إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

عمال الحضائر.. المدرسون النواب والمناولة: وجوه متعددة لآليات التشغيل الهش.. "حكومات راعية" وأجور بخسة

تونس- الصباح

يتخذ العمل الهش في تونس أكثر من وجه، ويتوزع تقريبا على جميع القطاعات باختلاف أنشطتها، ويشمل في تقاطعاته على حد السواء الوظيفة العمومية والمنشآت ومؤسسات القطاع الخاص.

ويتم اعتماد عقود وآليات تشغيل مبنية على انتهاكات للحقوق الاقتصادية والاجتماعية لطالبي الشغل بجميع أصنافهم، الدكاترة وحاملي الشهائد العليا وشهائد التكوين المهني والعملة المؤهلين وصولا إلى الفئة الأكثر هشاشة من اليد العاملة غير المؤهلة والتي تشمل الناشطين في القطاع الفلاحي وعاملات المنازل وحضائر البناء وغيرهم من مواقع العمل..

ووفقا لتقارير دولية العمل الهش بتعريفه على انه عمل مؤقت، أو عمل موسمي،  أو عمالة غير مباشرة، أو عمل دون حد أدنى للساعات، قد بدأ في السنوات الأخير يحل محل الوظائف المباشرة والدائمة، ليسمح لأصحاب العمل بالحد من مسؤوليتهم تجاه العمال أو حتى التخلي عنهم.

وبالتوازي مع ما اتجهت إليه مؤسسات القطاع الخاص من عقود تشغيل هشة واعتمادها كمطية للاستغلال والتحيّل والتنكيل بطالبي الشغل في الكثير من المناسبات. اعتمدت الدولة بدورها بجميع إداراتها ومؤسساتها ومنشآتها نفس العقلية في سد الشغورات وفي سعيها للتخفيف من الضغط الاجتماعي. 

إعداد:ريم سوودي

يعود مثلا التحاق صبري للعمل ضمن عمال وعاملات الحضائر إلى سنوات الثورة، بدأ مشواره في سن العشرينات واليوم شارف على بلوغ الأربعينات ووضعيته المهنية لم تنته بعد إلى التسوية.. لا يتمتع بتغطية صحية ولا اجتماعية وليس له عطلة سنوية يشتغل 7ساعات يوميا، ويتحصل على مقابل دون الأجر الأدنى المضمون وطنيا وهو 400 دينار ويتم صرفه شهريا بصفة متأخرة بأسبوع أو عشرة أيام، وحتى الزيادة التي تم التنصيص عليها في الرائد الرسمي التونسي لم يتم تمتيعه بعد بها.

ويشترك صبري في وضعه هذا مع 57 ألف عامل وعاملة معنيين بملف الحضائر، حسب وثيقة التسوية التي أصدرتها حكومة هشام مشيشي على إثر الاتفاق الذي ابرم مع الاتحاد العام التونسي للشغل.

ويقول صبري بن سليمان الناطق باسم التنسيقية الوطنية لعمال الحضائر، انه الملف الاجتماعي الأثقل على الإطلاق، و"باعتراف أعلى هرم السلطة وهو الرئيس قيس سعيد مثل لسنوات ملف عبودية بامتياز".

وبين بن سليمان أن عمال وعاملات الحضائر موزعين على كافة مؤسسات الدولة باستثناء إدارات القوات الحاملة للسلاح. يتعرضون إلى شتى أشكال الانتهاك، وعوض أن تكون الدولة الحامية والمدافع عنهم بقوة القانون تتحول إلى الطرف الذي يحجب حقوقهم،على حد تعبيره.

وأفاد بن سليمان، أن ما بعد الثورة وأمام المهجة العامة للمشرفين على مؤسسات الدولة التي انبنت على الترضيات ومحاولة إسكات أكثر ما يمكن من المطلبية الشعبية التي تأسست على شعارات الحق في التشغيل والتنمية والحياة الكريمة، وصل عدد عمال الحضائر الذين التحقوا بمؤسسات الدولة وفقا لأرقام غير رسمية إلى نحو الـ 120 ألف عامل وعاملة، تمركز غالبيتهم في ولايات سيدي بوزيد والقصرين وقفصة..، وتباين العدد من حكومة إلى أخرى، إلى غاية بلوغ سنة 2020، أين تم الإعلان ما بعد اتفاق اتحاد الشغل المذكور، عن 57 ألف عامل وعاملة حضائر باختلاف فئاتهم العمرية. تم تقسيمهم إلى 3 أجزاء، من هم أقل من 45 عاما، أفادت معطيات الحكومة أنهم في حدود الـ 31 ألفا، وهو رقم يرى صبري بن سليمان انه مضخم خاصة أن تصريحات لوزير سابق أفادت أن عددهم في حدود الـ 16 ألفا و700، ليتضاعف العدد عند الانطلاق في تسوية الوضعيات المهنية. وبين الناطق باسم تنسيقيات عمال الحضائر انه إلى غاية اليوم تتهرب الحكومة من إعلان وتقديم تفاصيل دقيقة وواضحة عن توزيع المعنيين بالتسوية حسب الوزارات والمنشآت العمومية وتتعمد تضخيم العدد.

وحسب نفس التقسيم المعلن يبلغ عدد من هم بين الـ45 و55 عاما، 18 ألفا. أما البقية فسنهم بين الـ55 والـ60 عاما، أقرت الدولة بتمكينهم من جرايات الفئات المعوزة بعد خروجهم للتقاعد.

وكشف صبرى أن اتفاق 2020، نص على تسوية وضعية من سنهم دون الـ 45 عاما على 5 دفعات بداية من سنة إمضاء الاتفاق، والى غاية 2025 مع إصدار الاتفاق في الرائد الرسمي بأوامره الترتيبية. وأضاف "اليوم نحن في 2024 موعد انطلاق تسوية الوضعية المهنية للدفعة الثانية من عمال وعاملات الحضائر، و جزء من الدفعة الأولى مازال عالقا ونحو الـ 1500 من بين الـ 6 آلاف المعنيين بالتسوية لم يباشروا بعد وعلى الأغلب سيقع الاستغناء عنهم.. أما الدفعة الثانية فنسق تقدم التسوية بطيء الأمر الذي يؤشر أن مواعيد التسوية المنصوص عنها لن يتم احترامها من قبل الدولة".

الأساتذة والمعلمون  النواب.. والراتب غير المجزي

وبوضعية مشابهة لما نقله صبري عن عمال الحضائر، تذكر أميرة اختصاص علوم الحياة، التي باشرت العمل كأستاذة نائبة منذ نحو الـ9 سنوات في احد معاهد أرياف القيروان، أنها معنية بالتسوية التي تأخرت كثيرا، والألف دينار التي تتقاضاها بصفة متأخرة على الدوام لا تغطي مصاريف تنقلها وكلفة معيشتها كأستاذة نائبة. 

ويوضح مالك العياري المنسق الوطني للأساتذة النواب، أن العدد الجملي للمعنيين بالملف يتراوح بين الـ9500 والـ10 آلاف، وذلك حسب قاعدة البيانات الأولية ما بين 2008 و2016 والتي تقول أن عدد الأساتذة النواب في حدود الـ 5300، وبالنسبة للأساتذة النواب ما بعد 2016 وإلى غاية الموسم الدراسي 2023/2024، فلم يتم إدراجهم بعد في قاعدة البيانات غير أن الشغورات والتصريحات تفيد أنهم في حدود الـ5 آلاف أيضا.

ويعتبر العياري أن عدم وجود عدد واضح للأساتذة النواب في حد ذاته يؤكد عدم جدية الدولة ومن ورائها وزارة التربية في التعامل مع الملف، في وقت تتحدث في الوزارة عن التوجه نحو الرقمنة في إسناد الإعداد والتعامل بين التلميذ والأستاذ.

وأوضح العياري أن محضر جلسة تم إمضاؤها سنة 2020 يهم تسوية وضعية الدفعة الرابعة للأساتذة النواب لم يقع إدراجهم في قانون المالية.

وذكر أن بدورها اتفاقية 23 ماي 2023، التي كان العنوان الأكبر فيها تسوية وضعية الأساتذة النواب بين 2008/2023، لم تشهد بعد النور ولم يقع الانطلاق في تطبيقها، كما لم يحدد عدد المعنيين بالدفعات. مشيرا في نفس السياق إلى أن عدد الشغورات يفوق عدد الأساتذة النواب حسب ما يرد في البلاغات التي تصدر دوريا عن مندوبيات التربية وتدعوا إلى سد الشغورات منذ انطلاقة السنة الدراسية. 

وكشف مالك العياري في نفس الوقت أن السنة شارفت على الانتهاء والى غاية اليوم لم يتم صرف مستحقات الأساتذة النواب، وهم بصدد العمل منذ شهر سبتمبر دون أجور.

ونفس الوضعية يعيشها المعلمون النواب للمرحلة الأساسية من التعليم الابتدائي، وصل عددهم إلى الـ 17 ألفا حسب مصادر نقابية. وتم الانطلاق في تسوية أوضاعهم المهنية على مراحل ودفعات إلا أنه لم يقع الانضباط لروزنامة المحددة في الاتفاق المبرم بين وزارة التربية والاتحاد العام التونسي للشغل.

ويعتمد هذا الشكل غير السليم للتشغيل والبعيد عما يفترض أن يتوفر في عقود العمل من استقرار وأمان، وزارة التعليم العالي في تشغيل الدكاترة وخرجي المرحلة الثالثة عبر عقود إسداء خدمات أو عقود تشغيل منتهية المدة ويتواصل ذلك لسنوات. ونفس الأمر تقوم به وزارة التربية عند توجهها نحو سد شغورات داخل إدارتها أين تقوم بتشغيل خريجي جامعات وحاملي شهائد عليا ضمن الآلية 16 (عقد التشغيل والتضامن، يمتد على تسعة أشهر قابلة للتجديد مرة واحدة، يتقاضى بموجبها المتربص منحة قدرها 120 دينارا، أصبحت 200 د بعد ماي 2013)، والآلية 20 (عقود تشغيل تم اعتمادها من أجل تشجيع الجمعيات على الانتداب يتكفل بها الصندوق الوطني للتشغيل بمبلغ 250 دينارا من الأجر لمدة 3 سنوات مع عدم إلزامية الجمعية بإسناد منحة تكميلية)  وتعتمدها الدولة لمدة غير محدد ولا يقع تسوية الوضعيات في جميع الحالات إلا بعد خوض المعنيين للاحتجاجات وتحركات مطولة.

زيادة بـ 10% من عدد الموظفين في القطاع العمومي

وفي إطار الاستجابة والتفاعل الايجابي مع دعوة رئيس الجمهورية قيس سعيد، إلى وضع حد للعمل الهش.. واعتبار أن من حق العامل أن يعمل في ظل نظام قانوني يمكنه لا من الأجر العادل فقط بل من الشعور بالاطمئنان والاستقرار والتمتع بالتغطية الاجتماعية، فيبدو أن الدولة اليوم مطالبة على الأقل بتسوية وضعية عمال الحضائر والمعلمين والأساتذة النواب وغيرها من الآليات التشغيلية الهشة باختلاف تسميتها وسياقاتها. وهو ما يمثل زيادة في حدود الـ 10% من عدد الموظفين في القطاع العمومي والذي تفيد آخر الأرقام الصادرة في شأنه ضمن ميزانية 2024، انه بلغ الـ 656 الفا و961 باحتساب الدفعة الأولى لعملة الحضائر.

من ناحيته أفاد رمضان بن عمر المتحدث باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية في حديثه لـ"الصباح"، انه من المفارقات أن الحديث  عن إلغاء المناولة كشكل من أشكال التشغيل الهش الذي يعتبر مكسبا تم تحقيقه بعد الثورة على اثر إمضاء اتفاق بين الحكومة والاتحاد العام التونسي للشغل سنة 2011، للقضاء على العمل بالمناولة وإدماج العاملين والعاملات في المؤسسات العاملين بها. لكن الدولة تراجعت آنذاك عن هذا المكسب وسمحت في إطار رضوخها لاملاءات صندوق النقد الدولي لعدد من المؤسسات العمومية لإعادة العمل بالمناولة تفاديا لتضخم كتلة الأجور.

وبين بن عمر أنه حتى مع دعوة الرئيس قيس سعيد للعودة لهذا المكسب والقطع مع آلية التشغيل الهش، لم يتضح بعد مصير العمال والعاملات الذين يشتغلون اليوم في مؤسسات الدولة بصيغة المناولة، فهل سيقع التخلي عنهم أو إدماجهم؟ ونظرا إلى أن هامش التحرك يبقى مرتبطا بميزانية الدولة التي قلصت من إمكانيات الانتداب بشكل كبير للغاية، فان تنفيذ الدولة لاتفاقاتها التي أمضتها في هذا الغرض يكون بداية جيدة.

وذكّر بن عمر بالقانون والاتفاقات المبرمة في خصوص وضعية عمال الحضائر، والتي تتهرب فيها الحكومات من مسؤلياتها وتعهداتها وتتلكأ فيها رغم انه يمكنها،إن توفرت الإرادة، أن تسرع حتى في عملية التسوية التي حددت بدفعات.

واعتبر بن عمر أن  تصريح رئيس الجمهورية الذي دعا صراحة في البلاغ الوارد على موقع رئاسة الجمهورية إلى "وضع حد للعقود المحدودة في الزمن" ورأى أن "هذا الصنف من العقود لا يُمكّن المتعاقدين من حقوقهم"..، "كما أن لصاحب المؤسسة الحق في الاستثمار من حق العامل أن يعمل في ظل نظام قانوني يمكنه لا من الأجر العادل فقط بل من الشعور بالاطمئنان والاستقرار والتمتع بالتغطية الاجتماعية"، يجب أن يستند  إلى برنامج عمل واضح للقطع نهائيا مع المناولة أو التشغيل الهش التي تحولت إلى سياسات دولة في قطاعات حيوية مثل التعليم والصحة، وفق تعبيره.

ورأى المتحدث باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية أن هياكل الدولة ومختلف الوزارات، مطالبة اليوم بتقديم خارطة طريق لتنفيذ ما ورد في تصريح رئيس الجمهورية، وشدد على أن من دور رئيس الجمهورية إجبار مؤسسات الدولة على الإيفاء بتعهداتها في علاقة بملف العمل الهش من عمال حضائر وأساتذة ومعلمين نواب وغيرهم.. والقطع نهائيا مع آلية المناولة ومختلف الآليات التي تشبهها وتتفنن في انتهاك حقوق العمال وسرقة جهدهم.

قطاع "استغلالي"..؟

وبالانتقال للقطاع الخاص يكون وضع العاملين أصعب وأكثر هشاشة، أين تم الانطلاق منذ السبعينات وضمن استراتيجيات رسمية تنموية للدولة في اعتماد ما تطلق عليه وزارة التشغيل ببرامج تنشيط للتشغيل. وهي عبارة عن عقود يتم خلالها إسناد صاحب العمل بالتكفل بجزء من اجر الشّغيل مع إجراءات إعفاء من تغطيته الاجتماعية والصحية. ويمتد هذا الامتياز الذي توفره الوزارة عبر الوكالة الوطنية للتشغيل والعمل المستقل فترات تتراوح من 9 أشهر والى غاية السنتين سنوات في خصوص الأجر وتغطي فترة تصل إلى أكثر من ذلك في خصوص التغطية الاجتماعية والصحية.

وانطلق العمل بهذه العقود منذ أكثر من 30 عاما، وعلى امتداد كل هذه السنوات، كانت مصدرا اعتمده جزء من أصحاب المال لاستغلال حاملي الشهائد لفترة تربصهم وإدماجهم في الحياة المهنية والانتفاع من جهدهم في الكثير من الأحيان دون مقابل. ومع انتهاء فترة العقد يتم التخلي عنهم لفائدة انتدابات جديدة. ورغم النقد الذي تم توجيهه لهذا النوع من العقود والذي تعلق بمدتها (فترة تربص لسنتين) وأنها في مصلحة المشغل.. فضلا عن ضعف قيمة المنحة التي لم تعد تتماشى مع نسق ارتفاع كلفة معيشة التونسيين والتونسيات لم تسجل أي تحويرات أو مراجعة.

وبالتوازي مع عقود العمل أو برامج العمل المقدمة من قبل وزارة التشغيل لفائدة القطاع الخاص، يتسم الانتداب في الجزء الأكبر من المؤسسات الخاصة بهشاشته وضعف تأجيره. وسواء كان عبر عقود محددة أو غير محددة المدة ( cdi- cdd) فان معدلات التأجير فيه تتراوح بين الـ 500 و900 دينار حسب القطاعات.

ويكون الوضع أكثر استغلالا وانتهاكا وسوءا في القطاع غير المنظم وقطاع المناولة، أين يتم فيه التأجير الأضعف على الإطلاق دون تغطية اجتماعية أو صحية أو أيام عطل. ويشمل ذلك عاملات الفلاحة والعاملات المنزليات وعمال المهن الحرة كالبناء والعاملين في مؤسسات حرفية والنجارة والحدادة وتصليح السيارات.. ويتراوح فيه اجر العامل أو العاملة اليومي بين الـ 12 دينارا ( عاملات الفلاحة) و30 دينارا ( عمال البناء)..

وتقول منظمة العمل الدولية في هذا الصدد أن العمالة الهشة بصدد مواجهة صعوبات أكبر في ممارسة حقوقها، لاسيما في الانضمام إلى نقابة أو التفاوض بشكل جماعي لتحسين الأجور وظروف العمل. كما تعد معدلات الإصابة أعلى في أوساط العمالة الهشة، وغالباً ما يعود ذلك للافتقار للتدريب في موقع العمل الذي يتوفر للموظفين الدائمين.

وتشير إلى أن الوظائف الهشة ووظائف القطاع غير المنظم لا تزال العمل الوحيد المتاح لكثير من الناس في دول العالم الثالث. وتوصف هذه الوظائف في أغلب الحالات بتدني الأجور، وضعف استقرار الوظيفة، وظروف العمل السيئة، وقلة الحماية الاجتماعية أو انعدامها.

وجاء في التقرير الذي أعده قسم البحوث في منظمة العمل الدولية انه "من الضروري إخراج عدد أكبر من العمال خارج القطاع غير المنظم بهدف تحسين ظروف العمل وتوليد إيرادات ضريبية تحتاجها الحكومة لتعزيز أنظمة الرعاية الاجتماعية. وفي هذا الصدد، يرتبط خفض عدد العمال الفقراء ارتباطاً وثيقاً بتراجع نسبة العاملين في القطاع غير المنظم".

 

مدير البرامج بالوكالة الوطنية للتكوين والعمل المستقل لـ"الصباح":" الإعداد للحياة المهنية" من أنجح البرامج.. يستفيد منه 64% من حاملي الشهادات الجامعية و 36% من غير حاملي الشهادات

وفضلا عن اعتمادها لآليات تشغيل هشة صلب إداراتها ومؤسسات ومنشآتها ووزاراتها.. توفر الدولة آليات لا تقل هشاشة في القطاع الخاص عبر "وزارة التشغيل والتكوين المهني".. عندما تقول في صفحتها الرسمية أنها تضع على ذمّة الباحثين عن الشغل عددا من البرامج والآليات الهادفة إلى تحسين التشغيلية وتيسير الاندماج في الحياة النشيطة.

 وتهدف هذه البرامج حسب وزارة التشغيل إلى تمكين الباحثين عن موطن شغل من الانتفاع بتربّصات للتّأهيل المهني لتنمية مؤهّلاتهم ومكتسباتهم المعرفية الّتي تيسّر عملية الاندماج في سوق الشّغل، وذلك من خلال التّعرّف على ظروف العمل الحقيقيّة وربط شبكة من العلاقات مع المحيط المهني.

وتجد هذه العقود قبول ورضائية لدى عدد من خريجي الجامعة باعتبار أنها كانت احد الآليات المشجعة لانتدابهم في حين مثلت آلية للاستغلال والانتهاك ومضيعة للوقت والعمر لدى البعض الآخر.

ويعتبر عقد الإعداد للحياة المهنية البرنامج الأقدم بالنسبة للوكالة الوطنية للتكوين والعمل المستقل، وهو في الأصل عقد تربص موجه لخرجي الجامعة حديثي التخرج ومن تنقصهم الخبرة المهنية، ويهدف إلى تيسير إدماج طالبي الشغل وتأهيلهم بما يتلاءم مع متطلبات الشغل. وتبلغ قيمة المنحة فيه لخريجي الجامعة 200 دينار ومثلها على الأقل تمنحها المؤسسة ويكون المبلغ في حدود الـ 150 دينارا بالنسبة للبقية ومثله تمنحه المؤسسة.

ويعتبر هشام بوسعيد مدير البرامج بالوكالة، أن برنامج الإعداد للحياة المهنية يعد من أنجح البرامج، وهو مطلوب بنفس الطريقة من جميع أنواع مؤسسات القطاع الخاص باختلاف مجالات نشاطها، ويسجل إقبالا في حدود الـ64% من حاملي الشهادات الجامعية ويستفيد منه غير حاملي الشهائد العليا بالنسبة المتبقية وهي 36%.

وينتفع من عقد التربص المذكور نحو 100 ألف فرد سنويا، 65% منهم إناث. ويعتبر بوسعيد أن برنامج الإعداد للحياة المهنية هو من البرامج غير المكلف على الدولة، أين يبلغ معدل المنح التي تصرف على المنتفع بالبرنامج الـ 1872 للفرد (سنة قابلة للتجديد)  في حين تبلغ نسبة الإدماج فيه الـ 51.6%، وهو ما يحيل إلى أن عقد الإعداد للحياة المهنية يضمن سنويا نحو الـ 50 ألف عقد عمل لطالبي الشغل في تونس. وترجح الوكالة أن النسبة أكبر من ذلك نظرا إلى أن الوكالة لا تقوم بتغطية كل المؤسسات المنتفعة بهذا العقد.

 ويشير في نفس السياق هشام بوسعيد، إلى أن الوكالة لا تقوم بتمكين المؤسسة التي لا توفر نسبة إدماج في حدود الـ 50% من امتياز الانتفاع ببرامج التشغيل لمدة يحددها رئيس مكتب التشغيل وهي طريقة لمتابعة ومراقبة الانتفاع بهذه البرامج والحلول دون استغلال طالبي الشغل وخاصة منهم خريجي الجامعة حديثي العهد.

ماذا عن عقد الخدمة المدنية؟

أما عقد الخدمة المدنية، وهو برنامج يهدف إلى تمكين طالبي الشغل خريجي الجامعة من القيام بنشاط يطور قدراتهم ويمكّنهم من اكتساب مهارات تسير لهم الاندماج في الحياة المهنية، وفلسفة هذا العقد حسب هشام بوسعيد ليس مطالبة الجمعيات من إدماج طالبي الشغل بقدر ما هو توفير تأطير لخرجي الجامعة وتوفير منحة بسيطة تيسر تنقلاتهم.. خاصة المتواجدين في مناطق داخلية بنسيج اقتصادي ضعيف. وينتفع فيه الشاب أو الشابة بمنحة 200 دينار لمدة سنة.

وبلغ عدد المنتفعين منه نحو الـ 11 ألفا سنويا، 84% منهم إناث. وحدد معدل تكلفة عقد الخدمة المدنية بنحو الـ 2200 دينار للفرد على امتداد فترة الانتفاع. ويرى مدير البرامج بالوكالة أن عقد الخدمة المدنية مثل على امتداد السنوات الماضية فرصة لخريجي الجامعة من اجل التعرف على فضاء الأعمال ومنه كان الانطلاق للدخول رسميا إلى سوق الشغل إما عبر عقود عمل مباشرة أو بالانتفاع بأحد آليات الإدماج المقترحة من الوكالة.

وأشار هشام بوسعيد إلى أن كل المنتفعين من آلية عقد الخدمة المدنية أو عقد الإعداد للحياة المهنية، تمكنهم الوكالة الوطنية للتكوين والعمل المستقل من فترة تكوين تكميلي لمدة 400 ساعة بطلب من صاحب المؤسسة أو المنتفع من البرنامج.

برنامج دعم انتداب حاملي الشهادات العليا مكلف

أما بالنسبة لبرنامج دعم انتداب حاملي الشهادات العليا (عقد الكرامة سابقا) وهو من الآليات حديثة العهد بالنسبة للوكالة، ينتفع به طالب الشغل من حاملي الشهادات العليا لمدة سنتين و يتكفل الصندوق الوطني للتشغيل بنصف الأجر والذي تم تحديده ب 400 دينار كحد أقصى حد، فضلا عن التغطية الاجتماعية لمساهمة الأعراف والأجراء.

وبلغ عدد المنتفعين من عقد الكرامة في السنوات الأخيرة معدل 5500 منتفع سنويا بنسبة مشاركة 83% إناث.

 ورأى هشام بوسعيد أن برنامج دعم انتداب حاملي الشهادات العليا من البرامج المكلفة مقارنة بتربص الإعداد للحياة المهنية. باعتبار أن الصندوق الوطني للتشغيل يتكفل بالتغطية الاجتماعية للمنتفع وقيمة المنحة التي تصل إلى نحو الـ 550 دينارا للفرد في الشهر أي ما قيمته نحو 6600 في السنة.

بداية من افريل..  آلية تشغيل جديدة للوكالة..

وفضلا عن المراجعات التي تقوم بها وزارة التشغيل في خصوص الآليات السابق ذكرها والتي تتجه إلى التقليص من مدة عقد الإعداد للحياة المهنية وتحويل عقد دعم انتداب حاملي الشهائد العليا إلى عقد غير محدد المدة، أفاد هشام بوسعيد أنه من المنتظر أن تنطلق الوكالة الوطنية للتكوين والعمل المستقل خلال شهر أفريل القادم في اعتماد آليتين جديدتين من أجل تحسين قابلية تأهيل طالبي الشغل، الأولى تكوينية أين سيتكفل الصندوق الوطني للشغل بتغطية 600 ساعة تكوين تكميلي للباحثين عن شغل مع منحة قيمتها 200 دينار لخريجي الجامعة و150 لغير خريجي الجامعة وتغطية اجتماعية لمدة 6 أشهر على أقصى تقدير.

والآلية الثانية تكون بغرض التكوين للانتداب لتلبية مواطن شغل مشخّصة بالمؤسسات الاقتصادية، ويكون ذلك بطلب من المؤسسة أساسا. أي تكوين بغرض الانتداب المباشر، وتوفر الوكالة 600 ساعة تكوين مع نفس قيمة المنحة المذكورة سابقا.

كما سيتم خلال شهر افريل الشروع في تنفيذ برنامج جديد يهم عقد إعادة الإدماج في الحياة المهنية، وتهدف إلى تيسير إعادة إدماج فاقدي الشغل مع الاستجابة إلى متطلبات الشغل للمؤسسات الخاصة. وتكون فئة المسرحين لأسباب اقتصادية أو فنية أو طرد تعسفي.. المعنية به. وتمد فترة الانتفاع به على سنة غير قابلة للتجديد ويتمتع بمنحة قيمتها 300 دينار وعلى الأقل مثلها من قبل المؤجر.

مجلة الشغل والتنقيحات المقترحة..

وللإشارة تتعرض مجلة الشغل منذ تأسيسها سنة 1966 إلى عديد الانتقادات، باعتبارها وثيقة اجتماعية بامتياز. ففي الوقت الذي يتجه رأي إلى الدعوى لمزيد اعتماد مرونة أكثر في العلاقات الشغلية تحت مسمّى الانفتاح على الاستثمار، يرى جزء مقابل أن أوضاع العمال تتجه نحو التعقيد أكثر فأكثر وأن غالبية العمال والموظفين بما فيهم الكوادر بصدد مواجهة حالة من عدم الاستقرار المهني والاجتماعي. ومن هنا تتنزل الدعاوي لإعادة صياغة المجلة على ضوء التغيرات الهيكلية التي لحقت بسوق العمل وفي محاولة لتقريبها أكثر ما يمكن من التشريعات الدولية المنظّمة للعمل. ولعل الوقت وفي ظل تبني رئيس الجمهورية لهذا التوجه، قد حان لفتح ملف تنقيح مجلة الشغل.

وعلى أهمية هذه الوثيقة القانونية، فان لا وجود لمقترحات واضحة في شان تنقيحاتها المقترحة، فعلى حد السواء تملص الاتحاد العام التونسي للشغل ومنظمة الأعراف من تقديم إجابات وتوضيحات في خصوص تحفظاتهم في شأن فصول وأبواب مجلة الشغل. ولم تجد "الصباح" طريقا إلى الظفر بتصريح لأحد أعضائها المنتخبين رغم اتصالاتها المتكررة.

في المقابل ومن ضمن النصوص الناقدة لمجلة الشغل نجد دراسة اعتدتها منظمة "فريديريش ايبرت" الألمانية، تعتبر أن إضفاء المرونة صلب منظومة التعاقد خاصة فيما يتعلق بالدوام الجزئي لم تقابله التنقيحات اللازمة صلب منظومة الضمان الاجتماعي، إذ أنها تقبل المساهمات على أساس الأجور الفعلية ولا تمكِّن الأجير بدوام جزئي من جرايات تقاعد على أساس وقت عمل كامل. كما تشير نفس الدراسة إلى أن الاتفاقيات القطاعية والإطارية المشتركة منذ التسعينيّات لم تذهب في اتجاه مزيد التضييق على إمكانية الطرد التعسفي من قبل المؤجر، بل ذهبت في مزيد إعفائه من التعويضات والغرامات التي تنجرّ عن هذا الطرد، تحت مسمى حماية المؤسسات من الإفلاس، وتركت للجنة مراقبة الطرد (معينة من وزارة الشؤون الاجتماعية وهناك جدل حول صلاحياتها والصبغة القانونية لتدخلها) حرية التفاوض وتقدير حجم التعويض. وذلك اعتمادا على حد أدنى لا يضع في الاعتبار التفاوت في أحجام المؤسسات واختلافاتها القطاعية. مع التذكير بأن إجراءات التقاضي الشغلية في حالات الطرد التعسفي أو فيما يتعلق بقضايا التقاعد تشكو من بطء مسار التحقيق. فإذا كانت الأجور غير ثابتة أو طريقة احتساب الأجور غير ثابتة، تحيل المحكمة القضية إلى الاختبار. وهو ما قد يساهم في تأخر إجراءات التقاضي مما يتطلب إضفاء صبغة استعجالية على هذه القضايا. باعتبار أنها ذات طابع معاشي له انعكاسات اجتماعية مباشرة. أو أن يدخل قرار المحكمة الابتدائية حيّز التنفيذ دون انتظار قرار محكمة الاستئناف والتعقيب، هو أحد الحلول المقترحة بهذا الصدد.                                                            

الناشطون في سوق الشغل

بينت نتائج مسح التشغيل الخاص بالثلاثي الرابع من سنة 2023 أن عدد السكان النشيطين في تونس قد بلغ 4083,8، مقابل 4032,2 خلال الثلاثي الثالث من نفس السنة، أي بزيادة قدرها 51,6 آلاف.

ويتوزع عدد النشيطين إلى 2835,5 من الذكور و 1248,2 من الإناث، وهو ما يمثل على التوالي 69,4 % و30,6% من مجموع السكان النشيطين، وعلى هذا الأساس شهدت نسبة النشاط خلال الثلاثي الرابع لسنة 2023 زيادة قدّرت بـ 0,6 نقطة لتبلغ 45,8% بعد أن كانت في حدود 45,2 % خلال الثلاثي الثالث من نفس السنة.

وبلغ عدد المشتغلين 3416,2 في نفس الفترة من السنة الماضية، مقابل 3394,1 خلال الثلاثي الثالث، أي بزيادة قدرها 22,2 ألفا. ويتوزع عدد المشتغلين إلى 2445,5 من الذكور و970,8 آلاف من الإناث، وهو ما يمثل على التوالي 71,6% و28,4 % من مجموع السكان المشتغلين.

ويتوزع المشتغلون حسب قطاع النشاط الاقتصادي إلى 54% في قطاع الخدمات و18% في قطاع الصناعات المعملية و13% في قطاع الصناعات غير المعملية 15% في قطاع الفلاحة والصيد البحري.

حول الجرد الخاص بشركات المناولة والعاملين فيها 

تجدر الشارة إلى انه بتاريخ 29 فيفري 2024، دعا وزير الشؤون الاجتماعية مالك الزاهي إلى إعداد جرد محين وعاجل لعدد شركات المناولة والعاملين بها وتكثيف الحملات على التشغيل الهش ومتابعة مدى توفر ظروف العمل اللائق، وذلك أعقاب إعلان الحكومة عن تحجير إبرام عقود المناولة الجديدة بالقطاع العمومي تبعا لقرار رئيس الجمهورية بإنهاء العمل بالمناولة.

وطالب وزير الشؤون الاجتماعية، خلال جلسة عمل، التأمت بمقر الهيئة العامة للشغل والعلاقات المهنية، حضرها عدد من المسؤولين بوزارة الشؤون الاجتماعية، بإعداد تصورات حول الآليات القانونية الكفيلة بالتصدي لكل أشكال العمل الهش وتقديم رؤى قانونية تستوعب الأنماط الجديدة للعمل، وفق بيان صادر عن الوزارة.

وأوصى الوزير، خلال جلسة العمل، بإنفاذ القانون وتشديد الرقابة حول ظروف الصحّة والسلامة المهنية بمواقع العمل ومواصلة الحملة المتعلقة بتشغيل الأشخاص ذوي الإعاقة بما يمكن من تكريس العمل اللائق بالنسبة لهذه الفئة من العمال والنظر في الإشكاليات العالقة في مجلة الشغل خاصة في علاقة بالمناولة واستيعاب الأنماط الجديدة للعمل.

عمال الحضائر.. المدرسون النواب والمناولة:  وجوه متعددة لآليات التشغيل الهش.. "حكومات راعية" وأجور بخسة

تونس- الصباح

يتخذ العمل الهش في تونس أكثر من وجه، ويتوزع تقريبا على جميع القطاعات باختلاف أنشطتها، ويشمل في تقاطعاته على حد السواء الوظيفة العمومية والمنشآت ومؤسسات القطاع الخاص.

ويتم اعتماد عقود وآليات تشغيل مبنية على انتهاكات للحقوق الاقتصادية والاجتماعية لطالبي الشغل بجميع أصنافهم، الدكاترة وحاملي الشهائد العليا وشهائد التكوين المهني والعملة المؤهلين وصولا إلى الفئة الأكثر هشاشة من اليد العاملة غير المؤهلة والتي تشمل الناشطين في القطاع الفلاحي وعاملات المنازل وحضائر البناء وغيرهم من مواقع العمل..

ووفقا لتقارير دولية العمل الهش بتعريفه على انه عمل مؤقت، أو عمل موسمي،  أو عمالة غير مباشرة، أو عمل دون حد أدنى للساعات، قد بدأ في السنوات الأخير يحل محل الوظائف المباشرة والدائمة، ليسمح لأصحاب العمل بالحد من مسؤوليتهم تجاه العمال أو حتى التخلي عنهم.

وبالتوازي مع ما اتجهت إليه مؤسسات القطاع الخاص من عقود تشغيل هشة واعتمادها كمطية للاستغلال والتحيّل والتنكيل بطالبي الشغل في الكثير من المناسبات. اعتمدت الدولة بدورها بجميع إداراتها ومؤسساتها ومنشآتها نفس العقلية في سد الشغورات وفي سعيها للتخفيف من الضغط الاجتماعي. 

إعداد:ريم سوودي

يعود مثلا التحاق صبري للعمل ضمن عمال وعاملات الحضائر إلى سنوات الثورة، بدأ مشواره في سن العشرينات واليوم شارف على بلوغ الأربعينات ووضعيته المهنية لم تنته بعد إلى التسوية.. لا يتمتع بتغطية صحية ولا اجتماعية وليس له عطلة سنوية يشتغل 7ساعات يوميا، ويتحصل على مقابل دون الأجر الأدنى المضمون وطنيا وهو 400 دينار ويتم صرفه شهريا بصفة متأخرة بأسبوع أو عشرة أيام، وحتى الزيادة التي تم التنصيص عليها في الرائد الرسمي التونسي لم يتم تمتيعه بعد بها.

ويشترك صبري في وضعه هذا مع 57 ألف عامل وعاملة معنيين بملف الحضائر، حسب وثيقة التسوية التي أصدرتها حكومة هشام مشيشي على إثر الاتفاق الذي ابرم مع الاتحاد العام التونسي للشغل.

ويقول صبري بن سليمان الناطق باسم التنسيقية الوطنية لعمال الحضائر، انه الملف الاجتماعي الأثقل على الإطلاق، و"باعتراف أعلى هرم السلطة وهو الرئيس قيس سعيد مثل لسنوات ملف عبودية بامتياز".

وبين بن سليمان أن عمال وعاملات الحضائر موزعين على كافة مؤسسات الدولة باستثناء إدارات القوات الحاملة للسلاح. يتعرضون إلى شتى أشكال الانتهاك، وعوض أن تكون الدولة الحامية والمدافع عنهم بقوة القانون تتحول إلى الطرف الذي يحجب حقوقهم،على حد تعبيره.

وأفاد بن سليمان، أن ما بعد الثورة وأمام المهجة العامة للمشرفين على مؤسسات الدولة التي انبنت على الترضيات ومحاولة إسكات أكثر ما يمكن من المطلبية الشعبية التي تأسست على شعارات الحق في التشغيل والتنمية والحياة الكريمة، وصل عدد عمال الحضائر الذين التحقوا بمؤسسات الدولة وفقا لأرقام غير رسمية إلى نحو الـ 120 ألف عامل وعاملة، تمركز غالبيتهم في ولايات سيدي بوزيد والقصرين وقفصة..، وتباين العدد من حكومة إلى أخرى، إلى غاية بلوغ سنة 2020، أين تم الإعلان ما بعد اتفاق اتحاد الشغل المذكور، عن 57 ألف عامل وعاملة حضائر باختلاف فئاتهم العمرية. تم تقسيمهم إلى 3 أجزاء، من هم أقل من 45 عاما، أفادت معطيات الحكومة أنهم في حدود الـ 31 ألفا، وهو رقم يرى صبري بن سليمان انه مضخم خاصة أن تصريحات لوزير سابق أفادت أن عددهم في حدود الـ 16 ألفا و700، ليتضاعف العدد عند الانطلاق في تسوية الوضعيات المهنية. وبين الناطق باسم تنسيقيات عمال الحضائر انه إلى غاية اليوم تتهرب الحكومة من إعلان وتقديم تفاصيل دقيقة وواضحة عن توزيع المعنيين بالتسوية حسب الوزارات والمنشآت العمومية وتتعمد تضخيم العدد.

وحسب نفس التقسيم المعلن يبلغ عدد من هم بين الـ45 و55 عاما، 18 ألفا. أما البقية فسنهم بين الـ55 والـ60 عاما، أقرت الدولة بتمكينهم من جرايات الفئات المعوزة بعد خروجهم للتقاعد.

وكشف صبرى أن اتفاق 2020، نص على تسوية وضعية من سنهم دون الـ 45 عاما على 5 دفعات بداية من سنة إمضاء الاتفاق، والى غاية 2025 مع إصدار الاتفاق في الرائد الرسمي بأوامره الترتيبية. وأضاف "اليوم نحن في 2024 موعد انطلاق تسوية الوضعية المهنية للدفعة الثانية من عمال وعاملات الحضائر، و جزء من الدفعة الأولى مازال عالقا ونحو الـ 1500 من بين الـ 6 آلاف المعنيين بالتسوية لم يباشروا بعد وعلى الأغلب سيقع الاستغناء عنهم.. أما الدفعة الثانية فنسق تقدم التسوية بطيء الأمر الذي يؤشر أن مواعيد التسوية المنصوص عنها لن يتم احترامها من قبل الدولة".

الأساتذة والمعلمون  النواب.. والراتب غير المجزي

وبوضعية مشابهة لما نقله صبري عن عمال الحضائر، تذكر أميرة اختصاص علوم الحياة، التي باشرت العمل كأستاذة نائبة منذ نحو الـ9 سنوات في احد معاهد أرياف القيروان، أنها معنية بالتسوية التي تأخرت كثيرا، والألف دينار التي تتقاضاها بصفة متأخرة على الدوام لا تغطي مصاريف تنقلها وكلفة معيشتها كأستاذة نائبة. 

ويوضح مالك العياري المنسق الوطني للأساتذة النواب، أن العدد الجملي للمعنيين بالملف يتراوح بين الـ9500 والـ10 آلاف، وذلك حسب قاعدة البيانات الأولية ما بين 2008 و2016 والتي تقول أن عدد الأساتذة النواب في حدود الـ 5300، وبالنسبة للأساتذة النواب ما بعد 2016 وإلى غاية الموسم الدراسي 2023/2024، فلم يتم إدراجهم بعد في قاعدة البيانات غير أن الشغورات والتصريحات تفيد أنهم في حدود الـ5 آلاف أيضا.

ويعتبر العياري أن عدم وجود عدد واضح للأساتذة النواب في حد ذاته يؤكد عدم جدية الدولة ومن ورائها وزارة التربية في التعامل مع الملف، في وقت تتحدث في الوزارة عن التوجه نحو الرقمنة في إسناد الإعداد والتعامل بين التلميذ والأستاذ.

وأوضح العياري أن محضر جلسة تم إمضاؤها سنة 2020 يهم تسوية وضعية الدفعة الرابعة للأساتذة النواب لم يقع إدراجهم في قانون المالية.

وذكر أن بدورها اتفاقية 23 ماي 2023، التي كان العنوان الأكبر فيها تسوية وضعية الأساتذة النواب بين 2008/2023، لم تشهد بعد النور ولم يقع الانطلاق في تطبيقها، كما لم يحدد عدد المعنيين بالدفعات. مشيرا في نفس السياق إلى أن عدد الشغورات يفوق عدد الأساتذة النواب حسب ما يرد في البلاغات التي تصدر دوريا عن مندوبيات التربية وتدعوا إلى سد الشغورات منذ انطلاقة السنة الدراسية. 

وكشف مالك العياري في نفس الوقت أن السنة شارفت على الانتهاء والى غاية اليوم لم يتم صرف مستحقات الأساتذة النواب، وهم بصدد العمل منذ شهر سبتمبر دون أجور.

ونفس الوضعية يعيشها المعلمون النواب للمرحلة الأساسية من التعليم الابتدائي، وصل عددهم إلى الـ 17 ألفا حسب مصادر نقابية. وتم الانطلاق في تسوية أوضاعهم المهنية على مراحل ودفعات إلا أنه لم يقع الانضباط لروزنامة المحددة في الاتفاق المبرم بين وزارة التربية والاتحاد العام التونسي للشغل.

ويعتمد هذا الشكل غير السليم للتشغيل والبعيد عما يفترض أن يتوفر في عقود العمل من استقرار وأمان، وزارة التعليم العالي في تشغيل الدكاترة وخرجي المرحلة الثالثة عبر عقود إسداء خدمات أو عقود تشغيل منتهية المدة ويتواصل ذلك لسنوات. ونفس الأمر تقوم به وزارة التربية عند توجهها نحو سد شغورات داخل إدارتها أين تقوم بتشغيل خريجي جامعات وحاملي شهائد عليا ضمن الآلية 16 (عقد التشغيل والتضامن، يمتد على تسعة أشهر قابلة للتجديد مرة واحدة، يتقاضى بموجبها المتربص منحة قدرها 120 دينارا، أصبحت 200 د بعد ماي 2013)، والآلية 20 (عقود تشغيل تم اعتمادها من أجل تشجيع الجمعيات على الانتداب يتكفل بها الصندوق الوطني للتشغيل بمبلغ 250 دينارا من الأجر لمدة 3 سنوات مع عدم إلزامية الجمعية بإسناد منحة تكميلية)  وتعتمدها الدولة لمدة غير محدد ولا يقع تسوية الوضعيات في جميع الحالات إلا بعد خوض المعنيين للاحتجاجات وتحركات مطولة.

زيادة بـ 10% من عدد الموظفين في القطاع العمومي

وفي إطار الاستجابة والتفاعل الايجابي مع دعوة رئيس الجمهورية قيس سعيد، إلى وضع حد للعمل الهش.. واعتبار أن من حق العامل أن يعمل في ظل نظام قانوني يمكنه لا من الأجر العادل فقط بل من الشعور بالاطمئنان والاستقرار والتمتع بالتغطية الاجتماعية، فيبدو أن الدولة اليوم مطالبة على الأقل بتسوية وضعية عمال الحضائر والمعلمين والأساتذة النواب وغيرها من الآليات التشغيلية الهشة باختلاف تسميتها وسياقاتها. وهو ما يمثل زيادة في حدود الـ 10% من عدد الموظفين في القطاع العمومي والذي تفيد آخر الأرقام الصادرة في شأنه ضمن ميزانية 2024، انه بلغ الـ 656 الفا و961 باحتساب الدفعة الأولى لعملة الحضائر.

من ناحيته أفاد رمضان بن عمر المتحدث باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية في حديثه لـ"الصباح"، انه من المفارقات أن الحديث  عن إلغاء المناولة كشكل من أشكال التشغيل الهش الذي يعتبر مكسبا تم تحقيقه بعد الثورة على اثر إمضاء اتفاق بين الحكومة والاتحاد العام التونسي للشغل سنة 2011، للقضاء على العمل بالمناولة وإدماج العاملين والعاملات في المؤسسات العاملين بها. لكن الدولة تراجعت آنذاك عن هذا المكسب وسمحت في إطار رضوخها لاملاءات صندوق النقد الدولي لعدد من المؤسسات العمومية لإعادة العمل بالمناولة تفاديا لتضخم كتلة الأجور.

وبين بن عمر أنه حتى مع دعوة الرئيس قيس سعيد للعودة لهذا المكسب والقطع مع آلية التشغيل الهش، لم يتضح بعد مصير العمال والعاملات الذين يشتغلون اليوم في مؤسسات الدولة بصيغة المناولة، فهل سيقع التخلي عنهم أو إدماجهم؟ ونظرا إلى أن هامش التحرك يبقى مرتبطا بميزانية الدولة التي قلصت من إمكانيات الانتداب بشكل كبير للغاية، فان تنفيذ الدولة لاتفاقاتها التي أمضتها في هذا الغرض يكون بداية جيدة.

وذكّر بن عمر بالقانون والاتفاقات المبرمة في خصوص وضعية عمال الحضائر، والتي تتهرب فيها الحكومات من مسؤلياتها وتعهداتها وتتلكأ فيها رغم انه يمكنها،إن توفرت الإرادة، أن تسرع حتى في عملية التسوية التي حددت بدفعات.

واعتبر بن عمر أن  تصريح رئيس الجمهورية الذي دعا صراحة في البلاغ الوارد على موقع رئاسة الجمهورية إلى "وضع حد للعقود المحدودة في الزمن" ورأى أن "هذا الصنف من العقود لا يُمكّن المتعاقدين من حقوقهم"..، "كما أن لصاحب المؤسسة الحق في الاستثمار من حق العامل أن يعمل في ظل نظام قانوني يمكنه لا من الأجر العادل فقط بل من الشعور بالاطمئنان والاستقرار والتمتع بالتغطية الاجتماعية"، يجب أن يستند  إلى برنامج عمل واضح للقطع نهائيا مع المناولة أو التشغيل الهش التي تحولت إلى سياسات دولة في قطاعات حيوية مثل التعليم والصحة، وفق تعبيره.

ورأى المتحدث باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية أن هياكل الدولة ومختلف الوزارات، مطالبة اليوم بتقديم خارطة طريق لتنفيذ ما ورد في تصريح رئيس الجمهورية، وشدد على أن من دور رئيس الجمهورية إجبار مؤسسات الدولة على الإيفاء بتعهداتها في علاقة بملف العمل الهش من عمال حضائر وأساتذة ومعلمين نواب وغيرهم.. والقطع نهائيا مع آلية المناولة ومختلف الآليات التي تشبهها وتتفنن في انتهاك حقوق العمال وسرقة جهدهم.

قطاع "استغلالي"..؟

وبالانتقال للقطاع الخاص يكون وضع العاملين أصعب وأكثر هشاشة، أين تم الانطلاق منذ السبعينات وضمن استراتيجيات رسمية تنموية للدولة في اعتماد ما تطلق عليه وزارة التشغيل ببرامج تنشيط للتشغيل. وهي عبارة عن عقود يتم خلالها إسناد صاحب العمل بالتكفل بجزء من اجر الشّغيل مع إجراءات إعفاء من تغطيته الاجتماعية والصحية. ويمتد هذا الامتياز الذي توفره الوزارة عبر الوكالة الوطنية للتشغيل والعمل المستقل فترات تتراوح من 9 أشهر والى غاية السنتين سنوات في خصوص الأجر وتغطي فترة تصل إلى أكثر من ذلك في خصوص التغطية الاجتماعية والصحية.

وانطلق العمل بهذه العقود منذ أكثر من 30 عاما، وعلى امتداد كل هذه السنوات، كانت مصدرا اعتمده جزء من أصحاب المال لاستغلال حاملي الشهائد لفترة تربصهم وإدماجهم في الحياة المهنية والانتفاع من جهدهم في الكثير من الأحيان دون مقابل. ومع انتهاء فترة العقد يتم التخلي عنهم لفائدة انتدابات جديدة. ورغم النقد الذي تم توجيهه لهذا النوع من العقود والذي تعلق بمدتها (فترة تربص لسنتين) وأنها في مصلحة المشغل.. فضلا عن ضعف قيمة المنحة التي لم تعد تتماشى مع نسق ارتفاع كلفة معيشة التونسيين والتونسيات لم تسجل أي تحويرات أو مراجعة.

وبالتوازي مع عقود العمل أو برامج العمل المقدمة من قبل وزارة التشغيل لفائدة القطاع الخاص، يتسم الانتداب في الجزء الأكبر من المؤسسات الخاصة بهشاشته وضعف تأجيره. وسواء كان عبر عقود محددة أو غير محددة المدة ( cdi- cdd) فان معدلات التأجير فيه تتراوح بين الـ 500 و900 دينار حسب القطاعات.

ويكون الوضع أكثر استغلالا وانتهاكا وسوءا في القطاع غير المنظم وقطاع المناولة، أين يتم فيه التأجير الأضعف على الإطلاق دون تغطية اجتماعية أو صحية أو أيام عطل. ويشمل ذلك عاملات الفلاحة والعاملات المنزليات وعمال المهن الحرة كالبناء والعاملين في مؤسسات حرفية والنجارة والحدادة وتصليح السيارات.. ويتراوح فيه اجر العامل أو العاملة اليومي بين الـ 12 دينارا ( عاملات الفلاحة) و30 دينارا ( عمال البناء)..

وتقول منظمة العمل الدولية في هذا الصدد أن العمالة الهشة بصدد مواجهة صعوبات أكبر في ممارسة حقوقها، لاسيما في الانضمام إلى نقابة أو التفاوض بشكل جماعي لتحسين الأجور وظروف العمل. كما تعد معدلات الإصابة أعلى في أوساط العمالة الهشة، وغالباً ما يعود ذلك للافتقار للتدريب في موقع العمل الذي يتوفر للموظفين الدائمين.

وتشير إلى أن الوظائف الهشة ووظائف القطاع غير المنظم لا تزال العمل الوحيد المتاح لكثير من الناس في دول العالم الثالث. وتوصف هذه الوظائف في أغلب الحالات بتدني الأجور، وضعف استقرار الوظيفة، وظروف العمل السيئة، وقلة الحماية الاجتماعية أو انعدامها.

وجاء في التقرير الذي أعده قسم البحوث في منظمة العمل الدولية انه "من الضروري إخراج عدد أكبر من العمال خارج القطاع غير المنظم بهدف تحسين ظروف العمل وتوليد إيرادات ضريبية تحتاجها الحكومة لتعزيز أنظمة الرعاية الاجتماعية. وفي هذا الصدد، يرتبط خفض عدد العمال الفقراء ارتباطاً وثيقاً بتراجع نسبة العاملين في القطاع غير المنظم".

 

مدير البرامج بالوكالة الوطنية للتكوين والعمل المستقل لـ"الصباح":" الإعداد للحياة المهنية" من أنجح البرامج.. يستفيد منه 64% من حاملي الشهادات الجامعية و 36% من غير حاملي الشهادات

وفضلا عن اعتمادها لآليات تشغيل هشة صلب إداراتها ومؤسسات ومنشآتها ووزاراتها.. توفر الدولة آليات لا تقل هشاشة في القطاع الخاص عبر "وزارة التشغيل والتكوين المهني".. عندما تقول في صفحتها الرسمية أنها تضع على ذمّة الباحثين عن الشغل عددا من البرامج والآليات الهادفة إلى تحسين التشغيلية وتيسير الاندماج في الحياة النشيطة.

 وتهدف هذه البرامج حسب وزارة التشغيل إلى تمكين الباحثين عن موطن شغل من الانتفاع بتربّصات للتّأهيل المهني لتنمية مؤهّلاتهم ومكتسباتهم المعرفية الّتي تيسّر عملية الاندماج في سوق الشّغل، وذلك من خلال التّعرّف على ظروف العمل الحقيقيّة وربط شبكة من العلاقات مع المحيط المهني.

وتجد هذه العقود قبول ورضائية لدى عدد من خريجي الجامعة باعتبار أنها كانت احد الآليات المشجعة لانتدابهم في حين مثلت آلية للاستغلال والانتهاك ومضيعة للوقت والعمر لدى البعض الآخر.

ويعتبر عقد الإعداد للحياة المهنية البرنامج الأقدم بالنسبة للوكالة الوطنية للتكوين والعمل المستقل، وهو في الأصل عقد تربص موجه لخرجي الجامعة حديثي التخرج ومن تنقصهم الخبرة المهنية، ويهدف إلى تيسير إدماج طالبي الشغل وتأهيلهم بما يتلاءم مع متطلبات الشغل. وتبلغ قيمة المنحة فيه لخريجي الجامعة 200 دينار ومثلها على الأقل تمنحها المؤسسة ويكون المبلغ في حدود الـ 150 دينارا بالنسبة للبقية ومثله تمنحه المؤسسة.

ويعتبر هشام بوسعيد مدير البرامج بالوكالة، أن برنامج الإعداد للحياة المهنية يعد من أنجح البرامج، وهو مطلوب بنفس الطريقة من جميع أنواع مؤسسات القطاع الخاص باختلاف مجالات نشاطها، ويسجل إقبالا في حدود الـ64% من حاملي الشهادات الجامعية ويستفيد منه غير حاملي الشهائد العليا بالنسبة المتبقية وهي 36%.

وينتفع من عقد التربص المذكور نحو 100 ألف فرد سنويا، 65% منهم إناث. ويعتبر بوسعيد أن برنامج الإعداد للحياة المهنية هو من البرامج غير المكلف على الدولة، أين يبلغ معدل المنح التي تصرف على المنتفع بالبرنامج الـ 1872 للفرد (سنة قابلة للتجديد)  في حين تبلغ نسبة الإدماج فيه الـ 51.6%، وهو ما يحيل إلى أن عقد الإعداد للحياة المهنية يضمن سنويا نحو الـ 50 ألف عقد عمل لطالبي الشغل في تونس. وترجح الوكالة أن النسبة أكبر من ذلك نظرا إلى أن الوكالة لا تقوم بتغطية كل المؤسسات المنتفعة بهذا العقد.

 ويشير في نفس السياق هشام بوسعيد، إلى أن الوكالة لا تقوم بتمكين المؤسسة التي لا توفر نسبة إدماج في حدود الـ 50% من امتياز الانتفاع ببرامج التشغيل لمدة يحددها رئيس مكتب التشغيل وهي طريقة لمتابعة ومراقبة الانتفاع بهذه البرامج والحلول دون استغلال طالبي الشغل وخاصة منهم خريجي الجامعة حديثي العهد.

ماذا عن عقد الخدمة المدنية؟

أما عقد الخدمة المدنية، وهو برنامج يهدف إلى تمكين طالبي الشغل خريجي الجامعة من القيام بنشاط يطور قدراتهم ويمكّنهم من اكتساب مهارات تسير لهم الاندماج في الحياة المهنية، وفلسفة هذا العقد حسب هشام بوسعيد ليس مطالبة الجمعيات من إدماج طالبي الشغل بقدر ما هو توفير تأطير لخرجي الجامعة وتوفير منحة بسيطة تيسر تنقلاتهم.. خاصة المتواجدين في مناطق داخلية بنسيج اقتصادي ضعيف. وينتفع فيه الشاب أو الشابة بمنحة 200 دينار لمدة سنة.

وبلغ عدد المنتفعين منه نحو الـ 11 ألفا سنويا، 84% منهم إناث. وحدد معدل تكلفة عقد الخدمة المدنية بنحو الـ 2200 دينار للفرد على امتداد فترة الانتفاع. ويرى مدير البرامج بالوكالة أن عقد الخدمة المدنية مثل على امتداد السنوات الماضية فرصة لخريجي الجامعة من اجل التعرف على فضاء الأعمال ومنه كان الانطلاق للدخول رسميا إلى سوق الشغل إما عبر عقود عمل مباشرة أو بالانتفاع بأحد آليات الإدماج المقترحة من الوكالة.

وأشار هشام بوسعيد إلى أن كل المنتفعين من آلية عقد الخدمة المدنية أو عقد الإعداد للحياة المهنية، تمكنهم الوكالة الوطنية للتكوين والعمل المستقل من فترة تكوين تكميلي لمدة 400 ساعة بطلب من صاحب المؤسسة أو المنتفع من البرنامج.

برنامج دعم انتداب حاملي الشهادات العليا مكلف

أما بالنسبة لبرنامج دعم انتداب حاملي الشهادات العليا (عقد الكرامة سابقا) وهو من الآليات حديثة العهد بالنسبة للوكالة، ينتفع به طالب الشغل من حاملي الشهادات العليا لمدة سنتين و يتكفل الصندوق الوطني للتشغيل بنصف الأجر والذي تم تحديده ب 400 دينار كحد أقصى حد، فضلا عن التغطية الاجتماعية لمساهمة الأعراف والأجراء.

وبلغ عدد المنتفعين من عقد الكرامة في السنوات الأخيرة معدل 5500 منتفع سنويا بنسبة مشاركة 83% إناث.

 ورأى هشام بوسعيد أن برنامج دعم انتداب حاملي الشهادات العليا من البرامج المكلفة مقارنة بتربص الإعداد للحياة المهنية. باعتبار أن الصندوق الوطني للتشغيل يتكفل بالتغطية الاجتماعية للمنتفع وقيمة المنحة التي تصل إلى نحو الـ 550 دينارا للفرد في الشهر أي ما قيمته نحو 6600 في السنة.

بداية من افريل..  آلية تشغيل جديدة للوكالة..

وفضلا عن المراجعات التي تقوم بها وزارة التشغيل في خصوص الآليات السابق ذكرها والتي تتجه إلى التقليص من مدة عقد الإعداد للحياة المهنية وتحويل عقد دعم انتداب حاملي الشهائد العليا إلى عقد غير محدد المدة، أفاد هشام بوسعيد أنه من المنتظر أن تنطلق الوكالة الوطنية للتكوين والعمل المستقل خلال شهر أفريل القادم في اعتماد آليتين جديدتين من أجل تحسين قابلية تأهيل طالبي الشغل، الأولى تكوينية أين سيتكفل الصندوق الوطني للشغل بتغطية 600 ساعة تكوين تكميلي للباحثين عن شغل مع منحة قيمتها 200 دينار لخريجي الجامعة و150 لغير خريجي الجامعة وتغطية اجتماعية لمدة 6 أشهر على أقصى تقدير.

والآلية الثانية تكون بغرض التكوين للانتداب لتلبية مواطن شغل مشخّصة بالمؤسسات الاقتصادية، ويكون ذلك بطلب من المؤسسة أساسا. أي تكوين بغرض الانتداب المباشر، وتوفر الوكالة 600 ساعة تكوين مع نفس قيمة المنحة المذكورة سابقا.

كما سيتم خلال شهر افريل الشروع في تنفيذ برنامج جديد يهم عقد إعادة الإدماج في الحياة المهنية، وتهدف إلى تيسير إعادة إدماج فاقدي الشغل مع الاستجابة إلى متطلبات الشغل للمؤسسات الخاصة. وتكون فئة المسرحين لأسباب اقتصادية أو فنية أو طرد تعسفي.. المعنية به. وتمد فترة الانتفاع به على سنة غير قابلة للتجديد ويتمتع بمنحة قيمتها 300 دينار وعلى الأقل مثلها من قبل المؤجر.

مجلة الشغل والتنقيحات المقترحة..

وللإشارة تتعرض مجلة الشغل منذ تأسيسها سنة 1966 إلى عديد الانتقادات، باعتبارها وثيقة اجتماعية بامتياز. ففي الوقت الذي يتجه رأي إلى الدعوى لمزيد اعتماد مرونة أكثر في العلاقات الشغلية تحت مسمّى الانفتاح على الاستثمار، يرى جزء مقابل أن أوضاع العمال تتجه نحو التعقيد أكثر فأكثر وأن غالبية العمال والموظفين بما فيهم الكوادر بصدد مواجهة حالة من عدم الاستقرار المهني والاجتماعي. ومن هنا تتنزل الدعاوي لإعادة صياغة المجلة على ضوء التغيرات الهيكلية التي لحقت بسوق العمل وفي محاولة لتقريبها أكثر ما يمكن من التشريعات الدولية المنظّمة للعمل. ولعل الوقت وفي ظل تبني رئيس الجمهورية لهذا التوجه، قد حان لفتح ملف تنقيح مجلة الشغل.

وعلى أهمية هذه الوثيقة القانونية، فان لا وجود لمقترحات واضحة في شان تنقيحاتها المقترحة، فعلى حد السواء تملص الاتحاد العام التونسي للشغل ومنظمة الأعراف من تقديم إجابات وتوضيحات في خصوص تحفظاتهم في شأن فصول وأبواب مجلة الشغل. ولم تجد "الصباح" طريقا إلى الظفر بتصريح لأحد أعضائها المنتخبين رغم اتصالاتها المتكررة.

في المقابل ومن ضمن النصوص الناقدة لمجلة الشغل نجد دراسة اعتدتها منظمة "فريديريش ايبرت" الألمانية، تعتبر أن إضفاء المرونة صلب منظومة التعاقد خاصة فيما يتعلق بالدوام الجزئي لم تقابله التنقيحات اللازمة صلب منظومة الضمان الاجتماعي، إذ أنها تقبل المساهمات على أساس الأجور الفعلية ولا تمكِّن الأجير بدوام جزئي من جرايات تقاعد على أساس وقت عمل كامل. كما تشير نفس الدراسة إلى أن الاتفاقيات القطاعية والإطارية المشتركة منذ التسعينيّات لم تذهب في اتجاه مزيد التضييق على إمكانية الطرد التعسفي من قبل المؤجر، بل ذهبت في مزيد إعفائه من التعويضات والغرامات التي تنجرّ عن هذا الطرد، تحت مسمى حماية المؤسسات من الإفلاس، وتركت للجنة مراقبة الطرد (معينة من وزارة الشؤون الاجتماعية وهناك جدل حول صلاحياتها والصبغة القانونية لتدخلها) حرية التفاوض وتقدير حجم التعويض. وذلك اعتمادا على حد أدنى لا يضع في الاعتبار التفاوت في أحجام المؤسسات واختلافاتها القطاعية. مع التذكير بأن إجراءات التقاضي الشغلية في حالات الطرد التعسفي أو فيما يتعلق بقضايا التقاعد تشكو من بطء مسار التحقيق. فإذا كانت الأجور غير ثابتة أو طريقة احتساب الأجور غير ثابتة، تحيل المحكمة القضية إلى الاختبار. وهو ما قد يساهم في تأخر إجراءات التقاضي مما يتطلب إضفاء صبغة استعجالية على هذه القضايا. باعتبار أنها ذات طابع معاشي له انعكاسات اجتماعية مباشرة. أو أن يدخل قرار المحكمة الابتدائية حيّز التنفيذ دون انتظار قرار محكمة الاستئناف والتعقيب، هو أحد الحلول المقترحة بهذا الصدد.                                                            

الناشطون في سوق الشغل

بينت نتائج مسح التشغيل الخاص بالثلاثي الرابع من سنة 2023 أن عدد السكان النشيطين في تونس قد بلغ 4083,8، مقابل 4032,2 خلال الثلاثي الثالث من نفس السنة، أي بزيادة قدرها 51,6 آلاف.

ويتوزع عدد النشيطين إلى 2835,5 من الذكور و 1248,2 من الإناث، وهو ما يمثل على التوالي 69,4 % و30,6% من مجموع السكان النشيطين، وعلى هذا الأساس شهدت نسبة النشاط خلال الثلاثي الرابع لسنة 2023 زيادة قدّرت بـ 0,6 نقطة لتبلغ 45,8% بعد أن كانت في حدود 45,2 % خلال الثلاثي الثالث من نفس السنة.

وبلغ عدد المشتغلين 3416,2 في نفس الفترة من السنة الماضية، مقابل 3394,1 خلال الثلاثي الثالث، أي بزيادة قدرها 22,2 ألفا. ويتوزع عدد المشتغلين إلى 2445,5 من الذكور و970,8 آلاف من الإناث، وهو ما يمثل على التوالي 71,6% و28,4 % من مجموع السكان المشتغلين.

ويتوزع المشتغلون حسب قطاع النشاط الاقتصادي إلى 54% في قطاع الخدمات و18% في قطاع الصناعات المعملية و13% في قطاع الصناعات غير المعملية 15% في قطاع الفلاحة والصيد البحري.

حول الجرد الخاص بشركات المناولة والعاملين فيها 

تجدر الشارة إلى انه بتاريخ 29 فيفري 2024، دعا وزير الشؤون الاجتماعية مالك الزاهي إلى إعداد جرد محين وعاجل لعدد شركات المناولة والعاملين بها وتكثيف الحملات على التشغيل الهش ومتابعة مدى توفر ظروف العمل اللائق، وذلك أعقاب إعلان الحكومة عن تحجير إبرام عقود المناولة الجديدة بالقطاع العمومي تبعا لقرار رئيس الجمهورية بإنهاء العمل بالمناولة.

وطالب وزير الشؤون الاجتماعية، خلال جلسة عمل، التأمت بمقر الهيئة العامة للشغل والعلاقات المهنية، حضرها عدد من المسؤولين بوزارة الشؤون الاجتماعية، بإعداد تصورات حول الآليات القانونية الكفيلة بالتصدي لكل أشكال العمل الهش وتقديم رؤى قانونية تستوعب الأنماط الجديدة للعمل، وفق بيان صادر عن الوزارة.

وأوصى الوزير، خلال جلسة العمل، بإنفاذ القانون وتشديد الرقابة حول ظروف الصحّة والسلامة المهنية بمواقع العمل ومواصلة الحملة المتعلقة بتشغيل الأشخاص ذوي الإعاقة بما يمكن من تكريس العمل اللائق بالنسبة لهذه الفئة من العمال والنظر في الإشكاليات العالقة في مجلة الشغل خاصة في علاقة بالمناولة واستيعاب الأنماط الجديدة للعمل.