يبدو أنه في غضون العشر سنوات القادمة –أو حتى أقل- لن تكون فرصة الظفر بطبيب كفء للعلاج من المسائل المتاحة أو السهلة المنال.. في ظل توقّعات أهل الاختصاص بتواصل نزيف هجرة الأطباء لاسيما من الكفاءات إلى درجة ستجد فيها المنظومة الصحية نفسها عاجزة عن توفير طبيب اختصاص أو حتى طبيب عائلة.
مٌعضلة على أهميتها تبقى للأسف طي النسيان (علما أن وزارة الصحة وفقا لما أكدته مصادر مطلعة لـ"الصباح" بصدد إعداد مشروع للإحاطة بالأطباء الشبان) خاصة وأن مسالة هجرة الأطباء بصفة عامة ترتقي إلى مرتبة الأمن الصحي القومي.
من هذا المنطلق وفي تشخيص للوضع الصحي ببلادنا في علاقة بهجرة الأطباء فانه يتلخص كالآتي: طلبة جدد يستعدون للمغادرة إلى مستشفيات فرنسا أو ألمانيا (خاصة أن ألمانيا باتت توفر تسهيلات في علاقة باستقطاب الكفاءات الطبية تتمثل في توفير فرصة استكمال دراستهم وتخصّصهم في كلياتها) أو كندا أو باقي دول الخليج ومؤخرا دخلت إيطاليا على الخط.. أو أطباء أكفاء ذوي خبرة تتجاوز العشر سنوات في اختصاصات دقيقة كالتخدير والإنعاش حزموا بدورهم أمتعتهم استعدادا للرحيل.. رغم وجود نقص كبير في أطباء الاختصاص سواء في المستشفيات العمومية كما الخاصة.
أما فيما يتعلّق بهجرة الإطارات شبه الطبية فحدث ولا حرج..، وضعية قد تدفع قريبا بالتونسي إلى المغادرة إلى دول مجاورة للعلاج بعد أن كانت المنظومة الصحية التونسية رائدة وسباقة وقبلة للأشقاء من المغاربة أو الأوروبيين للعلاج والتداوي...
قد يتساءل كثيرون عن الأسباب التي تدفع لهجرة الأطباء رغم انه يعلمها القاصي والداني (إمكانيات محدودة ونقص حاد في التجهيزات واعتداءات متكررة على الإطارات الطبية وشبه الطبية وغيرها من المسائل...) لكن السؤال الذي يظل يتبادر إلى الذهن بإلحاح في ظل "تسونامي" هجرة الأطباء الذي نعيش على وقعه منذ مدة.. والذي يؤكده أهل الاختصاص أن أسبابا عديدة ومتشعبة تقف وراءه، وفي هذا الخصوص جدير بالذكر أن كاتب عام عمادة الأطباء زياد العذاري كان قد تعرض مؤخرا في تصريح لإذاعة "موزاييك أف أم" إلى محاولات إجبار أطباء الاختصاص على العمل في المناطق الداخلية، معتبرا أنّ هذا التوجّه لا يمكن أن يكون مثمرا في ظلّ الوضع الصعب الذي يعيشه القطاع الصحي وإمكانيات الهجرة المتاحة أمام الأطباء الشبان للعمل في الخارج في فرنسا وألمانيا خاصة.
وقال العذاري "علينا أن نكون واقعيين.. حتى الدول العظمى لم تصل إلى توفير أطباء الاختصاص في جميع المناطق''، داعيا إلى تطوير الطب الوقائي للتقليص من الأمراض وهي سياسة يراها ناجعة موفرة للأموال وتحافظ على الصحة العامة"، هذا بالتوازي مع التخلي عن السياسة الصحية الحالية التي وصفها بالخاطئة والتي تعتمد على العلاج بدلا من الوقاية.
وتوقع العذاري أن يشهد طبّ الاختصاص في غضون العشر سنوات المقبلة نقصا كبيرا في تونس، بسبب هجرة الأطباء، ملاحظا أنّه في سنة 2023 أكثر من 1500 طبيب غادروا البلاد أمام الفرص التي تتيحها دول أوروبية على غرار ألمانيا وحتى لطلبة الطب الذين لم يستكملوا دراستهم.
وبحسب إحصائيات عمادة الأطباء، يغادر تونس سنويا 80 بالمائة من الأطباء الشبان حديثي التخرج وسط دعوات عاجلة من المنظمات المهنية العاملة في قطاع الصحة لإيجاد حلول جذرية تنهي نزيف هجرة الأطباء وتأثيراتها على جودة الصحة العامة والاستثمارات الطبية ومستقبل قطاع الصحة.
ويشار إلى أن الأطباء الشبان يتجهون بالأساس نحو السوق الأوروبية، حيث تعتبر ألمانيا وفرنسا وجهة أولى لهم تليها دول الخليج وكندا، وفق آخر أرقام نشرتها وكالة التعاون الفني في تونس.
وقال الناطق الرسمي باسم جمعية الأطباء التونسيين حول العالم قيصر ساسي، الطبيب المختص في الإنعاش والتخذير، في تصريحات لموقع "سكاي نيوز عربية"، "طالبنا عمادة الأطباء بإرساء حوار وطني حول قطاع الصحة في تونس من أجل وضع تحفيزات تمنع هجرة الأطباء من البلاد وتشجع من غادروها على العودة للعمل في المشافي التونسية".
من جهة أخرى تجدر الإشارة إلى أن استفحال ظاهرة العنف داخل المستشفيات ضد الإطارات الطبية كانت من بين الأسباب القوية التي دعمت من نزيف هجرة الأطباء وفقا للناطق الرسمي باسم جمعية الأطباء التونسيين حيث تعرض200 طبيب للعنف الجسدي على الأقل مرة واحدة في المستشفيات إلى جانب تدهور ظروف العمل ونقص المعدات خاصة في المستشفيات العامة وضعف تأجير الأطباء وهي من أكثر العوامل الدافعة بالأطباء الشبان نحو الهجرة .
ودعا الطبيب الشاب السلطات إلى مراجعة التشريعات المنظمة لعمل الأطباء التونسيين المقيمين في الخارج الذين يمنعهم القانون من الجمع ممارسة الطب بين تونس ودول إقامتهم بالخارج، مؤكدا أنهم اكتسبوا مهارات تقنية هامة في استخدام التجهيزات والمعدات الحديثة تسمح بالاستفادة من خدماتهم خاصة في المناطق الداخلية التي تشكو من نقص في طب الاختصاص.
وأكد الناطق الرسمي باسم جمعية الأطباء التونسيين حول العالم أنهم بادروا بمراسلة السلطات رسميا للفت الانتباه إلى نزيف هجرة الأطباء نحو الخارج، والتحذير من تداعيات الظاهرة على مستقبل الصحة في تونس حيث أظهرت دراسة أجرتها الجمعية وشملت عينة من 393 طبيبا أن 70 بالمائة من الأطباء هاجروا نتيجة ظروف العمل السيئة وأن 50 بالمائة منهم مستعدون للعودة إلى تونس في حال تحسنت ظروف التأجير والقوانين المنظمة لممارسة المهنة .
في هذا الخضم يبدو أن صناع القرار مطالبون اليوم وأكثر من أي وقت مضى بوضع معضلة هجرة الأطباء لاسيما أصحاب الخبرة على طاولة المفاوضات والتباحث من اجل إيجاد حلول وسن قرارات عاجلة وعدا ذلك فان كلفة هذه الهجرة ستكون تداعياتها وخيمة على الجميع.
منال حرزي
تونس-الصباح
يبدو أنه في غضون العشر سنوات القادمة –أو حتى أقل- لن تكون فرصة الظفر بطبيب كفء للعلاج من المسائل المتاحة أو السهلة المنال.. في ظل توقّعات أهل الاختصاص بتواصل نزيف هجرة الأطباء لاسيما من الكفاءات إلى درجة ستجد فيها المنظومة الصحية نفسها عاجزة عن توفير طبيب اختصاص أو حتى طبيب عائلة.
مٌعضلة على أهميتها تبقى للأسف طي النسيان (علما أن وزارة الصحة وفقا لما أكدته مصادر مطلعة لـ"الصباح" بصدد إعداد مشروع للإحاطة بالأطباء الشبان) خاصة وأن مسالة هجرة الأطباء بصفة عامة ترتقي إلى مرتبة الأمن الصحي القومي.
من هذا المنطلق وفي تشخيص للوضع الصحي ببلادنا في علاقة بهجرة الأطباء فانه يتلخص كالآتي: طلبة جدد يستعدون للمغادرة إلى مستشفيات فرنسا أو ألمانيا (خاصة أن ألمانيا باتت توفر تسهيلات في علاقة باستقطاب الكفاءات الطبية تتمثل في توفير فرصة استكمال دراستهم وتخصّصهم في كلياتها) أو كندا أو باقي دول الخليج ومؤخرا دخلت إيطاليا على الخط.. أو أطباء أكفاء ذوي خبرة تتجاوز العشر سنوات في اختصاصات دقيقة كالتخدير والإنعاش حزموا بدورهم أمتعتهم استعدادا للرحيل.. رغم وجود نقص كبير في أطباء الاختصاص سواء في المستشفيات العمومية كما الخاصة.
أما فيما يتعلّق بهجرة الإطارات شبه الطبية فحدث ولا حرج..، وضعية قد تدفع قريبا بالتونسي إلى المغادرة إلى دول مجاورة للعلاج بعد أن كانت المنظومة الصحية التونسية رائدة وسباقة وقبلة للأشقاء من المغاربة أو الأوروبيين للعلاج والتداوي...
قد يتساءل كثيرون عن الأسباب التي تدفع لهجرة الأطباء رغم انه يعلمها القاصي والداني (إمكانيات محدودة ونقص حاد في التجهيزات واعتداءات متكررة على الإطارات الطبية وشبه الطبية وغيرها من المسائل...) لكن السؤال الذي يظل يتبادر إلى الذهن بإلحاح في ظل "تسونامي" هجرة الأطباء الذي نعيش على وقعه منذ مدة.. والذي يؤكده أهل الاختصاص أن أسبابا عديدة ومتشعبة تقف وراءه، وفي هذا الخصوص جدير بالذكر أن كاتب عام عمادة الأطباء زياد العذاري كان قد تعرض مؤخرا في تصريح لإذاعة "موزاييك أف أم" إلى محاولات إجبار أطباء الاختصاص على العمل في المناطق الداخلية، معتبرا أنّ هذا التوجّه لا يمكن أن يكون مثمرا في ظلّ الوضع الصعب الذي يعيشه القطاع الصحي وإمكانيات الهجرة المتاحة أمام الأطباء الشبان للعمل في الخارج في فرنسا وألمانيا خاصة.
وقال العذاري "علينا أن نكون واقعيين.. حتى الدول العظمى لم تصل إلى توفير أطباء الاختصاص في جميع المناطق''، داعيا إلى تطوير الطب الوقائي للتقليص من الأمراض وهي سياسة يراها ناجعة موفرة للأموال وتحافظ على الصحة العامة"، هذا بالتوازي مع التخلي عن السياسة الصحية الحالية التي وصفها بالخاطئة والتي تعتمد على العلاج بدلا من الوقاية.
وتوقع العذاري أن يشهد طبّ الاختصاص في غضون العشر سنوات المقبلة نقصا كبيرا في تونس، بسبب هجرة الأطباء، ملاحظا أنّه في سنة 2023 أكثر من 1500 طبيب غادروا البلاد أمام الفرص التي تتيحها دول أوروبية على غرار ألمانيا وحتى لطلبة الطب الذين لم يستكملوا دراستهم.
وبحسب إحصائيات عمادة الأطباء، يغادر تونس سنويا 80 بالمائة من الأطباء الشبان حديثي التخرج وسط دعوات عاجلة من المنظمات المهنية العاملة في قطاع الصحة لإيجاد حلول جذرية تنهي نزيف هجرة الأطباء وتأثيراتها على جودة الصحة العامة والاستثمارات الطبية ومستقبل قطاع الصحة.
ويشار إلى أن الأطباء الشبان يتجهون بالأساس نحو السوق الأوروبية، حيث تعتبر ألمانيا وفرنسا وجهة أولى لهم تليها دول الخليج وكندا، وفق آخر أرقام نشرتها وكالة التعاون الفني في تونس.
وقال الناطق الرسمي باسم جمعية الأطباء التونسيين حول العالم قيصر ساسي، الطبيب المختص في الإنعاش والتخذير، في تصريحات لموقع "سكاي نيوز عربية"، "طالبنا عمادة الأطباء بإرساء حوار وطني حول قطاع الصحة في تونس من أجل وضع تحفيزات تمنع هجرة الأطباء من البلاد وتشجع من غادروها على العودة للعمل في المشافي التونسية".
من جهة أخرى تجدر الإشارة إلى أن استفحال ظاهرة العنف داخل المستشفيات ضد الإطارات الطبية كانت من بين الأسباب القوية التي دعمت من نزيف هجرة الأطباء وفقا للناطق الرسمي باسم جمعية الأطباء التونسيين حيث تعرض200 طبيب للعنف الجسدي على الأقل مرة واحدة في المستشفيات إلى جانب تدهور ظروف العمل ونقص المعدات خاصة في المستشفيات العامة وضعف تأجير الأطباء وهي من أكثر العوامل الدافعة بالأطباء الشبان نحو الهجرة .
ودعا الطبيب الشاب السلطات إلى مراجعة التشريعات المنظمة لعمل الأطباء التونسيين المقيمين في الخارج الذين يمنعهم القانون من الجمع ممارسة الطب بين تونس ودول إقامتهم بالخارج، مؤكدا أنهم اكتسبوا مهارات تقنية هامة في استخدام التجهيزات والمعدات الحديثة تسمح بالاستفادة من خدماتهم خاصة في المناطق الداخلية التي تشكو من نقص في طب الاختصاص.
وأكد الناطق الرسمي باسم جمعية الأطباء التونسيين حول العالم أنهم بادروا بمراسلة السلطات رسميا للفت الانتباه إلى نزيف هجرة الأطباء نحو الخارج، والتحذير من تداعيات الظاهرة على مستقبل الصحة في تونس حيث أظهرت دراسة أجرتها الجمعية وشملت عينة من 393 طبيبا أن 70 بالمائة من الأطباء هاجروا نتيجة ظروف العمل السيئة وأن 50 بالمائة منهم مستعدون للعودة إلى تونس في حال تحسنت ظروف التأجير والقوانين المنظمة لممارسة المهنة .
في هذا الخضم يبدو أن صناع القرار مطالبون اليوم وأكثر من أي وقت مضى بوضع معضلة هجرة الأطباء لاسيما أصحاب الخبرة على طاولة المفاوضات والتباحث من اجل إيجاد حلول وسن قرارات عاجلة وعدا ذلك فان كلفة هذه الهجرة ستكون تداعياتها وخيمة على الجميع.