يواجه قطاع التكوين المهني في بلادنا تحديات كبيرة داخلية وخارجية في سياق البحث عن آليات التموقع المطلوبة في واقع المنظومة التعليمية في تونس لاسيما بالنسبة لفئات الشباب والباحثين عن فرص الاندماج في سوق الشغل من ناحية ولاضطلاع هذا القطاع بدوره كعامل ورافد اقتصادي واجتماعي أساسي للتنمية والتشغيل في بلادنا خاصة أنه يشكل عاملا أساسيا للتنمية في أغلب البلدان المتقدمة، فيما يسعى القائمون عليه لتفعيل دوره وحسن استغلاله على مستويين وطني ودولي لضمان النفاذ إلى سوق الشغل وإيجاد فرص العمل المنظمة في الخارج وذلك في ظل توجه سلطة الإشراف لبحث وتفعيل الاتفاقيات والبرامج الكفيلة بتحقيق ذلك، مما يحتم على سلطة الإشراف الإسراع في حل الإشكاليات التي يواجها القطاع من بينها أن عددا من مراكز التكوين مغلق والبعض الآخر في حاجة إلى إعادة الهيكلة والصيانة إضافة إلى مأسسة التكوين المهني وتنظيمه وتكامل أدوار الوزارات والهياكل المعنية من وزارات التشغيل والتكوين المهني والتربية وغيرهما سواء منه المنظر أو غير المنظر.
تتوفر بلادنا على عدة هياكل مختصة في المجال في القطاعين العمومي والخاص وتشرف الوكالة التونسية للتكوين المهني على 136 مركز تكوين مهني منتشرة في جميع أنحاء الجمهورية وتغطي أكثر من 400 تخصص في 12 قطاعا اقتصاديا. إضافة إلى 51 مركزا قطاعيا للتكوين المهني و62 مركز تكوين وتدريب مهني، تؤمن التكوين في أكثر من اختصاص موزعة حسب حاجيات الجهات. و14 مركز تكوين فتاة ريفية و9 مراكز تكوين في الحرف التقليدية و4 مدارس الفرصة الثانية، واحدة فقط منها تابعة لوزارة التشغيل والتكوين المهني. وأكد مصدر من نفس الوزارة المعنية بهذا القطاع أن سلطة الإشراف انطلقت تدريجيا في رقمنة عمليات التسجيل وتيسيرها عبر التقليص من الوثائق الإدارية المطلوبة والتسجيل عن بعد بالمؤسسات الراجعة بالنظر للوكالة التونسية للتكوين المهني بما من شأنه أن يشجع على الإقبال على التكوين المهني على اعتبار أنه خيار أمثل وليس خيارا للتدارك أو اضطراريا مثلما يذهب إلى ذلك البعض. فيما يضم التكوين المهني في القطاع الخاص أكثر من ألف مؤسسة تكوينية تشتغل في 126 تكوينا منظرا وغير منظر.
التكامل المطلوب
أرجع بعض المتابعين لوضع قطاع التكوين المهني في ظل التحديات المطروحة اليوم ليكون في مستوى المسؤولية لمسايرة ركب التطور وما يتطلبه من اختصاصات وتكوين وتدريب في مجالات مختلفة وليكون آلية للانخراط في سوق الشغل على مستويين وطني وعالمي، إلى غياب التكامل بين الجهات المعنية وعدم توفر برامج مشتركة في الغرض بين وزارات التربية والتعليم والتشغيل والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي بالأساس، رغم وجود مجالات تكوين في مجالات مختلفة تابعة أيضا لوزارات السياحة والصناعات التقليدية والدفاع الوطني والفلاحة والصيد البحري والموارد المائية.
وتؤكد عديد الجهات على أن سبب تردي وضعية التكوين المهني في بلدنا وغياب البرامج الموحدة بين الوزارات والهياكل المعنية يعود إلى ما عرفته بلادنا بعد ثورة 2011 من عدم استقرار الحكومات من ناحية وغياب سياسة واضحة للنهوض بهذا القطاع رغم أهميته.
أرقام ودلالات
يقدر عدد الاختصاصات الناشطة الموجودة في مختلف مراكز ومدارس التكوين المهني في بلادنا بـ241 من بينها 12 اختصاصا في قطاعات اقتصاديات، وتقدر طاقة الإيواء بـ152020 فيما يبلغ عدد الإطارات البيداغوجية 3790 إطارا.
وفي ما يتعلق بوضعية مراكز التكوين المهني، حسب تأكيد الجهات الرسمية وما هو منشور على الصفحة الرسمية للوكالة التونسية للتكوين المهني ووزارة الإشراف، فإن131 مؤسسة ناشطة و5 مؤسسات مغلقة وهي عين دراهم والباشية وسيدي عيسى بنزرت ومساكن.
وأوضح مصدر من نفس المجال أن عملية الصيانة والإعادة التهيئة قد انطلقت في بعضها منذ مدة. إضافة إلى أن 39 مؤسسة بصدد إعادة الهيكلة وبعضها يقدم نشاطا جزئيا. وتم في نفس الإطار بعث 5 مشاريع إحداثات جديدة بكل من تاجروين التابعة لولاية الكاف وسيدي بوزيد تالة التابعة للقصرين المتلوي بقفصة تطاوين.
في المقابل أكدت جهات رسمية أن حوالي 30 ألف تلميذ ينقطعون عن الدراسة سنويا خلال السنوات الأخيرة، إذ بلغت نسبة الأطفال المنقطعين عن الدراسة خلال السنة التربوية 2022/2023 في جميع المراحل التعليميّة 5,5 % أي ما يُعادل 106895 تلميذا موزّعة بين 0.7 % في المرحلة الابتدائيّة من مجموع المتمدرسين و10.2 % في المرحلة الإعدادية من المتمدرسين و8.9 % في المرحلة الثّانوية مع تسجيل تراجع في نسب الانقطاع المدرسي.
أما في القطاع الخاص فتم تسجيل دخول أكثر من 16 ألفا لمدارس ومراكز التكوين الخاصة التي يتجاوز عددها الألف، حسب رئيس المجمع المهني لمراكز التكوين المهني في منظمة "كناكت" محمد الغول.
المستجدات
سجل موسم السنة التكوينية 2023-2024 توجها للترفيع في التعبئة في التكوين المهني وذلك بدخول حيز الاستغلال بصفة تدريجية لـ10 مشاريع إعادة هيكلة مؤسسات تكوين مهني بما سيمكّن من تعزيز طاقة الاستيعاب وإحداث وتحيين اختصاصات أخرى ودخول اختصاصات جديدة من قبيل شهادة المؤهل التقني السامي مبرمج في "الواب" وتطبيقات الجوال بمركز حي الخضراء وشهادة المؤهل التقني السامي في "ميكاترونيك" ومصلحة بعد البيع للسيارات بمركز باش حامبة صفاقس، فضلا عن اختصاصات دهان صناعي والانطلاق في مراجعة بعض الاختصاصات من قبيل تقني مسوق للتجهيزات المنزلية والمتعددة الوسائط ومحاسب منشأة وتقني سام في البنى التحتية والشبكات وتقني سام في التسويق الوسائل المتعددة الوسائط وتقني سام في الاتصالات اختيار إعلامية وتقني في تركيب وصيانة المعدات السمعية والبصرية والجماعية وتقني مساندة في إعلامية التصرف وتقني مساح في قيس الأراضي وغيرها.
خاصة أن هناك مقاربة جديدة في مجال التكوين المهني تساعد على مزيد تحسين تشغيلية خريجي التكوين المهني عبر التعميم التدريجي للتكوين ذي الإشهاد المزدوج بين القطاعين العام والخاص في مختلف الاختصاصات المطلوبة في سوق الشغل للمساعدة على الاستجابة لحاجيات سوق الشغل من الكفاءات المختصة.
وتسعى جميع الأطراف المهتمة بهذا المجال في القطاعين العمومي والخاص إلى أن تكون نسبة إدماج خرجي التكوين المهني في سوق الشغل في حدود 80 % فيما كانت في السنوات الماضية في حدود 60% مع المساعي للتخفيض في نسبة الانقطاع عن التكوين المهني إلى 35% .
أحمد المسعودي (مدير عام التوظيف بالخارج واليد العاملة الأجنبية) لـ"الصباح": آليات واتفاقيات عديدة لضمان آلاف فرص عمل مقننة في الخارج لأبناء "التكوين المهني"
أكد أحمد المسعودي، مدير عام التوظيف بالخارج واليد العاملة الأجنبية، أن هناك عدة اتفاقيات دولية في مجال التشغيل تربط بلادنا بعدة بلدان لاسيما منها بلدان أوروبية والتي بموجبها يمكن تمكين الحاصلين على شهائد تكوين مهني من الحصول على عقود عمل هناك تضمن فرص هجرة مقننة إضافة إلى وجود اتفاقيات جديدة في الغرض من المنتظر أن تفتح آفاقا تشغيلية لأعداد كبيرة من حاملي شهائد تكوين. وبين في نفس الإطار الاتفاقية التونسية الفرنسية منذ 2008 وبموجبها يتم توظيف 9 آلاف تونسي سنويا تتوزع حسب آليات التشغيل الأربعة المعمول بها وذلك بتشغيل 2500 في العمل الموسمي التي تتراوح بين ثلاث وستة أشهر، والتي سجلت في العام المنقضي زيادة ليصل عدد المنتدبين في سوق الشغل الفرنسية في الغرض أكثر من 3800، موضحا أن 99% ممن اشتغلوا وفق هذه الآليات احترموا بنود العقد وكانت التجربة ناجحة، حسب تأكيد الجهات الأجنبية، خاصة أن أغلبها كان في مجالات الفلاحة وغيرها من المهن في قطاع السياحة وأيضا قطاع الصحة الذي دخل ضمن العمل الموسمي في مجال رعاية المسنين وغيرها إضافة إلى مهن أخرى. إلى جانب اتفاقيات أخرى في نفس الغرض تم إبرامها بين وزير التشغيل والتكوين المهني وممثلو بعض البلدان والجهات الأوروبية على غرار الاتفاقية التونسية الإيطالية التي تم إمضاؤها مؤخرا إمضاء البروتوكول التنفيذي بعد إمضاء الطرفين مذكرة تفاهم في أكتوبر الماضي ليتم بموجبها تشغيل 12 ألف بطاقة إقامة موسمية لليد العاملة التونسية في إيطاليا خلال ثلاث سنوات بمعدل أربعة آلاف بكل عام، فضلا عن اتفاق تعاون تونسي سويسري عبر مشروع "آفاق" الخاص بتبادل المهنيين الشبان بين البلدين. وغيرها من الاتفاقات الأخرى في الغرض مع الاتحاد الأوروبي وألمانيا أو مع بلدان إقليمية وعربية تهدف في مجملها لضمان برامج تعاون مثمرة من ناحية وتوفير فرص شغل منظمة للتونسيين كفيلة بضمان الحقوق وظروف الإقامة والتنقل والعمل القانونية.
آليات متنوعة
كما أفاد مدير عام التوظيف بالخارج واليد العاملة الأجنبية أن آلية عقود العمل المحدودة في الزمن أو غير المحددة التي تسمح لبلادنا بتشغيل 3500 فرد من حاملي شهائد عليا في اختصاصات مختلفة أو شهائد تكوين منظرة، قد سجلت في العام المنقضي زيادة ليتجاوز العدد 4 آلاف عقد عمل من بينها 3950 عقدا غير محددة. فيما اعتبر عقود جواز الكفاءات الموجهة بالأساس إلى الكفاءات العليا وذوي المهارات الفنية والرياضية وغيرها أن أغلبهم من المهندسين والأطباء وتشمل سنويا 1500 لكنها سجلت زيادة في عدد المنتدبين في سنة 2023.
وأفاد أحمد المسعودي أن آلية الشبان المهنيين المتحصلين على تكوين مهني أو تكوين جامعي المطلوبة في مثل هذه الفرص من العمل بالخارج وتحديدا في أوروبا أغلبها في اختصاصات الطبخ وتقنيين في اللحام والصيانة الصناعية والبناء موضحا أن عروض العمل في هذا المجال موجودة على منصات رقمية الأمر الذي جعل الإقبال عليها يكون ضعيفا من قبل التونسيين لأسباب عديدة. موضحا أن المساعي جارية بين الوكالة الوطنية للعمل المستقل مع الجهات الفرنسية لاستغلال عروض الشغل غير الملبية لفائدة بلادنا. مشددا على أن سياسة الدولة التي تنتهجها وزارة التشغيل والتكوين المهني تتمثل في تكريس الهجرة المنظمة عبر ضمان عقود عمل مقننة لخريجي الجامعات والمعاهد العليا ومدارس ومراكز التكوين المهني لضمان حقوق المهاجرين والابتعاد عن الهجرة غير النظامية.
الأمجد محمود (مدير عام تنمية التكوين المهني ورئيس مشروع الفرصة الثانية بوزارة التشغيل والتكوين المهني) لـ"الصباح": التكوين المهني في الخارج جزء من المنظومة التربوية
لئن يعد التكوين المهني في عدة بلدان متقدمة أوروبية وعربية جزءا من المنظومة التربوية، إلا أنه في بلادنا لم يدرك بعد هذه المرحلة باعتبار أن الطفل أو التلميذ عندما يغادر مقاعد الدراسة في مرحلة عمرية مبكرة لا يجد تكوينا. لذلك جاء مشروع مدرسة الفرصة الثانية، وفق ما أكده الأمجد محمود، مدير عام تنمية التكوين المهني ورئيس مشروع الفرصة الثانية بوزارة التشغيل والتكوين المهني لـ"الصباح". وبين أن غياب برنامج عمل موحد بين وزارتي التربية والتشغيل والتكوين المهني بخصوص الآلاف من التلاميذ المنقطعين ن الدراسة في مراحل عمرية مختلفة يجعل وضعية هؤلاء على غاية من الخطورة باعتبار أنه ليس كل المنقطعين يلتحقون بالتكوين المهني. واعتبر أن أهمية تواصل المسارات بين الهياكل والجهات المعنية والدفع لشحذ الهمم التكوينية من شانه أن يوفر فرص تكوين وتشغيل وآفاقا أفضل بالنسبة لفئة كبيرة من هذه الفئة. لأنه يرى أنه من واجب الدولة الاستثمار في الشباب وذلك عبر غرس وتكريس ثقافة التربية على حب العمل والتشجيع على تنمية المهارات والإبداعات ودفع الراغبين في بعث المشاريع لتطوير اهتماماتهم عبر التوجه للتكوين.
في سياق آخر أفاد مدير عام تنمية التكوين المهني ورئيس مشروع الفرصة الثانية بالقول: "النظام الحالي المعتمد في بلادنا يكرس صورة سلبية عن التكوين المهني. في حين أن 99 % من المؤسسات الصغرى في بلادنا في حاجة اليوم لليد العاملة ثم أن سلم المهارات المتكون من كفاءات قاعدية ووسيطة وأخرى عليا تتماشى وهرمية النظام التربوي. لذلك يجب أن يكون هناك توازن بين جميع المستويات".
كما اعتبر الأمجد محمود أن إعادة النظر في المنوال التنموي يتطلب ضرورة إعادة النظر في النوال التربوي على اعتبار أن السياسة العمومية للدولة يجب أن تراعي الموازنة المطلوبة في التقسيم الاجتماعي للعمل عبر توجيه التلاميذ إلى الاندماج في الحياة الاجتماعية والمهنية. وذلك عبر إعطاء فرص للتكوين والتعلم مدى الحياة وفق البرامج المعدة للغرض خاصة أن بعض الاختصاصات تتطلب مواكبة للتطورات وتحيين للمعارف.
توحيد الرؤى والبرامج
واعبر محدثنا أن توحيد الرؤى والبرامج بين وزارتي التربية والتشغيل والتكوين المهني يعد ضرورة اليوم أكثر من أي وقت مضى وإدراج ذلك ضمن العمل الهيكلي للوزارتين.
وأفاد نفس المتحدث أن هناك تطورا على مستوى سياسات الدولة لتكريس التكامل وخلق سياسة اندماجية على اعتبار أن دور الدولة هو الأخذ بيد الفئات المنقطعة عن الدراسة سواء عبر إدماجهم في برامج التكوين المهني أو مدرسة الفرصة الثانية لمن هم في سن مبكرة. معتبرا أن ذلك يعد أحد الحلول لإعادة إدماج المنقطعين عن التعليم نظرا لخصوصية هذه "المدرسة" ودورها الاجتماعي والتربوي موضحا أنه من المنتظر أن يتم بعث مدارس أخرى للفرص الثانية بعدة جهات أخرى. وأضاف قائلا: "مدرسة الفرصة تعد احد الحلول للمنقطعين القصر عن الدراسة ممن سنهم دون 14 سنة وهي توفر لهم المرافقة كبعد اجتماعي والتعليم وإعادة التأهيل بما يمكن البعض من العودة إلى مقاعد الدراسة أو الالتحاق بمجالات تكوينية". معتبرا أن دور تفقدية الشغل ضروري لمراقبة استغلال البعض للقصر من المنقطعين عن الدراسة للعمل في ظروف غير إنسانية حمايتهم من الاستغلال عبر توجيههم إلى الجهات المعنية لتلقي تكوين أو إلحاق بفرصة المدرسة الثانية.
ويرى أن الإصلاحات المنتظرة في هذا القطاع يجب أن تعمل على تثمين التكوين المهني لإنقاذ أكبر عدد ممكن من شريحة المنقطعين عن الدراسة وغيرهم ممن يبحثون على فرص عمل بطرق يسيرة في سوق الشغل وطنيا أو في الخارج.
نزيهة الغضباني
تونس – الصباح
يواجه قطاع التكوين المهني في بلادنا تحديات كبيرة داخلية وخارجية في سياق البحث عن آليات التموقع المطلوبة في واقع المنظومة التعليمية في تونس لاسيما بالنسبة لفئات الشباب والباحثين عن فرص الاندماج في سوق الشغل من ناحية ولاضطلاع هذا القطاع بدوره كعامل ورافد اقتصادي واجتماعي أساسي للتنمية والتشغيل في بلادنا خاصة أنه يشكل عاملا أساسيا للتنمية في أغلب البلدان المتقدمة، فيما يسعى القائمون عليه لتفعيل دوره وحسن استغلاله على مستويين وطني ودولي لضمان النفاذ إلى سوق الشغل وإيجاد فرص العمل المنظمة في الخارج وذلك في ظل توجه سلطة الإشراف لبحث وتفعيل الاتفاقيات والبرامج الكفيلة بتحقيق ذلك، مما يحتم على سلطة الإشراف الإسراع في حل الإشكاليات التي يواجها القطاع من بينها أن عددا من مراكز التكوين مغلق والبعض الآخر في حاجة إلى إعادة الهيكلة والصيانة إضافة إلى مأسسة التكوين المهني وتنظيمه وتكامل أدوار الوزارات والهياكل المعنية من وزارات التشغيل والتكوين المهني والتربية وغيرهما سواء منه المنظر أو غير المنظر.
تتوفر بلادنا على عدة هياكل مختصة في المجال في القطاعين العمومي والخاص وتشرف الوكالة التونسية للتكوين المهني على 136 مركز تكوين مهني منتشرة في جميع أنحاء الجمهورية وتغطي أكثر من 400 تخصص في 12 قطاعا اقتصاديا. إضافة إلى 51 مركزا قطاعيا للتكوين المهني و62 مركز تكوين وتدريب مهني، تؤمن التكوين في أكثر من اختصاص موزعة حسب حاجيات الجهات. و14 مركز تكوين فتاة ريفية و9 مراكز تكوين في الحرف التقليدية و4 مدارس الفرصة الثانية، واحدة فقط منها تابعة لوزارة التشغيل والتكوين المهني. وأكد مصدر من نفس الوزارة المعنية بهذا القطاع أن سلطة الإشراف انطلقت تدريجيا في رقمنة عمليات التسجيل وتيسيرها عبر التقليص من الوثائق الإدارية المطلوبة والتسجيل عن بعد بالمؤسسات الراجعة بالنظر للوكالة التونسية للتكوين المهني بما من شأنه أن يشجع على الإقبال على التكوين المهني على اعتبار أنه خيار أمثل وليس خيارا للتدارك أو اضطراريا مثلما يذهب إلى ذلك البعض. فيما يضم التكوين المهني في القطاع الخاص أكثر من ألف مؤسسة تكوينية تشتغل في 126 تكوينا منظرا وغير منظر.
التكامل المطلوب
أرجع بعض المتابعين لوضع قطاع التكوين المهني في ظل التحديات المطروحة اليوم ليكون في مستوى المسؤولية لمسايرة ركب التطور وما يتطلبه من اختصاصات وتكوين وتدريب في مجالات مختلفة وليكون آلية للانخراط في سوق الشغل على مستويين وطني وعالمي، إلى غياب التكامل بين الجهات المعنية وعدم توفر برامج مشتركة في الغرض بين وزارات التربية والتعليم والتشغيل والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي بالأساس، رغم وجود مجالات تكوين في مجالات مختلفة تابعة أيضا لوزارات السياحة والصناعات التقليدية والدفاع الوطني والفلاحة والصيد البحري والموارد المائية.
وتؤكد عديد الجهات على أن سبب تردي وضعية التكوين المهني في بلدنا وغياب البرامج الموحدة بين الوزارات والهياكل المعنية يعود إلى ما عرفته بلادنا بعد ثورة 2011 من عدم استقرار الحكومات من ناحية وغياب سياسة واضحة للنهوض بهذا القطاع رغم أهميته.
أرقام ودلالات
يقدر عدد الاختصاصات الناشطة الموجودة في مختلف مراكز ومدارس التكوين المهني في بلادنا بـ241 من بينها 12 اختصاصا في قطاعات اقتصاديات، وتقدر طاقة الإيواء بـ152020 فيما يبلغ عدد الإطارات البيداغوجية 3790 إطارا.
وفي ما يتعلق بوضعية مراكز التكوين المهني، حسب تأكيد الجهات الرسمية وما هو منشور على الصفحة الرسمية للوكالة التونسية للتكوين المهني ووزارة الإشراف، فإن131 مؤسسة ناشطة و5 مؤسسات مغلقة وهي عين دراهم والباشية وسيدي عيسى بنزرت ومساكن.
وأوضح مصدر من نفس المجال أن عملية الصيانة والإعادة التهيئة قد انطلقت في بعضها منذ مدة. إضافة إلى أن 39 مؤسسة بصدد إعادة الهيكلة وبعضها يقدم نشاطا جزئيا. وتم في نفس الإطار بعث 5 مشاريع إحداثات جديدة بكل من تاجروين التابعة لولاية الكاف وسيدي بوزيد تالة التابعة للقصرين المتلوي بقفصة تطاوين.
في المقابل أكدت جهات رسمية أن حوالي 30 ألف تلميذ ينقطعون عن الدراسة سنويا خلال السنوات الأخيرة، إذ بلغت نسبة الأطفال المنقطعين عن الدراسة خلال السنة التربوية 2022/2023 في جميع المراحل التعليميّة 5,5 % أي ما يُعادل 106895 تلميذا موزّعة بين 0.7 % في المرحلة الابتدائيّة من مجموع المتمدرسين و10.2 % في المرحلة الإعدادية من المتمدرسين و8.9 % في المرحلة الثّانوية مع تسجيل تراجع في نسب الانقطاع المدرسي.
أما في القطاع الخاص فتم تسجيل دخول أكثر من 16 ألفا لمدارس ومراكز التكوين الخاصة التي يتجاوز عددها الألف، حسب رئيس المجمع المهني لمراكز التكوين المهني في منظمة "كناكت" محمد الغول.
المستجدات
سجل موسم السنة التكوينية 2023-2024 توجها للترفيع في التعبئة في التكوين المهني وذلك بدخول حيز الاستغلال بصفة تدريجية لـ10 مشاريع إعادة هيكلة مؤسسات تكوين مهني بما سيمكّن من تعزيز طاقة الاستيعاب وإحداث وتحيين اختصاصات أخرى ودخول اختصاصات جديدة من قبيل شهادة المؤهل التقني السامي مبرمج في "الواب" وتطبيقات الجوال بمركز حي الخضراء وشهادة المؤهل التقني السامي في "ميكاترونيك" ومصلحة بعد البيع للسيارات بمركز باش حامبة صفاقس، فضلا عن اختصاصات دهان صناعي والانطلاق في مراجعة بعض الاختصاصات من قبيل تقني مسوق للتجهيزات المنزلية والمتعددة الوسائط ومحاسب منشأة وتقني سام في البنى التحتية والشبكات وتقني سام في التسويق الوسائل المتعددة الوسائط وتقني سام في الاتصالات اختيار إعلامية وتقني في تركيب وصيانة المعدات السمعية والبصرية والجماعية وتقني مساندة في إعلامية التصرف وتقني مساح في قيس الأراضي وغيرها.
خاصة أن هناك مقاربة جديدة في مجال التكوين المهني تساعد على مزيد تحسين تشغيلية خريجي التكوين المهني عبر التعميم التدريجي للتكوين ذي الإشهاد المزدوج بين القطاعين العام والخاص في مختلف الاختصاصات المطلوبة في سوق الشغل للمساعدة على الاستجابة لحاجيات سوق الشغل من الكفاءات المختصة.
وتسعى جميع الأطراف المهتمة بهذا المجال في القطاعين العمومي والخاص إلى أن تكون نسبة إدماج خرجي التكوين المهني في سوق الشغل في حدود 80 % فيما كانت في السنوات الماضية في حدود 60% مع المساعي للتخفيض في نسبة الانقطاع عن التكوين المهني إلى 35% .
أحمد المسعودي (مدير عام التوظيف بالخارج واليد العاملة الأجنبية) لـ"الصباح": آليات واتفاقيات عديدة لضمان آلاف فرص عمل مقننة في الخارج لأبناء "التكوين المهني"
أكد أحمد المسعودي، مدير عام التوظيف بالخارج واليد العاملة الأجنبية، أن هناك عدة اتفاقيات دولية في مجال التشغيل تربط بلادنا بعدة بلدان لاسيما منها بلدان أوروبية والتي بموجبها يمكن تمكين الحاصلين على شهائد تكوين مهني من الحصول على عقود عمل هناك تضمن فرص هجرة مقننة إضافة إلى وجود اتفاقيات جديدة في الغرض من المنتظر أن تفتح آفاقا تشغيلية لأعداد كبيرة من حاملي شهائد تكوين. وبين في نفس الإطار الاتفاقية التونسية الفرنسية منذ 2008 وبموجبها يتم توظيف 9 آلاف تونسي سنويا تتوزع حسب آليات التشغيل الأربعة المعمول بها وذلك بتشغيل 2500 في العمل الموسمي التي تتراوح بين ثلاث وستة أشهر، والتي سجلت في العام المنقضي زيادة ليصل عدد المنتدبين في سوق الشغل الفرنسية في الغرض أكثر من 3800، موضحا أن 99% ممن اشتغلوا وفق هذه الآليات احترموا بنود العقد وكانت التجربة ناجحة، حسب تأكيد الجهات الأجنبية، خاصة أن أغلبها كان في مجالات الفلاحة وغيرها من المهن في قطاع السياحة وأيضا قطاع الصحة الذي دخل ضمن العمل الموسمي في مجال رعاية المسنين وغيرها إضافة إلى مهن أخرى. إلى جانب اتفاقيات أخرى في نفس الغرض تم إبرامها بين وزير التشغيل والتكوين المهني وممثلو بعض البلدان والجهات الأوروبية على غرار الاتفاقية التونسية الإيطالية التي تم إمضاؤها مؤخرا إمضاء البروتوكول التنفيذي بعد إمضاء الطرفين مذكرة تفاهم في أكتوبر الماضي ليتم بموجبها تشغيل 12 ألف بطاقة إقامة موسمية لليد العاملة التونسية في إيطاليا خلال ثلاث سنوات بمعدل أربعة آلاف بكل عام، فضلا عن اتفاق تعاون تونسي سويسري عبر مشروع "آفاق" الخاص بتبادل المهنيين الشبان بين البلدين. وغيرها من الاتفاقات الأخرى في الغرض مع الاتحاد الأوروبي وألمانيا أو مع بلدان إقليمية وعربية تهدف في مجملها لضمان برامج تعاون مثمرة من ناحية وتوفير فرص شغل منظمة للتونسيين كفيلة بضمان الحقوق وظروف الإقامة والتنقل والعمل القانونية.
آليات متنوعة
كما أفاد مدير عام التوظيف بالخارج واليد العاملة الأجنبية أن آلية عقود العمل المحدودة في الزمن أو غير المحددة التي تسمح لبلادنا بتشغيل 3500 فرد من حاملي شهائد عليا في اختصاصات مختلفة أو شهائد تكوين منظرة، قد سجلت في العام المنقضي زيادة ليتجاوز العدد 4 آلاف عقد عمل من بينها 3950 عقدا غير محددة. فيما اعتبر عقود جواز الكفاءات الموجهة بالأساس إلى الكفاءات العليا وذوي المهارات الفنية والرياضية وغيرها أن أغلبهم من المهندسين والأطباء وتشمل سنويا 1500 لكنها سجلت زيادة في عدد المنتدبين في سنة 2023.
وأفاد أحمد المسعودي أن آلية الشبان المهنيين المتحصلين على تكوين مهني أو تكوين جامعي المطلوبة في مثل هذه الفرص من العمل بالخارج وتحديدا في أوروبا أغلبها في اختصاصات الطبخ وتقنيين في اللحام والصيانة الصناعية والبناء موضحا أن عروض العمل في هذا المجال موجودة على منصات رقمية الأمر الذي جعل الإقبال عليها يكون ضعيفا من قبل التونسيين لأسباب عديدة. موضحا أن المساعي جارية بين الوكالة الوطنية للعمل المستقل مع الجهات الفرنسية لاستغلال عروض الشغل غير الملبية لفائدة بلادنا. مشددا على أن سياسة الدولة التي تنتهجها وزارة التشغيل والتكوين المهني تتمثل في تكريس الهجرة المنظمة عبر ضمان عقود عمل مقننة لخريجي الجامعات والمعاهد العليا ومدارس ومراكز التكوين المهني لضمان حقوق المهاجرين والابتعاد عن الهجرة غير النظامية.
الأمجد محمود (مدير عام تنمية التكوين المهني ورئيس مشروع الفرصة الثانية بوزارة التشغيل والتكوين المهني) لـ"الصباح": التكوين المهني في الخارج جزء من المنظومة التربوية
لئن يعد التكوين المهني في عدة بلدان متقدمة أوروبية وعربية جزءا من المنظومة التربوية، إلا أنه في بلادنا لم يدرك بعد هذه المرحلة باعتبار أن الطفل أو التلميذ عندما يغادر مقاعد الدراسة في مرحلة عمرية مبكرة لا يجد تكوينا. لذلك جاء مشروع مدرسة الفرصة الثانية، وفق ما أكده الأمجد محمود، مدير عام تنمية التكوين المهني ورئيس مشروع الفرصة الثانية بوزارة التشغيل والتكوين المهني لـ"الصباح". وبين أن غياب برنامج عمل موحد بين وزارتي التربية والتشغيل والتكوين المهني بخصوص الآلاف من التلاميذ المنقطعين ن الدراسة في مراحل عمرية مختلفة يجعل وضعية هؤلاء على غاية من الخطورة باعتبار أنه ليس كل المنقطعين يلتحقون بالتكوين المهني. واعتبر أن أهمية تواصل المسارات بين الهياكل والجهات المعنية والدفع لشحذ الهمم التكوينية من شانه أن يوفر فرص تكوين وتشغيل وآفاقا أفضل بالنسبة لفئة كبيرة من هذه الفئة. لأنه يرى أنه من واجب الدولة الاستثمار في الشباب وذلك عبر غرس وتكريس ثقافة التربية على حب العمل والتشجيع على تنمية المهارات والإبداعات ودفع الراغبين في بعث المشاريع لتطوير اهتماماتهم عبر التوجه للتكوين.
في سياق آخر أفاد مدير عام تنمية التكوين المهني ورئيس مشروع الفرصة الثانية بالقول: "النظام الحالي المعتمد في بلادنا يكرس صورة سلبية عن التكوين المهني. في حين أن 99 % من المؤسسات الصغرى في بلادنا في حاجة اليوم لليد العاملة ثم أن سلم المهارات المتكون من كفاءات قاعدية ووسيطة وأخرى عليا تتماشى وهرمية النظام التربوي. لذلك يجب أن يكون هناك توازن بين جميع المستويات".
كما اعتبر الأمجد محمود أن إعادة النظر في المنوال التنموي يتطلب ضرورة إعادة النظر في النوال التربوي على اعتبار أن السياسة العمومية للدولة يجب أن تراعي الموازنة المطلوبة في التقسيم الاجتماعي للعمل عبر توجيه التلاميذ إلى الاندماج في الحياة الاجتماعية والمهنية. وذلك عبر إعطاء فرص للتكوين والتعلم مدى الحياة وفق البرامج المعدة للغرض خاصة أن بعض الاختصاصات تتطلب مواكبة للتطورات وتحيين للمعارف.
توحيد الرؤى والبرامج
واعبر محدثنا أن توحيد الرؤى والبرامج بين وزارتي التربية والتشغيل والتكوين المهني يعد ضرورة اليوم أكثر من أي وقت مضى وإدراج ذلك ضمن العمل الهيكلي للوزارتين.
وأفاد نفس المتحدث أن هناك تطورا على مستوى سياسات الدولة لتكريس التكامل وخلق سياسة اندماجية على اعتبار أن دور الدولة هو الأخذ بيد الفئات المنقطعة عن الدراسة سواء عبر إدماجهم في برامج التكوين المهني أو مدرسة الفرصة الثانية لمن هم في سن مبكرة. معتبرا أن ذلك يعد أحد الحلول لإعادة إدماج المنقطعين عن التعليم نظرا لخصوصية هذه "المدرسة" ودورها الاجتماعي والتربوي موضحا أنه من المنتظر أن يتم بعث مدارس أخرى للفرص الثانية بعدة جهات أخرى. وأضاف قائلا: "مدرسة الفرصة تعد احد الحلول للمنقطعين القصر عن الدراسة ممن سنهم دون 14 سنة وهي توفر لهم المرافقة كبعد اجتماعي والتعليم وإعادة التأهيل بما يمكن البعض من العودة إلى مقاعد الدراسة أو الالتحاق بمجالات تكوينية". معتبرا أن دور تفقدية الشغل ضروري لمراقبة استغلال البعض للقصر من المنقطعين عن الدراسة للعمل في ظروف غير إنسانية حمايتهم من الاستغلال عبر توجيههم إلى الجهات المعنية لتلقي تكوين أو إلحاق بفرصة المدرسة الثانية.
ويرى أن الإصلاحات المنتظرة في هذا القطاع يجب أن تعمل على تثمين التكوين المهني لإنقاذ أكبر عدد ممكن من شريحة المنقطعين عن الدراسة وغيرهم ممن يبحثون على فرص عمل بطرق يسيرة في سوق الشغل وطنيا أو في الخارج.