المدارس الأجنبية بتونس كان ظهورها مع دخول الاستعمار وكانت تعتمد النظامين التعليميين الفرنسي والإيطالي وممنوعة على التونسيين
ريم بالخذيري
التعليم في تونس بأصنافه الثلاثة ابتدائي وثانوي وجامعي ينقسم إلى ثلاثة أنواع كما هو الحال في عديد من الدول وهي التعليم العمومي الذي تشرف عليه الدولة والتعليم الخاص الذي يستثمر فيه خواص والتعليم الأجنبي والمؤسسات التربوية العريقة المعروفة عالميا وتفتح لها فروعا في الخارج .
وعادة ما تكون كل البرامج التعليمية في مختلف هذه الأقسام متناسقة وتخضع لرقابة صارمة من سلطة الاشراف أمّا في تونس فيبدو أنّ أقسام التعليم هذه غير متناسقة ومتنافرة. وتطرح المسألة أكثر بالخصوص في عدد من المدارس الخاصة والمدارس الأجنبية المنتصبة بتونس. وروادها من التلاميذ والطلبة يعانون غربة فكرية وثقافية في بلادهم وهي ظاهرة خطيرة فجّرتها حادثة الممثل بدر بن بلقاسم أحد أبطال مسلسل "الفلوجة" وخريج المدارس الأجنبية والذي قال أنه لا يتقن اللغة العربية وأكّد أنّه يوجد الكثير من التونسيين الذين لا يتقنون العربية وقال أنه يضطر الى التصرف كسائح والأمر لا يقلقه.
هذا التصريح تم تلقّيه بكثير من الاستغراب والتهكم لكن أبعاده أكثر من ذلك بكثير فهو الشجرة التي تخفي غابة من المخاطر نلخصها بضعف الانتماء للوطن ونزيف الهجرة منه. فكما يوجد الالاف من الشباب التونسيين الذين يدرسون في المدارس الأجنبية ويجهلون الكتابة بالعربية ويشعرون أنهم غرباء في الوطن يوجد العشرات من الالاف من الذين غادروا مقاعد الدراسة ويقدمون على الهجرة غير النظامية.
وتبقى الدولة هي الأمّ التي يجب أن تعزّز انتماء أبنائها اليها وهي المخوّلة بالدفاع عنهم وحمايتهم من الاغتراب والغربة حتى وهم داخل أسوارها.
فما هي هذه المداراس الأجنبية والتي لا يعرف عنها أغلب التونسيين شيئا ؟ ولماذا يقبل عليها الشباب؟ وكيف يتم استغلال الجوانب الإيجابية فيها وتونسة وتعريب ما يمكن تعريبه وتونسته فيها؟
المدارس الأجنبية
وتعرّف بالمدارس الدولية وبالإنقليزية International school وهي مدارس تقدم التعليم الدولي، في بيئة وطنية، إما من خلال اعتماد منهج دولي مثل البكالوريا الدولية، إيديكسل أو اختبارات كامبردج الدولية، أو بأتباع منهج يختلف عن المنهج التعليمي الذي يدرس في مدارس بلد التواجد.
والمعتاد فان هذه المدارس تقدم التعليم أساسا للتلاميذ الذين ليسوا من مواطني البلد المضيف، مثل أبناء موظفي الشركات المقيمة والمنظمات الدولية والسفارات الأجنبية، والبعثات القنصلية ، أو البرامج التبشيرية. لكنها تفتح أبوابها لجزء من المواطنين لتعلم اللغة في المدرسة الدولية والحصول على مؤهلات للعمل أو التعليم العالي في الخارج.
وتتوحد هذه المدارس في فلسفتها ومعايير نظامها في كل العالم وقد حددت الرابطة الدولية لمدارس علم المكتبات في مؤتمر عقد في إيطاليا عام 2009، عدداً من المعايير لوصف مدرسة دولية، وشملت:
* امكانية انتقال التلميذ بين المدارس الدولية المنتشرة في العالم.
* عدد التلاميذ الأجانب (غير المواطنين) في المدرسة الدولية، يجب أن يكون أكثر من عدد التلاميذ الحاملين لجنسية البلد المضيف رغم أنّ هذه القاعدة لا تطبّق في كثير من البلدان خاصة العربية منها حيث تحوّلت هذه المدارس الى مشاريع تجارية بحتة تبحث عن الكمّ وعن أكبر عدد من التلاميذ.
* التلاميذ يجب أن يكونوا من جنسيات ولغات متعددة وكذلك المدرسون.
* اعتماد منهج دولي للتعليم. مثل مجلس المدارس الدولية (CIS) والبكالوريا الدولية (IB)، ولجنة الاعتماد الدولي (ACI) والرابطة الغربية للمدارس والكليات (WASC).
وعادة فأن اللغة الإنقليزية أو اللغة الفرنسية هي اللغة المعتمدة للتعليم، بالإضافة إلى الالتزام بتدريس لغة إضافية واحدة على الأقل.
المدارس الأجنبية في تونس
المدارس الأجنبية بتونس كان ظهورها بالتوازي مع دخول الاستعمار الفرنسي وكانت تعتمد النظامين التعليميين الفرنسي والإيطالي وممنوعة على التونسيين حتى من الميسورين .ثم تم فتح المجال فيها امام الجنسيات الأخرى .
ويتمّ اعتماد ستة أنظمة أجنبية يتصدرها النظام الفرنسي يحوالي60 بالمائة يليه النظامين الأمريكي والبريطاني بحوالي 20 بالمائة ثم النظام الألماني ب10بالمائة و10بالمائة بقية الأنظمة.
لكن ما يلاحظ هو أن عددا من المدارس التونسية الخاصة والخاضعة للنظام التعليمي التونسي باتت تطبقّ أنظمة أجنبية تركز على استعمال اللغات الفرنسية والانقليزية والألمانية على حساب اللغة العربية.
وهذا خلط عجيب يرتقي الى نوع من التحيّل الذي ينشأ جيلا هجينا وغريبا على وطنه لا يحسنون الكتابة ولا القراءة باللغة العربية وهي ظاهرة خطيرة وعلى الدولة التصدّي لها .
فالمدارس الأجنبية كما أسلفنا الذكر لها خصوصياتها وقانونها الصارم وهي مشاريع ضخمة ولا يمكن أن تتحول المدارس الخاصة الخاضعة بالكامل للنظام التعليمي التونسي الى نسخ مشوهة من تلك التي ذكرنا وهي غير معتمدة دوليا رغم ايهام الكثير منها بذلك مقابل معاليم باهضة جدّا تفوق الألف دينار شهريا للتلميذ الواحد في الابتدائي و تفوق الثلاثة الاف دينار في الثانوي .
كما انتصبت منذ سنوات قليلة جامعات ومعاهد تكوين خاصة تدّعي في حملاتها الاشهارية أنها فروع من جامعات ومراكز دولية والدراسة فيها مكلفة جدّا حتى لكأنها تحوّلت الى "بريستيج" اجتماعي للأولياء الفاشلين أبناؤهم دراسيا وهي نوع من التعليم الموازي الهجين الذي وجب مقاومته باستعادة التعليم العمومي في مختلف مراحله لثقة التونسيين وحتى الأجانب الذين كنا نراهم بكثرة في مدارسنا .وبتطبيق القانون عليها .
ما يجب أن يكون
المدارس الأجنبية وكذلك الجامعات هي بالتأكيد قيمة مضافة للتعليم في أي بلد وهي بوابة طالبي العلم الى كبرى الجامعات الدولية والى سوق رحب للشغل في الداخل والخارج .
غير أنه لابدّ أن تخضع هذه المدارس لقانونها الخاص الذي تعرضنا له سابقا وخاصة فيما يتعلق بإجبارية تدريس لغة ثانية الى جانب لغة جنسية المدرسة الأجنبية ولابدّ أن تكون العربية في بلادنا وليس لغة أخرى مثلما يحدث في هذه المؤسسات حتى لا يصدم التونسيون بشباب متعلم ومثقف لا يحسن القراءة والكتابة بلغة بلده.
وحتى لا يكون ألاف التونسيين من الشباب في قطيعة مع واقعم وغرباء في وطنهم دون أن "يقلهم ذلك" بل يعتبرون ذلك مصدر فخر وعنوانا للتقدّم !!
المدارس الأجنبية بتونس كان ظهورها مع دخول الاستعمار وكانت تعتمد النظامين التعليميين الفرنسي والإيطالي وممنوعة على التونسيين
ريم بالخذيري
التعليم في تونس بأصنافه الثلاثة ابتدائي وثانوي وجامعي ينقسم إلى ثلاثة أنواع كما هو الحال في عديد من الدول وهي التعليم العمومي الذي تشرف عليه الدولة والتعليم الخاص الذي يستثمر فيه خواص والتعليم الأجنبي والمؤسسات التربوية العريقة المعروفة عالميا وتفتح لها فروعا في الخارج .
وعادة ما تكون كل البرامج التعليمية في مختلف هذه الأقسام متناسقة وتخضع لرقابة صارمة من سلطة الاشراف أمّا في تونس فيبدو أنّ أقسام التعليم هذه غير متناسقة ومتنافرة. وتطرح المسألة أكثر بالخصوص في عدد من المدارس الخاصة والمدارس الأجنبية المنتصبة بتونس. وروادها من التلاميذ والطلبة يعانون غربة فكرية وثقافية في بلادهم وهي ظاهرة خطيرة فجّرتها حادثة الممثل بدر بن بلقاسم أحد أبطال مسلسل "الفلوجة" وخريج المدارس الأجنبية والذي قال أنه لا يتقن اللغة العربية وأكّد أنّه يوجد الكثير من التونسيين الذين لا يتقنون العربية وقال أنه يضطر الى التصرف كسائح والأمر لا يقلقه.
هذا التصريح تم تلقّيه بكثير من الاستغراب والتهكم لكن أبعاده أكثر من ذلك بكثير فهو الشجرة التي تخفي غابة من المخاطر نلخصها بضعف الانتماء للوطن ونزيف الهجرة منه. فكما يوجد الالاف من الشباب التونسيين الذين يدرسون في المدارس الأجنبية ويجهلون الكتابة بالعربية ويشعرون أنهم غرباء في الوطن يوجد العشرات من الالاف من الذين غادروا مقاعد الدراسة ويقدمون على الهجرة غير النظامية.
وتبقى الدولة هي الأمّ التي يجب أن تعزّز انتماء أبنائها اليها وهي المخوّلة بالدفاع عنهم وحمايتهم من الاغتراب والغربة حتى وهم داخل أسوارها.
فما هي هذه المداراس الأجنبية والتي لا يعرف عنها أغلب التونسيين شيئا ؟ ولماذا يقبل عليها الشباب؟ وكيف يتم استغلال الجوانب الإيجابية فيها وتونسة وتعريب ما يمكن تعريبه وتونسته فيها؟
المدارس الأجنبية
وتعرّف بالمدارس الدولية وبالإنقليزية International school وهي مدارس تقدم التعليم الدولي، في بيئة وطنية، إما من خلال اعتماد منهج دولي مثل البكالوريا الدولية، إيديكسل أو اختبارات كامبردج الدولية، أو بأتباع منهج يختلف عن المنهج التعليمي الذي يدرس في مدارس بلد التواجد.
والمعتاد فان هذه المدارس تقدم التعليم أساسا للتلاميذ الذين ليسوا من مواطني البلد المضيف، مثل أبناء موظفي الشركات المقيمة والمنظمات الدولية والسفارات الأجنبية، والبعثات القنصلية ، أو البرامج التبشيرية. لكنها تفتح أبوابها لجزء من المواطنين لتعلم اللغة في المدرسة الدولية والحصول على مؤهلات للعمل أو التعليم العالي في الخارج.
وتتوحد هذه المدارس في فلسفتها ومعايير نظامها في كل العالم وقد حددت الرابطة الدولية لمدارس علم المكتبات في مؤتمر عقد في إيطاليا عام 2009، عدداً من المعايير لوصف مدرسة دولية، وشملت:
* امكانية انتقال التلميذ بين المدارس الدولية المنتشرة في العالم.
* عدد التلاميذ الأجانب (غير المواطنين) في المدرسة الدولية، يجب أن يكون أكثر من عدد التلاميذ الحاملين لجنسية البلد المضيف رغم أنّ هذه القاعدة لا تطبّق في كثير من البلدان خاصة العربية منها حيث تحوّلت هذه المدارس الى مشاريع تجارية بحتة تبحث عن الكمّ وعن أكبر عدد من التلاميذ.
* التلاميذ يجب أن يكونوا من جنسيات ولغات متعددة وكذلك المدرسون.
* اعتماد منهج دولي للتعليم. مثل مجلس المدارس الدولية (CIS) والبكالوريا الدولية (IB)، ولجنة الاعتماد الدولي (ACI) والرابطة الغربية للمدارس والكليات (WASC).
وعادة فأن اللغة الإنقليزية أو اللغة الفرنسية هي اللغة المعتمدة للتعليم، بالإضافة إلى الالتزام بتدريس لغة إضافية واحدة على الأقل.
المدارس الأجنبية في تونس
المدارس الأجنبية بتونس كان ظهورها بالتوازي مع دخول الاستعمار الفرنسي وكانت تعتمد النظامين التعليميين الفرنسي والإيطالي وممنوعة على التونسيين حتى من الميسورين .ثم تم فتح المجال فيها امام الجنسيات الأخرى .
ويتمّ اعتماد ستة أنظمة أجنبية يتصدرها النظام الفرنسي يحوالي60 بالمائة يليه النظامين الأمريكي والبريطاني بحوالي 20 بالمائة ثم النظام الألماني ب10بالمائة و10بالمائة بقية الأنظمة.
لكن ما يلاحظ هو أن عددا من المدارس التونسية الخاصة والخاضعة للنظام التعليمي التونسي باتت تطبقّ أنظمة أجنبية تركز على استعمال اللغات الفرنسية والانقليزية والألمانية على حساب اللغة العربية.
وهذا خلط عجيب يرتقي الى نوع من التحيّل الذي ينشأ جيلا هجينا وغريبا على وطنه لا يحسنون الكتابة ولا القراءة باللغة العربية وهي ظاهرة خطيرة وعلى الدولة التصدّي لها .
فالمدارس الأجنبية كما أسلفنا الذكر لها خصوصياتها وقانونها الصارم وهي مشاريع ضخمة ولا يمكن أن تتحول المدارس الخاصة الخاضعة بالكامل للنظام التعليمي التونسي الى نسخ مشوهة من تلك التي ذكرنا وهي غير معتمدة دوليا رغم ايهام الكثير منها بذلك مقابل معاليم باهضة جدّا تفوق الألف دينار شهريا للتلميذ الواحد في الابتدائي و تفوق الثلاثة الاف دينار في الثانوي .
كما انتصبت منذ سنوات قليلة جامعات ومعاهد تكوين خاصة تدّعي في حملاتها الاشهارية أنها فروع من جامعات ومراكز دولية والدراسة فيها مكلفة جدّا حتى لكأنها تحوّلت الى "بريستيج" اجتماعي للأولياء الفاشلين أبناؤهم دراسيا وهي نوع من التعليم الموازي الهجين الذي وجب مقاومته باستعادة التعليم العمومي في مختلف مراحله لثقة التونسيين وحتى الأجانب الذين كنا نراهم بكثرة في مدارسنا .وبتطبيق القانون عليها .
ما يجب أن يكون
المدارس الأجنبية وكذلك الجامعات هي بالتأكيد قيمة مضافة للتعليم في أي بلد وهي بوابة طالبي العلم الى كبرى الجامعات الدولية والى سوق رحب للشغل في الداخل والخارج .
غير أنه لابدّ أن تخضع هذه المدارس لقانونها الخاص الذي تعرضنا له سابقا وخاصة فيما يتعلق بإجبارية تدريس لغة ثانية الى جانب لغة جنسية المدرسة الأجنبية ولابدّ أن تكون العربية في بلادنا وليس لغة أخرى مثلما يحدث في هذه المؤسسات حتى لا يصدم التونسيون بشباب متعلم ومثقف لا يحسن القراءة والكتابة بلغة بلده.
وحتى لا يكون ألاف التونسيين من الشباب في قطيعة مع واقعم وغرباء في وطنهم دون أن "يقلهم ذلك" بل يعتبرون ذلك مصدر فخر وعنوانا للتقدّم !!