إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

الإجراءات والتحفيزات قد تصطدم بحقيقة المقدرة الشرائية.. حلم امتلاك التونسي لمسكن مازال بعيد المنال..؟؟

 

تونس-الصباح

تشير إحصائيات منشورة أن "حوالي  ربع الأسر من بين 3 ملايين عائلة لا تملك مسكنا"، والحقيقة الراسخة اليوم لدى جزء كبير من التونسيين أن حلم شراء شقة أو منزل أصبح بعيد المنال ورغبة تتلاشي مع مرور الوقت وشطط تكلفة العيش اليوم وتدني المقدرة الشرائية للمواطن.

والمتأمل في أسعار بيع العقارات يتأكد بما لا يدع مجالا للشك أن جزءا قليلا من التونسيين وطبقات بعينها محدودة لها القدرة على امتلاك مسكن والأغلبية الساحقة من التونسيين لم تعد فقط غير قادرة على اقتناء شقة ولو صغيرة بل أصبح كراء مسكن لائق في مكان محترم غير متاح ولا تقدر عليه أغلب الفئات.

هذا الواقع غير حتى النمط السلوكي للتونسي الذي يبدو أنه بدا تدريجيا يلغي فكرة امتلاك مسكن بعد أن كان غاية الأغلبية وهدف تشجع عليه العائلات ويندرج ضمن أولويات المقبلين على الزواج والشباب.

بورصة السكن

كشفت مؤخرا المنصة الرقمية المختصة في بيع وشراء وتأجير العقارات في تونس "مبوب" أنه تم "تسجيل زيادة بنسبة9 بالمائة في متوسط أسعار الشقق مما يشير إلى منحى تصاعدي في عام 2023 مقارنة بسنة 2022".

وتعد الشقق في الأحياء السكنية الفاخرة شمال تونس العاصمة الأعلى سعرا، حيث يصل سعر المتر المربع الواحد إلى 4850 دينارا في منطقة حدائق قرطاج، تليها عين زغوان الشمالية (3700 دت/م² )بينما يبلغ سعر المتر المربع الواحد في المنزه وحي النصر 3300 دينار.

أما في منطقة الوطن القبلي والساحل فترتفع أسعار الشقق الجديدة في  الحمامات الشمالية والجنوبية، حيث تبلغ معدل 3250 د.ت/م² و3200 دت/م².

وفي الساحل، تصل الأسعار في منطقة سهلول إلى معدل سعر (3150 د.ت/م²) وفي مدينة العقبة الواقعة بولاية المنستير تبلغ الأسعار (3100 د.ت/م ²) وهذه المناطق الأعلى سعراً.

تفسير الغرفة الوطنية للباعثين العقاريين التونسيين لهذا الشطط في بورصة الأسعار المتنامي والمتصاعد من سنة إلى أخرى ترجعه لازمة قطاع البعث العقاري بسبب ارتفاع تكاليف بناء المساكن وتراجع القدرة الشرائية للمواطن مقابل غلاء أسعار المنازل.

 وتداعيات شطط الأسعار أثرت على الباعثين العقاريين حيث تم التخفيض في عدد الوحدات السكنية الجديدة من "معدل 20 ألف مسكن سنة 2010 إلى اقل من 3 آلاف وحدة جديدة يتم بناؤها في السنوات القليلة الماضية".

انه بالتوازي مع هذا الإجراء الذي وصفه بغير الشعبي، فان كلفة القروض البنكية في تونس باهظة بشكل لافت بسبب الترفيع المستمر من البنك المركزي لنسبة الفائدة المديرية (8 في المائة حاليا) ما يضطر المصارف التجارية إلى الترفيع بدورها في نسب الفائدة في السوق النقدية لتتراوح بين 11 و13 في المائة ما سيثقل كاهل المواطن ويعسر عليه تحقيق حلم امتلاك منزل.

تحدث أيضا في تصريح سابق نائب رئيس الغرفة الوطنية للباعثين العقاريين جلال مزيو، عن مشاكل  ونقص الأراضي الصالحة للبناء، إلى جانب ارتفاع نسبة فائدة القروض الموجهة لاقتناء المساكن كما دعا الدولة إلى "وضع سياسة واضحة بالشراكة مع جميع الأطراف لمساعدة المواطن على شراء مسكن".

تضمنت أيضا دراسة مؤخرا للغرفة الوطنية للبعث العقاري مقترحات لتجاوز أزمة السكن في البلاد وتداعياتها على المواطن بدرجة أولى والباعثين العقاريين بدرجة ثانية ومن بينها "التخفيض من نسب الأداء على القيمة المضافة من 13% إلى7%، قصد المساهمة في تراجع الأسعار في ذات الوقت والتخفيض من العبء الجبائي على عمليات بيع المساكن المشيدة من قبل الباعثين العقاريين والتسجيل بمعلوم 1% على كل المساكن بما فيها التي تتجاوز 500 ألف دينار".

"استفاقة الدولة"

ويبدو أن الدولة استفاقت ولو متأخرا للتخفيف من أزمة السكن في البلاد  من خلال إعطاء إشارة انطلاق مراجعة الإستراتيجية السكنية في البلاد، حيث أكدت بالمناسبة وزيرة التجهيز والإسكان سارة زعفراني زنزري، انه" أصبح من الضروري مراجعة السياسة السكنية التي تم وضعها سنة 2014، سيما وأن القطاع يواجه عديد الصعوبات والإشكاليات على غرار ارتفاع كلفة المساكن وندرة الأراضي".

وصرحت الوزيرة مؤخرا أنه "يجب العمل على إيجاد الحلول اللازمة لتوفير مسكن لائق للمواطن التونسي وبكلفة مقبولة". ومن الحلول التي تفكر فيها الدولة إصدار القرار الخاص بالمرسوم 68 لسنة 2022 والذي يقضي بتمكين الوكالة العقارية للسكنى من اقتناء الأراضي بأسعار تفاضلية. إلى جانب مراجعة جملة من التشريعات والقوانين الأخرى وآليات التمويل والإنجاز. ومن هذه الإجراءات مراجعة أسعار مساكن صندوق النهوض بالمسكن لفائدة الأجراء  “فوبرولوس“. 

ولئن تعد هذه الإجراءات الأخيرة بادرة مهمة من أجل إرجاع الأمل للتونسيين في امتلاك مسكن لائق، إلا أن الكثير من الملاحظين يعتبرون أن نجاعة هذه الإجراءات لن تكون في الآجال القريبة لأنها مرتبطة بإيجاد الحلول للوضع المالي والاقتصادي في البلاد برمته وإنعاش المقدرة الشرائية للمواطن وتوفير المناخ الملائم لرفع الضغوط والقيود على الإقراض دون ذلك لن يتشجع التونسي اليوم على الاستثمار في عقار على حساب توفير متطلبات العيش الكريم.

م.ي

الإجراءات والتحفيزات قد تصطدم بحقيقة المقدرة الشرائية..   حلم امتلاك التونسي لمسكن مازال بعيد المنال..؟؟

 

تونس-الصباح

تشير إحصائيات منشورة أن "حوالي  ربع الأسر من بين 3 ملايين عائلة لا تملك مسكنا"، والحقيقة الراسخة اليوم لدى جزء كبير من التونسيين أن حلم شراء شقة أو منزل أصبح بعيد المنال ورغبة تتلاشي مع مرور الوقت وشطط تكلفة العيش اليوم وتدني المقدرة الشرائية للمواطن.

والمتأمل في أسعار بيع العقارات يتأكد بما لا يدع مجالا للشك أن جزءا قليلا من التونسيين وطبقات بعينها محدودة لها القدرة على امتلاك مسكن والأغلبية الساحقة من التونسيين لم تعد فقط غير قادرة على اقتناء شقة ولو صغيرة بل أصبح كراء مسكن لائق في مكان محترم غير متاح ولا تقدر عليه أغلب الفئات.

هذا الواقع غير حتى النمط السلوكي للتونسي الذي يبدو أنه بدا تدريجيا يلغي فكرة امتلاك مسكن بعد أن كان غاية الأغلبية وهدف تشجع عليه العائلات ويندرج ضمن أولويات المقبلين على الزواج والشباب.

بورصة السكن

كشفت مؤخرا المنصة الرقمية المختصة في بيع وشراء وتأجير العقارات في تونس "مبوب" أنه تم "تسجيل زيادة بنسبة9 بالمائة في متوسط أسعار الشقق مما يشير إلى منحى تصاعدي في عام 2023 مقارنة بسنة 2022".

وتعد الشقق في الأحياء السكنية الفاخرة شمال تونس العاصمة الأعلى سعرا، حيث يصل سعر المتر المربع الواحد إلى 4850 دينارا في منطقة حدائق قرطاج، تليها عين زغوان الشمالية (3700 دت/م² )بينما يبلغ سعر المتر المربع الواحد في المنزه وحي النصر 3300 دينار.

أما في منطقة الوطن القبلي والساحل فترتفع أسعار الشقق الجديدة في  الحمامات الشمالية والجنوبية، حيث تبلغ معدل 3250 د.ت/م² و3200 دت/م².

وفي الساحل، تصل الأسعار في منطقة سهلول إلى معدل سعر (3150 د.ت/م²) وفي مدينة العقبة الواقعة بولاية المنستير تبلغ الأسعار (3100 د.ت/م ²) وهذه المناطق الأعلى سعراً.

تفسير الغرفة الوطنية للباعثين العقاريين التونسيين لهذا الشطط في بورصة الأسعار المتنامي والمتصاعد من سنة إلى أخرى ترجعه لازمة قطاع البعث العقاري بسبب ارتفاع تكاليف بناء المساكن وتراجع القدرة الشرائية للمواطن مقابل غلاء أسعار المنازل.

 وتداعيات شطط الأسعار أثرت على الباعثين العقاريين حيث تم التخفيض في عدد الوحدات السكنية الجديدة من "معدل 20 ألف مسكن سنة 2010 إلى اقل من 3 آلاف وحدة جديدة يتم بناؤها في السنوات القليلة الماضية".

انه بالتوازي مع هذا الإجراء الذي وصفه بغير الشعبي، فان كلفة القروض البنكية في تونس باهظة بشكل لافت بسبب الترفيع المستمر من البنك المركزي لنسبة الفائدة المديرية (8 في المائة حاليا) ما يضطر المصارف التجارية إلى الترفيع بدورها في نسب الفائدة في السوق النقدية لتتراوح بين 11 و13 في المائة ما سيثقل كاهل المواطن ويعسر عليه تحقيق حلم امتلاك منزل.

تحدث أيضا في تصريح سابق نائب رئيس الغرفة الوطنية للباعثين العقاريين جلال مزيو، عن مشاكل  ونقص الأراضي الصالحة للبناء، إلى جانب ارتفاع نسبة فائدة القروض الموجهة لاقتناء المساكن كما دعا الدولة إلى "وضع سياسة واضحة بالشراكة مع جميع الأطراف لمساعدة المواطن على شراء مسكن".

تضمنت أيضا دراسة مؤخرا للغرفة الوطنية للبعث العقاري مقترحات لتجاوز أزمة السكن في البلاد وتداعياتها على المواطن بدرجة أولى والباعثين العقاريين بدرجة ثانية ومن بينها "التخفيض من نسب الأداء على القيمة المضافة من 13% إلى7%، قصد المساهمة في تراجع الأسعار في ذات الوقت والتخفيض من العبء الجبائي على عمليات بيع المساكن المشيدة من قبل الباعثين العقاريين والتسجيل بمعلوم 1% على كل المساكن بما فيها التي تتجاوز 500 ألف دينار".

"استفاقة الدولة"

ويبدو أن الدولة استفاقت ولو متأخرا للتخفيف من أزمة السكن في البلاد  من خلال إعطاء إشارة انطلاق مراجعة الإستراتيجية السكنية في البلاد، حيث أكدت بالمناسبة وزيرة التجهيز والإسكان سارة زعفراني زنزري، انه" أصبح من الضروري مراجعة السياسة السكنية التي تم وضعها سنة 2014، سيما وأن القطاع يواجه عديد الصعوبات والإشكاليات على غرار ارتفاع كلفة المساكن وندرة الأراضي".

وصرحت الوزيرة مؤخرا أنه "يجب العمل على إيجاد الحلول اللازمة لتوفير مسكن لائق للمواطن التونسي وبكلفة مقبولة". ومن الحلول التي تفكر فيها الدولة إصدار القرار الخاص بالمرسوم 68 لسنة 2022 والذي يقضي بتمكين الوكالة العقارية للسكنى من اقتناء الأراضي بأسعار تفاضلية. إلى جانب مراجعة جملة من التشريعات والقوانين الأخرى وآليات التمويل والإنجاز. ومن هذه الإجراءات مراجعة أسعار مساكن صندوق النهوض بالمسكن لفائدة الأجراء  “فوبرولوس“. 

ولئن تعد هذه الإجراءات الأخيرة بادرة مهمة من أجل إرجاع الأمل للتونسيين في امتلاك مسكن لائق، إلا أن الكثير من الملاحظين يعتبرون أن نجاعة هذه الإجراءات لن تكون في الآجال القريبة لأنها مرتبطة بإيجاد الحلول للوضع المالي والاقتصادي في البلاد برمته وإنعاش المقدرة الشرائية للمواطن وتوفير المناخ الملائم لرفع الضغوط والقيود على الإقراض دون ذلك لن يتشجع التونسي اليوم على الاستثمار في عقار على حساب توفير متطلبات العيش الكريم.

م.ي