تحيي اليوم بلادنا الذكرى 86 لعيد الشهداء احتفاء بأحداث 9 أفريل 1938 بما سجلته من أحداث دامية ومستجدات قمعية لقوات الاحتلال الفرنسي ضد التونسيين باعتبارها حادثة أليمة سالت فيها الدماء الزكية لعدد من التونسيين، تأتي في سياقات وطنية وإقليمية وعالمية جعلتها راسخة في أذهان التونسيين ونقطة مفصلية في تاريخ تونس المعاصر، نظرا لما تحمله من رمزية وتأكيد لتطور في وعي الحركة الوطنية في الثلاثينات من القرن الماضي التي ميزت توجهات مسار الحركة الوطنية في النضال ضد الاستعمار وتحشيد كل القوى الوطنية والشباب التونسي بالأساس في الدفاع عن استقلال تونس. إذ سجلت تلك الاحتجاجات، التي انخرط فيها سياسيون ونقابيون ومثقفون وغيرهم من الغيورين على السيادة الوطنية بما في ذلك مشاركة المرأة، بعد أن لعبت الحركة الوطنية دورا كبيرا في تحشيدهم ضد المستعمر، سقوط عشرات من الشهداء والجرحى ضحايا برصاص قوات المستعمر الفرنسي إضافة إلى إيقاف آلاف التونسيين الذين خرجوا في تحركات احتجاجية شعبية كبيرة في عدة مناطق من وسط العاصمة رافعين مطالب القيام بإصلاحات سياسية لعل من أبرزها إنشاء برلمان تونسي. فكانت هذه الأحداث خطوة رئيسية نحو استقلال تونس التي كانت ترزح تحت الحماية الفرنسية منذ 1881.
ورغم تراجع الاحتفاء بمثل هذه المناسبات الوطنية بشكل لافت في السنوات الأخيرة، حسب إجماع عديد الجهات والمتابعين للشأن الوطني، إلا أن أحداث هذه المناسبة تظل خالدة ومفصلية في تاريخ تونس النضالي ودور الحركة الوطنية في مسار التصدي ومقاومة المستعمر الفرنسي نظرا لما تحمله هذه الذكرى من دلالة ورمزية ومعنى في مسار النضال من أجل استقلال تونس والتمهيد لتأسيس الدولة الحديثة. لاسيما أنه لا يمكن الخوض في أحداث وأطوار أحداث هذا التاريخ بمعزل عن أحداث ومستجدات وطنية وإقليمية وعالمية سابقة لذلك التاريخ أو لاحقة ومنبثقة عن تطورات أحداثها. فكانت تلك الأحداث امتدادا لما عرفته عدة جهات تونسية من اعتداءات وعمليات إيقاف ونفي وإبعاد قوات المستعمر لكل من يرفض سياستها المتمثلة في الخنوع والطاعة لقياداتها، انطلقت، وفق ما بينه مؤرخون، منذ بداية عام 1938 إثر تأسيس الحزب الحر الدستوري الجديد في جانفي من نفس العام بعد سجن وإبعاد عدّة قادة ومناضلين من الحركة الوطنيين من نقابيين وزيتونيين وغيرهم وفي مقدمهم علي البلهوان وصالح بن يوسف إضافة إلى الهادي نويرة وسليمان بن سليمان ومحمود بورقيبة، كانت كافية لإشعال فتيل التحركات الاحتجاجية في أغلب جهات الجمهورية.
ولعل في محاولة بعض الجهات الحزبية أو السياسية نسبة جانب من منجز هذا التاريخ النضالي إليها أو توظيفه في الدعاية والترويج لمشاريعها وأهدافها الحزبية بالأساس، أو في تأكيد جهات أخرى انتفاء الموضوعية والمصداقية في عملية "صياغة" تاريخ الحركة النضالية في تونس في مرحلة ما قبل الاستقلال وبعده، والتوظيف المتواصل لمثل هذه المحطات والمناسبات المفصلية في تاريخ المقاومة والحركة الوطنية ضد المستعمر الفرنسي كلها كانت من بين العوامل التي أدت إلى لامبالاة بعض التونسيين بمثل هذه المناسبات رغم قيمتها ودورها في تحقيق السيادة الوطنية وتكريس حب الوطن الذي دفع عدد كبير من أجدادنا وآبائنا ثمنا باهظا من أجل تحقيقه والتعلق به لدى كل الأجيال.
نزيهة الغضباني
----------------
خالد عبيد لـ"الصباح":
ذكرى تاريخ مفصلي وهام مهّد لتوحيد صفوف المقاومة وتحقيق الاستقلال
تونس – الصباح
يضع الدكتور خالد عبيد، أستاذ التاريخ المعاصر بالجامعة التونسية، يوم 9 أفريل 1938 في حديثه لـ"الصباح"، عن هذه المناسبة التي تحتفي بها بلادنا سنويا كعيد للشهداء، في خانة تاريخ له بعد تاريخي فارق ومنعرج حقيقي في تاريخ النضال ضد المستعمر الفرنسي وذلك بالنظر إلى توجه وإصرار الاستعمار الفرنسي على إنهاء الوجود الوطني من خلال قمع الحزب الدستوري في تلك المرحلة مقابل إصرار قيادات الحزب على غرار كل من الحبيب ورقيبة وصالح بن ويوسف وعلي البلهوان والمنجي سليم ويوسف الرويسي وإصرارهم الكبير على التحدي لأن المسألة بالنسبة لهؤلاء هي سيادة شعب وكرامة أمة بعد فرض فرنسا نظام الحماية على الدولة التونسية سنة 1881.
كما أفاد أستاذ التاريخ المعاصر أنه رغم سقوط عدد كبير من الشهداء وضحايا القمع الرهيب الذي سلطته الإدارة الفرنسية منذ 1938 إلى غاية 1943 على التونسيين في الوقت الذي خرجت فيه مهزومة من الحرب العالمية الثانية، إلا أن أبناء وأنصار الحركة الوطنية في تونس استطاعوا التحرك دون خوف أو شعور بالإحباط.
وأضاف محدثنا قائلا: "لا يمكن أن نقرأ أحداث 9 أفريل 1938 خارج المعطى السياسي الوطني أو المعطى الإقليمي لأن فرنسا سبق أن قمعت الحركة الوطنية في الجزائر في أوت 1937 وقمعت الحركة الوطنية في المغرب في سبتمبر من نفس السنة. لذلك كانت المواجهة بين الحركة الوطنية في تونس والإدارة الفرنسية حتمية. خاصة أنه كان هناك نُذُرُ الذهاب نحو حرب عالمية جديدة في ظل توتر العلاقات الدولية ووجود أطماع فاشية إيطالية لضم تونس لقائمة مستعمراتها. في المقابل كانت هناك رغبة فرنسية جامحة في أن تكون مستعمراته في هدوء في وقت باتت تترقب حرب عالمية ثانية باتت حتمية".
في جانب آخر من حديثه عن نفس الذكرى قال د. خالد عبيد: "لهذا نفهم لماذا تمكنت فرنسا من أن تحشر الحزب الحر الدستوري الجديد وحده في هذه الهجمة، واستبعاد كل من يساعده على أساس أن هذا الحزب يتعامل مع الفاشية وأنه الجهة التي تعمل مع الجانب الإيطالي لتسهيل دخوله لتونس".
ويرى أستاذ التاريخ المعاصر أن تلك "المحنة" التي عرفتها قيادات الحزب بعد أن وجدت نفسها بمفردها، دفعت إلى القيام بمراجعات جذرية. وتم الاتفاق على ضرورة أن تكون المواجه حاسمة للمستعمر الفرنسي في المراحل اللاحقة عبر الاستعداد الجيد لها وذلك بتطبيق السيناريو المضاد لما حصل في 9 أفريل 1938. فكانت إستراتجية تعبئة الكل ضد فرنسا بداية من سنة 1945 أي بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وهو ما خلق فراغا حول الإدارة الفرنسية التي وجدت نفسها بمفردها في مواجهة التحركات النضالية الوطنية وتجسد ذلك سنة 1952، باعتبارها محطة فارقة نحو الاستقلال حسب تأكيد د. خالد عبيد.
نزيهة
تونس – الصباح
تحيي اليوم بلادنا الذكرى 86 لعيد الشهداء احتفاء بأحداث 9 أفريل 1938 بما سجلته من أحداث دامية ومستجدات قمعية لقوات الاحتلال الفرنسي ضد التونسيين باعتبارها حادثة أليمة سالت فيها الدماء الزكية لعدد من التونسيين، تأتي في سياقات وطنية وإقليمية وعالمية جعلتها راسخة في أذهان التونسيين ونقطة مفصلية في تاريخ تونس المعاصر، نظرا لما تحمله من رمزية وتأكيد لتطور في وعي الحركة الوطنية في الثلاثينات من القرن الماضي التي ميزت توجهات مسار الحركة الوطنية في النضال ضد الاستعمار وتحشيد كل القوى الوطنية والشباب التونسي بالأساس في الدفاع عن استقلال تونس. إذ سجلت تلك الاحتجاجات، التي انخرط فيها سياسيون ونقابيون ومثقفون وغيرهم من الغيورين على السيادة الوطنية بما في ذلك مشاركة المرأة، بعد أن لعبت الحركة الوطنية دورا كبيرا في تحشيدهم ضد المستعمر، سقوط عشرات من الشهداء والجرحى ضحايا برصاص قوات المستعمر الفرنسي إضافة إلى إيقاف آلاف التونسيين الذين خرجوا في تحركات احتجاجية شعبية كبيرة في عدة مناطق من وسط العاصمة رافعين مطالب القيام بإصلاحات سياسية لعل من أبرزها إنشاء برلمان تونسي. فكانت هذه الأحداث خطوة رئيسية نحو استقلال تونس التي كانت ترزح تحت الحماية الفرنسية منذ 1881.
ورغم تراجع الاحتفاء بمثل هذه المناسبات الوطنية بشكل لافت في السنوات الأخيرة، حسب إجماع عديد الجهات والمتابعين للشأن الوطني، إلا أن أحداث هذه المناسبة تظل خالدة ومفصلية في تاريخ تونس النضالي ودور الحركة الوطنية في مسار التصدي ومقاومة المستعمر الفرنسي نظرا لما تحمله هذه الذكرى من دلالة ورمزية ومعنى في مسار النضال من أجل استقلال تونس والتمهيد لتأسيس الدولة الحديثة. لاسيما أنه لا يمكن الخوض في أحداث وأطوار أحداث هذا التاريخ بمعزل عن أحداث ومستجدات وطنية وإقليمية وعالمية سابقة لذلك التاريخ أو لاحقة ومنبثقة عن تطورات أحداثها. فكانت تلك الأحداث امتدادا لما عرفته عدة جهات تونسية من اعتداءات وعمليات إيقاف ونفي وإبعاد قوات المستعمر لكل من يرفض سياستها المتمثلة في الخنوع والطاعة لقياداتها، انطلقت، وفق ما بينه مؤرخون، منذ بداية عام 1938 إثر تأسيس الحزب الحر الدستوري الجديد في جانفي من نفس العام بعد سجن وإبعاد عدّة قادة ومناضلين من الحركة الوطنيين من نقابيين وزيتونيين وغيرهم وفي مقدمهم علي البلهوان وصالح بن يوسف إضافة إلى الهادي نويرة وسليمان بن سليمان ومحمود بورقيبة، كانت كافية لإشعال فتيل التحركات الاحتجاجية في أغلب جهات الجمهورية.
ولعل في محاولة بعض الجهات الحزبية أو السياسية نسبة جانب من منجز هذا التاريخ النضالي إليها أو توظيفه في الدعاية والترويج لمشاريعها وأهدافها الحزبية بالأساس، أو في تأكيد جهات أخرى انتفاء الموضوعية والمصداقية في عملية "صياغة" تاريخ الحركة النضالية في تونس في مرحلة ما قبل الاستقلال وبعده، والتوظيف المتواصل لمثل هذه المحطات والمناسبات المفصلية في تاريخ المقاومة والحركة الوطنية ضد المستعمر الفرنسي كلها كانت من بين العوامل التي أدت إلى لامبالاة بعض التونسيين بمثل هذه المناسبات رغم قيمتها ودورها في تحقيق السيادة الوطنية وتكريس حب الوطن الذي دفع عدد كبير من أجدادنا وآبائنا ثمنا باهظا من أجل تحقيقه والتعلق به لدى كل الأجيال.
نزيهة الغضباني
----------------
خالد عبيد لـ"الصباح":
ذكرى تاريخ مفصلي وهام مهّد لتوحيد صفوف المقاومة وتحقيق الاستقلال
تونس – الصباح
يضع الدكتور خالد عبيد، أستاذ التاريخ المعاصر بالجامعة التونسية، يوم 9 أفريل 1938 في حديثه لـ"الصباح"، عن هذه المناسبة التي تحتفي بها بلادنا سنويا كعيد للشهداء، في خانة تاريخ له بعد تاريخي فارق ومنعرج حقيقي في تاريخ النضال ضد المستعمر الفرنسي وذلك بالنظر إلى توجه وإصرار الاستعمار الفرنسي على إنهاء الوجود الوطني من خلال قمع الحزب الدستوري في تلك المرحلة مقابل إصرار قيادات الحزب على غرار كل من الحبيب ورقيبة وصالح بن ويوسف وعلي البلهوان والمنجي سليم ويوسف الرويسي وإصرارهم الكبير على التحدي لأن المسألة بالنسبة لهؤلاء هي سيادة شعب وكرامة أمة بعد فرض فرنسا نظام الحماية على الدولة التونسية سنة 1881.
كما أفاد أستاذ التاريخ المعاصر أنه رغم سقوط عدد كبير من الشهداء وضحايا القمع الرهيب الذي سلطته الإدارة الفرنسية منذ 1938 إلى غاية 1943 على التونسيين في الوقت الذي خرجت فيه مهزومة من الحرب العالمية الثانية، إلا أن أبناء وأنصار الحركة الوطنية في تونس استطاعوا التحرك دون خوف أو شعور بالإحباط.
وأضاف محدثنا قائلا: "لا يمكن أن نقرأ أحداث 9 أفريل 1938 خارج المعطى السياسي الوطني أو المعطى الإقليمي لأن فرنسا سبق أن قمعت الحركة الوطنية في الجزائر في أوت 1937 وقمعت الحركة الوطنية في المغرب في سبتمبر من نفس السنة. لذلك كانت المواجهة بين الحركة الوطنية في تونس والإدارة الفرنسية حتمية. خاصة أنه كان هناك نُذُرُ الذهاب نحو حرب عالمية جديدة في ظل توتر العلاقات الدولية ووجود أطماع فاشية إيطالية لضم تونس لقائمة مستعمراتها. في المقابل كانت هناك رغبة فرنسية جامحة في أن تكون مستعمراته في هدوء في وقت باتت تترقب حرب عالمية ثانية باتت حتمية".
في جانب آخر من حديثه عن نفس الذكرى قال د. خالد عبيد: "لهذا نفهم لماذا تمكنت فرنسا من أن تحشر الحزب الحر الدستوري الجديد وحده في هذه الهجمة، واستبعاد كل من يساعده على أساس أن هذا الحزب يتعامل مع الفاشية وأنه الجهة التي تعمل مع الجانب الإيطالي لتسهيل دخوله لتونس".
ويرى أستاذ التاريخ المعاصر أن تلك "المحنة" التي عرفتها قيادات الحزب بعد أن وجدت نفسها بمفردها، دفعت إلى القيام بمراجعات جذرية. وتم الاتفاق على ضرورة أن تكون المواجه حاسمة للمستعمر الفرنسي في المراحل اللاحقة عبر الاستعداد الجيد لها وذلك بتطبيق السيناريو المضاد لما حصل في 9 أفريل 1938. فكانت إستراتجية تعبئة الكل ضد فرنسا بداية من سنة 1945 أي بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وهو ما خلق فراغا حول الإدارة الفرنسية التي وجدت نفسها بمفردها في مواجهة التحركات النضالية الوطنية وتجسد ذلك سنة 1952، باعتبارها محطة فارقة نحو الاستقلال حسب تأكيد د. خالد عبيد.