إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

الشاعرة والروائية سنية مدُوري لـ"الصباح": القصيدة عندي متمرّدة لا تأتي إلّا في حالات مباغتة

 

**علاقتي بالشعر كقصة حبّ شرقية مليئة بالتناقضات

** أحترق كل يوم من أجل أن تنير شمعة الشعر كل القلوب

** أجمل قصائد الحب التي تكتب الألم والحزن والانكسار 

** الرواية استراحة من قول الشعر في معناه البنيوي وتضمين له في جنس آخر من الكتابة

** صالون الأديب عبد المجيد يوسف للفكر والثقافة كل شهر تتنوع فيه الأنشطة والاهتمامات

تونس-الصباح

شقت طريقها وسط الصعاب لتصوغ من ذاتها ووجدانها اشعارا تفيض حبا وعشقا لكل جميل في الوجود، سلاحها في ذلك ثقافة معتبرة عميقة وطموح لا حدود له للتحليق عاليا في أفق ابداعي  لا حدود له.

سنية مدوري شاعرة وروائية ومترجمة وصاحبة دار نشر تتنفس شعرا وتتكلم سردا وترجمة، قارئة نهمة ومتابعة دقيقة لكل تفاصيل الابداع في تونس والوطن العربي دون كلل او تلكؤ، تعيش لحظة الابداع بكل جوارحها لذا جاءت اشعارها طافحة بالحب والصدق والعمق والصفاء.

اليوم تستعد سنية مدوري لتحد جديد وهو الإشراف على شؤون "صالون الأديب الراحل عبد المجيد يوسف للفكر والثقافة" بالمهدية وكلها عزم على كسب هذا الرهان.

حوار: محسن بن احمد

**من أغراك باقتحام عالم الشعر وأنت المختصة في اللغة الإنقليزية؟

ـــــ  في الحقيقة لم يغرني شيء باقتحام عالم الشعر بل وجدت نفسي شاعرة دون قوة تدفعني إلى ذلك.. قد يكون الشعر هو الضحيّة. هو الذي تمّ إقحامه في كائن إسمه سنية مدوري فتعوّد على عالمي الداخلي وألِف جنوني وشطحاتي..

أنا أكتب الشعر ويكتبني من فترة طويلة تعود إلى الطفولة.. منذ أن كنت أتقاسم وجبتي البسيطة تحت سور المدرسة مع قطة جائعة. ومنذ أن كنت أصنع من أقلامي وكتبي أصدقاء أخاطبهم في خلوتي فيغدقون عليّ الكلمات.. الشعر جاء قبل التخصص وفرضا أنه جاء مع التخصص فهل يتنافر الشعر مع اللغة الإنقليزية؟ بالعكس اختصاصي أفادني كثيرا وأثرى تجربتي عبر الطلاع على تجارب الشعراء الأمريكيين والبريطانيين.. لا سيما وأنني تخصصت في الأدب الإنقليزي... وعشقت الترجمة وصرت أترجم الشعر وأثنى على ذلك العديد من المطلعين على تجربتي في الترجمة.

**ماهي تقنياتك المعتمدة والتي تنفردين بها عند اللقاء بالقصيد؟

   ــــ   لحظة اللقاء بالقصيد تكون صدفة ولقاءات الصدفة في العادة لا نستعدّ لها، تأتي هكذا دون سابق إعلام.  تأتي القصيدة كما الحرب فجأة وأنت أعزل. وسلاح الكاتب قلمه. كم من مرة وقبل اختراع هذا الهاتف كتبت القصائد بقلم الكحل لغياب القلم أو رحت أستعير قلما وأنا على متن حافلة.. 

كم من مرة أقوم مذعورة في ليلي أبحث عن نصف ورقة وقلم رصاص بجانب سريري كي أخط القصيدة قبل أن أنساها... لعلمكَ القصائد كما الأحلام تُنسى إن أنت لم تُعِد قولها بصوت عال على مسمعكَ.. أنا أول المستمعين إلىَّ حين تأتيني القصيدة

**ما الذي نجده من عادات وطقوس خاصة بك وأنت داخل خيمتك الشعرية؟

ـــــــ      لا اخفي سرا اذا إنني من عشاق الطقوس في الكتابة.. أنا اكتب حيث ومتى أصابتني الحالة الشعرية. أي لا يوجد طقس محدد يستهويني. أكره النمطيّة لدرجة أن حالاتي الشعرية متفرّدة لا حالة تشبه الأخرى، كتبت باكية وكتبت مخذولة، كتبت عاشقة ومتشوقة، كتبت امرأة مظلومة وأُمّا تخاف على أطفالها. كتبت نائمة وجالسة وواقفة، في الطائرة والقطار وسيارة الأجرة والتاكسي والمترو الخفيف، كتبت في حصة الدرس وفي المآتم وفي حفلات الزواج، كتبت و كتبت..

أنا لا أعدّ قهوة وأجلس إلى مكتبي في ركن نصف مضاء وآخذ قلما وورقة لأكتب. أبدا لم أفعل ذلك ولن أفعله لأنني أعرف أن القصيدة متمرّدة عن مثل هكذا طقوس وتأبى أن تأتي إلّا في حالات مباغتة.

**ماذا تريدين من الشعر؟

ـــ   صدقني لا أريد من الشعر سوى أن يحافظ على علاقتنا. علاقتي به كقصة حبّ شرقية مليئة بالتناقضات. نلتقي كثيرا ونملّ من بعضنا ثم يحدث أن نفترق لمدة يختلف طولها فأحزن لذلك واشتاق إليه وتجدني لمجرد أن يأتي الشعر وتخيم لحظة الإلهام أعانقه بكل ما أوتيت من لهفة وننجب قصيدة... لا أرغب ككلّ أنثى أن تُدفَنَ هي وحبيبها في يوم واحد وفي قبر واحد بل أريد أن يبقى شعري بعد موتي، يخلّدني كي لا أقبر في ذاكرة النسيان.

**من هو القارئ الذي تتوجهين إليه بأشعارك؟

ـــــــ       أتوجه بأشعاري إلى كل الفئات... أحب أن تدخل قصيدتي كل القلوب فتنير العتمة كشمعة. أنا أحترق من أجل أن تنير شمعة الشعر كل القلوب.

إن رمتَ فئة مفضّلة فهي فئة العشّاق المخذولين.. أكتب لهم قصائد لتضميد جروحهم، لتخفيف حجم المعاناة بالقول لهم عبر قصائدي... نحن نتقاسم الأوجاع معا

**الحب سمة بارزة في أشعار سنية مدوري هل قدر الشاعر أن يعيش الحب بكل آماله وأحلامه وانكساراته؟

ـــــــ   الحب "دينامو" كل شيء في هذه الحياة... بل هو محور الكون... ما الكون دون حب!؟ وما نحن أصلا دون حب!؟ نحن نحبّ لكي نشعر بهدف وجودنا على هذه الأرض. الحبّ سبب خروجنا من الجنّة، لا تصدّق أكذوبة الأفعى والغواية فلولا حبّ آدم لحوّاء لما عصى الإله وقطف لها التفّاحة المشتهاة. الحبّ سبب كلّ شيء في هذا الوجود حتّى الكره سببه الحبّ... فلولا وجود الحبّ لما وُجدَ نقيضه وغريمه.

كلّ كتاباتي كانت عن الحبّ. القليل منها عن السّعادة فيه والكثير منها عن الخذلان والحزن. أجمل القصائد حسب وجهة نظري تلك التي تكون في الألم والحزن ونحن نعيش قصّة حبّ وأجمل الأحلام تلك التي نظلّ نلهث وراء تحقيقها. لاحظْ أنّنا ما إن نحقّق الحلم حتّى نبحث عن حلم آخر. والحلم الذي يتحقّق يصبح حقيقة وواقعا... الأحلام أجمل بكثير من الواقع....

**لك قصائد مترجمة إلى أي حد تجديها مهمة في إيصال الشعر من لغة إلى أخرى؟

ـــــــ أنا ترجمت للعديد من الشعراء. وأرى أنّ الترجمة سفر إلى بلد لا تعرفه عبر تلك القصائد.. أنت تتنقّل من حضارة وعادات وتقاليد ولغة في الكتابة إلى بلد آخر تجهل عاداته وتقاليده ولغته، وكلّ ذلك عبر التّرجمة التي تجلب لك كلّ هذا وأنت جلس في مكانك.

قصائدي مترجمة إلى عدّة لغات: الإنقليزية، الفرنسية، الإيطالية، الإسبانية، التركية، الفارسية... ولولا تلك الترجمات لما انتشر اسمي خارج العالم العربي. تحصّلت على جائزة في مهرجان الفنون بإيطاليا سنة 2017 عن قصيدتي "المريمية". سنة 2018 سافرت في مهرجان ثقافي إلى إسطنبول وكنت مترجمة في الملتقى لأشعار العديد من الأصدقاء. صدر أخيرا عن المركز التونسي للترجمة موسوعة ل 55 شاعرا تونسيا ترجمت قصائدهم على الإيطالية وأنا منهم.

أما عن المشاريع القادمة فأنا مدعوّة في شهر سبتمبر إلى مهرجان في كينيا بمناسبة صدور موسوعة للأدب العالمي باللغة الإنقليزية.

** ما هي معايير القصيدة الحديثة من وجهة نظرك؟

-إن رمنا الحديث عن معايير كتابة القصيدة الحديثة بشكل عام فإننا سنقول بالضرورة توفّر الوزن والإيقاع والصور الشعريّة والرّمزية والمحسّنات البديعية وفرادة المواضيع. زيادة على ذلك الأشكال البنيوية للقصيدة على غرار العمودي والحرّ والنثري وما به تكون القصيدة قصيدة.

** قمت بترجمة العديد من القصائد وأشرفت من خلال دار الفردوس للنشر على إصدار دواوين ومجموعات شعرية وروايات ماهي المعايير المحددة لذلك؟

ـــ في الحقيقة أنا أترجم ما أجده قريبا من ذائقتي الشعرية وهادفا في نفس الوقت، وأراعي في ذلك طبعا الذوق العام. ترجمتي مؤخرا لكتاب الشاعر

المالطي جون بورتلّي "هنا كانت" ــــ  ويعني فلسطين ــــ كان المعيار الأساسي لانتقاء هذه القصائد هو الموضوع ومدى قدرة الشاعر على تصوير معاناة الإنسان الوجوديّة وخاصّة الشعب الفلسطيني. القصائد عبارة عن محطّات يقف فيها الشاعر ويدوّنها بكاميرا قلمه فجاءت صادقة مليئة بالشجن.

** خضت غمار التأليف السردي من خلال إصدار روايات لك... هل يعني في ذلك هروب من القصيد العاجز عن التعبير عن وجدانك تجاه إشكاليات استعصت على الشعر؟

ــــــ  ألّفت رواية "جرافيتي"  والتي امتدّت فترة كتابتها من 2005 حتى 2011. في بداية تلك الفترة كنت طالبة لذلك كانت الرواية مشحونة بالحس الثوري والحياة الجامعيّة بكلّ تفاصيلها ثمّ تحدّثت عن فترة البطالة عبر مجموعة من المعطّلين عن العمل. عشت في الجنوب من 2005 حتّى 2007 فانطبعت تلك الفترة في الرواية بتفاصيل عن الجنوب وعن الحياة هناك.. تستطيع القول إنني في تلك الفترة لم أكتب شعرا كثيرا. الشعر يحتاج إلى هزّات شعوريّة عالية وإلى رؤيا أوضح من تلك التي كنت أحياها. وجدتني أكتب شيئا مشحونا بالشعر ولكن ليس شعرا إنها الرواية.

لا يمكن أن أقول إن الرواية تقول ما يستعصي على الشعر. الرواية استراحة من قول الشعر في معناه البنيوي وتضمين للشعر في جنس آخر من الكتابة. الشعر بالنسبة لي هو الحياة... لا شيء يعبّر عنّي ويفصح بما أريد سوى الشعر 

**تاسبس صالون ثقافي باسم الراحل عبد المجيد يوسف ماذا يعني لك خاصة وانت المشرفة عليه ؟

-في الحقيقة الصالون أسسه الراحل عبد المجيد يوسف وكان اسمه صالون محمد صفر نسبة إلى صاحب المنزل الذي تلتئم فيه أنشطة الصالون وهو والد الشاعرة سهام صفر زوجة الأديب عبد المجيد يوسف ولكن شاءت الأقدار أن يرحل المؤسس وارتأت زوجته أن تحول الصالون باسمه.. وأوكلت إلي مهمة رئاسة الصالون التي أرجو أن أوفق فيها

**هل بالامكان الكشف عن الخطوط العريضة لبرنامجك الثقافي للصالون ؟

-نشاط صالون الأديب عبد المجيد يوسف للفكر والثقافة شهريّ. تتنوع فيه الأنشطة والاهتمامات بين أمسيات شعرية وجلسات نقدية وحفلات توقيع وموسيقى .. كذلك اتفقت الهيئة على إدخال الفنون الأخرى كالمسرح والفن التشكيلي. إذ ستكون لنا مستقبلا أنشطة في هذا الغرض. أما النشاط الأساسي الذي يقوم عليه الصالون فهو التعريف بمنجز الأديب الراحل عبد المجيد يوسف من نقد ورواية وشعر وترجمات.. وهي مدونة متميزة زاخرة بالعطاء.. لذلك ارتأينا أن نخصص دوما جلسات نقدية تعنى بمؤلفات الأديب الراحل كما نعتزم نشر كل مخطوطاته التي لم يتسنّ له نشرها وهي مهمة.

** بعد هذه المسيرة التي جمعت بين الشعر والرواية وإدارة دار للنشر ما مدى رضا سنية مدوري على ذلك؟

ـــــ الحمدلله أنا راضية عن هذه التجربة المتواضعة وأطمح إلى مواصلة المشوار شاعرة تأمل في ترك بصمة متميزة في الشعر العربي وناشرة تبتغي مرضاة ضميرها في عملها ونجاحها في ميدان أصبح صعبا أمام هجمة التكنولوجيا على الكتاب.

 

الشاعرة والروائية سنية مدُوري لـ"الصباح":  القصيدة عندي متمرّدة لا تأتي إلّا في حالات مباغتة

 

**علاقتي بالشعر كقصة حبّ شرقية مليئة بالتناقضات

** أحترق كل يوم من أجل أن تنير شمعة الشعر كل القلوب

** أجمل قصائد الحب التي تكتب الألم والحزن والانكسار 

** الرواية استراحة من قول الشعر في معناه البنيوي وتضمين له في جنس آخر من الكتابة

** صالون الأديب عبد المجيد يوسف للفكر والثقافة كل شهر تتنوع فيه الأنشطة والاهتمامات

تونس-الصباح

شقت طريقها وسط الصعاب لتصوغ من ذاتها ووجدانها اشعارا تفيض حبا وعشقا لكل جميل في الوجود، سلاحها في ذلك ثقافة معتبرة عميقة وطموح لا حدود له للتحليق عاليا في أفق ابداعي  لا حدود له.

سنية مدوري شاعرة وروائية ومترجمة وصاحبة دار نشر تتنفس شعرا وتتكلم سردا وترجمة، قارئة نهمة ومتابعة دقيقة لكل تفاصيل الابداع في تونس والوطن العربي دون كلل او تلكؤ، تعيش لحظة الابداع بكل جوارحها لذا جاءت اشعارها طافحة بالحب والصدق والعمق والصفاء.

اليوم تستعد سنية مدوري لتحد جديد وهو الإشراف على شؤون "صالون الأديب الراحل عبد المجيد يوسف للفكر والثقافة" بالمهدية وكلها عزم على كسب هذا الرهان.

حوار: محسن بن احمد

**من أغراك باقتحام عالم الشعر وأنت المختصة في اللغة الإنقليزية؟

ـــــ  في الحقيقة لم يغرني شيء باقتحام عالم الشعر بل وجدت نفسي شاعرة دون قوة تدفعني إلى ذلك.. قد يكون الشعر هو الضحيّة. هو الذي تمّ إقحامه في كائن إسمه سنية مدوري فتعوّد على عالمي الداخلي وألِف جنوني وشطحاتي..

أنا أكتب الشعر ويكتبني من فترة طويلة تعود إلى الطفولة.. منذ أن كنت أتقاسم وجبتي البسيطة تحت سور المدرسة مع قطة جائعة. ومنذ أن كنت أصنع من أقلامي وكتبي أصدقاء أخاطبهم في خلوتي فيغدقون عليّ الكلمات.. الشعر جاء قبل التخصص وفرضا أنه جاء مع التخصص فهل يتنافر الشعر مع اللغة الإنقليزية؟ بالعكس اختصاصي أفادني كثيرا وأثرى تجربتي عبر الطلاع على تجارب الشعراء الأمريكيين والبريطانيين.. لا سيما وأنني تخصصت في الأدب الإنقليزي... وعشقت الترجمة وصرت أترجم الشعر وأثنى على ذلك العديد من المطلعين على تجربتي في الترجمة.

**ماهي تقنياتك المعتمدة والتي تنفردين بها عند اللقاء بالقصيد؟

   ــــ   لحظة اللقاء بالقصيد تكون صدفة ولقاءات الصدفة في العادة لا نستعدّ لها، تأتي هكذا دون سابق إعلام.  تأتي القصيدة كما الحرب فجأة وأنت أعزل. وسلاح الكاتب قلمه. كم من مرة وقبل اختراع هذا الهاتف كتبت القصائد بقلم الكحل لغياب القلم أو رحت أستعير قلما وأنا على متن حافلة.. 

كم من مرة أقوم مذعورة في ليلي أبحث عن نصف ورقة وقلم رصاص بجانب سريري كي أخط القصيدة قبل أن أنساها... لعلمكَ القصائد كما الأحلام تُنسى إن أنت لم تُعِد قولها بصوت عال على مسمعكَ.. أنا أول المستمعين إلىَّ حين تأتيني القصيدة

**ما الذي نجده من عادات وطقوس خاصة بك وأنت داخل خيمتك الشعرية؟

ـــــــ      لا اخفي سرا اذا إنني من عشاق الطقوس في الكتابة.. أنا اكتب حيث ومتى أصابتني الحالة الشعرية. أي لا يوجد طقس محدد يستهويني. أكره النمطيّة لدرجة أن حالاتي الشعرية متفرّدة لا حالة تشبه الأخرى، كتبت باكية وكتبت مخذولة، كتبت عاشقة ومتشوقة، كتبت امرأة مظلومة وأُمّا تخاف على أطفالها. كتبت نائمة وجالسة وواقفة، في الطائرة والقطار وسيارة الأجرة والتاكسي والمترو الخفيف، كتبت في حصة الدرس وفي المآتم وفي حفلات الزواج، كتبت و كتبت..

أنا لا أعدّ قهوة وأجلس إلى مكتبي في ركن نصف مضاء وآخذ قلما وورقة لأكتب. أبدا لم أفعل ذلك ولن أفعله لأنني أعرف أن القصيدة متمرّدة عن مثل هكذا طقوس وتأبى أن تأتي إلّا في حالات مباغتة.

**ماذا تريدين من الشعر؟

ـــ   صدقني لا أريد من الشعر سوى أن يحافظ على علاقتنا. علاقتي به كقصة حبّ شرقية مليئة بالتناقضات. نلتقي كثيرا ونملّ من بعضنا ثم يحدث أن نفترق لمدة يختلف طولها فأحزن لذلك واشتاق إليه وتجدني لمجرد أن يأتي الشعر وتخيم لحظة الإلهام أعانقه بكل ما أوتيت من لهفة وننجب قصيدة... لا أرغب ككلّ أنثى أن تُدفَنَ هي وحبيبها في يوم واحد وفي قبر واحد بل أريد أن يبقى شعري بعد موتي، يخلّدني كي لا أقبر في ذاكرة النسيان.

**من هو القارئ الذي تتوجهين إليه بأشعارك؟

ـــــــ       أتوجه بأشعاري إلى كل الفئات... أحب أن تدخل قصيدتي كل القلوب فتنير العتمة كشمعة. أنا أحترق من أجل أن تنير شمعة الشعر كل القلوب.

إن رمتَ فئة مفضّلة فهي فئة العشّاق المخذولين.. أكتب لهم قصائد لتضميد جروحهم، لتخفيف حجم المعاناة بالقول لهم عبر قصائدي... نحن نتقاسم الأوجاع معا

**الحب سمة بارزة في أشعار سنية مدوري هل قدر الشاعر أن يعيش الحب بكل آماله وأحلامه وانكساراته؟

ـــــــ   الحب "دينامو" كل شيء في هذه الحياة... بل هو محور الكون... ما الكون دون حب!؟ وما نحن أصلا دون حب!؟ نحن نحبّ لكي نشعر بهدف وجودنا على هذه الأرض. الحبّ سبب خروجنا من الجنّة، لا تصدّق أكذوبة الأفعى والغواية فلولا حبّ آدم لحوّاء لما عصى الإله وقطف لها التفّاحة المشتهاة. الحبّ سبب كلّ شيء في هذا الوجود حتّى الكره سببه الحبّ... فلولا وجود الحبّ لما وُجدَ نقيضه وغريمه.

كلّ كتاباتي كانت عن الحبّ. القليل منها عن السّعادة فيه والكثير منها عن الخذلان والحزن. أجمل القصائد حسب وجهة نظري تلك التي تكون في الألم والحزن ونحن نعيش قصّة حبّ وأجمل الأحلام تلك التي نظلّ نلهث وراء تحقيقها. لاحظْ أنّنا ما إن نحقّق الحلم حتّى نبحث عن حلم آخر. والحلم الذي يتحقّق يصبح حقيقة وواقعا... الأحلام أجمل بكثير من الواقع....

**لك قصائد مترجمة إلى أي حد تجديها مهمة في إيصال الشعر من لغة إلى أخرى؟

ـــــــ أنا ترجمت للعديد من الشعراء. وأرى أنّ الترجمة سفر إلى بلد لا تعرفه عبر تلك القصائد.. أنت تتنقّل من حضارة وعادات وتقاليد ولغة في الكتابة إلى بلد آخر تجهل عاداته وتقاليده ولغته، وكلّ ذلك عبر التّرجمة التي تجلب لك كلّ هذا وأنت جلس في مكانك.

قصائدي مترجمة إلى عدّة لغات: الإنقليزية، الفرنسية، الإيطالية، الإسبانية، التركية، الفارسية... ولولا تلك الترجمات لما انتشر اسمي خارج العالم العربي. تحصّلت على جائزة في مهرجان الفنون بإيطاليا سنة 2017 عن قصيدتي "المريمية". سنة 2018 سافرت في مهرجان ثقافي إلى إسطنبول وكنت مترجمة في الملتقى لأشعار العديد من الأصدقاء. صدر أخيرا عن المركز التونسي للترجمة موسوعة ل 55 شاعرا تونسيا ترجمت قصائدهم على الإيطالية وأنا منهم.

أما عن المشاريع القادمة فأنا مدعوّة في شهر سبتمبر إلى مهرجان في كينيا بمناسبة صدور موسوعة للأدب العالمي باللغة الإنقليزية.

** ما هي معايير القصيدة الحديثة من وجهة نظرك؟

-إن رمنا الحديث عن معايير كتابة القصيدة الحديثة بشكل عام فإننا سنقول بالضرورة توفّر الوزن والإيقاع والصور الشعريّة والرّمزية والمحسّنات البديعية وفرادة المواضيع. زيادة على ذلك الأشكال البنيوية للقصيدة على غرار العمودي والحرّ والنثري وما به تكون القصيدة قصيدة.

** قمت بترجمة العديد من القصائد وأشرفت من خلال دار الفردوس للنشر على إصدار دواوين ومجموعات شعرية وروايات ماهي المعايير المحددة لذلك؟

ـــ في الحقيقة أنا أترجم ما أجده قريبا من ذائقتي الشعرية وهادفا في نفس الوقت، وأراعي في ذلك طبعا الذوق العام. ترجمتي مؤخرا لكتاب الشاعر

المالطي جون بورتلّي "هنا كانت" ــــ  ويعني فلسطين ــــ كان المعيار الأساسي لانتقاء هذه القصائد هو الموضوع ومدى قدرة الشاعر على تصوير معاناة الإنسان الوجوديّة وخاصّة الشعب الفلسطيني. القصائد عبارة عن محطّات يقف فيها الشاعر ويدوّنها بكاميرا قلمه فجاءت صادقة مليئة بالشجن.

** خضت غمار التأليف السردي من خلال إصدار روايات لك... هل يعني في ذلك هروب من القصيد العاجز عن التعبير عن وجدانك تجاه إشكاليات استعصت على الشعر؟

ــــــ  ألّفت رواية "جرافيتي"  والتي امتدّت فترة كتابتها من 2005 حتى 2011. في بداية تلك الفترة كنت طالبة لذلك كانت الرواية مشحونة بالحس الثوري والحياة الجامعيّة بكلّ تفاصيلها ثمّ تحدّثت عن فترة البطالة عبر مجموعة من المعطّلين عن العمل. عشت في الجنوب من 2005 حتّى 2007 فانطبعت تلك الفترة في الرواية بتفاصيل عن الجنوب وعن الحياة هناك.. تستطيع القول إنني في تلك الفترة لم أكتب شعرا كثيرا. الشعر يحتاج إلى هزّات شعوريّة عالية وإلى رؤيا أوضح من تلك التي كنت أحياها. وجدتني أكتب شيئا مشحونا بالشعر ولكن ليس شعرا إنها الرواية.

لا يمكن أن أقول إن الرواية تقول ما يستعصي على الشعر. الرواية استراحة من قول الشعر في معناه البنيوي وتضمين للشعر في جنس آخر من الكتابة. الشعر بالنسبة لي هو الحياة... لا شيء يعبّر عنّي ويفصح بما أريد سوى الشعر 

**تاسبس صالون ثقافي باسم الراحل عبد المجيد يوسف ماذا يعني لك خاصة وانت المشرفة عليه ؟

-في الحقيقة الصالون أسسه الراحل عبد المجيد يوسف وكان اسمه صالون محمد صفر نسبة إلى صاحب المنزل الذي تلتئم فيه أنشطة الصالون وهو والد الشاعرة سهام صفر زوجة الأديب عبد المجيد يوسف ولكن شاءت الأقدار أن يرحل المؤسس وارتأت زوجته أن تحول الصالون باسمه.. وأوكلت إلي مهمة رئاسة الصالون التي أرجو أن أوفق فيها

**هل بالامكان الكشف عن الخطوط العريضة لبرنامجك الثقافي للصالون ؟

-نشاط صالون الأديب عبد المجيد يوسف للفكر والثقافة شهريّ. تتنوع فيه الأنشطة والاهتمامات بين أمسيات شعرية وجلسات نقدية وحفلات توقيع وموسيقى .. كذلك اتفقت الهيئة على إدخال الفنون الأخرى كالمسرح والفن التشكيلي. إذ ستكون لنا مستقبلا أنشطة في هذا الغرض. أما النشاط الأساسي الذي يقوم عليه الصالون فهو التعريف بمنجز الأديب الراحل عبد المجيد يوسف من نقد ورواية وشعر وترجمات.. وهي مدونة متميزة زاخرة بالعطاء.. لذلك ارتأينا أن نخصص دوما جلسات نقدية تعنى بمؤلفات الأديب الراحل كما نعتزم نشر كل مخطوطاته التي لم يتسنّ له نشرها وهي مهمة.

** بعد هذه المسيرة التي جمعت بين الشعر والرواية وإدارة دار للنشر ما مدى رضا سنية مدوري على ذلك؟

ـــــ الحمدلله أنا راضية عن هذه التجربة المتواضعة وأطمح إلى مواصلة المشوار شاعرة تأمل في ترك بصمة متميزة في الشعر العربي وناشرة تبتغي مرضاة ضميرها في عملها ونجاحها في ميدان أصبح صعبا أمام هجمة التكنولوجيا على الكتاب.