كشف تقرير أممي خاص بالحق في الماء في تونس ان أكثر من 650 ألف تونسي محرومون من الماء، وأكد البنك الدولي، في التقرير الذي كان نشره في أفريل 2023، أن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ومن ضمنها تونس، تواجه ندرة مياه "بشكل غير مسبوق ومتفاقم باستمرار" سواء بالنسبة للحياة أو لسبل العيش مشيرا الى أن هذه الأزمة ستزداد حدة بسبب النمو السكاني والتغيرات المناخية ومتطلبات التنمية الاجتماعية والاقتصادية.
وتفتقر عديد المناطق الريفية المعزولة الى الماء حيث يعتمد السكان على المياه المتأتية من المستنقعات والأودية والبرك للإيفاء باحتياجاتهم من الماء مما ينجر عنه مخاطر عديدة تهدد صحتهم.
في المقابل شهد قطاع المياه المعلبة في تونس ازدهارا في السنوات الأخيرة من حيث تطور المبيعات بحساب المليون لتر من 879 مليون لتر سنة 2010 الى 3275 مليون لتر سنة 2022 وفق دراسة نشرها المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية .
ووفق ذات الدراسة ارتفع عدد الشركات منذ بداية الألفية الثانية بمعدل 8 شركات بين 2001 و2010 و13 شركة بين 2011 و2020 ليبلغ عددها اليوم 30 شركة متركزة بالأساس بولاية القيروان وزغوان وسليانة. وتستغل الشركة الواحدة لتعليب المياه ما يقارب الـ165743 متر مكعب من الماء في العام الواحد مقابل 50 مليم فقط للمتر المكعب يعني أن الشركة الواحدة تدفع ما يقارب 8200 دينار في السنة مقابل استغلالها للملك العمومي للمياه.
هذا وقد أكدت مديرة الاتصال بالديوان الوطني للمياه المعدنية وللاستشفاء بالمياه في تصريح سابق لها، أن هناك 30 وحدة لتعليب المياه في تونس تتوزع على 13 ولاية.
وأكد المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية في آخر بيان له انه مع تزايد حدة التغيرات المناخية تتالى سنوات الجفاف وتتراجع إيرادات الأمطار حيث لم تتجاوز نسبة تعبئة السدود 38 % حسب آخر التحيينات التي أصدرها المرصد الوطني للفلاحة التابع لوزارة الفلاحة ومن المؤكد أن الأمر سيزداد تعقيدا خاصة مع تزايد الضغط على الموارد وتنامي عدد السكان والاستهلاك وبالتالي سوف يتواصل تراجع نصيب الفرد من المياه الذي تقهقر في السنوات الأخيرة ليصل إلى350 مترا مكعبا في السنة وهو ما يعني الدخول فعليا في مرحلة الشح المائي.
وتجدر الإشارة إلى أنه بسبب الشح المائي ارتفع معدل استغلال الموارد الباطنية بين سنتي 2017 و2020 وتفاقمت ظاهرة حفر الآبار العشوائية بشكل ملحوظ ليصل عددها إلى21 ألف بئر متجاوزة بذلك الآبار القانونية، في ظل غياب الرقابة والردع.
كما عرفت سنة 2023 تزايدا في عدد التحركات المطالبة بالماء لتصل إلى397 تحركا من مجموع 463 تحركا بيئيا.
وقد أدى النقص الحاد في المياه في عديد المناطق إلى تقويض السلم الاجتماعي على غرار احتجاجات أهالي منطقة أولاد عمر من ولاية سليانة المطالبة بالحق في الماء ووقوف فلاحي برقو في وجه أحد أصحاب شركات تعليب المياه.
وتعكس هذه التحركات تراجع الرضا المجتمعي على الخدمات المقدمة في مجال المياه كما تكشف عن قصور خطير وأزمة هيكلية ناتجة عن إتباع سياسات تشرع لِسَلْعَنة المياه وتقصي قيمتها الاجتماعية.
كما رأى المرصد التونسي للمياه انه أمام الوضع الاستثنائي للموارد المائية على المستوى الوطني، فإن الإجراءات التي أخذتها الجهات الرسمية تبقى ترقيعية. وتتمثل هذه الإجراءات في إقرار نظام القطع الدوري لمياه الشرب على حوالي 7 مليون تونسي، ممن يتزودون من السدود بمياه الشرب وذلك منذ مارس 2023 وإلى أجل غير مسمى، كما تمت أيضا مطالبة صغار الفلاحين بعدم زراعة أراضيهم، خاصة بالنسبة للغراسات المستهلكة للماء، وهذا ما أثر بشكل كبير ومباشر على موارد رزقهم من ناحية وقلص الإنتاج الوطني من الخضر والغلال الفصلية الأساسية من ناحية أخرى وبالتالي أدى إلى ارتفاع كبير في الأسعار وتراجع القدرة الشرائية للمواطنين.
وحسب المرصد التونسي للمياه فانه لمزيد تعميق أزمة مياه الشرب، تم أقرار زيادة أسعار مياه الشرب بداية من غرة مارس 2024.
ومن هذا المنطلق طالب المرصد بالتخلي عن سياسة الحلول الظرفية والترقيعية لمعالجة الوضع المائي في تونس وبالعمل على رسم سياسات عمومية جديدة في إطار حوار تشاركي بين جميع الفاعلين (من هياكل عمومية ومنظمات مهنية وطنية ومجتمع مدني وأحزاب سياسية) تأخذ بعين الاعتبار حاجيات الشعب الأساسية من ناحية والتحولات المناخية من ناحية أخرى.
كما دعا إلى ضرورة الإسراع بفتح حوار جدي ومفتوح مع كل أطياف المجتمع لإعداد مجلة مياه جديدة قادرة على تلبية الحاجيات المائية للتونسيات والتونسيين حاضرا ومستقبلا وبإعادة النظر في خارطة الإنتاج الفلاحي مع إعطاء الأولوية للإنتاج المتأقلم مع التحولات المناخية وندرة المياه، والقادر على تحقيق السيادة الغذائية على المدى المتوسط والبعيد.
جهاد الكلبوسي
تونس - الصباح
كشف تقرير أممي خاص بالحق في الماء في تونس ان أكثر من 650 ألف تونسي محرومون من الماء، وأكد البنك الدولي، في التقرير الذي كان نشره في أفريل 2023، أن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ومن ضمنها تونس، تواجه ندرة مياه "بشكل غير مسبوق ومتفاقم باستمرار" سواء بالنسبة للحياة أو لسبل العيش مشيرا الى أن هذه الأزمة ستزداد حدة بسبب النمو السكاني والتغيرات المناخية ومتطلبات التنمية الاجتماعية والاقتصادية.
وتفتقر عديد المناطق الريفية المعزولة الى الماء حيث يعتمد السكان على المياه المتأتية من المستنقعات والأودية والبرك للإيفاء باحتياجاتهم من الماء مما ينجر عنه مخاطر عديدة تهدد صحتهم.
في المقابل شهد قطاع المياه المعلبة في تونس ازدهارا في السنوات الأخيرة من حيث تطور المبيعات بحساب المليون لتر من 879 مليون لتر سنة 2010 الى 3275 مليون لتر سنة 2022 وفق دراسة نشرها المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية .
ووفق ذات الدراسة ارتفع عدد الشركات منذ بداية الألفية الثانية بمعدل 8 شركات بين 2001 و2010 و13 شركة بين 2011 و2020 ليبلغ عددها اليوم 30 شركة متركزة بالأساس بولاية القيروان وزغوان وسليانة. وتستغل الشركة الواحدة لتعليب المياه ما يقارب الـ165743 متر مكعب من الماء في العام الواحد مقابل 50 مليم فقط للمتر المكعب يعني أن الشركة الواحدة تدفع ما يقارب 8200 دينار في السنة مقابل استغلالها للملك العمومي للمياه.
هذا وقد أكدت مديرة الاتصال بالديوان الوطني للمياه المعدنية وللاستشفاء بالمياه في تصريح سابق لها، أن هناك 30 وحدة لتعليب المياه في تونس تتوزع على 13 ولاية.
وأكد المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية في آخر بيان له انه مع تزايد حدة التغيرات المناخية تتالى سنوات الجفاف وتتراجع إيرادات الأمطار حيث لم تتجاوز نسبة تعبئة السدود 38 % حسب آخر التحيينات التي أصدرها المرصد الوطني للفلاحة التابع لوزارة الفلاحة ومن المؤكد أن الأمر سيزداد تعقيدا خاصة مع تزايد الضغط على الموارد وتنامي عدد السكان والاستهلاك وبالتالي سوف يتواصل تراجع نصيب الفرد من المياه الذي تقهقر في السنوات الأخيرة ليصل إلى350 مترا مكعبا في السنة وهو ما يعني الدخول فعليا في مرحلة الشح المائي.
وتجدر الإشارة إلى أنه بسبب الشح المائي ارتفع معدل استغلال الموارد الباطنية بين سنتي 2017 و2020 وتفاقمت ظاهرة حفر الآبار العشوائية بشكل ملحوظ ليصل عددها إلى21 ألف بئر متجاوزة بذلك الآبار القانونية، في ظل غياب الرقابة والردع.
كما عرفت سنة 2023 تزايدا في عدد التحركات المطالبة بالماء لتصل إلى397 تحركا من مجموع 463 تحركا بيئيا.
وقد أدى النقص الحاد في المياه في عديد المناطق إلى تقويض السلم الاجتماعي على غرار احتجاجات أهالي منطقة أولاد عمر من ولاية سليانة المطالبة بالحق في الماء ووقوف فلاحي برقو في وجه أحد أصحاب شركات تعليب المياه.
وتعكس هذه التحركات تراجع الرضا المجتمعي على الخدمات المقدمة في مجال المياه كما تكشف عن قصور خطير وأزمة هيكلية ناتجة عن إتباع سياسات تشرع لِسَلْعَنة المياه وتقصي قيمتها الاجتماعية.
كما رأى المرصد التونسي للمياه انه أمام الوضع الاستثنائي للموارد المائية على المستوى الوطني، فإن الإجراءات التي أخذتها الجهات الرسمية تبقى ترقيعية. وتتمثل هذه الإجراءات في إقرار نظام القطع الدوري لمياه الشرب على حوالي 7 مليون تونسي، ممن يتزودون من السدود بمياه الشرب وذلك منذ مارس 2023 وإلى أجل غير مسمى، كما تمت أيضا مطالبة صغار الفلاحين بعدم زراعة أراضيهم، خاصة بالنسبة للغراسات المستهلكة للماء، وهذا ما أثر بشكل كبير ومباشر على موارد رزقهم من ناحية وقلص الإنتاج الوطني من الخضر والغلال الفصلية الأساسية من ناحية أخرى وبالتالي أدى إلى ارتفاع كبير في الأسعار وتراجع القدرة الشرائية للمواطنين.
وحسب المرصد التونسي للمياه فانه لمزيد تعميق أزمة مياه الشرب، تم أقرار زيادة أسعار مياه الشرب بداية من غرة مارس 2024.
ومن هذا المنطلق طالب المرصد بالتخلي عن سياسة الحلول الظرفية والترقيعية لمعالجة الوضع المائي في تونس وبالعمل على رسم سياسات عمومية جديدة في إطار حوار تشاركي بين جميع الفاعلين (من هياكل عمومية ومنظمات مهنية وطنية ومجتمع مدني وأحزاب سياسية) تأخذ بعين الاعتبار حاجيات الشعب الأساسية من ناحية والتحولات المناخية من ناحية أخرى.
كما دعا إلى ضرورة الإسراع بفتح حوار جدي ومفتوح مع كل أطياف المجتمع لإعداد مجلة مياه جديدة قادرة على تلبية الحاجيات المائية للتونسيات والتونسيين حاضرا ومستقبلا وبإعادة النظر في خارطة الإنتاج الفلاحي مع إعطاء الأولوية للإنتاج المتأقلم مع التحولات المناخية وندرة المياه، والقادر على تحقيق السيادة الغذائية على المدى المتوسط والبعيد.