا تتحرك بعيدا عن غزة. قد تهتز يمينا أو شمالا لكنها تعود لتشير إلى غزة.
تتصدر قضية فلسطين جدول أعمال الأمم المتحدة. لا يمر أسبوع إلا ويعقد مجلس الأمن جلسة أو جلستين عن فلسطين. اعتمدت ثلاثة قرارات حول غزة.؟ والولايات المتحدة استخدمت الفيتو 4 مرات. وصدرت بيانات عن المجلس كان آخرها يوم الجمعة 10 ماي حول ضرورة التحقيق في المقابر الجماعية التي اكتشفت في ساحات مستشفيات غزة.
- الجمعية العامة أصدرت قرارين حول وقف إطلاق النار الأول في أكتوبر حصل على 120 صوتا إيجابيا والثاني في ديسمبر حصل على 153 صوتا. كما صوتت الجمعية العامة يوم 10 أكتوبر لصالح أهلية فلسطين لتكون دولة كاملة العضوية وإعطائها نحو 10 امتيازات لا تعطى إلا للدول المستقلة. اعتمد مشروع القرار بغالبية 143 دولة. الولايات المتحدة التي أجهضت يوم 18 أبريل مشروع القرار الجزائري الذي يدعو للاعتراف بفلسطين دولة كاملة العضوية، وجدت نفسها معزولة تماما ولم يقف معها ومع الكيان الصهيوني إلا سبع دول أربع منها لا أحد يعرف أين هي موجودة على الخارطة( ناورو، بالاو، مايكرونيزيا، وباباغينيا الجديدة).
- محكمة العدل الدولية كانت ساحة محاكمة قانونية لكيان حول حرب الإبادة التي يشنها ضد الشعب الفلسطيني الواقع تحت احتلال هو الأشرس في التاريخ المعاصر. لقد طالبت المحكمة إسرائيل، وفقا لالتزاماتها بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية، "باتخاذ جميع التدابير التي في حدود سلطتها" فيما يتعلق بالفلسطينيين في غزة لمنع ارتكاب أعمال إبادة". كما أشار القرار إلى عمليات القتل، والتسبب في أذى بدني أو عقلي جسيم، وتعمد الكيان إلى إخضاع الجماعة لظروف معيشية يقصد بها تدمير الجماعة. وأشارت قرارات المحكمة إلى أن "السكان المدنيين في قطاع غزة لا يزالون معرضين للخطر الشديد"، وتشير إلى أن "العملية العسكرية التي نفذتها إسرائيل بعد 7 أكتوبر 2023 تسببت إلى قتل وجرح عشرات الآلاف والدمار للمنازل والمدارس والمرافق الطبية وغيرها من البنى التحتية الحيوية، فضلا عن النزوح الجماعي للسكان". ولذلك أصدرت المحكمة أمراً واضحاً لإسرائيل بالتأكد بأثر فوري من أن جيشها لا يرتكب أي عمل يشكل جريمة إبادة جماعية، ومنع ومعاقبة ارتكاب الإبادة الجماعية والتحريض على ارتكابها ضد الفلسطينيين في غزة، واتخاذ تدابير فورية وفعالة لتمكين توفير الخدمات الأساسية والمساعدات الإنسانية. إسرائيل كعادتها تدير الظهر للقانون الدولي والمحكمة والقضاة والعالم كله. ونحن الآن ننتظر الدور الذي يجب أن تقوم به محكمة الجنايات الدولية التي تأخرت كثيرا قبل أن تقول شيئا.
- المظاهرات المؤيدة لفلسطين انتشرت في معظم دول العالم من سانتياغو إلى سيدني ومن برلين إلى لندن وباريس وروما ومن نيويورك وواشنطن إلى شيكاغو ودالاس وفيلادلفيا وسان فرنسيسكو ومن عمّان إلى تونس ومن الرباط إلى الدار البيضاء ومن صنعاء وتعز إلى بيروت وطرابلس وبغداد والبصرة. وما عدا بعض دول التطبيع العربي السابقة واللاحقة، وليس كلها، دفنت رأسها في الرمال وألجمت حركات الجماهير، وكأن الأمر لا يعنيها، فالعالم كله ينتصر لفلسطين والمقاومة والصمود وبعض الدول العربية مشغولة بالمهرجانات والأغاني والمسابقات.
- ثورة الطلاب في الولايات المتحدة غير مسبوقة ولقد انطلق الحراك من جامعة كولمبيا إلى جامعات نيويورك الأخرى ثم إلى نحو 200 جامعة. ثم اجتازت الانتفاضة الطلابية الحدود إلى كندا وقطعت المحيط لتحط في جامعات فرنسا وبريطانيا واسبانيا وهولندا وصولا إلى استراليا ونيوزيلندا واليابان وتونس. شعارات متشابهة يرفعها الطلبة: وقف حرب الإبادة، فلسطين حرة، سحب الاسثمارات من الكيان وقطع العلاقات مع الجامعات الصهيونية. لقد أصبحت غزة رمزا للحرية والحق والعدالة ورفضا للظلم والهيمنة والاتجار في الحرب وقتل الأبرياء. لقد أصبحت غزة البرزخ الذي يعبر منه جميع الشرفاء.
- الكيان يكاد ينهار اقتصاديا ومعنويا وسياسيا ومجتمعيا. مئات الألوف فروا إلى حيث جنسياتهم الاحتياطية. ثلث السكان لا يرون مستقبلا لهذا الكيان حسب استطلاعات الرأي. الشروخات المجتمعية تتسع وتكاد تؤدي إلى مواجهات عنيفة ولولا دول الاستعمار القديم منه والجديد التي تضخ في عروقه المليارات وتقدم له الأسلحة الثقيلة والقذائف والطائرات والغواصات وترسل حاملات الطائرات لحمياته من طوق المواجهة الثاني الذي يمتد من صنعاء الى بيروت لانهار وعاد كل صهيوني إلى موئل آبائه وأجداده في بولندا وأوكرانيا والأرجنتين وبروكلين وجنوب إفريقيا.
في ذكرى النكبة السادسة والسبعين نود أن نوجه مجموعة من الأسئلة لجميع الأطراف: هل المفاوضات ستعيد الحقوق أم المقاومة؟ من منا لم يستعرض في ذهنه أين وصلت القضية منذ اتفاقية أوسلو المشؤومة وحتى الآن؟ كم بقي من الأرض لإقامة الدولة التي وعدتنا بها السلطة منذ عام 1993؟ انظر إلى ممارسات إسرائيل منذ دخول السلطة، أين كنا وأين نحن؟ كيف كانت القدس وكيف أصبحت؟ كيف كان الاستيطان وكيف أصبح. انظر إلى الجدار العنصري والطرق الالتفافية التي لم تكن موجودة. كم من الآلاف دخلوا السجون وكم من الشهداء سقطوا دون أي مردود سياسي لأن تلك المواجهات كانت تنتهي بجولات جديدة من المفاوضات ما يعطي إسرائيل صك غفران على جرائمها.
المقاومة بكافة أشكالها هي التي ستجبر العدو على الرضوخ وتكشف زيف إدعائه بالعمل من أجل السلام. فحرب الإبادة على غزة رسمت الصورة الحقيقية للمرة الألف بأن إسرائيل تريد للفلسطينيين أن يختفوا من التاريخ والجغرافيا. فهل المفاوضات ستفشل هذا الهدف أم المقاومة والصمود والمواجهة والتفاف الشعوب العربية والإسلامية ومحبي العدل والسلام حول العالم حول أعدل قضية عرفها التاريخ الحديث. الفجر آت رغم التضحيات. وهل حصل شعب على حريته واستقلاله وسيادته إلا عبر التضحيات؟ إذن هذه الذكرى تختلف عن سوابقها. إننا على موعد مع الحرية والاستقلال والسيادة.. الانتصار قادم لا محالة.
* محاضر في مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة رتغرز بولاية نيوجرسي الأمريكية