تحدّث حاتم المليكي الناشط السياسي والنائب السابق في مجلس نواب الشعب، عن حقيقة ترشحه للانتخابات الرئاسية القادمة ودور المواطنين في التحكم في اللعبة السياسية عبر "صناديق الاقتراع"، وسبب تأجيل مشروع سياسي لتأسيس حزب كان قد أعلن عنه في فترة سابقة، معتبرا أن مسألة التنظّم السياسي ليست أولوية بالنسبة إليه وذلك لعدّة اعتبارات وأسباب تناولها بالتّفسير، وبيّن موقفه من الأحزاب ومكونات المشهد السّياسي في تونس اليوم وعلاقته بها. وتطرق في حديثه لـ"الصباح"، إلى جملة من المسائل الأخرى من قبيل أن المواطن في تونس أصبح متقدما جدا على السياسيين وشروط نجاح السياسي وغيرها من المسائل الحزبية والسياسية والوطنية والإقليمية في الحوار التالي:
حاورته: نزيهة الغضباني
*أين يضع حاتم المليكي نفسه اليوم، بعد مروره بتجارب حزبية وبرلمانية سابقة؟
أنا سياسي مستقل وخبير في الحوكمة المحلية والتنمية ولست متفرغا للعمل السياسي.
*سبق أن أعلنت عن استعدادك لتأسيس حزب سياسي جديد، هل تراجعت عن هذا المشروع؟
صحيح أني انشغلت في فترة ما بالتحضير لبعث حزب ولكني تخليت عن هذه الفكرة إلى حد الآن. لأن فكرة التنظّم السياسي بالنسبة لي لم تعد أولوية. لذلك فأنا لا أتحامل على أي جهة أو حزب عندما أقول إنه ليس هناك حركة أو حزب سياسي فعلي في تونس اليوم. فبعد أن وجهت دعوة للجميع لإجراء مراجعات شاملة والعمل على تطوير الممارسة السياسية وتدارك الهنّات والأخطاء التي كانت سببا في فشلها وابتعاد القواعد الشعبية عنها. ففي تقديري الحركات السياسية العصرية تتطلب توفر جملة من الشروط، من بينها أن تكون هذه الأحزاب مدرسة تكوين حقيقية وتتوفر على مراكز دراسات تمكنها من قراءة الأحداث والوقائع والمعطيات وتحليلها إضافة إلى القدرة على التأثير في الشارع وتحريكه في مفهومه الإيجابي فضلا عن امتلاكها لمكتب علاقات دولية واسعة.
*هل أنت معني بالترشح للانتخابات الرئاسية القادمة؟
صحيح أنّ الممارسة السياسية مؤسساتية بالأساس، ولكن إلى حد الآن لم تعلن أي جهة رسمية عن روزنامة أو تحديد موعد للانتخابات. وطالما أن الرؤية لم تتضح بعد فأنا لم أقرر بعد خوض هذا الاستحقاق الهام.
*ما هي حقيقة وجود اتصالات مع بعض الجهات السياسية في الفترة الأخيرة لترشيحك للرئاسية؟
أعترف أن علاقتي بكافة مكونات الطبقة السياسية في تونس طيبة على المستوى الفكري رغم تمسكي بموقفي من الأحزاب والحركات السياسية التي سبق أن ذكرتها وحافظت على شكل تنظيمها الكلاسيكي ولم تتطور، ولكن عمليا ليس هناك لقاءات رسمية حول هذه المسألة بعد، وما أقوله هو "لا خطبونا ولا عطيناهم". فأنا أرفض مبدأ الترشح إلى موعد غير معلوم، لقناعتي أن الحياة السياسية مؤسساتية ولا تقوم على التصريحات والنوايا والرغبات.
*ما هي في تقديرك مقومات أو شروط نجاح أي سياسي في ظل التغيرات "السوسيوبوليتيك" في تونس؟
أعتقد أن المواطن اليوم أصبح متقدما جدا عن الطبقة السياسية، في فهم الحياة السياسية، استنادا إلى ما توصل له مختصون في علم الاجتماع من المتابعين للشأن الوطني والسياسي. وهناك عوامل مؤثرة في ترجيح كفة الاختيار الذي يمكن أن يؤثر في الانتخابات وهي نظافة اليد والنزاهة أي أن يؤتمن الشخص على الدولة والنتائج والقيم وهي في تقديري الصورة التي يبحث عنها التونسي في مرشحه لرئاسة الجمهورية، إلى جانب القدرة والكفاءة ولكن هناك عوامل أخرى يجب آخذها بعين الاعتبار في مثل هذه المسألة.
*ماذا تقصد؟
يكفي العودة إلى نقطة تضمنها تقرير مجموعة مؤتمر السبع الأخير، بالتركيز على التحديات التي تواجه الشعوب والعالم منها التضليل عبر شبكات التواصل الاجتماعي وبث الإشاعة ودور ذلك في التأثير على الرأي العام. إضافة إلى المسألة المالية ممثلة في الدعم المالي للحياة السياسية والتمويل العمومي لقطع الطريق أمام أي أجندات مشبوهة أو خارجية. خاصة وأن التونسي يقترب بشكل كبير من السلوك الانتخابي المعمول به في العالم. فلم تعد الوعود الزائفة والمراهنة على ما هو أزمة أو إيديولوجي والمزايدة على القضايا الكبرى تنطلي على الجميع.
*كيف تقيّم الوضع العام في تونس اليوم؟
للأسف بلادنا تمرّ بأزمات على جميع المستويات ولم تستطع الخروج منها إلى حد الآن، فبعد أن مررنا بتداعيات أزمة الجائحة الصحية العالمية "كويفد 19" وكانت في المرتبة الأخيرة في ترتيب البلدان القادرة على التصدي لكورونا ووفاة أكثر من 27 ألف تونسي، ثم تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية ودورها في تردي الوضع الاقتصادي بالأساس في ارتفاع الأسعار ونقص المواد الاستهلاكية والدخول في معركة المقدرة الشرائية. لتضاف لتراكمات الأزمات السابقة خاصة أن بلادنا فشلت فشلا ذريعا في إدارة كل الأزمات التي اعترضتها طيلة العقد الماضي وعلى جميع المستويات الصحية منها والاقتصادية والاجتماعية.
*هل تعني أنّ إمكانية الإصلاح ممكنة الآن؟
طبعا الفرصة لا تزال قائمة وذلك بعد التصالح مع المواطنين، رغم الهنات والصعوبات فإن فرصة الإصلاح والتدارك ممكنة، إذا توفرت الشروط الموضوعية لذلك وتمت المراهنة على الكفاءات وفق برامج وأهداف واستراتيجيات محددة بعيدا عن منطق الولاءات والمحسوبية التي لطالما أنهكت الدولة والمؤسسات والإدارة التونسية. لأن طبيعة التونسي الميال للتعايش المشترك ومتمسك بوحدة الدولة رغم محاولات التقسيم وبث الفتن. فهناك جانب مضيء وهو قدرة التونسي على التحمل والمقاومة ورفضه عدم اللجوء للعنف مهما كانت الأوضاع. فتونس أضاعت ثلاث محطات مفصلية للإصلاح والتي كان يمكن أن تجعلها في ريادة البلدان العربية المتقدمة الأولى في سبعينات القرن الماضي بسبب الصراع على السلطة والثانية في 2004 وفرصة التحول الرقمي الذي كانت بلادنا مرشحة لقيادته والثالثة في 2011. لذلك فإن فرضيات استرجاع هذه الفرصة ممكنة الآن. لأن المواطن لم يعد قابلا لإعادة أخطاء اختياراته مرة أخرى بعد أن حقق مكسب التداول على السلطة بعد أكثر من أربعة عقود.
*أي نظام وتوجه يؤمن به حاتم المليكي؟
في الحقيقة أنا أؤمن بالواقعية السياسية وما تمثله من دولة إنسانية في أبعادها الاجتماعية ولست مع الدولة الاجتماعية. ففكرة تحقيق المساواة قد تعني تعميم الظلم ولكني مع تعميم تحقيق العدالة والمساواة في الحقوق لأن المواطن معني بالنتائج وليس بالأساليب. لأني أؤمن بالنتائج وليس حسب التصنيف القديم المعمول به في ظل تغير المعطيات ومقدرات الدولة، مثلا في الصحة والنقل والتعليم وفي ظل عدم قدرة الدولة على توفير ذلك للجميع يمكن أن تمكن المواطن من راتب مرتفع يمكنه من حرية العلاج في المصحات الخاصة أو ضمان وسائل نقل خاصة به أو حرية اختيار المؤسسات التعليمية لأبنائه.
*عبرت عديد الجهات عن استحسانها للقمة الثلاثية التونسية الجزائرية الليبية، بعد أن عُدّ مشروع المغرب العربي الكبير في عداد المشاريع المقبورة، فكيف ترى المسألة؟
في قراءة موضوعية متأنّية بالتساؤل حول أسباب عدم اجتماع قادة المغرب العربي منذ 2004 نتوقف عند جملة من الأسباب التي تحيلنا وجوبا إلى غياب إرادة حقيقية للبلدان المغاربية لاستثمار في مشروع المغرب العربي وتحويله إلى برامج ومشاريع تعاون وشراكة والاستفادة من التغيرات التي عرفتها المنطقة العربية والقارة الإفريقية والعالم على حد السواء منذ 1989. فلم يكن فشله راجعا إلى الصراع المغربي الجزائري وحده بل المسألة أعمق من ذلك. لذلك وبعد أن دخل الاتحاد المغاربي في صيغته القديمة في مرحلة موت سريري شأنه شأن جامعة الدول العربية بعد احتلال بغداد والحرب على العراق. وأعتقد أن القمة الحالية الثلاثية كانت مبنية على أهداف أمنية عسكرية بامتياز في ظل تطورات الوضع في المنطقة والمخاطر التي تهدد البلدان الثلاث خاصة الأحداث والتغيرات الأمنية الكبيرة التي عرفتها حدود البلدان المغاربية في مستوى أنظمة حكم بلدان جنوب الصحراء كمالي والنيجر وغيرها والوضع الأمني المتردي والمتشعب في ليبيا والهجرة غير النظامية التي تلقي بثقلها على تونس بشكل خاص، فضلا عن محاولة هذه البلدان الاستثمار في نقاط قوتها الاقتصادية الطاقية بالأساس. وهذا لا يمنع أن تمهد هذه القمة لعودة قوية للاتحاد باعتبار أن الحلول للصراع مع المغرب ممكنة.
*بعض القراءات ذهبت إلى اعتبار أن هذا اللقاء الثلاثي ضد المغرب، فما هي قراءتك للمسألة؟
لاحظت مثل هذه القراءات وفي ذلك توظيف سيء لأني لا أعتقد أن هناك نية أو توجها في هذا السياق. لأن أسوأ فكرة ونتائج يمكن أن تحصل هو أن يكون هناك انقسام في شمال إفريقيا. وهذا ما تسعى بعض الأطراف السياسية أو الإقليمية للاستثمار فيه وتأجيج الخلاف حوله وقد كان البيان الختامي للقمة شامل وموضح للأهداف.
*في تقديرك، هل أن اختيار رئيس الجمهورية عدم التدخل أو تقديم أي مبادرة لحل الأزمة الليبية، صائب؟
الدبلوماسية المنتشرة في العالم بأسره تعتمد على الدبلوماسية الانتقائية. وفكرة التحالفات بالشكل التقليدي لم تعد قائمة. وأعتقد أن اختيار بلادنا بأن يكون لها موقف عدم التدخل، هام. فمنذ 13 سنة تعتبر الدبلوماسية التونسية قد اختارت موقفا إيجابيا في الوضع الليبي بعد الأخطاء التي ارتكبت في هذا المستوى خلال السنوات الماضية.
*ماذا تقصد؟
فقدت الدبلوماسية التونسية منذ أن أمسكت حركة النهضة بمنظومة الحكم في فترة ما بعد ثورة 2011، بوصلتها. فرغم أنه قطاع على غاية من الأهمية ويتطلب الاستمرارية في أجهزته إلا أن الأمر لم يكن كذلك بعد أن أصبح لكل حكومة وزير للخارجية ولكل وزير "حاشية" من التعيينات. فضلا عن اختيار الاصطفاف إقليميا ودوليا. بعد أن راهنت منظومة الحكم آنذاك على قطر في الصراع بين دول التعاون الخليجي وتأثير ذلك السلبي على التنمية والاقتصاد رغم محاولات سياسية الدولة في السنوات الأخيرة العمل على إصلاحه وتداركه. كما هو الشأن في الانقسام القائم في ليبيا والصراع الداخلي الشهير على الدبلوماسية بين مؤسسات الدولة ممثلة في قيس سعيد رئيس الجمهورية وراشد الغنوشي رئيس مجلس نواب الشعب المنحل باعتبار أن دستور 2014 منح صلاحيات واسعة للبرلمان في نظام مختلط شبه برلماني.
*كيف تقيّم واقع الحريات في تونس اليوم؟
أنا أحمّل المسؤولية لمن تولوا الحكم ما بعد 2011 الذين حرمونا من فرصة تغيير الوضع بعد رفضهم مبادرة قام بها منوبي الفرشيشي رفقة مجموعة أخرى من المختصين في القانون وتتمثل في مراجعة المجلة الجزائية. لأنه لو تم قبول ذلك لتفادينا عديد الوضعيات في مراحل مختلفة في مستوى العقوبات البديلة وتجنيب المؤسسة السجنية مصاريف كبيرة على مساجين كان بالإمكان اعتماد عقوبات بديلة أو في مستوى مدة التحفظ وغيرها.
تونس – الصباح
تحدّث حاتم المليكي الناشط السياسي والنائب السابق في مجلس نواب الشعب، عن حقيقة ترشحه للانتخابات الرئاسية القادمة ودور المواطنين في التحكم في اللعبة السياسية عبر "صناديق الاقتراع"، وسبب تأجيل مشروع سياسي لتأسيس حزب كان قد أعلن عنه في فترة سابقة، معتبرا أن مسألة التنظّم السياسي ليست أولوية بالنسبة إليه وذلك لعدّة اعتبارات وأسباب تناولها بالتّفسير، وبيّن موقفه من الأحزاب ومكونات المشهد السّياسي في تونس اليوم وعلاقته بها. وتطرق في حديثه لـ"الصباح"، إلى جملة من المسائل الأخرى من قبيل أن المواطن في تونس أصبح متقدما جدا على السياسيين وشروط نجاح السياسي وغيرها من المسائل الحزبية والسياسية والوطنية والإقليمية في الحوار التالي:
حاورته: نزيهة الغضباني
*أين يضع حاتم المليكي نفسه اليوم، بعد مروره بتجارب حزبية وبرلمانية سابقة؟
أنا سياسي مستقل وخبير في الحوكمة المحلية والتنمية ولست متفرغا للعمل السياسي.
*سبق أن أعلنت عن استعدادك لتأسيس حزب سياسي جديد، هل تراجعت عن هذا المشروع؟
صحيح أني انشغلت في فترة ما بالتحضير لبعث حزب ولكني تخليت عن هذه الفكرة إلى حد الآن. لأن فكرة التنظّم السياسي بالنسبة لي لم تعد أولوية. لذلك فأنا لا أتحامل على أي جهة أو حزب عندما أقول إنه ليس هناك حركة أو حزب سياسي فعلي في تونس اليوم. فبعد أن وجهت دعوة للجميع لإجراء مراجعات شاملة والعمل على تطوير الممارسة السياسية وتدارك الهنّات والأخطاء التي كانت سببا في فشلها وابتعاد القواعد الشعبية عنها. ففي تقديري الحركات السياسية العصرية تتطلب توفر جملة من الشروط، من بينها أن تكون هذه الأحزاب مدرسة تكوين حقيقية وتتوفر على مراكز دراسات تمكنها من قراءة الأحداث والوقائع والمعطيات وتحليلها إضافة إلى القدرة على التأثير في الشارع وتحريكه في مفهومه الإيجابي فضلا عن امتلاكها لمكتب علاقات دولية واسعة.
*هل أنت معني بالترشح للانتخابات الرئاسية القادمة؟
صحيح أنّ الممارسة السياسية مؤسساتية بالأساس، ولكن إلى حد الآن لم تعلن أي جهة رسمية عن روزنامة أو تحديد موعد للانتخابات. وطالما أن الرؤية لم تتضح بعد فأنا لم أقرر بعد خوض هذا الاستحقاق الهام.
*ما هي حقيقة وجود اتصالات مع بعض الجهات السياسية في الفترة الأخيرة لترشيحك للرئاسية؟
أعترف أن علاقتي بكافة مكونات الطبقة السياسية في تونس طيبة على المستوى الفكري رغم تمسكي بموقفي من الأحزاب والحركات السياسية التي سبق أن ذكرتها وحافظت على شكل تنظيمها الكلاسيكي ولم تتطور، ولكن عمليا ليس هناك لقاءات رسمية حول هذه المسألة بعد، وما أقوله هو "لا خطبونا ولا عطيناهم". فأنا أرفض مبدأ الترشح إلى موعد غير معلوم، لقناعتي أن الحياة السياسية مؤسساتية ولا تقوم على التصريحات والنوايا والرغبات.
*ما هي في تقديرك مقومات أو شروط نجاح أي سياسي في ظل التغيرات "السوسيوبوليتيك" في تونس؟
أعتقد أن المواطن اليوم أصبح متقدما جدا عن الطبقة السياسية، في فهم الحياة السياسية، استنادا إلى ما توصل له مختصون في علم الاجتماع من المتابعين للشأن الوطني والسياسي. وهناك عوامل مؤثرة في ترجيح كفة الاختيار الذي يمكن أن يؤثر في الانتخابات وهي نظافة اليد والنزاهة أي أن يؤتمن الشخص على الدولة والنتائج والقيم وهي في تقديري الصورة التي يبحث عنها التونسي في مرشحه لرئاسة الجمهورية، إلى جانب القدرة والكفاءة ولكن هناك عوامل أخرى يجب آخذها بعين الاعتبار في مثل هذه المسألة.
*ماذا تقصد؟
يكفي العودة إلى نقطة تضمنها تقرير مجموعة مؤتمر السبع الأخير، بالتركيز على التحديات التي تواجه الشعوب والعالم منها التضليل عبر شبكات التواصل الاجتماعي وبث الإشاعة ودور ذلك في التأثير على الرأي العام. إضافة إلى المسألة المالية ممثلة في الدعم المالي للحياة السياسية والتمويل العمومي لقطع الطريق أمام أي أجندات مشبوهة أو خارجية. خاصة وأن التونسي يقترب بشكل كبير من السلوك الانتخابي المعمول به في العالم. فلم تعد الوعود الزائفة والمراهنة على ما هو أزمة أو إيديولوجي والمزايدة على القضايا الكبرى تنطلي على الجميع.
*كيف تقيّم الوضع العام في تونس اليوم؟
للأسف بلادنا تمرّ بأزمات على جميع المستويات ولم تستطع الخروج منها إلى حد الآن، فبعد أن مررنا بتداعيات أزمة الجائحة الصحية العالمية "كويفد 19" وكانت في المرتبة الأخيرة في ترتيب البلدان القادرة على التصدي لكورونا ووفاة أكثر من 27 ألف تونسي، ثم تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية ودورها في تردي الوضع الاقتصادي بالأساس في ارتفاع الأسعار ونقص المواد الاستهلاكية والدخول في معركة المقدرة الشرائية. لتضاف لتراكمات الأزمات السابقة خاصة أن بلادنا فشلت فشلا ذريعا في إدارة كل الأزمات التي اعترضتها طيلة العقد الماضي وعلى جميع المستويات الصحية منها والاقتصادية والاجتماعية.
*هل تعني أنّ إمكانية الإصلاح ممكنة الآن؟
طبعا الفرصة لا تزال قائمة وذلك بعد التصالح مع المواطنين، رغم الهنات والصعوبات فإن فرصة الإصلاح والتدارك ممكنة، إذا توفرت الشروط الموضوعية لذلك وتمت المراهنة على الكفاءات وفق برامج وأهداف واستراتيجيات محددة بعيدا عن منطق الولاءات والمحسوبية التي لطالما أنهكت الدولة والمؤسسات والإدارة التونسية. لأن طبيعة التونسي الميال للتعايش المشترك ومتمسك بوحدة الدولة رغم محاولات التقسيم وبث الفتن. فهناك جانب مضيء وهو قدرة التونسي على التحمل والمقاومة ورفضه عدم اللجوء للعنف مهما كانت الأوضاع. فتونس أضاعت ثلاث محطات مفصلية للإصلاح والتي كان يمكن أن تجعلها في ريادة البلدان العربية المتقدمة الأولى في سبعينات القرن الماضي بسبب الصراع على السلطة والثانية في 2004 وفرصة التحول الرقمي الذي كانت بلادنا مرشحة لقيادته والثالثة في 2011. لذلك فإن فرضيات استرجاع هذه الفرصة ممكنة الآن. لأن المواطن لم يعد قابلا لإعادة أخطاء اختياراته مرة أخرى بعد أن حقق مكسب التداول على السلطة بعد أكثر من أربعة عقود.
*أي نظام وتوجه يؤمن به حاتم المليكي؟
في الحقيقة أنا أؤمن بالواقعية السياسية وما تمثله من دولة إنسانية في أبعادها الاجتماعية ولست مع الدولة الاجتماعية. ففكرة تحقيق المساواة قد تعني تعميم الظلم ولكني مع تعميم تحقيق العدالة والمساواة في الحقوق لأن المواطن معني بالنتائج وليس بالأساليب. لأني أؤمن بالنتائج وليس حسب التصنيف القديم المعمول به في ظل تغير المعطيات ومقدرات الدولة، مثلا في الصحة والنقل والتعليم وفي ظل عدم قدرة الدولة على توفير ذلك للجميع يمكن أن تمكن المواطن من راتب مرتفع يمكنه من حرية العلاج في المصحات الخاصة أو ضمان وسائل نقل خاصة به أو حرية اختيار المؤسسات التعليمية لأبنائه.
*عبرت عديد الجهات عن استحسانها للقمة الثلاثية التونسية الجزائرية الليبية، بعد أن عُدّ مشروع المغرب العربي الكبير في عداد المشاريع المقبورة، فكيف ترى المسألة؟
في قراءة موضوعية متأنّية بالتساؤل حول أسباب عدم اجتماع قادة المغرب العربي منذ 2004 نتوقف عند جملة من الأسباب التي تحيلنا وجوبا إلى غياب إرادة حقيقية للبلدان المغاربية لاستثمار في مشروع المغرب العربي وتحويله إلى برامج ومشاريع تعاون وشراكة والاستفادة من التغيرات التي عرفتها المنطقة العربية والقارة الإفريقية والعالم على حد السواء منذ 1989. فلم يكن فشله راجعا إلى الصراع المغربي الجزائري وحده بل المسألة أعمق من ذلك. لذلك وبعد أن دخل الاتحاد المغاربي في صيغته القديمة في مرحلة موت سريري شأنه شأن جامعة الدول العربية بعد احتلال بغداد والحرب على العراق. وأعتقد أن القمة الحالية الثلاثية كانت مبنية على أهداف أمنية عسكرية بامتياز في ظل تطورات الوضع في المنطقة والمخاطر التي تهدد البلدان الثلاث خاصة الأحداث والتغيرات الأمنية الكبيرة التي عرفتها حدود البلدان المغاربية في مستوى أنظمة حكم بلدان جنوب الصحراء كمالي والنيجر وغيرها والوضع الأمني المتردي والمتشعب في ليبيا والهجرة غير النظامية التي تلقي بثقلها على تونس بشكل خاص، فضلا عن محاولة هذه البلدان الاستثمار في نقاط قوتها الاقتصادية الطاقية بالأساس. وهذا لا يمنع أن تمهد هذه القمة لعودة قوية للاتحاد باعتبار أن الحلول للصراع مع المغرب ممكنة.
*بعض القراءات ذهبت إلى اعتبار أن هذا اللقاء الثلاثي ضد المغرب، فما هي قراءتك للمسألة؟
لاحظت مثل هذه القراءات وفي ذلك توظيف سيء لأني لا أعتقد أن هناك نية أو توجها في هذا السياق. لأن أسوأ فكرة ونتائج يمكن أن تحصل هو أن يكون هناك انقسام في شمال إفريقيا. وهذا ما تسعى بعض الأطراف السياسية أو الإقليمية للاستثمار فيه وتأجيج الخلاف حوله وقد كان البيان الختامي للقمة شامل وموضح للأهداف.
*في تقديرك، هل أن اختيار رئيس الجمهورية عدم التدخل أو تقديم أي مبادرة لحل الأزمة الليبية، صائب؟
الدبلوماسية المنتشرة في العالم بأسره تعتمد على الدبلوماسية الانتقائية. وفكرة التحالفات بالشكل التقليدي لم تعد قائمة. وأعتقد أن اختيار بلادنا بأن يكون لها موقف عدم التدخل، هام. فمنذ 13 سنة تعتبر الدبلوماسية التونسية قد اختارت موقفا إيجابيا في الوضع الليبي بعد الأخطاء التي ارتكبت في هذا المستوى خلال السنوات الماضية.
*ماذا تقصد؟
فقدت الدبلوماسية التونسية منذ أن أمسكت حركة النهضة بمنظومة الحكم في فترة ما بعد ثورة 2011، بوصلتها. فرغم أنه قطاع على غاية من الأهمية ويتطلب الاستمرارية في أجهزته إلا أن الأمر لم يكن كذلك بعد أن أصبح لكل حكومة وزير للخارجية ولكل وزير "حاشية" من التعيينات. فضلا عن اختيار الاصطفاف إقليميا ودوليا. بعد أن راهنت منظومة الحكم آنذاك على قطر في الصراع بين دول التعاون الخليجي وتأثير ذلك السلبي على التنمية والاقتصاد رغم محاولات سياسية الدولة في السنوات الأخيرة العمل على إصلاحه وتداركه. كما هو الشأن في الانقسام القائم في ليبيا والصراع الداخلي الشهير على الدبلوماسية بين مؤسسات الدولة ممثلة في قيس سعيد رئيس الجمهورية وراشد الغنوشي رئيس مجلس نواب الشعب المنحل باعتبار أن دستور 2014 منح صلاحيات واسعة للبرلمان في نظام مختلط شبه برلماني.
*كيف تقيّم واقع الحريات في تونس اليوم؟
أنا أحمّل المسؤولية لمن تولوا الحكم ما بعد 2011 الذين حرمونا من فرصة تغيير الوضع بعد رفضهم مبادرة قام بها منوبي الفرشيشي رفقة مجموعة أخرى من المختصين في القانون وتتمثل في مراجعة المجلة الجزائية. لأنه لو تم قبول ذلك لتفادينا عديد الوضعيات في مراحل مختلفة في مستوى العقوبات البديلة وتجنيب المؤسسة السجنية مصاريف كبيرة على مساجين كان بالإمكان اعتماد عقوبات بديلة أو في مستوى مدة التحفظ وغيرها.