إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

بعد اعتداء تلميذ على زميله بمقص.. أكثر من 14 ألف حالة عنف في الوسط المدرسي.. متى يتوقف النزيف؟

 

 

تونس - الصباح

تتواصل الأحداث" الدرامية" التي تشهدها مدارسنا بشكل مستمر بسبب تفشي العنف بين التلاميذ.. نزيف يعكس تحول ظاهرة العنف إلى أمر واقع.

آخر هذه الأحداث "الدرامية" ما شهدته منذ أيام قليلة مدرسة ابتدائية بصفاقس حيث قام تلميذ بالاعتداء على زميله داخل الفصل بمقصّ على مستوى عينه.

وحول تكرر حالات العنف بين التلاميذ أكد رمزي بزة مدير المرصد الوطني للتربية أن العنف في الوسط المدرسي ظاهرة عامة ولن تقف وزارة التربية مكتوفة الأيدي أمام تفشي العنف بمختلف أصنافه.

وقال مدير المرصد الوطني للتربية أنه تم رصد أكثر من 14 ألف حالة عنف بين لفظي ومادي في الوسط المدرسي، مما أدى إلى اتخاذ إجراءات تأديبية وبدرجات مختلفة تجاه عدد من التلاميذ.

وحسب محدثنا فإن الوزارة قررت في أكتوبر2023 تفعيل مرصد عين وهي منصة رقمية تم إدماجها في البوابة الرسمية لوزارة التربية مع جملة التطبيقات الإعلامية الأخرى، وقد تم الانطلاق في البداية وكمرحلة أولى برصد حالات العنف في الإعدادي والثانوي كما تم في الأسبوع التالي الانطلاق في رصد حالات العنف بالنسبة للمرحلة الابتدائية.

وأشار مدير المرصد الوطني للتربية إن التطبيقية الرقمية تسمح برصد الظواهر المحفوفة بالمخاطر والعنف بأصنافه ( لفظي - مادي - سيبرني - تحرش - تنمر) إلى جانب رصد تعاطي المخدرات والمواد الخطيرة والإقدام على الانتحار.

وشدد محدثنا أن الغاية ليست إحصاء حالات العنف بقدر ما هي محاولة لمعالجة الظاهرة.

ورغم إبرام الاتفاقيات ووضع برامج للحد من الظاهرة لكن تواصل انتشار العنف في الوسط المدرسي.

و للتذكير فقد وقعت وزارتا المرأة والتربية في ماي 2023 منشورا مشتركا يتعلّق بتنفيذ برنامج تكويـنيّ وتحسيسيّ تحت شعار "لا للعنف في الوسط المدرسي" وذلك في إطار الحملة الوطنية "يكـــبر ومـا ينســاش" التي أطلقتها وزارة الأسرة في شهر مارس الماضي لمقـاومة العنـف المسـلّط على الطفل والتصدّي له .

وأكّدت وزيرة المرأة أنّ هذا البرنامج المشترك، يعمل على تكوين مكوّنين في مجال نشر ثقافة حقوق الطفل لحوالي 150 إطارا وطنيّا وجهويّا يتم تكليفهم بتكوين قرابة 1500 إطارا تربويا بالمؤسسات التربوية، والذين يتولّون بدورهم تنشيط حصص توعوية في مجال التصدّي للعنف بالوسط المدرسي لفائدة قرابة 200 ألف تلميذ في كافة ولايات الجمهورية.

وجاء هذا المنشور المشترك على ضوء احصائيّات التقرير الوطني لوضع الطفولة 2020-2021 والتقارير السنّوية لمندوبي حماية الطفولة التي عكست ارتفاع منسوب العنف المسلط على الطفـل في الوسط المدرسي وما له من آثــار مدمّــرة للمســار التربـوي للتلميذ ولمجمـل تحصيله الدراسي واندمـاجه الاجتماعي.

 وتفيد الأرقام أن عدد الإشعارات حول العنف في الوسط بلغت 1230 التي تلقاها مندوبو حماية الطفولة خلال سنة 2022.

وقال سليم قاسم رئيس الجمعية التونسية لجودة التعليم "إن انتشار العنف بمختلف أشكاله ومستوياته داخل المؤسّسة التّربويّة ظاهرة مركّبة، حيث تعود بعض أسباب هذه الظّاهرة إلى طبيعة المجتمع الذي تنتمي إليه المؤسّسة، في حين يعود البعض الآخر إلى خصوصيّاتها وطبيعة العلاقات القائمة داخلها، لان مجتمعنا قد عرف طيلة ما يزيد عن العشريّة فترة انتقاليّة رفعت من منسوب التّوتّر لدى أفراده كردّة فعل غريزيّة تلازم كلّ محاولة للتّأقلم مع واقع جديد".

وأشار قاسم في حديثه لـ"الصباح" إنه إذا أضفنا ضعف الوازع الفرديّ وانتشار مظاهر الانفلات في الواقعين المعيش والافتراضي، تحصّلنا على بيئة ملائمة لانتشار العنف بمختلف أنواعه ومظاهره، أمّا المدرسة كبيئة لها مميّزاتها، فقد نالها حظّ من التّسيّب والانفلات لأسباب أوّلها وأخطرها على الإطلاق القرار اللاّمسؤول بإعفاء المئات من المديرين غداة أحداث جانفي 2011، فبقيت مؤسّساتنا التّربويّة كالسّفن التي تواجه العواصف دون ربّان، وزاد من تعقيد الوضع حملات الانتدابات العشوائيّة المتعاقبة التي ألقت بعشرات الآلاف من المدرّسين والقيّمين داخل مدارسنا دون أيّ تكوين مسبق ودون أية قدرة من المنظومة على استيعاب هذه الحشود وتأطيرها على نحو ملائم، ولا ننسى أيضا طبيعة المرحلة العمريّة التي يمرّ بها المتعلّمون وما يميّزها من استعداد لتقليد ما يعيشونه في بيئتهم الحاضنة وما يتفاعلون معه عبر وسائل الإعلام وشبكات التّواصل الاجتماعيّ والألعاب الإلكترونيّة من مظاهر عنف متعدّدة.

كما اعتبر محدثنا أن تعاملنا مع ظاهرة العنف المدرسيّ يحتاج فهما لأسبابها العميقة ووضعا لآليّات دقيقة وفعالة للتّوقّي منها أوّلا، ومعالجتها ثانيا، أمّا المقاربات السّطحيّة وخاصّة الزّجريّة منها، والمعالجات المتشنّجة المسارعة إلى تحميل المسؤوليّة لهذا الطّرف أو ذاك، فإنّها لا تزيد هذه الظّاهرة إلاّ تفاقما وتعقيدا.

وأفاد قاسم إن الجمعيّة التّونسيّة لجودة التّعليم بادرت منذ سنوات عديدة باقتراح "مدوّنة سلوك الأسرة التّربويّة الموسّعة" التي تشمل كلّ المنتمين إلى المؤسّسة التّعليميّة والمتعاملين معها دون استثناء، كما تم إعداد معيارا للجودة الشّاملة في المؤسّسات التّربويّة، وقد خصّ المعيار شروط السّلامة والتّوقّي من العنف داخل هذه المؤسّسات بمحور كامل، عسى أن يدرك كلّ طرف دوره ومسؤوليّته، وأن يعي أهمّيّة باقي الأطراف الشّريكة ويتعامل معها في نطاق الاحترام والتّكامل. وهذه فرصة لتجدّيد الدعوة لسلطة الإشراف للنّظر في هاتين المبادرتين وتبنّيهما إن ارتأت فيهما ما يخدم مصلحة الطّفل الفضلى ومصلحة المنظومة التّربويّة ككلّ.

كما تعمل الجمعيّة حسب رئيسها على تنفيذ أنشطة ميدانيّة موجّهة للنّاشئة تهمّ بناء السّلام والوقاية من النّزاعات وسبل حلّها بعيدا عن التّصعيد والعنف، حتّى تعود المدرسة إلى سالف عهدها، فضاء ودّيّا وآمنا تتضافر فيه مجهودات مختلف الأطراف من أجل بناء الإنسان التّونسيّ المتوازن الذي يعي واقعه ويدرك دوره فيه ويتحمّل مسؤوليّته كاملة تجاه ذاته، وتجاه محيطه الطّبيعيّ والبشريّ، وتجاه وطنه وأمّته. وعندها فقط يمكننا الحديث عن منظومة تربويّة عالية الأداء.

جهاد الكلبوسي

 

 

 

 بعد اعتداء تلميذ على زميله بمقص..   أكثر من 14 ألف حالة عنف في الوسط المدرسي.. متى يتوقف النزيف؟

 

 

تونس - الصباح

تتواصل الأحداث" الدرامية" التي تشهدها مدارسنا بشكل مستمر بسبب تفشي العنف بين التلاميذ.. نزيف يعكس تحول ظاهرة العنف إلى أمر واقع.

آخر هذه الأحداث "الدرامية" ما شهدته منذ أيام قليلة مدرسة ابتدائية بصفاقس حيث قام تلميذ بالاعتداء على زميله داخل الفصل بمقصّ على مستوى عينه.

وحول تكرر حالات العنف بين التلاميذ أكد رمزي بزة مدير المرصد الوطني للتربية أن العنف في الوسط المدرسي ظاهرة عامة ولن تقف وزارة التربية مكتوفة الأيدي أمام تفشي العنف بمختلف أصنافه.

وقال مدير المرصد الوطني للتربية أنه تم رصد أكثر من 14 ألف حالة عنف بين لفظي ومادي في الوسط المدرسي، مما أدى إلى اتخاذ إجراءات تأديبية وبدرجات مختلفة تجاه عدد من التلاميذ.

وحسب محدثنا فإن الوزارة قررت في أكتوبر2023 تفعيل مرصد عين وهي منصة رقمية تم إدماجها في البوابة الرسمية لوزارة التربية مع جملة التطبيقات الإعلامية الأخرى، وقد تم الانطلاق في البداية وكمرحلة أولى برصد حالات العنف في الإعدادي والثانوي كما تم في الأسبوع التالي الانطلاق في رصد حالات العنف بالنسبة للمرحلة الابتدائية.

وأشار مدير المرصد الوطني للتربية إن التطبيقية الرقمية تسمح برصد الظواهر المحفوفة بالمخاطر والعنف بأصنافه ( لفظي - مادي - سيبرني - تحرش - تنمر) إلى جانب رصد تعاطي المخدرات والمواد الخطيرة والإقدام على الانتحار.

وشدد محدثنا أن الغاية ليست إحصاء حالات العنف بقدر ما هي محاولة لمعالجة الظاهرة.

ورغم إبرام الاتفاقيات ووضع برامج للحد من الظاهرة لكن تواصل انتشار العنف في الوسط المدرسي.

و للتذكير فقد وقعت وزارتا المرأة والتربية في ماي 2023 منشورا مشتركا يتعلّق بتنفيذ برنامج تكويـنيّ وتحسيسيّ تحت شعار "لا للعنف في الوسط المدرسي" وذلك في إطار الحملة الوطنية "يكـــبر ومـا ينســاش" التي أطلقتها وزارة الأسرة في شهر مارس الماضي لمقـاومة العنـف المسـلّط على الطفل والتصدّي له .

وأكّدت وزيرة المرأة أنّ هذا البرنامج المشترك، يعمل على تكوين مكوّنين في مجال نشر ثقافة حقوق الطفل لحوالي 150 إطارا وطنيّا وجهويّا يتم تكليفهم بتكوين قرابة 1500 إطارا تربويا بالمؤسسات التربوية، والذين يتولّون بدورهم تنشيط حصص توعوية في مجال التصدّي للعنف بالوسط المدرسي لفائدة قرابة 200 ألف تلميذ في كافة ولايات الجمهورية.

وجاء هذا المنشور المشترك على ضوء احصائيّات التقرير الوطني لوضع الطفولة 2020-2021 والتقارير السنّوية لمندوبي حماية الطفولة التي عكست ارتفاع منسوب العنف المسلط على الطفـل في الوسط المدرسي وما له من آثــار مدمّــرة للمســار التربـوي للتلميذ ولمجمـل تحصيله الدراسي واندمـاجه الاجتماعي.

 وتفيد الأرقام أن عدد الإشعارات حول العنف في الوسط بلغت 1230 التي تلقاها مندوبو حماية الطفولة خلال سنة 2022.

وقال سليم قاسم رئيس الجمعية التونسية لجودة التعليم "إن انتشار العنف بمختلف أشكاله ومستوياته داخل المؤسّسة التّربويّة ظاهرة مركّبة، حيث تعود بعض أسباب هذه الظّاهرة إلى طبيعة المجتمع الذي تنتمي إليه المؤسّسة، في حين يعود البعض الآخر إلى خصوصيّاتها وطبيعة العلاقات القائمة داخلها، لان مجتمعنا قد عرف طيلة ما يزيد عن العشريّة فترة انتقاليّة رفعت من منسوب التّوتّر لدى أفراده كردّة فعل غريزيّة تلازم كلّ محاولة للتّأقلم مع واقع جديد".

وأشار قاسم في حديثه لـ"الصباح" إنه إذا أضفنا ضعف الوازع الفرديّ وانتشار مظاهر الانفلات في الواقعين المعيش والافتراضي، تحصّلنا على بيئة ملائمة لانتشار العنف بمختلف أنواعه ومظاهره، أمّا المدرسة كبيئة لها مميّزاتها، فقد نالها حظّ من التّسيّب والانفلات لأسباب أوّلها وأخطرها على الإطلاق القرار اللاّمسؤول بإعفاء المئات من المديرين غداة أحداث جانفي 2011، فبقيت مؤسّساتنا التّربويّة كالسّفن التي تواجه العواصف دون ربّان، وزاد من تعقيد الوضع حملات الانتدابات العشوائيّة المتعاقبة التي ألقت بعشرات الآلاف من المدرّسين والقيّمين داخل مدارسنا دون أيّ تكوين مسبق ودون أية قدرة من المنظومة على استيعاب هذه الحشود وتأطيرها على نحو ملائم، ولا ننسى أيضا طبيعة المرحلة العمريّة التي يمرّ بها المتعلّمون وما يميّزها من استعداد لتقليد ما يعيشونه في بيئتهم الحاضنة وما يتفاعلون معه عبر وسائل الإعلام وشبكات التّواصل الاجتماعيّ والألعاب الإلكترونيّة من مظاهر عنف متعدّدة.

كما اعتبر محدثنا أن تعاملنا مع ظاهرة العنف المدرسيّ يحتاج فهما لأسبابها العميقة ووضعا لآليّات دقيقة وفعالة للتّوقّي منها أوّلا، ومعالجتها ثانيا، أمّا المقاربات السّطحيّة وخاصّة الزّجريّة منها، والمعالجات المتشنّجة المسارعة إلى تحميل المسؤوليّة لهذا الطّرف أو ذاك، فإنّها لا تزيد هذه الظّاهرة إلاّ تفاقما وتعقيدا.

وأفاد قاسم إن الجمعيّة التّونسيّة لجودة التّعليم بادرت منذ سنوات عديدة باقتراح "مدوّنة سلوك الأسرة التّربويّة الموسّعة" التي تشمل كلّ المنتمين إلى المؤسّسة التّعليميّة والمتعاملين معها دون استثناء، كما تم إعداد معيارا للجودة الشّاملة في المؤسّسات التّربويّة، وقد خصّ المعيار شروط السّلامة والتّوقّي من العنف داخل هذه المؤسّسات بمحور كامل، عسى أن يدرك كلّ طرف دوره ومسؤوليّته، وأن يعي أهمّيّة باقي الأطراف الشّريكة ويتعامل معها في نطاق الاحترام والتّكامل. وهذه فرصة لتجدّيد الدعوة لسلطة الإشراف للنّظر في هاتين المبادرتين وتبنّيهما إن ارتأت فيهما ما يخدم مصلحة الطّفل الفضلى ومصلحة المنظومة التّربويّة ككلّ.

كما تعمل الجمعيّة حسب رئيسها على تنفيذ أنشطة ميدانيّة موجّهة للنّاشئة تهمّ بناء السّلام والوقاية من النّزاعات وسبل حلّها بعيدا عن التّصعيد والعنف، حتّى تعود المدرسة إلى سالف عهدها، فضاء ودّيّا وآمنا تتضافر فيه مجهودات مختلف الأطراف من أجل بناء الإنسان التّونسيّ المتوازن الذي يعي واقعه ويدرك دوره فيه ويتحمّل مسؤوليّته كاملة تجاه ذاته، وتجاه محيطه الطّبيعيّ والبشريّ، وتجاه وطنه وأمّته. وعندها فقط يمكننا الحديث عن منظومة تربويّة عالية الأداء.

جهاد الكلبوسي