إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

العنف المجتمعي بلغ مداه...استقالة جماعية للتونسيين !!

العنف في تونس لا يمكن ترجمته بالأرقام فقط إنما بنوعية الجرائم المرتكبة وخطورتها والمعلن منها أقل بكثير من المخفي

بقلم: ريم بالخذيري

رئيسة المنظمة الدولية لحماية أطفال المتوسط

يعد الاسبوعان الثانيان من شهر أفريل الأكثر دموية وتسجيلا لجرائم متواترة يرتكبها قصرّ ومراهقون. حيث شهد ثاني أيام العيد مقتل طفل في 14 سنة من عمره - حينما كان في جولة بالمرسى - على يدي مجموعة من الأطفال من بينهم فتيات. وبعدها بـ48 ساعة تعرّض مسنّ للقتل حرقا وأحيلت زوجته على الإنعاش في قليبية . وبعدها في القيروان أقدم تلميذ على محاولة طعن استاذه من الخلف في القسم. وفي القصرين وداخل حافلة للنقل المدرسي أقدم تلميذ على طعن زميلين له.

هذه الحوادث الرابط بينها أن مرتكبيها قصّرا كما قلنا وهو ما يجعل وقعها أشد وخطرها أكبر اذ يصعب التعامل الأمني معها ويصعب مقاومتها .فكلما استشرى العنف بين القصّر فان المجتمع سيكون في خطر .وهو ما يجعلنا نتحدث عن العنف المجتمعي بكل أنواعه اللفظي والجسدي والجنسي الذي أصبح ظاهرة وسلوكا يمارسه الصغار والكبار. ولذلك أسبابه وآليات معالجته التي سنتعرض لها لاحقا. لكن قبل ذلك علينا أن نفهم العنف وأنواعه وفق علماء الاجتماع والنفس ومدى تطابقه مع ما يحدث في شوارعنا.لكنّنا سنتحدث هنا عن العنف المجتمعي فقط دون العنف الأسري والذي يطول الحديث فيه ويعدّ المحرّك والمغذي للعنف المجتمعي حيث أن 46 بالمائة مثلا من الاعتداءات على الأطفال والنساء تحدث داخل الأسر.

العنف المجتمعي

يُعرّف العنف المجتمعي بأنّه تعرّض الشخص لتصرفات عنيفة (براكاجات، سرقة، تحويل وجهة..) في الأماكن العامة بصورةٍ متعمدة وذلك من أشخاص لا تربطهم به صلة.

كذلك يُمكن تعريف العنف المجتمعي بأنّه ممارسة بعض الأعمال بصورة متعمدة تجاه أفراد في المجتمع لإحداث ضرر جسدي أو نفسي.

وبحسب خبراء علم الاجتماع توجد 3 أنواع من العنف المجتمعي أولها العنف الذاتي وهو أي عمل يفعله الشخص عمدًا للتسبب بإصابة نفسه، كالانتحار.

وثانيها العنف بين الأشخاص وينقسم إلى نوعين فقد يكون بين أشخاص بينهم صلة قرابة مثل العنف بين الأزواج أو بين الوالدين تجاه أطفالهم، أو إساءة معاملة المسنين، أواعتداء أشخاص غير معروفين على الضحية مثل الاعتداءات التي تحدث في أماكن العمل.

ويبقى العنف الجماعي ثالث الأنواع الأكثر انتشارا وخطرا ويُعرّف بأنّه عنف ترتكبه مجموعة من الأشخاص تجاه فرد أو مجموعة من الأفراد .

ويتداخل كما قلنا العنف المجتمعي مع العنف العائلي حيث كشف تقرير حديث أن امرأة واحدة من بين كل ثلاث على الصعيد العالمي تعرّضت في حياتها للعنف البدني أو الجنسي، بما يعادل حوالي 736 مليون سيّدة وفتاة في العالم.

وفي تقرير دولي كشف أن ما يقارب من مليار طفل، سنويا يتعرضون الى العنف الجسدي والجنسي والنفسي.

أما في تونس فآخر الاحصائيات تشير الى ان ما لا يقل عن 48 بالمائة من النساء التونسيات يتعرضن الى العنف العائلي او المجتمعي وفي مراكز العمل. كما أن 17500طفل تعرضوا لمختلف أنواع الاعتداءات في سنة 2020 وفق دراسة أعدتها منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسيف".

والملاحظ ان العنف في تونس لا يمكن ترجمته بالأرقام فقط انما بنوعية الجرائم المرتكبة وخطورتها والمعلن منها أقل بكثير من المخفي .

وقد حظي العنف باهتمام خاص من قبل الأمم المتحدة بهيئاتها المختلفة وقد وضعت خطة عام 2030 لخفض جميع أشكال العنف.

وترمي إلى ”الحد بدرجة كبيرة من جميع أشكال العنف ومعدلات الوفيات المتصلة به في كل مكان". وقد مهَّدت الأمم المتحدة لتحقيق هذا الغرض بعينه حين أدرجت الحد من جميع أشكال العنف في أهداف التنمية المستديمة. حيث بينت التجارب أن منسوب العنف المجتمعي يرتفع في الدول الفقيرة .

حيث تحتل فنزويلا المرتبة الأولى ويبلغ معدل جريمة القتل فيها مثلا 84 جريمة لكل مائة ألف نسمة. تليها بابوا غينيا الجديدة التي تسجل سنويا 80 جريمة لكل مائة ألف نسمة، فجنوب افريقيا بـ 77 جريمة لكل مائة ألف نسمة.

وفي الدول العربية تحتل سوريا المرتبة الأولى والحادية عشر عالميًا بمعدل 66 جريمة لكل 100 الف نسمة.

تليها ليبيا بـ 61 جريمة لكل 100 الف نسمة، فالصومال بـ 56 جريمة لكل 100 الف نسمة، والجزائر بـ 55 جريمة لكل 100 الف نسمة . وفي تونس تضاعفت عدد جرائم القتل بـ4 مرات خلال الـ5 سنوات الأخيرة.وهي تحتل المرتبة 10 عربيًا وفي المرتبة 53 دوليًا.

الدراما في قفص الاتهام

كلما حدثت جريمة بشعة في تونس تضجّ مواقع التواصل وتتعالى الأصوات بتشديد العقوبة على المجرمين. والبعض ينادي بتطبيق حكم الاعدام في الجرائم النوعية. كما يتم توجيه الاتهامات للمسلسلات الرمضانية والتي تروّج للجريمة وفق قولهم. لكن هاته العائلات تناست أنها من تسمح لأبنائها بمتابعة هذه المسلسلات صحبتهم والأصل في الأشياء منعهم منها.

والواقع أن تأثير هذه الاعمال ومساهمتها في تطوير الجريمة خاصة بين القصر لا تقارن بالسبب الرئيسي لها وهي غياب التحاور الأسري واستقالة عدد كبير من الأولياء من شأن أبنائهم واقتصار المؤسسات التربوية على التعليم دون التربية .

استقالة التونسيين

من المعروف أن وعي المواطن في أية دولة يعدّ السلاح الأكبر في مواجهة الفساد والجريمة والعنف. لكن الأمور ليست كذلك عند التونسيين الذين يؤمنون جدّا بمقولة سيئة الذكر مسؤولة كثيرا عن تنامي كل المظاهر السلبية والخطيرة التي ذكرنا وهي "أخطا راسي واضرب".وقد بدأت استقالة التونسيين من المساهمة في فرض النظام وأخلقة الشارع .

وفي الواقع عدم تدخل التونسيين في إيقاف المظاهر المخلة بالآداب والأمن في الشارع وفي وسائل النقل أصبحت ملفتة وخطيرة فكم من جريمة قتل وسرقة واعتداء بالعنف تقع في الشارع وعلى مرأى من الجميع لكن لا أحد يتدخل بسبب الخوف والأنانية وهذا ما يشجّع المجرمين على التمادي في جرائمهم أمام الجميع.

هذه الاستقالة الجماعية للتونسيين ليست جبنا فقط وانما هي سقوط أخلاقي يصل حدّ التواطؤ والتطبيع مع الإجرام .فأين شهامة التونسيين وأين قيم نصرة المظلوم ونجدة الضعيف. فمن تفاديت إجرامه اليوم بعدم تصديك له سيصيبك شرّه حتما غدا. وكل الحلول والتدخلات الأمنية لن تجدي نفعا دون مساعدة المواطنين. ففي الغرب المواطن مراقب وشريك ومساهم في استتاب الأمن .

يوم وطني لمقاومة العنف

كما قلنا مقاومة العنف المجتمعي لاتزال ممكنة في تونس وهي ليست مقتصرة على الجانب الأمني فقط على أهميته وانما هي مهمة مختلف الوزارات والجمعيات ومهمة الأسرة بدرجة أولى. ومن المهم التحسيس بخطر العنف المجتمعي في وسائل الاعلام وتشديد العقوبات على الجرائم وجرائم العود خاصة.

ونظرا لخطورة هذه الظاهرة على المجتمع يبقى من المهم اطلاق يوم وطني لمقاومة العنف المجتمعي والأسري تشارك فيه كل مكونات المجتمع .

 

 

 

 

 

العنف المجتمعي بلغ مداه...استقالة جماعية للتونسيين !!

العنف في تونس لا يمكن ترجمته بالأرقام فقط إنما بنوعية الجرائم المرتكبة وخطورتها والمعلن منها أقل بكثير من المخفي

بقلم: ريم بالخذيري

رئيسة المنظمة الدولية لحماية أطفال المتوسط

يعد الاسبوعان الثانيان من شهر أفريل الأكثر دموية وتسجيلا لجرائم متواترة يرتكبها قصرّ ومراهقون. حيث شهد ثاني أيام العيد مقتل طفل في 14 سنة من عمره - حينما كان في جولة بالمرسى - على يدي مجموعة من الأطفال من بينهم فتيات. وبعدها بـ48 ساعة تعرّض مسنّ للقتل حرقا وأحيلت زوجته على الإنعاش في قليبية . وبعدها في القيروان أقدم تلميذ على محاولة طعن استاذه من الخلف في القسم. وفي القصرين وداخل حافلة للنقل المدرسي أقدم تلميذ على طعن زميلين له.

هذه الحوادث الرابط بينها أن مرتكبيها قصّرا كما قلنا وهو ما يجعل وقعها أشد وخطرها أكبر اذ يصعب التعامل الأمني معها ويصعب مقاومتها .فكلما استشرى العنف بين القصّر فان المجتمع سيكون في خطر .وهو ما يجعلنا نتحدث عن العنف المجتمعي بكل أنواعه اللفظي والجسدي والجنسي الذي أصبح ظاهرة وسلوكا يمارسه الصغار والكبار. ولذلك أسبابه وآليات معالجته التي سنتعرض لها لاحقا. لكن قبل ذلك علينا أن نفهم العنف وأنواعه وفق علماء الاجتماع والنفس ومدى تطابقه مع ما يحدث في شوارعنا.لكنّنا سنتحدث هنا عن العنف المجتمعي فقط دون العنف الأسري والذي يطول الحديث فيه ويعدّ المحرّك والمغذي للعنف المجتمعي حيث أن 46 بالمائة مثلا من الاعتداءات على الأطفال والنساء تحدث داخل الأسر.

العنف المجتمعي

يُعرّف العنف المجتمعي بأنّه تعرّض الشخص لتصرفات عنيفة (براكاجات، سرقة، تحويل وجهة..) في الأماكن العامة بصورةٍ متعمدة وذلك من أشخاص لا تربطهم به صلة.

كذلك يُمكن تعريف العنف المجتمعي بأنّه ممارسة بعض الأعمال بصورة متعمدة تجاه أفراد في المجتمع لإحداث ضرر جسدي أو نفسي.

وبحسب خبراء علم الاجتماع توجد 3 أنواع من العنف المجتمعي أولها العنف الذاتي وهو أي عمل يفعله الشخص عمدًا للتسبب بإصابة نفسه، كالانتحار.

وثانيها العنف بين الأشخاص وينقسم إلى نوعين فقد يكون بين أشخاص بينهم صلة قرابة مثل العنف بين الأزواج أو بين الوالدين تجاه أطفالهم، أو إساءة معاملة المسنين، أواعتداء أشخاص غير معروفين على الضحية مثل الاعتداءات التي تحدث في أماكن العمل.

ويبقى العنف الجماعي ثالث الأنواع الأكثر انتشارا وخطرا ويُعرّف بأنّه عنف ترتكبه مجموعة من الأشخاص تجاه فرد أو مجموعة من الأفراد .

ويتداخل كما قلنا العنف المجتمعي مع العنف العائلي حيث كشف تقرير حديث أن امرأة واحدة من بين كل ثلاث على الصعيد العالمي تعرّضت في حياتها للعنف البدني أو الجنسي، بما يعادل حوالي 736 مليون سيّدة وفتاة في العالم.

وفي تقرير دولي كشف أن ما يقارب من مليار طفل، سنويا يتعرضون الى العنف الجسدي والجنسي والنفسي.

أما في تونس فآخر الاحصائيات تشير الى ان ما لا يقل عن 48 بالمائة من النساء التونسيات يتعرضن الى العنف العائلي او المجتمعي وفي مراكز العمل. كما أن 17500طفل تعرضوا لمختلف أنواع الاعتداءات في سنة 2020 وفق دراسة أعدتها منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسيف".

والملاحظ ان العنف في تونس لا يمكن ترجمته بالأرقام فقط انما بنوعية الجرائم المرتكبة وخطورتها والمعلن منها أقل بكثير من المخفي .

وقد حظي العنف باهتمام خاص من قبل الأمم المتحدة بهيئاتها المختلفة وقد وضعت خطة عام 2030 لخفض جميع أشكال العنف.

وترمي إلى ”الحد بدرجة كبيرة من جميع أشكال العنف ومعدلات الوفيات المتصلة به في كل مكان". وقد مهَّدت الأمم المتحدة لتحقيق هذا الغرض بعينه حين أدرجت الحد من جميع أشكال العنف في أهداف التنمية المستديمة. حيث بينت التجارب أن منسوب العنف المجتمعي يرتفع في الدول الفقيرة .

حيث تحتل فنزويلا المرتبة الأولى ويبلغ معدل جريمة القتل فيها مثلا 84 جريمة لكل مائة ألف نسمة. تليها بابوا غينيا الجديدة التي تسجل سنويا 80 جريمة لكل مائة ألف نسمة، فجنوب افريقيا بـ 77 جريمة لكل مائة ألف نسمة.

وفي الدول العربية تحتل سوريا المرتبة الأولى والحادية عشر عالميًا بمعدل 66 جريمة لكل 100 الف نسمة.

تليها ليبيا بـ 61 جريمة لكل 100 الف نسمة، فالصومال بـ 56 جريمة لكل 100 الف نسمة، والجزائر بـ 55 جريمة لكل 100 الف نسمة . وفي تونس تضاعفت عدد جرائم القتل بـ4 مرات خلال الـ5 سنوات الأخيرة.وهي تحتل المرتبة 10 عربيًا وفي المرتبة 53 دوليًا.

الدراما في قفص الاتهام

كلما حدثت جريمة بشعة في تونس تضجّ مواقع التواصل وتتعالى الأصوات بتشديد العقوبة على المجرمين. والبعض ينادي بتطبيق حكم الاعدام في الجرائم النوعية. كما يتم توجيه الاتهامات للمسلسلات الرمضانية والتي تروّج للجريمة وفق قولهم. لكن هاته العائلات تناست أنها من تسمح لأبنائها بمتابعة هذه المسلسلات صحبتهم والأصل في الأشياء منعهم منها.

والواقع أن تأثير هذه الاعمال ومساهمتها في تطوير الجريمة خاصة بين القصر لا تقارن بالسبب الرئيسي لها وهي غياب التحاور الأسري واستقالة عدد كبير من الأولياء من شأن أبنائهم واقتصار المؤسسات التربوية على التعليم دون التربية .

استقالة التونسيين

من المعروف أن وعي المواطن في أية دولة يعدّ السلاح الأكبر في مواجهة الفساد والجريمة والعنف. لكن الأمور ليست كذلك عند التونسيين الذين يؤمنون جدّا بمقولة سيئة الذكر مسؤولة كثيرا عن تنامي كل المظاهر السلبية والخطيرة التي ذكرنا وهي "أخطا راسي واضرب".وقد بدأت استقالة التونسيين من المساهمة في فرض النظام وأخلقة الشارع .

وفي الواقع عدم تدخل التونسيين في إيقاف المظاهر المخلة بالآداب والأمن في الشارع وفي وسائل النقل أصبحت ملفتة وخطيرة فكم من جريمة قتل وسرقة واعتداء بالعنف تقع في الشارع وعلى مرأى من الجميع لكن لا أحد يتدخل بسبب الخوف والأنانية وهذا ما يشجّع المجرمين على التمادي في جرائمهم أمام الجميع.

هذه الاستقالة الجماعية للتونسيين ليست جبنا فقط وانما هي سقوط أخلاقي يصل حدّ التواطؤ والتطبيع مع الإجرام .فأين شهامة التونسيين وأين قيم نصرة المظلوم ونجدة الضعيف. فمن تفاديت إجرامه اليوم بعدم تصديك له سيصيبك شرّه حتما غدا. وكل الحلول والتدخلات الأمنية لن تجدي نفعا دون مساعدة المواطنين. ففي الغرب المواطن مراقب وشريك ومساهم في استتاب الأمن .

يوم وطني لمقاومة العنف

كما قلنا مقاومة العنف المجتمعي لاتزال ممكنة في تونس وهي ليست مقتصرة على الجانب الأمني فقط على أهميته وانما هي مهمة مختلف الوزارات والجمعيات ومهمة الأسرة بدرجة أولى. ومن المهم التحسيس بخطر العنف المجتمعي في وسائل الاعلام وتشديد العقوبات على الجرائم وجرائم العود خاصة.

ونظرا لخطورة هذه الظاهرة على المجتمع يبقى من المهم اطلاق يوم وطني لمقاومة العنف المجتمعي والأسري تشارك فيه كل مكونات المجتمع .