إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

الميديا الجديدة وعودة الإنسانية إلى الإعلام تتالت بفعل الميديا الجديدة.. مظاهر الرّشد في الرأي العام العالمي

 

 

 

بقلم د. الصحراوي قمعون

صحفي باحث في علوم الإعلام والصحافة

بعثرت الميديا الجديدة لشبكات التواصل الاجتماعي كل أوراق الميديا القديمة وكل أساليبها التضليلية المتوالدة خلال العشريات الأخيرة للقرن الماضي . وأُسقط في أيدي أباطرة التضليل المُمنْهج في الغرب الأورو-أمريكي . ولم تعد الأباطيل تنطلي على المتلقي، أو تُغَيَّبَ الحقيقة بالتعتيم الذي ولّى عهده وانقضى، وأفلت، من رقابة القوى المهيمنة علي الساحة السياسية والمالية في العالم .

   لم تعد الشعوب أسيرة حكامها وأعلامها المضلل، بل فتحت أعينها على الحقيقة مباشرة من المنهل، وأصبح ذلك ممكنا لكل فرد، حسب اجتهاده وتوجهه وقدرته على التفاعل والقراءة الصحيحة والفهم الممكن قدر المستطاع الشخصي، في جماهيرية الإعلام المفتوح البديل.

وقد تجسد الأمر في حال اعتداء اسرائيل على غزة في أكتوبر 2023 وإمعانها في القصف العشوائي للمدنيين والأطفال ووصول عدد الضحايا منهم إلى أكثر من ثلاثين ألف شهيد دون أن تتوقف ألة الحرب والقصف الإسرائيلي والحصار اللاإنساني .ولكن سردية اسرائيل "المحاصرة من الفلسطينيين والجيران" فقدت مصداقيتها وقبولها من طرف رأي عام عالمي جديد، يشعر بالعجز، وقد شعر حكامهم أنفسهم في أمريكا وأوروبا بالعجز أمام صلف إسرائيل ورئيس حكومتها المتطرف.

    لقد تتالت بفعل الميديا الجديدة، مظاهر الرّشد في الرأي العام العالمي الذي أصبح كل فرد فيه يملك جهاز هاتف نقال مرتبط بالشبكة العنكبوتية وفضاءات شبكات التواصل الاجتماعي عالما خاصا بذاته. وهو في نفس الوقت متلقٍّ وباثّ ومتفاعل مع المجموعة التي يتعاطف معها ويُحس بالانتماء الهَوَوِي لها . وقد تجاوز الإنسان بذلك مرحلة كوكب غوتمبارغ حول القرية الكونية ليسافر "افتراضِيًّا" بين عوالم الفضاء والأرض نحو كوكبٍ، فيه التفاعل متعدد الوسائط والشبكات، حيث يصبح كل فرد له جمهوريته الخاصة المرتبطة بجمهوريات الاتحاد المحلي والعالمي الأخرين، في شبكة تفاعلية كل فرد فيها فاعِل ومتفاعِل وله رأي وتعليق ومشاركة في تبني المواقف، بعيدا عن التضليل مُحْكم الإغلاق والمزاليج المعدنية للأبواب القديمة الصدئة كأبواب السجون والمنافي، في مدن الكذب والبهتان. وهو تضليل كانت تمارسه وتسوّقه بضاعةً منتقاة لكل السياسات الحاكمة في البلدان المهيمنة وعلى مستوى الكوكب التقليدي .

 لقد فُكّ الإنسان من عقاله وانطلق حرًّا طليقا كطيف النسيم، كما قال الشاعر أبو القاسم الشابي . وأصبح الإنسان الإعلامي الجديد راشدا ومتصلا بالأخر في صناعة المحتوى الذي أصبح يشارك به في المحفل العالمي الجديد، الذي عوض بقوّته الجماهيرية المحفل الماسُوني الذي كان يسيطر على العالم خلال القرن الماضي . أصبح ذلك متاحا دون حدود أو قيود تضليلية أو تعتيمية على الأحداث . وفي ذلك أصبح الجميع "أوْلاد تسعة أشهر"، كما يقول المثل الشعبي التونسي.

ولا عزاء للمضلِّلِين المهزومين

   في هذا العالم المفتوح أصبحت السردية التقليدية الإسرائيلية المتداولة ساقِطَة سُقُوط السَّقْطة من الأعلى المهشِّم، وأصبح لاعَزاء للمظلِّلين المهزومين .وظهرت مظاهر صدق الإنسان، وتبين أن الإنسانية مازالت حية في قلوب ساكني هذا الكوكب المُشْرف على نهايته بسبب الكذب والتضليل والغطرسة ، وقد لوّثته أحابيل تزييف الواقع والتاريخ وقصص الإفك و"الفايْك نْيوز" الناجمة عن حروب لا إنسانية أشعلها الغرب الاستعماري ذو الخلفية الحضارية اليونانية الرومانية المتحالفة مع البعد المسيحي اليهودي السائدة في العالم خلال القرون الأخيرة . وهي تفعل المستحيل من أجل منع التحالف العربي الإسلامي أن يعود ويتصدر المشهد، كما في قرون ما قبل الهيمنة الغربية الحالية لما قبل 1492، تاريخ سقوط غرناطة واكتشاف أمريكا الجديدة من الغرب الأوروبي المنطلق من إسبانيا والبرتغال الأندلس سابقا، المزدهرة علما وتقنية لقرون.

   وفي إطار هذه الجدلية التاريخية، لازالت القضية الفلسطينية تراوح مكانها من الصمت والنسيان، ظلمًا وتِيهًا لسكانها منذ أكثر من سبعين سنة . وقد بينت أحداث غزة الأخيرة أنّ الإنسانية مازالت حية في نفوس الشعوب، لأن قضية غزة ليست حربا تقليدية بين جيشين نظاميين مثل الحرب الأوكرانية الروسية، بل هي حرب غاشمة لقوة إقليمية ضد شعب أعزل شُرّد من أرضه إلى مخيمات اللاجئين، وفُرض عليه سلام مغشوش في أوسلو فقبله بكل سوءاته . ولكن القوة المحتلة المارقة لم ترض حتى بذلك الفُتات السلمي حد الإستسلام، بل حاصرت زعيم ذلك الشعب المضطهد ياسر عرفات لسنوات في سجنه الرئاسي حتى موته مسموما بمادة البولونيوم المشع، حسب تقرير للطب الشرعي في سويسرا.

  كل هذه المعطيات ترنّ في أذان الرأي العام العالمي الذي عبر، كما شاهد الجميع بتلقائية إنسانية عن تضامنه التام مع الشعب الفلسطيني المحاصر والممنوع من الماء والكهرباء والوقود والغذاء، دون أن يستطيع العالم الغني، المُتشدّق بحقوق الإنسان ، فعل أي شيء تجاه جبروت اسرائيل . وهو لا يستطيع حتى الاحتجاج، فما بالك أن يفرض عليها عقوبات كما فرضت على كل المتنطعين عن الشرعية الدولية ومجرمي الحرب في أنحاء عدة من العالم .

   لقد تحول التعاطف إلى تضامن دولي، عبّر عنه المواطنون المكْلومون، وهم من أبناء دول الغرب الباغي والمساند قسرا لإسرائيل خوفا من سطوة لوبي منظمة " أيْبَاكْ" الصهيونية المتباكية على مصير إسرائيل من الأخطار المحدقة بها .

  وحيال عالم الصُّم البُكْم العُمْي، المسيطر في الغرب أمام المجازر الشنيعة، لم يبق للإنسانية من قدرة غير التضامن والاحتجاج في مظاهرات مليونية وترديد شعارات تطالب بوقف إطلاق النار وإيصال الغذاء والماء والكهرباء إلى السكان المحاصرين في جيب غزة الذين تقصفهم الطائرات النفاثة والمسيرات من فوق وتقصفهم المدفعية ورصاص القناصة المرتزقة من الأسفل، ولا نصير لهم غير التضامن الدولي.

   لقد تحول العجز في التأثير على الحكام في الغرب للَجْم جماح المتطرفين في إسرائيل إلى أسلوب تعبير عن إنسانية الإنسان : فهذه جمهورية جنوب إفريقيا البطلة التي تقدمت بشجاعة لافتة بدعوى قضائية لدى محكمة العدل الدولية بشأن جريمة الإبادة الجماعية التي تنفذها اسرائيل على المباشر في غزة والضفة، تصبح أيقونة الإنسانية السخية وتصبح الدعوى المكونة من أكثر من ثمانين صفحة التي قدمتها للمحكمة عن جرائم وأدلة الإبادة الجماعية، وثيقة إدانة للنظام العنصري أبارتهايد في إسرائيل . وتصبح جنوب افريقيا التي عرفت نظام الميز العنصري أبارتهايد كأحْلكِ ما يكون خلال القرن الماضي، الأدْرَى بتلك العنصرية المقيتة، وتتحول إلي مثال للإنسانية العائدة في هذا العالم، الذي أطبق عليه الأشرار من السياسيين الماكيافيليين وأزلامهم من عتاة التضليل الإعلامي .

جنوب إفريقيا مثال الإنسانية الفياضة

لقد تحول فريق جنوب إفريقيا القانوني إلى مثال ونموذج، بعد أن تحول إلى لاهاي ليقدم الدعوى القضائية ضد النظام العنصري في تل أبيب، شقيق النظام العنصري في بريتوريا المهزومة من قبل الزعيم المسالم نلسون مانديلا . وقد قدم بذلك صورة وردية لهذه الإنسانية المفقودة خلال العشريات الأخيرة من العالم . بل تحول ذلك الفريق الحقوقي إلى نجم من نجوم الأحداث وهم يستقبلون عند عودتهم إلى بلادهم استقبال الأبطال في المطار من طرف حشود من مواطنيهم الذين كانوا يتابعون عبر الميديا الجديدة الرقمية وفيديوهاتها المنسابة، أطوار مرافعة جنوب افريقيا أمام المحكمة، وكأنهم يتابعون وقائع مقابلات فريق بلدهم في كاس العالم أو كأس أمم افريقيا . وقد حاول في السابق الإعلام التقليدي لكل من تل ابيب وبريتوريا تضليل الرأي العام في جنوب افريقيا في إطار التحالف الاستراتيجي بين العاصمتين العنصريتين وأخر جيوب الاستعمار .

لقد أصبحت المبادرات البسيطة والسخية بمعناها الإنساني سيدة الموقف في هذا العالم الجديد، يقوم بها ويؤثثها ناشِطو الشبكة التواصلية بكل ما لهم من إيمان بالقضايا العادلة وبالمظالم الإنسانية المنسية، بفعل تجْويق التضليل الإعلامي المحترف الذي عمدت إليه القوى الحاكمة في المشهد السياسي والحقوقي والإعلامي ومن ورائه الإعلام المتآمر على مصير الشعوب والذي يعمل بلا هوادة، علنا وخلسة، علي تبييض الأشخاص والأزلام، كما يعمد الفاسدون إلى تبييض الأموال الوسخة .

   وفي إطار هذا الزخم الإنساني منقطع النظير، تحولت سفارات جنوب افريقيا في عدة دول في أوروبا وإفريقيا إلى مكان يجتمع فيه العشرات من ذوي النوايا الطيبة الساعين إلى السلم في العالم، ليكبروا مواقف جنوب افريقيا في مقاضاة اسرائيل وفتح باب الاستماع إلى عشرات الدول الشاكية باسرائيل، والتي بدأت محكمة لاهاي الدولية في الاستماع إليها، ومنها تونس الرسمية عبر الأستاذ سليم اللغماني، موفدا من رئيس الدولة، وتونس الجمعياتية عبر عميد المحامين، لتكون تلك الشكايات مسمارا اخر يدق في نعش الكيان المحتل لأراضي الغير وتبعاته القانونية.

 

 

 

 

 

 

الميديا الجديدة وعودة الإنسانية إلى الإعلام تتالت بفعل الميديا الجديدة.. مظاهر الرّشد في الرأي العام العالمي

 

 

 

بقلم د. الصحراوي قمعون

صحفي باحث في علوم الإعلام والصحافة

بعثرت الميديا الجديدة لشبكات التواصل الاجتماعي كل أوراق الميديا القديمة وكل أساليبها التضليلية المتوالدة خلال العشريات الأخيرة للقرن الماضي . وأُسقط في أيدي أباطرة التضليل المُمنْهج في الغرب الأورو-أمريكي . ولم تعد الأباطيل تنطلي على المتلقي، أو تُغَيَّبَ الحقيقة بالتعتيم الذي ولّى عهده وانقضى، وأفلت، من رقابة القوى المهيمنة علي الساحة السياسية والمالية في العالم .

   لم تعد الشعوب أسيرة حكامها وأعلامها المضلل، بل فتحت أعينها على الحقيقة مباشرة من المنهل، وأصبح ذلك ممكنا لكل فرد، حسب اجتهاده وتوجهه وقدرته على التفاعل والقراءة الصحيحة والفهم الممكن قدر المستطاع الشخصي، في جماهيرية الإعلام المفتوح البديل.

وقد تجسد الأمر في حال اعتداء اسرائيل على غزة في أكتوبر 2023 وإمعانها في القصف العشوائي للمدنيين والأطفال ووصول عدد الضحايا منهم إلى أكثر من ثلاثين ألف شهيد دون أن تتوقف ألة الحرب والقصف الإسرائيلي والحصار اللاإنساني .ولكن سردية اسرائيل "المحاصرة من الفلسطينيين والجيران" فقدت مصداقيتها وقبولها من طرف رأي عام عالمي جديد، يشعر بالعجز، وقد شعر حكامهم أنفسهم في أمريكا وأوروبا بالعجز أمام صلف إسرائيل ورئيس حكومتها المتطرف.

    لقد تتالت بفعل الميديا الجديدة، مظاهر الرّشد في الرأي العام العالمي الذي أصبح كل فرد فيه يملك جهاز هاتف نقال مرتبط بالشبكة العنكبوتية وفضاءات شبكات التواصل الاجتماعي عالما خاصا بذاته. وهو في نفس الوقت متلقٍّ وباثّ ومتفاعل مع المجموعة التي يتعاطف معها ويُحس بالانتماء الهَوَوِي لها . وقد تجاوز الإنسان بذلك مرحلة كوكب غوتمبارغ حول القرية الكونية ليسافر "افتراضِيًّا" بين عوالم الفضاء والأرض نحو كوكبٍ، فيه التفاعل متعدد الوسائط والشبكات، حيث يصبح كل فرد له جمهوريته الخاصة المرتبطة بجمهوريات الاتحاد المحلي والعالمي الأخرين، في شبكة تفاعلية كل فرد فيها فاعِل ومتفاعِل وله رأي وتعليق ومشاركة في تبني المواقف، بعيدا عن التضليل مُحْكم الإغلاق والمزاليج المعدنية للأبواب القديمة الصدئة كأبواب السجون والمنافي، في مدن الكذب والبهتان. وهو تضليل كانت تمارسه وتسوّقه بضاعةً منتقاة لكل السياسات الحاكمة في البلدان المهيمنة وعلى مستوى الكوكب التقليدي .

 لقد فُكّ الإنسان من عقاله وانطلق حرًّا طليقا كطيف النسيم، كما قال الشاعر أبو القاسم الشابي . وأصبح الإنسان الإعلامي الجديد راشدا ومتصلا بالأخر في صناعة المحتوى الذي أصبح يشارك به في المحفل العالمي الجديد، الذي عوض بقوّته الجماهيرية المحفل الماسُوني الذي كان يسيطر على العالم خلال القرن الماضي . أصبح ذلك متاحا دون حدود أو قيود تضليلية أو تعتيمية على الأحداث . وفي ذلك أصبح الجميع "أوْلاد تسعة أشهر"، كما يقول المثل الشعبي التونسي.

ولا عزاء للمضلِّلِين المهزومين

   في هذا العالم المفتوح أصبحت السردية التقليدية الإسرائيلية المتداولة ساقِطَة سُقُوط السَّقْطة من الأعلى المهشِّم، وأصبح لاعَزاء للمظلِّلين المهزومين .وظهرت مظاهر صدق الإنسان، وتبين أن الإنسانية مازالت حية في قلوب ساكني هذا الكوكب المُشْرف على نهايته بسبب الكذب والتضليل والغطرسة ، وقد لوّثته أحابيل تزييف الواقع والتاريخ وقصص الإفك و"الفايْك نْيوز" الناجمة عن حروب لا إنسانية أشعلها الغرب الاستعماري ذو الخلفية الحضارية اليونانية الرومانية المتحالفة مع البعد المسيحي اليهودي السائدة في العالم خلال القرون الأخيرة . وهي تفعل المستحيل من أجل منع التحالف العربي الإسلامي أن يعود ويتصدر المشهد، كما في قرون ما قبل الهيمنة الغربية الحالية لما قبل 1492، تاريخ سقوط غرناطة واكتشاف أمريكا الجديدة من الغرب الأوروبي المنطلق من إسبانيا والبرتغال الأندلس سابقا، المزدهرة علما وتقنية لقرون.

   وفي إطار هذه الجدلية التاريخية، لازالت القضية الفلسطينية تراوح مكانها من الصمت والنسيان، ظلمًا وتِيهًا لسكانها منذ أكثر من سبعين سنة . وقد بينت أحداث غزة الأخيرة أنّ الإنسانية مازالت حية في نفوس الشعوب، لأن قضية غزة ليست حربا تقليدية بين جيشين نظاميين مثل الحرب الأوكرانية الروسية، بل هي حرب غاشمة لقوة إقليمية ضد شعب أعزل شُرّد من أرضه إلى مخيمات اللاجئين، وفُرض عليه سلام مغشوش في أوسلو فقبله بكل سوءاته . ولكن القوة المحتلة المارقة لم ترض حتى بذلك الفُتات السلمي حد الإستسلام، بل حاصرت زعيم ذلك الشعب المضطهد ياسر عرفات لسنوات في سجنه الرئاسي حتى موته مسموما بمادة البولونيوم المشع، حسب تقرير للطب الشرعي في سويسرا.

  كل هذه المعطيات ترنّ في أذان الرأي العام العالمي الذي عبر، كما شاهد الجميع بتلقائية إنسانية عن تضامنه التام مع الشعب الفلسطيني المحاصر والممنوع من الماء والكهرباء والوقود والغذاء، دون أن يستطيع العالم الغني، المُتشدّق بحقوق الإنسان ، فعل أي شيء تجاه جبروت اسرائيل . وهو لا يستطيع حتى الاحتجاج، فما بالك أن يفرض عليها عقوبات كما فرضت على كل المتنطعين عن الشرعية الدولية ومجرمي الحرب في أنحاء عدة من العالم .

   لقد تحول التعاطف إلى تضامن دولي، عبّر عنه المواطنون المكْلومون، وهم من أبناء دول الغرب الباغي والمساند قسرا لإسرائيل خوفا من سطوة لوبي منظمة " أيْبَاكْ" الصهيونية المتباكية على مصير إسرائيل من الأخطار المحدقة بها .

  وحيال عالم الصُّم البُكْم العُمْي، المسيطر في الغرب أمام المجازر الشنيعة، لم يبق للإنسانية من قدرة غير التضامن والاحتجاج في مظاهرات مليونية وترديد شعارات تطالب بوقف إطلاق النار وإيصال الغذاء والماء والكهرباء إلى السكان المحاصرين في جيب غزة الذين تقصفهم الطائرات النفاثة والمسيرات من فوق وتقصفهم المدفعية ورصاص القناصة المرتزقة من الأسفل، ولا نصير لهم غير التضامن الدولي.

   لقد تحول العجز في التأثير على الحكام في الغرب للَجْم جماح المتطرفين في إسرائيل إلى أسلوب تعبير عن إنسانية الإنسان : فهذه جمهورية جنوب إفريقيا البطلة التي تقدمت بشجاعة لافتة بدعوى قضائية لدى محكمة العدل الدولية بشأن جريمة الإبادة الجماعية التي تنفذها اسرائيل على المباشر في غزة والضفة، تصبح أيقونة الإنسانية السخية وتصبح الدعوى المكونة من أكثر من ثمانين صفحة التي قدمتها للمحكمة عن جرائم وأدلة الإبادة الجماعية، وثيقة إدانة للنظام العنصري أبارتهايد في إسرائيل . وتصبح جنوب افريقيا التي عرفت نظام الميز العنصري أبارتهايد كأحْلكِ ما يكون خلال القرن الماضي، الأدْرَى بتلك العنصرية المقيتة، وتتحول إلي مثال للإنسانية العائدة في هذا العالم، الذي أطبق عليه الأشرار من السياسيين الماكيافيليين وأزلامهم من عتاة التضليل الإعلامي .

جنوب إفريقيا مثال الإنسانية الفياضة

لقد تحول فريق جنوب إفريقيا القانوني إلى مثال ونموذج، بعد أن تحول إلى لاهاي ليقدم الدعوى القضائية ضد النظام العنصري في تل أبيب، شقيق النظام العنصري في بريتوريا المهزومة من قبل الزعيم المسالم نلسون مانديلا . وقد قدم بذلك صورة وردية لهذه الإنسانية المفقودة خلال العشريات الأخيرة من العالم . بل تحول ذلك الفريق الحقوقي إلى نجم من نجوم الأحداث وهم يستقبلون عند عودتهم إلى بلادهم استقبال الأبطال في المطار من طرف حشود من مواطنيهم الذين كانوا يتابعون عبر الميديا الجديدة الرقمية وفيديوهاتها المنسابة، أطوار مرافعة جنوب افريقيا أمام المحكمة، وكأنهم يتابعون وقائع مقابلات فريق بلدهم في كاس العالم أو كأس أمم افريقيا . وقد حاول في السابق الإعلام التقليدي لكل من تل ابيب وبريتوريا تضليل الرأي العام في جنوب افريقيا في إطار التحالف الاستراتيجي بين العاصمتين العنصريتين وأخر جيوب الاستعمار .

لقد أصبحت المبادرات البسيطة والسخية بمعناها الإنساني سيدة الموقف في هذا العالم الجديد، يقوم بها ويؤثثها ناشِطو الشبكة التواصلية بكل ما لهم من إيمان بالقضايا العادلة وبالمظالم الإنسانية المنسية، بفعل تجْويق التضليل الإعلامي المحترف الذي عمدت إليه القوى الحاكمة في المشهد السياسي والحقوقي والإعلامي ومن ورائه الإعلام المتآمر على مصير الشعوب والذي يعمل بلا هوادة، علنا وخلسة، علي تبييض الأشخاص والأزلام، كما يعمد الفاسدون إلى تبييض الأموال الوسخة .

   وفي إطار هذا الزخم الإنساني منقطع النظير، تحولت سفارات جنوب افريقيا في عدة دول في أوروبا وإفريقيا إلى مكان يجتمع فيه العشرات من ذوي النوايا الطيبة الساعين إلى السلم في العالم، ليكبروا مواقف جنوب افريقيا في مقاضاة اسرائيل وفتح باب الاستماع إلى عشرات الدول الشاكية باسرائيل، والتي بدأت محكمة لاهاي الدولية في الاستماع إليها، ومنها تونس الرسمية عبر الأستاذ سليم اللغماني، موفدا من رئيس الدولة، وتونس الجمعياتية عبر عميد المحامين، لتكون تلك الشكايات مسمارا اخر يدق في نعش الكيان المحتل لأراضي الغير وتبعاته القانونية.