لا تستطيع للمعرض الدولي للكتاب سبيلا إلاّ فئة قليلة من المجتمع وهي في تراجع مع الأسف
انطلقت الدّورة الثامنة والثلاثون لمعرض تونس الدولي للكتاب يوم الجمعة 19 أفريل 2024 لتختتم فعاليّاته يوم الأحد 28 أفريل 2024 بمشاركة أربع وعشرين دولة. وقد تم اختيار التضامن مع الشعب الفلسطيني شعارا لهذه الدّورة. ونزلت دولة إيطاليا ضيف شرف على المعرض. ورُكّز بمعرض تونس الدولي للكتاب 314 جناحا خُصّص منها 154 جناحا للعارضين التونسيّين و160 لعارضين عرب وأجانب. وهو بحقّ عرس ثقافيّ دوليّ ليس له مثيل في بقيّة المدن التّونسيّة. ويُعتبر فرصة ثمينة لتعزيز ثقافة القراءة والتعلم وتشجيع الشباب والأطفال خاصة على استكشاف عوالم الكتب وتوسيع مداركهم الثقافية.
وفي اعتقادنا أنّ اختيار التضامن مع فلسطين وشعبها شعارا للدّورة هو اختيار صائب لأنه يعكس حقيقة ما بفكر التونسيّين والتونسيّات ووجدانهم من قلق وألم. ولا يخفى على أحد موقفهم المبدئي منذ عقود واعتبارهم أنّ القضية الفلسطينية هي قضيتهم الرئيسية وأنّه يجب تحرير أراضيها من المحيط إلى الخليج. بالإضافة إلى أنّ شعار الدّورة يعزّز حضوردولة فلسطين في كلّ المحافل الدوليّة التي تقيمها البلاد التونسية على أرضها. ومهما حاول الكيان الصهيوني محق الآثار الفلسطينيّة من الوجود بآلاته الحربية الجهنمية فإنّه واهم ولا بدّ له أن يرحل آجلا أو عاجلا. ولن يبقى إلاّ أصحاب الأرض وستبقى عاصمتها الأبدية القدس الشريف.
من ناحية أخرى، لابدّ أن نتوقف عند عدد العناوين التي عرضها الناشرون وقد بلغ 109300. وهو عدد مهول يبعث على الرّغبة في زيارة أجنحة المعرض لاقتناء ما تيسّر من الكتب بمختلف لغاتها ومواضيعها سواء كانت أدبيّة أو دينيّة أو تاريخيّة أو سياسيّة أو علميّة أو فلسفيّة. وقد تحدّثت هيئة المعرض أيضا عن تقريب الكتاب بأنواعه ومحامله للأطفال وتنظيم ورشات ذات برنامج ثريّ ومتنوع يشمل الموسيقى والأدب والخط والفنون وإسناد جوائز تشجيعية للأطفال المتميّزين المشاركين فيها. فيا ترى هل عقد التونسيّون العزم، ولاسيما المتعطّشون للقراءة ومن لا يرتضون للكتاب بديلا مهما اكتسحت وسائل التواصل الاجتماعي بيوتنا ومؤسساتنا وإداراتنا، على زيارة المعرض؟ لا نظن ذلك، "فالعين بصيرة واليد قصيرة". ولا تستطيع لدورات المعرض الدولي للكتاب سبيلا إلاّ فئة قليلة من المجتمع التونسي وهي في تراجع مع الأسف. فأنّى للمواطن التونسي الذي يكابد غلاء المعيشة ويعيش في ضائقة مالية تجعله يترقب مرتبه الشهري القادم بفارغ الصبر منذ الأسبوع الأول من الشهر أن يخصّص ميزانيّة لمعلوم مأوى السيّارات واقتناء تذاكر الدخول إلى المعرض صحبة عائلته واشتراء كتب لا يقلّ الواحد منها عن عشرين دينارا؟ ومن ناحية أخرى، أنّى للمواطنين التونسيين، وحتى للمنتمين منهم إلى الطبقة الوسطى، أن يتحملوا غلاء تذكرة السّفر ذهابا وإيابا إلى العاصمة ؟ ومن أين يأتون بمصاريف الأكل والشرب خلال يوم على الأقلّ يقضونه في العاصمة لزيارة المعرض والتّجول في كلّ أجنحته؟
وهنا نتساءل متى سيتمتع جلّ التونسيّين والتونسيّات بفعاليّات معرض تونس الدّولي للكتاب ؟ متى سيقترب منهم ويكون منهم وإليهم؟ متى سيكون الكتاب في متناول جميع الشرائح العمرية والفئات الاجتماعية حتى يشبعوا نهمهم في القراءة ولا يُحرمون من الأنشطة الثقافية اليوميّة واللّقاءات الفكرية المهمّة التي تقام على هامش هذه المناسبة الثقافية الوطنيّة الكبرى؟
وعلى العموم، فإنّه وإن كان عدد المقبلين على المطالعة قد أصبح ضئيلا جدّا يكاد لا يُذكر ويبعث على الخجل، فإنّ ارتفاع ثمن الكتاب وما يتطلّبه التنقل إلى العاصمة من تكاليف مادّية للمشاركة في هذا الاحتفال الثقافيّ السّنوي يزيد من إحجامهم على اقتناء الكتاب. وبذلك تصبح المطالعة خارجة عن تقاليدنا وغريبة عن سلوكنا اليومي. ويدخل الكتاب في طيّ النسيان. وفي المقابل،تتّسع رقعة الرّداءة والتفاهة وتصبحان خير جليس عند أغلب التّونسيّين، ويا للحسرة!
مصدّق الشّريف
لا تستطيع للمعرض الدولي للكتاب سبيلا إلاّ فئة قليلة من المجتمع وهي في تراجع مع الأسف
انطلقت الدّورة الثامنة والثلاثون لمعرض تونس الدولي للكتاب يوم الجمعة 19 أفريل 2024 لتختتم فعاليّاته يوم الأحد 28 أفريل 2024 بمشاركة أربع وعشرين دولة. وقد تم اختيار التضامن مع الشعب الفلسطيني شعارا لهذه الدّورة. ونزلت دولة إيطاليا ضيف شرف على المعرض. ورُكّز بمعرض تونس الدولي للكتاب 314 جناحا خُصّص منها 154 جناحا للعارضين التونسيّين و160 لعارضين عرب وأجانب. وهو بحقّ عرس ثقافيّ دوليّ ليس له مثيل في بقيّة المدن التّونسيّة. ويُعتبر فرصة ثمينة لتعزيز ثقافة القراءة والتعلم وتشجيع الشباب والأطفال خاصة على استكشاف عوالم الكتب وتوسيع مداركهم الثقافية.
وفي اعتقادنا أنّ اختيار التضامن مع فلسطين وشعبها شعارا للدّورة هو اختيار صائب لأنه يعكس حقيقة ما بفكر التونسيّين والتونسيّات ووجدانهم من قلق وألم. ولا يخفى على أحد موقفهم المبدئي منذ عقود واعتبارهم أنّ القضية الفلسطينية هي قضيتهم الرئيسية وأنّه يجب تحرير أراضيها من المحيط إلى الخليج. بالإضافة إلى أنّ شعار الدّورة يعزّز حضوردولة فلسطين في كلّ المحافل الدوليّة التي تقيمها البلاد التونسية على أرضها. ومهما حاول الكيان الصهيوني محق الآثار الفلسطينيّة من الوجود بآلاته الحربية الجهنمية فإنّه واهم ولا بدّ له أن يرحل آجلا أو عاجلا. ولن يبقى إلاّ أصحاب الأرض وستبقى عاصمتها الأبدية القدس الشريف.
من ناحية أخرى، لابدّ أن نتوقف عند عدد العناوين التي عرضها الناشرون وقد بلغ 109300. وهو عدد مهول يبعث على الرّغبة في زيارة أجنحة المعرض لاقتناء ما تيسّر من الكتب بمختلف لغاتها ومواضيعها سواء كانت أدبيّة أو دينيّة أو تاريخيّة أو سياسيّة أو علميّة أو فلسفيّة. وقد تحدّثت هيئة المعرض أيضا عن تقريب الكتاب بأنواعه ومحامله للأطفال وتنظيم ورشات ذات برنامج ثريّ ومتنوع يشمل الموسيقى والأدب والخط والفنون وإسناد جوائز تشجيعية للأطفال المتميّزين المشاركين فيها. فيا ترى هل عقد التونسيّون العزم، ولاسيما المتعطّشون للقراءة ومن لا يرتضون للكتاب بديلا مهما اكتسحت وسائل التواصل الاجتماعي بيوتنا ومؤسساتنا وإداراتنا، على زيارة المعرض؟ لا نظن ذلك، "فالعين بصيرة واليد قصيرة". ولا تستطيع لدورات المعرض الدولي للكتاب سبيلا إلاّ فئة قليلة من المجتمع التونسي وهي في تراجع مع الأسف. فأنّى للمواطن التونسي الذي يكابد غلاء المعيشة ويعيش في ضائقة مالية تجعله يترقب مرتبه الشهري القادم بفارغ الصبر منذ الأسبوع الأول من الشهر أن يخصّص ميزانيّة لمعلوم مأوى السيّارات واقتناء تذاكر الدخول إلى المعرض صحبة عائلته واشتراء كتب لا يقلّ الواحد منها عن عشرين دينارا؟ ومن ناحية أخرى، أنّى للمواطنين التونسيين، وحتى للمنتمين منهم إلى الطبقة الوسطى، أن يتحملوا غلاء تذكرة السّفر ذهابا وإيابا إلى العاصمة ؟ ومن أين يأتون بمصاريف الأكل والشرب خلال يوم على الأقلّ يقضونه في العاصمة لزيارة المعرض والتّجول في كلّ أجنحته؟
وهنا نتساءل متى سيتمتع جلّ التونسيّين والتونسيّات بفعاليّات معرض تونس الدّولي للكتاب ؟ متى سيقترب منهم ويكون منهم وإليهم؟ متى سيكون الكتاب في متناول جميع الشرائح العمرية والفئات الاجتماعية حتى يشبعوا نهمهم في القراءة ولا يُحرمون من الأنشطة الثقافية اليوميّة واللّقاءات الفكرية المهمّة التي تقام على هامش هذه المناسبة الثقافية الوطنيّة الكبرى؟
وعلى العموم، فإنّه وإن كان عدد المقبلين على المطالعة قد أصبح ضئيلا جدّا يكاد لا يُذكر ويبعث على الخجل، فإنّ ارتفاع ثمن الكتاب وما يتطلّبه التنقل إلى العاصمة من تكاليف مادّية للمشاركة في هذا الاحتفال الثقافيّ السّنوي يزيد من إحجامهم على اقتناء الكتاب. وبذلك تصبح المطالعة خارجة عن تقاليدنا وغريبة عن سلوكنا اليومي. ويدخل الكتاب في طيّ النسيان. وفي المقابل،تتّسع رقعة الرّداءة والتفاهة وتصبحان خير جليس عند أغلب التّونسيّين، ويا للحسرة!