إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

كرسي على الشاطئ لأمجد بن أحمد إيلاهي: الكتابة بما هي نبش في الذاكرة

بطاقة كتاب: بقلم ريم القمري

كيف يمكن أن نصف أو نصنف كتاب "كرسي على الشاطئ" ، هل هو كتاب يوميات أو مذكرات أو سيرة ذاتية ؟ أو نصوص أدبية ، أو ربما هو  شكل جديد /قديم  في الكتابة 

يبدو حسب رأيي تصنيف هذا  الكتاب، أمرا صعباً لأنه  يجمع كل هذه الأنماط والأشكال الأدبية التي سلف ذكرها.

و إن كان صاحبه قد أوضح في عنوانه أنه سيرة حين أضاف جملة " السيرة الأبوية" تحت العنوان الرئيسي.

و سنكتشف كلما توغلنا في القراءة ، أنها سيرة أبوية وذاتية أيضاً في ذات الوقت.

إذن  لا يمكننا أن نتجاهل حضور فن السيرة في هذا الكتاب،  فهو فعلا سيرة ذاتية بامتياز .

وان اختار الكاتب أن يضمن جملة السيرة الأبوية  فاختياره  مبرر هنا ، لأن الأب و سيرته تحضر بقوة في هذا الكتاب، وواضح أنها العمود الفقري للكتاب وفكرته.

و مع ذلك لا يمكننا أن نهمل أو نمرّ مرور الكرام على بصمات فن اليوميات الذي شكل رابطا قويا بين سيرة الأب من جهة و يوميات الإبن في الغربة من جهة أخرى.

إن أمجد ايلاهي هنا كان يكتب نفسه من خلال استحضار طفولته البعيدة في عمق الريف التونسي، ويمزجها بواقعه المعيش في بلاد الغربة.

هذا كتاب ضاج بالعواطف والمشاعر المضطربة ، والمصطخبة بالمشاعر الإنسانية من شوق وحزن وحب واشتياق لذكريات الطفولة والشباب، عالم من الصور والألوان والأصوات وحتى الروائح نكاد نستنشقها بين السطور، ممزوجة برائحة الشيح والكليل، رائحة الأرض والمواشي ومراعي ريف قصي، تصلنا باستعمال تقنية " الفلاش باك" محملة على جناح السيد المحيط على شواطئ سلطنة عمان ، أين جلس ايلاهي قبالة الشاطئ على كرسيه، ليكتب حزنه وذكرياته و يوميات غربته.

هذا الكتاب هو محيط من الأحاسيس  الحقيقية ، فيه الكثير من المشاعر والأحداث

هذا الكتاب هو رحلة داخل القلب،  وداخل الروح أيضا حيث نستمع إلى نبض المشاعر في شتى أحوالها  وفي تحولاتها المختلفة، من حب وخوف وعشق وكراهية وانتظار، إنه مجلد العودة للذات.

و لأن الكتابة في المقام الأول هي ذاتية ، فإن ايلاهي الذي يتقن كتابة وتشريح الذات ودواخل النفس مثل جراح ماهر أمسك المشرط أكثر من مرة ، وأعاد فتح جراح الماضي ، تلك الجراح الغافية التي قد نعتقد أننا شفينا منها تماما بالنسيان ، لنكتشف أن بعضها مازلت طازجة ، و تحتاج إلى تعريتها أمام الشمس وإخراجها من دهاليز الذاكرة المظلمة.

إن أمجد ايلاهي ، يمارس الكتابة بما هي فعل تطهير للنفس ونسف و ناء لها ، وعلاج وخلق.

هكذا عزيزي القارئ ستجد نفسك داخل بحر متلاطم الأمواج ، فلا تحاول أن تجدف متوهما أنك ستنجو من بحر سرده الهادر ، لذلك أنصحك أن تستسلم للتيار  لأن أمجد ايلاهي ، مهما اصطخبت الأمواج وعلا التيار سيقودك بسلاسة نحو البر، لكن عليك فقط أن تستسلم لهذا الجبلي القادم من عمق الريف حيث لا بحر ، هذا الريفي الذي استطاع أن يصادق المحيط ويحوله إلى عازف اوركسترا هو جمهورها الوحيد.

ويبدو جليا وواضحاً من خلال هذا الكتاب أن الكاتب يملك قدرة خاصة للتواصل مع عناصر الطبيعة وربط أواصر الصداقة معهم ،حتى أنهم يصبحون شركاء معه في فعل الكتابة بما هي خلق، أي أن أمجد  استطاع أن يحول عناصر الطبيعة إلى شخوص تلعب دورها في ما يكتب .

 لذلك استطاع المحيط أن يكون رفيق دربه، وهو يخط سيرته الأبوية الممزوجة بالحزن والحنين.

ولأن هذا الكتاب كما سبق وذكرت ليس فقط سيرة بل هو أيضا كتاب مذكرات ، لذلك نجد الغربة تسجل حضورا كبيرا في ثنايا هذا الكتاب .

الغربة بكل ما تشكله من بعد جغرافي ونفسي واجتماعي. هذه الغربة التي تمارس على الفرد في أحيان كثيرة أقصى مشاعر الاغتراب والحزن ، ولأن الاهي يصنع دائما علاقة خاصة بينه وبين عناصر الطبيعة كما ذكرنا سابقا. استطاع في كل مراحل غربته، وخلال انتقاله من أماكن جغرافية مختلفة جذريا، عن الأماكن التي سبقتها أو لحقتها ، أن يربط أواصر علاقته بالطبيعة ويحولها إلى شخوص نابضة بالحياة.

لذلك كتب الصحراء كما لم يكتبها أحد بمواطن جمالها وأيضا بقسوة هذا الجمال،  و سطوته على روح المغترب.

لغة الكتاب لا تخلوا من شعرية طاغية وهو ما اعتبره شخصيا أمرا طبيعيا، بما أن الكاتب هو بالأساس شاعر لذلك جاءت اللغه شفافة مناسبة، وفيها إيقاع شعري جميل ، دون أن يفسد ذلك السرد أو يحيد به.

 فلا يمكننا أن نقول أن لغة الكاتب كانت شعرية فقط بل إنه  استطاع التحكم جيدا في تقنيات سرده، لأننا أمام نص لغته أو جنسه الأدبي سرد ، لكنه مطعم بالشعر دون أن يفسد هذا الأخير سرديته .

ولا أخفيكم أن هذه النصوص منحتني متعة جمالية كبيره،حيث أمسك الكاتب بدفة الوصف، وكأنه يمسك بيده كاميرا .

لقد جعلنا نتجول معه في ريفه السعيد كما يسميه فنشارك في الحصاد وفي الحرث،و نحضر أغاني رمضان وطرق  وعادات أهل الريف في الإفطار بما تحمله من ترابط وتكافل بين أبنائه.

وتدرج بنا امجد الاهي ، في زمن امتد منذ طفولته أي أواخر ثمانينات القرن الماضي وصولا إلى زمن الثورة وما بعدها، وهنا تحدث عبر هذا الامتداد الزمني عن كل تفاصيل حياته ، وبذلك كان يصف لنا وضعا اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا قائما في تونس ما بعد الاستقلال إلى تونس ما بعد الثورة . وهو زمن ليس بالهين أن يتحرك كاتب داخله وأن يصفه دون أن يتحول إلى مجرد سارد للتاريخ ، لأنه نجح في المحافظة على خيط سردي ناظم كان هو نفسه عموده الفقري.

لقد قدم لنا امجد الاهي "بورتريه"

كتاب يتحدث عن تونس الأعماق من جهة و سلطنة عمان بلد الغربة حيث الصحراء والامتداد والفراغ والتأمل الروحي والمحيط  بعظمته من جهة أخرى ثم يعود بنا إلى جبل "السراقية" وحقول الحلفاء وجغرافيا الصخيرات القاسية في ولاية القصرين.

*"كرسي على الشاطئ" كتاب يقرأ بالكثير من الحب والحنين والوفاء لسيرة الآباء.

كرسي على الشاطئ لأمجد بن أحمد إيلاهي: الكتابة بما هي نبش في الذاكرة

بطاقة كتاب: بقلم ريم القمري

كيف يمكن أن نصف أو نصنف كتاب "كرسي على الشاطئ" ، هل هو كتاب يوميات أو مذكرات أو سيرة ذاتية ؟ أو نصوص أدبية ، أو ربما هو  شكل جديد /قديم  في الكتابة 

يبدو حسب رأيي تصنيف هذا  الكتاب، أمرا صعباً لأنه  يجمع كل هذه الأنماط والأشكال الأدبية التي سلف ذكرها.

و إن كان صاحبه قد أوضح في عنوانه أنه سيرة حين أضاف جملة " السيرة الأبوية" تحت العنوان الرئيسي.

و سنكتشف كلما توغلنا في القراءة ، أنها سيرة أبوية وذاتية أيضاً في ذات الوقت.

إذن  لا يمكننا أن نتجاهل حضور فن السيرة في هذا الكتاب،  فهو فعلا سيرة ذاتية بامتياز .

وان اختار الكاتب أن يضمن جملة السيرة الأبوية  فاختياره  مبرر هنا ، لأن الأب و سيرته تحضر بقوة في هذا الكتاب، وواضح أنها العمود الفقري للكتاب وفكرته.

و مع ذلك لا يمكننا أن نهمل أو نمرّ مرور الكرام على بصمات فن اليوميات الذي شكل رابطا قويا بين سيرة الأب من جهة و يوميات الإبن في الغربة من جهة أخرى.

إن أمجد ايلاهي هنا كان يكتب نفسه من خلال استحضار طفولته البعيدة في عمق الريف التونسي، ويمزجها بواقعه المعيش في بلاد الغربة.

هذا كتاب ضاج بالعواطف والمشاعر المضطربة ، والمصطخبة بالمشاعر الإنسانية من شوق وحزن وحب واشتياق لذكريات الطفولة والشباب، عالم من الصور والألوان والأصوات وحتى الروائح نكاد نستنشقها بين السطور، ممزوجة برائحة الشيح والكليل، رائحة الأرض والمواشي ومراعي ريف قصي، تصلنا باستعمال تقنية " الفلاش باك" محملة على جناح السيد المحيط على شواطئ سلطنة عمان ، أين جلس ايلاهي قبالة الشاطئ على كرسيه، ليكتب حزنه وذكرياته و يوميات غربته.

هذا الكتاب هو محيط من الأحاسيس  الحقيقية ، فيه الكثير من المشاعر والأحداث

هذا الكتاب هو رحلة داخل القلب،  وداخل الروح أيضا حيث نستمع إلى نبض المشاعر في شتى أحوالها  وفي تحولاتها المختلفة، من حب وخوف وعشق وكراهية وانتظار، إنه مجلد العودة للذات.

و لأن الكتابة في المقام الأول هي ذاتية ، فإن ايلاهي الذي يتقن كتابة وتشريح الذات ودواخل النفس مثل جراح ماهر أمسك المشرط أكثر من مرة ، وأعاد فتح جراح الماضي ، تلك الجراح الغافية التي قد نعتقد أننا شفينا منها تماما بالنسيان ، لنكتشف أن بعضها مازلت طازجة ، و تحتاج إلى تعريتها أمام الشمس وإخراجها من دهاليز الذاكرة المظلمة.

إن أمجد ايلاهي ، يمارس الكتابة بما هي فعل تطهير للنفس ونسف و ناء لها ، وعلاج وخلق.

هكذا عزيزي القارئ ستجد نفسك داخل بحر متلاطم الأمواج ، فلا تحاول أن تجدف متوهما أنك ستنجو من بحر سرده الهادر ، لذلك أنصحك أن تستسلم للتيار  لأن أمجد ايلاهي ، مهما اصطخبت الأمواج وعلا التيار سيقودك بسلاسة نحو البر، لكن عليك فقط أن تستسلم لهذا الجبلي القادم من عمق الريف حيث لا بحر ، هذا الريفي الذي استطاع أن يصادق المحيط ويحوله إلى عازف اوركسترا هو جمهورها الوحيد.

ويبدو جليا وواضحاً من خلال هذا الكتاب أن الكاتب يملك قدرة خاصة للتواصل مع عناصر الطبيعة وربط أواصر الصداقة معهم ،حتى أنهم يصبحون شركاء معه في فعل الكتابة بما هي خلق، أي أن أمجد  استطاع أن يحول عناصر الطبيعة إلى شخوص تلعب دورها في ما يكتب .

 لذلك استطاع المحيط أن يكون رفيق دربه، وهو يخط سيرته الأبوية الممزوجة بالحزن والحنين.

ولأن هذا الكتاب كما سبق وذكرت ليس فقط سيرة بل هو أيضا كتاب مذكرات ، لذلك نجد الغربة تسجل حضورا كبيرا في ثنايا هذا الكتاب .

الغربة بكل ما تشكله من بعد جغرافي ونفسي واجتماعي. هذه الغربة التي تمارس على الفرد في أحيان كثيرة أقصى مشاعر الاغتراب والحزن ، ولأن الاهي يصنع دائما علاقة خاصة بينه وبين عناصر الطبيعة كما ذكرنا سابقا. استطاع في كل مراحل غربته، وخلال انتقاله من أماكن جغرافية مختلفة جذريا، عن الأماكن التي سبقتها أو لحقتها ، أن يربط أواصر علاقته بالطبيعة ويحولها إلى شخوص نابضة بالحياة.

لذلك كتب الصحراء كما لم يكتبها أحد بمواطن جمالها وأيضا بقسوة هذا الجمال،  و سطوته على روح المغترب.

لغة الكتاب لا تخلوا من شعرية طاغية وهو ما اعتبره شخصيا أمرا طبيعيا، بما أن الكاتب هو بالأساس شاعر لذلك جاءت اللغه شفافة مناسبة، وفيها إيقاع شعري جميل ، دون أن يفسد ذلك السرد أو يحيد به.

 فلا يمكننا أن نقول أن لغة الكاتب كانت شعرية فقط بل إنه  استطاع التحكم جيدا في تقنيات سرده، لأننا أمام نص لغته أو جنسه الأدبي سرد ، لكنه مطعم بالشعر دون أن يفسد هذا الأخير سرديته .

ولا أخفيكم أن هذه النصوص منحتني متعة جمالية كبيره،حيث أمسك الكاتب بدفة الوصف، وكأنه يمسك بيده كاميرا .

لقد جعلنا نتجول معه في ريفه السعيد كما يسميه فنشارك في الحصاد وفي الحرث،و نحضر أغاني رمضان وطرق  وعادات أهل الريف في الإفطار بما تحمله من ترابط وتكافل بين أبنائه.

وتدرج بنا امجد الاهي ، في زمن امتد منذ طفولته أي أواخر ثمانينات القرن الماضي وصولا إلى زمن الثورة وما بعدها، وهنا تحدث عبر هذا الامتداد الزمني عن كل تفاصيل حياته ، وبذلك كان يصف لنا وضعا اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا قائما في تونس ما بعد الاستقلال إلى تونس ما بعد الثورة . وهو زمن ليس بالهين أن يتحرك كاتب داخله وأن يصفه دون أن يتحول إلى مجرد سارد للتاريخ ، لأنه نجح في المحافظة على خيط سردي ناظم كان هو نفسه عموده الفقري.

لقد قدم لنا امجد الاهي "بورتريه"

كتاب يتحدث عن تونس الأعماق من جهة و سلطنة عمان بلد الغربة حيث الصحراء والامتداد والفراغ والتأمل الروحي والمحيط  بعظمته من جهة أخرى ثم يعود بنا إلى جبل "السراقية" وحقول الحلفاء وجغرافيا الصخيرات القاسية في ولاية القصرين.

*"كرسي على الشاطئ" كتاب يقرأ بالكثير من الحب والحنين والوفاء لسيرة الآباء.