إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

فيما سياسيون يخلطون بين "الذاتي والموضوعي".. غياب مظاهر الاحتفال بالمناسبات الوطنية.. يبعث على "القلق "

 

مختص في علم الاجتماع لـ"الصباح":  عوامل عديدة وراء استفحال الظاهرة والسلطة وضعف الطبقة السياسية وراءها !

تونس – الصباح

 غابت مظاهر الاحتفال بالذكرى 68 لعيد الاستقلال على غرار ما تم تسجيله في بقية الأعياد والمناسبات الوطنية خلال السنوات الأخيرة، باستثناء أنه مكن الموظفين والعملة من التمتع بيوم راحة مدفوعة الأجر. فمرت المناسبة باهتة دون معنى أو لون. إذ لم تسجل ذكرى هذا الحدث الوطني الذي يتزامن مع شهر رمضان، انخراط أي جهة سياسية أو مدنية في الاحتفال بهذه المناسبة الوطنية رغم رمزيتها وقيمتها التاريخية والإنسانية والاجتماعية والسياسية التي دفع عدد كبير من المناضلين والشهداء من كامل جهات الجمهورية تقريبا، ثمنها باهظا على امتداد أكثر من سبعة عقود من المقاومة والنضال، من أجل تحرير بلادنا من ربقة الاستعمار الفرنسي، باعتبار أن الحماية الفرنسية انتصبت في تونس منذ سنة 1881 ليكون الإمضاء على وثيقة استقلالها في 20 مارس 1956. ليتحول الاحتفال بهذه المناسبة وغيرها من الأعياد الوطنية الأخرى إلى مناسبة تخضع لخصوصية المناخ السياسي المخيم.

وفسر متابعون للشأن الوطني سبب التراجع في الاهتمام بهذا الحدث الوطني والذي بدا جليا للعيان خلال عشرية حكم منظومة ما بعد ثورة 2011 لتتحول ظاهرة الغياب إلى حقيقة وواقع أغلب الأعياد الوطنية مؤخرا بأنها نتيجة لعدة عوامل متراكمة يتقاطع فيها السياسي مع التاريخي والاجتماعي، أبرزها الدور الذي لعبته الطبقة السياسية بشكل مباشر أو غير مباشر في ترذيل مثل هذه المناسبات ودفع المواطنين للنفور منها بشكل أو بآخر. لتُحْسَب على جهات حزبية أو سياسية معينة بعد أن عمدت بعض الأحزاب والجهات السياسية في مراحل مختلفة من تاريخ تونس، نسبة هذه الأعياد والمناسبات لها واحتكرت الاحتفال بهذه المناسبة كغيرها من الأعياد الوطنية الأخرى على اعتبار أنها خاصة بهم وبأنصارها دون سواهم، فتم إقصاء وإبعاد المناضلين الحقيقيين وعائلاتهم وجهاتهم عن دوائر الاحتفال مرورا بمرحلة التشكيك فيها أو عدم الاعتراف بها من قبل جهات سياسية أخرى.

ولم يتغير الوضع بعد 25 جويلية 2021 باعتبار أن رئيس الجمهورية قيس سعيد يعتبر الاحتفال بمثل هذه المناسبات لا يخضع لبروتوكول أو وثيقة تنظم الاحتفالية وإنما مسألة مرتبطة بتحقيق السيادة الوطنية.

 في المقابل يرى البعض عن تخلي الجميع عن المشاركة في إحياء ذكرى هذا الحدث الوطني، لاسيما ما تعلق بالطبقة السياسية المعارضة وغيرها ومكونات المجتمع المدني والمنظمات، يتنزل في سياق رفض سياسة سعيد في إدارة دواليب الدولة ورفض خياراته.

ولم يخف البعض الآخر الدور الذي لعبته الطبقة السياسية المكونة لمنظومة حكم ما بعد الثورة ومساهمتها في الإجهاز على ما تبقى من المواطنين الحاملين للهم الوطني والمدافعين على احترام رمزية مثل هذه المناسبات والأعياد الوطنية بما تكرسه من انتماء لدى المواطنين للدولة التونسية. ليتحول العزوف عن المشاركة فيها إلى ما يشبه الموقف الرافض والذي يحمل دلالات ورسائل ومعاني تستوجب من السلطة الحاكمة وكافة مكونات الطبقة السياسية والمفكرين والمختصين في التاريخ وعلم الاجتماع العمل على فك "شيفرتها"، والعمل على تدارك ما يجب تداركه لضمان استقلال وسيادة الوطن وتكريس شعور أبنائه بالانتماء له والذود عنه والعمل على تقدمه وازدهاره.

                       قلق وخطر

اعتبر عبد الستار السحباني، أستاذ علم الاجتماع بالجامعة التونسية والرئيس الشرفي لجمعية علماء الاجتماع، في حديثه عن المسألة لـ"الصباح"، أن الظاهرة أصبحت خطيرة وتبعث على القلق، الأمر الذي يدفع الجهات الرسمية بالأساس للتحرك لتدراك تداعيات ذلك السلبية على الأجيال الصاعدة وعلى السيادة الوطنية.

 وأضاف قائلا: "لاحظت أن الظاهرة تستفحل فلم نعد نتحدث عن عزوف وإنما عن غياب تام كل مظاهر الاحتفال بعيد الاستقلال بما يحمله من رمزية وقيمة ومعنى على أكثر من صعيد وأصبحنا نتحدث عن غياب تام لمظاهر الاحتفال من جميع الجهات. فأصبح ذكرى عيد الاستقلال بالنسبة للتونسيين مجرد يوم راحة لا أكثر ولا أقل". لذلك دعا أستاذ علم الاجتماع المختص في الشأن السياسي السلطات الرسمية إلى إلغاء هذه "العطلة" موضحا: "لم يعد لهذه الذكرى قيمة ومعنى ودور في تكريس حب الوطن وثقافة الانتماء والاعتراف بما قدمه أجدادنا من نضال من أجل تونس ثم أن بلادنا في أمس الحاجة للعمل والجد ومضاعفة الجهود من أجل الخروج من الأزمات. وطالما أن هذا العيد لم تعد له معنى وأصبح بالنسبة للجميع كسائر أيام السنة وجب التخلي عنها".

واعتبر محدثنا أن من تداولوا على الحكم في السنوات الأخيرة ليست لهم الجرأة لإلغاء هذا العيد وغيره. خاصة بعد أن أصبح المواطن التونسي يولي أهمية للأعياد الدينية فقط ولا يبالي بالأعياد الوطنية،على حد تعبيره .

وعاد عبد الستار السحباني في تفسيره لعلاقة السلطة بمثل هذه الأعياد منذ الاستقلال إلى اليوم قائلا:"اختلف الأمر في احتفال التونسيين بعيد الاستقلال ففي فترة حكم الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة في سنواته الأولى كان التونسيون يحتفلون يوم 20 مارس لأن جيل تلك المرحلة عايش الاستعمار وفترة النضال والمقاومة، ليتراجع الاحتفال مع مرور الزمن وسيطرة الحزب الحاكم على المناسبة. وتحول الاحتفال بذكرى 7 نوفمبر في فترة حكم الراحل زين العابدين بن علي. لذا لا أستغرب أن نجد الجيل القادم يحتفل بذكرى 25 جويلية فقط مع إلغاء بقية الأعياد والمناسبات الوطنية". معتبرا تعمد البعض تزييف التاريخ خدمة لجهات سياسية أو حزبية أو فردية وتغييب حلقات وحقائق هامة من تاريخ تونس المعاصر من العوامل التي ساهمت في تعميق هوة عدم اهتمام التونسيين بمثل هذه المناسبات.

                    مسؤولية السلطة

وحمل أستاذ علم الاجتماع مسؤولية تراجع اهتمام التونسيين بهذا العيد كغيره من الأعياد الوطنية إلى السلطة الحاكمة بدرجة أولى. مشددا على ضرورة أن تلعب دورها في الاهتمام بهذه الأعياد نظرا لرمزيتها التاريخية من ناحية ولأهمية تكريسها لدى مختلف الأجيال من أجل تكريس ثقافة الانتماء للوطن. معترفا أن المسألة أصبحت في جوانب منها تخضع لميولات ونواميس القائمين على الحكم في حين أن المسألة وطنية بامتياز. لأنه يعتبر تحويل هذه الأعياد إلى مناسبات لإيصال فكرة الاستقلال والنضال والمقاومة الوطنية وحقائق تاريخية إلى الأجيال الصاعدة عبر أفلام وثائقية أو توظيف التكنولوجيات الحديثة في ذلك وتخصيص برامج موجهة لهذا الغرض يعد ضرورة من مشمولات سلطة الإشراف. واعتبر دور وسائل الإعلام هام في هذا المجال.

                      ضعف وعدم اهتمام

واعتبر محدثنا أن هذا التغافل والتجاهل وعدم اعتبار مثل هذه المناسبات يشكل خطرا كبيرا على تونس والتونسيين، خاصة أمام خلط بعض المنتمين للطبقة السياسية بين ما هو ذاتي وموضوعي. معتبرا أن ضعف الأحزاب وتشتتها وتغليب المصلحة الذاتية من العوامل التي ساهمت في عدم اهتمام التونسيين بهذه المناسبات الهامة، وفق تقديره.

نزيهة الغضباني    

فيما سياسيون يخلطون بين "الذاتي والموضوعي"..   غياب مظاهر الاحتفال بالمناسبات الوطنية.. يبعث على "القلق "

 

مختص في علم الاجتماع لـ"الصباح":  عوامل عديدة وراء استفحال الظاهرة والسلطة وضعف الطبقة السياسية وراءها !

تونس – الصباح

 غابت مظاهر الاحتفال بالذكرى 68 لعيد الاستقلال على غرار ما تم تسجيله في بقية الأعياد والمناسبات الوطنية خلال السنوات الأخيرة، باستثناء أنه مكن الموظفين والعملة من التمتع بيوم راحة مدفوعة الأجر. فمرت المناسبة باهتة دون معنى أو لون. إذ لم تسجل ذكرى هذا الحدث الوطني الذي يتزامن مع شهر رمضان، انخراط أي جهة سياسية أو مدنية في الاحتفال بهذه المناسبة الوطنية رغم رمزيتها وقيمتها التاريخية والإنسانية والاجتماعية والسياسية التي دفع عدد كبير من المناضلين والشهداء من كامل جهات الجمهورية تقريبا، ثمنها باهظا على امتداد أكثر من سبعة عقود من المقاومة والنضال، من أجل تحرير بلادنا من ربقة الاستعمار الفرنسي، باعتبار أن الحماية الفرنسية انتصبت في تونس منذ سنة 1881 ليكون الإمضاء على وثيقة استقلالها في 20 مارس 1956. ليتحول الاحتفال بهذه المناسبة وغيرها من الأعياد الوطنية الأخرى إلى مناسبة تخضع لخصوصية المناخ السياسي المخيم.

وفسر متابعون للشأن الوطني سبب التراجع في الاهتمام بهذا الحدث الوطني والذي بدا جليا للعيان خلال عشرية حكم منظومة ما بعد ثورة 2011 لتتحول ظاهرة الغياب إلى حقيقة وواقع أغلب الأعياد الوطنية مؤخرا بأنها نتيجة لعدة عوامل متراكمة يتقاطع فيها السياسي مع التاريخي والاجتماعي، أبرزها الدور الذي لعبته الطبقة السياسية بشكل مباشر أو غير مباشر في ترذيل مثل هذه المناسبات ودفع المواطنين للنفور منها بشكل أو بآخر. لتُحْسَب على جهات حزبية أو سياسية معينة بعد أن عمدت بعض الأحزاب والجهات السياسية في مراحل مختلفة من تاريخ تونس، نسبة هذه الأعياد والمناسبات لها واحتكرت الاحتفال بهذه المناسبة كغيرها من الأعياد الوطنية الأخرى على اعتبار أنها خاصة بهم وبأنصارها دون سواهم، فتم إقصاء وإبعاد المناضلين الحقيقيين وعائلاتهم وجهاتهم عن دوائر الاحتفال مرورا بمرحلة التشكيك فيها أو عدم الاعتراف بها من قبل جهات سياسية أخرى.

ولم يتغير الوضع بعد 25 جويلية 2021 باعتبار أن رئيس الجمهورية قيس سعيد يعتبر الاحتفال بمثل هذه المناسبات لا يخضع لبروتوكول أو وثيقة تنظم الاحتفالية وإنما مسألة مرتبطة بتحقيق السيادة الوطنية.

 في المقابل يرى البعض عن تخلي الجميع عن المشاركة في إحياء ذكرى هذا الحدث الوطني، لاسيما ما تعلق بالطبقة السياسية المعارضة وغيرها ومكونات المجتمع المدني والمنظمات، يتنزل في سياق رفض سياسة سعيد في إدارة دواليب الدولة ورفض خياراته.

ولم يخف البعض الآخر الدور الذي لعبته الطبقة السياسية المكونة لمنظومة حكم ما بعد الثورة ومساهمتها في الإجهاز على ما تبقى من المواطنين الحاملين للهم الوطني والمدافعين على احترام رمزية مثل هذه المناسبات والأعياد الوطنية بما تكرسه من انتماء لدى المواطنين للدولة التونسية. ليتحول العزوف عن المشاركة فيها إلى ما يشبه الموقف الرافض والذي يحمل دلالات ورسائل ومعاني تستوجب من السلطة الحاكمة وكافة مكونات الطبقة السياسية والمفكرين والمختصين في التاريخ وعلم الاجتماع العمل على فك "شيفرتها"، والعمل على تدارك ما يجب تداركه لضمان استقلال وسيادة الوطن وتكريس شعور أبنائه بالانتماء له والذود عنه والعمل على تقدمه وازدهاره.

                       قلق وخطر

اعتبر عبد الستار السحباني، أستاذ علم الاجتماع بالجامعة التونسية والرئيس الشرفي لجمعية علماء الاجتماع، في حديثه عن المسألة لـ"الصباح"، أن الظاهرة أصبحت خطيرة وتبعث على القلق، الأمر الذي يدفع الجهات الرسمية بالأساس للتحرك لتدراك تداعيات ذلك السلبية على الأجيال الصاعدة وعلى السيادة الوطنية.

 وأضاف قائلا: "لاحظت أن الظاهرة تستفحل فلم نعد نتحدث عن عزوف وإنما عن غياب تام كل مظاهر الاحتفال بعيد الاستقلال بما يحمله من رمزية وقيمة ومعنى على أكثر من صعيد وأصبحنا نتحدث عن غياب تام لمظاهر الاحتفال من جميع الجهات. فأصبح ذكرى عيد الاستقلال بالنسبة للتونسيين مجرد يوم راحة لا أكثر ولا أقل". لذلك دعا أستاذ علم الاجتماع المختص في الشأن السياسي السلطات الرسمية إلى إلغاء هذه "العطلة" موضحا: "لم يعد لهذه الذكرى قيمة ومعنى ودور في تكريس حب الوطن وثقافة الانتماء والاعتراف بما قدمه أجدادنا من نضال من أجل تونس ثم أن بلادنا في أمس الحاجة للعمل والجد ومضاعفة الجهود من أجل الخروج من الأزمات. وطالما أن هذا العيد لم تعد له معنى وأصبح بالنسبة للجميع كسائر أيام السنة وجب التخلي عنها".

واعتبر محدثنا أن من تداولوا على الحكم في السنوات الأخيرة ليست لهم الجرأة لإلغاء هذا العيد وغيره. خاصة بعد أن أصبح المواطن التونسي يولي أهمية للأعياد الدينية فقط ولا يبالي بالأعياد الوطنية،على حد تعبيره .

وعاد عبد الستار السحباني في تفسيره لعلاقة السلطة بمثل هذه الأعياد منذ الاستقلال إلى اليوم قائلا:"اختلف الأمر في احتفال التونسيين بعيد الاستقلال ففي فترة حكم الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة في سنواته الأولى كان التونسيون يحتفلون يوم 20 مارس لأن جيل تلك المرحلة عايش الاستعمار وفترة النضال والمقاومة، ليتراجع الاحتفال مع مرور الزمن وسيطرة الحزب الحاكم على المناسبة. وتحول الاحتفال بذكرى 7 نوفمبر في فترة حكم الراحل زين العابدين بن علي. لذا لا أستغرب أن نجد الجيل القادم يحتفل بذكرى 25 جويلية فقط مع إلغاء بقية الأعياد والمناسبات الوطنية". معتبرا تعمد البعض تزييف التاريخ خدمة لجهات سياسية أو حزبية أو فردية وتغييب حلقات وحقائق هامة من تاريخ تونس المعاصر من العوامل التي ساهمت في تعميق هوة عدم اهتمام التونسيين بمثل هذه المناسبات.

                    مسؤولية السلطة

وحمل أستاذ علم الاجتماع مسؤولية تراجع اهتمام التونسيين بهذا العيد كغيره من الأعياد الوطنية إلى السلطة الحاكمة بدرجة أولى. مشددا على ضرورة أن تلعب دورها في الاهتمام بهذه الأعياد نظرا لرمزيتها التاريخية من ناحية ولأهمية تكريسها لدى مختلف الأجيال من أجل تكريس ثقافة الانتماء للوطن. معترفا أن المسألة أصبحت في جوانب منها تخضع لميولات ونواميس القائمين على الحكم في حين أن المسألة وطنية بامتياز. لأنه يعتبر تحويل هذه الأعياد إلى مناسبات لإيصال فكرة الاستقلال والنضال والمقاومة الوطنية وحقائق تاريخية إلى الأجيال الصاعدة عبر أفلام وثائقية أو توظيف التكنولوجيات الحديثة في ذلك وتخصيص برامج موجهة لهذا الغرض يعد ضرورة من مشمولات سلطة الإشراف. واعتبر دور وسائل الإعلام هام في هذا المجال.

                      ضعف وعدم اهتمام

واعتبر محدثنا أن هذا التغافل والتجاهل وعدم اعتبار مثل هذه المناسبات يشكل خطرا كبيرا على تونس والتونسيين، خاصة أمام خلط بعض المنتمين للطبقة السياسية بين ما هو ذاتي وموضوعي. معتبرا أن ضعف الأحزاب وتشتتها وتغليب المصلحة الذاتية من العوامل التي ساهمت في عدم اهتمام التونسيين بهذه المناسبات الهامة، وفق تقديره.

نزيهة الغضباني