إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

أنور بن قدور الأمين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل: الحوار الوطني وتنقيح القانون الانتخابي وتركيز المحكمة الدستورية ضروري قبل الانتخابات الرئاسية

 

ـ التجمع العمالي يوم 2 مارس سيكون من أجل عودة الحوار الاجتماعي والدفاع عن الحق النقابي والمقدرة الشرائية

ـ لدينا احتراز على مضامين قانون المالية

ـ نرفض تغييب الأطراف الاجتماعية في إعداد مشروع قانون الوظيفة العمومية وإصلاح المؤسسات العمومية

ـ الإصلاح التربوي غير ممكن في ظل تواصل التشغيل الهش 

ـ نعم لتجريم التطبيع.. لكن هذا لا يكفي

تونس- الصباح

دعا أنور بن قدور الأمين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل المسؤول عن الدراسات والتوثيق إلى تنقية المناخ السياسي وتركيز المحكمة الدستورية ومراجعة القانون الانتخابي قبل الذهاب إلى الانتخابات الرئاسية، وبين أن هذه المحطة الانتخابية تكتسي أهمية كبيرة، ولهذا الغرض سيكون من الأفضل تنظيم حوار وطني جامع يتم خلاله التوافق حول مقترحات تعديل القانون الانتخابي بكيفية لا تمس من حق الترشح، مع الحرص على أن تكون الانتخابات المرتقبة نزيهة وشفافة وديمقراطية وأن تكون نسبة المشاركة فيها مقبولة من طرف الجميع وليس كما حصل في الانتخابات التشريعية والانتخابات المحلية حيث كانت نسبة الإقبال ضعيفة، والأهم من ذلك حسب رأيه، ألا يكون التنافس في الانتخابات الرئاسية قائما على أساس الولاء للأشخاص وإنما على أساس برامج واضحة المعالم ومرفقة بتصورات دقيقة حول كيفية تمويل الإصلاحات التي يقترحها المترشح سواء تعلق الأمر بإصلاح المؤسسات أو الإصلاح التربوي أو إصلاح الوظيفة العمومية أو محاربة الفساد الصغير من خلال رقمنة الإدارة وكل هذا من أجل إنقاذ تونس وضمان الاستقرار .

وتحدث بن قدور في حوار أدلى به لـ"الصباح" عما وصفه بالأزمة سياسية في البلاد وتداعياتها ودعا إلى التعجيل بتنظيم حوار وطني قبل الانتخابات الرئاسية وطالب رئيس الجمهورية بتركيز المحكمة الدستورية وأبدى استغرابه من التأخير في تركيز هذه المحكمة لأنه بمقتضى دستور 2022 أصبح تعيين أعضائها سهلا. وتطرق بالخصوص إلى استعدادات المنظمة الشغيلة لإنجاح التجمع العمالي الذي سيقام يوم السبت 2 مارس 2024 على الساعة العاشرة صباحا في ساحة القصبة بتونس، وفسر سبب احتراز الاتحاد على قانون المالية، كما أبدى رفضه لتوجه الحكومة نحو مراجعة مشروع قانون الوظيفة العمومية ومشروع قانون المؤسسات والمنشآت العمومية وتمرير قانون يتعلق بالمجلس الأعلى للتربية دون استشارة الأطراف الاجتماعية، وشدد على أن المشكل الحقيقي في تونس يكمن في عدم وضوح الرؤية.

*دعا المكتب التنفيذي للاتحاد في بيان له بتاريخ 5 فيفري الجاري أعوان الوظيفة العمومية والقطاع العام إلى تجمع عمالي يوم 2 مارس المقبل احتجاجا على تعطّل الحوار، فهل تم بعد صدور البيان الاتصال بالمنظمة من أجل التباحث حول الحلول الممكنة؟

ـ في حقيقة الأمر لا يوجد أي اتصال أو تواصل مع السلطة التنفيذية سواء كانت الحكومة أو رئاسة الجمهورية منذ مدة طويلة، وحتى بعد الإعلان عن تنظيم التجمع العمالي لم يقع الاتصال بالإتحاد،  وهناك رفض تام للحوار الاجتماعي في تونس، وهذا الرفض هو السمة البارزة لهذه الفترة إذ يوجد إصرار من قبل الحكومة على مواصلة السير في نفس النهج وهو رفض الحوار، وفي هذا الصدد لا بد من التذكير بأن الحوار الاجتماعي معطل منذ سبتمبر 2022 حيث هناك غياب تام للتشاركية، وأمام تعطل الحوار الاجتماعي بعد إصدار المنشورين عدد 20 و21 وتراجع الحكومة عن تطبيق اتفاقيتي 6 فيفري 2021 و15 سبتمبر 2022 الممضاة بينها وبين الاتحاد العام التونسي للشغل تعطل كل شيء، وأدى ذلك إلى خلق مناخ اجتماعي متوتر، وهذا مرده أن هناك اتفاقيات قطاعية لم تنفذ كما لم يقع الالتزام بمقتضيات اتفاقية الزيادة في الأجور في الوظيفة العمومية والقطاع العام في علاقة بتنظيم اجتماعات دورية بين الحكومة والطرف الاجتماعي لتدارس الوضع الاجتماعي والاقتصادي وتحيين الاتفاقية وتعديلها كلما اقتضى الوضع ذلك،  وبالتالي، ورفضا لتواصل تعطيل الحوار الاجتماعي من قبل الحكومة وضرب الحق النقابي وتدهور المقدرة الشرائية للأجراء تمت الدعوة لتجمع عمالي يوم 2 مارس المقبل أمام قصر الحكومة بالقصبة، وقد تجند الاتحاد  لإنجاح هذا التحرك النضالي السلمي، ولهذا الغرض تم تنظيم لقاءات في الجهات كما تم يوم السبت الماضي تنظيم لقاء مع مجمع القطاعات الموسع وسيتم الحرص خلال الأيام القادمة على تنظيم اجتماعات قطاعية لرصد الصفوف وتوعية أبناء الاتحاد بأهمية هذا التحرك والتحسب لإمكانية محاصرة النقابيين داخل الجمهورية والحيلولة دون التحاقهم بالعاصمة، وسيتم خلال التجمع العمالي رفع ثلاثة شعارات فحسب وهي استئناف الحوار الاجتماعي والتمسك بالحق النقابي والدفاع عن المقدرة الشرائية للأجراء.

*هناك من يعتبر أن الدعوة للتجمع العمالي ستكون اختبارا لمدى قدرة الاتحاد على حشد صفوفه خاصة في ظل وجود أزمة داخلية خانقة لم تعد خافية على العيان وتململ على مستوى القواعد فهل تقرون بوجود هذه الأزمة؟

ـ لا بد من الإشارة أولا إلى عدم وجود مشكل على مستوى قواعد الاتحاد، وأنه  لا يمكن الحديث عن أزمة في الاتحاد لأن الأزمة موجودة في كامل البلاد وهذه الأزمة ألقت بظلالها على الجميع ومنها الاتحاد، وحتى العائلات التونسية أصبحت منقسمة، ثم أن من يتحدث عن أزمة داخل الاتحاد عليه أن يتذكر بأن هذه المنظمة عندما أحيت ذكرى 26 جانفي فذلك لكي تقول إنها متمسكة باستقلاليتها وإنها ضد المحاكمات السياسية ولكي ترد على أطراف داخل الاتحاد وخارجه تسعى إلى تحميل مسؤولية تعطيل الحوار الاجتماعي إلى القيادة النقابية والحال أن السلطة التنفيذية هي التي عطلت الحوار وهي التي أبدت رفضها للأجسام الوسيطة، وهي التي تمارس تضييقات على النقابيين فضلا عن تلفيق تهم ضد البعض منهم وقد وصل الأمر حد المطالبة بتسديد أجور نقابيين كانوا في السابق متفرغين وطرد وفود نقابية عالمية متضامنة مع الاتحاد  فضلا عن محاولات ترذيل العمل النقابي وضربه رغبة في أن يصبح الاتحاد مسايرا للسلطة التنفيذية ويقبل بالأمر الواقع ويوافق على سياسات الحكومة وتوجهاتها.. ولكن الاتحاد متمسك باستقلاليته ومصر على لعب دوره كقوة اقتراح، وهو يطالب بتنفيذ جميع الاتفاقيات التي تم توقعيها سابقا احتراما لمصداقية التفاوض.. فالقيادة النقابية تشعر بوجود غضب من قبل القواعد على القيادة مرده صمتنا لوقت طويل على الوضع الذي تعيشه البلاد سواء تعلق الأمر بتردي المقدرة الشرائية للأجراء أو التوجه نحو رفع الدعم أو الإيقافات وملاحقة السياسيين والناشطين في المجتمع المدني والصحفيين على أساس المرسوم عدد 54 سيء الذكر بما أدى إلى المس بحرية التعبير وتراجع النقاش العام حول القضايا الكبرى في المنابر الإعلامية وأصبحنا نشعر بوجود "صنصرة ذاتية"، فالقيادة النقابية تعيش تحت ضغط القواعد التي ترى أن الوضع تردى كثيرا وأنه لا يمكن للقيادة أن تواصل الصمت على ما يجري في البلاد وفي هذا السياق يتنزل قرار المكتب التنفيذي للاتحاد القاضي بالدعوة لتنظيم التجمع العمالي يوم 2 مارس المقبل.

*تحدثتم خلال اجتماع مجمع القطاعات الموسع الذي نظمه الاتحاد يوم السبت الماضي عن وجود أزمة شاملة في تونس.. والحال أن هناك من يرى أن الوضع في البلاد أفضل  مما كان عليه قبل 25 جويلية، فما هو رأيكم؟

ـ لا أحد يمكنه أن ينكر وجود أزمة متعددة الجوانب في تونس وهي أزمة سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وفلاحية وبيئية وغيرها وهذه الأزمة كانت متواصلة طيلة سنوات عديدة أي أنها لم تظهر فقط بعد 25 جويلية، وتجاوزها اليوم غير ممكن إلا في صورة حلحلة الأزمة السياسية وكف السلطة التنفيذية عن التفرد بالرأي .. وهذا الأمر خطير للغاية وستكون له عواقب وخيمة على تونس وستكون له تداعيات سلبية لعل أخطرها عدم الاستقرار، ونحن اليوم إذا أردنا الاستقرار والنهوض بالبلاد فلا بد من الحرص على ضمان وحدة الشعب التونسي وتلافي الانزلاقات التي يمكن أن تحصل بسبب المس بهذه الوحدة والكف عن تبادل التهم والتنكيل بالتونسيين لأنه لن يجدي نفعا فنحن مازلنا ننتظر من السلطة تقديم برامج حقيقية من شأنها أن تساعد على إنقاذ البلاد ولكن يبدو أن السلطة التنفيذية ليس لديها مثل هذه البرامج، وهي في خطابها السياسي تقتصر على تشخيص الأوضاع والحال أن جميع التونسيين يدركون حقيقة تلك الأوضاع ويطالبون بالحلول فرئيس الجمهورية على سبيل الذكر وليس الحصر تحدث قبل المصادقة على قانون المالية عن المشاكل التي تعاني منها شركة نقل تونس وعن معاناة حرفائها وكان حري بالحكومة أن تقدم مقترحات في قانون المالية من أجل توفير موارد لفائدة هذه الشركة بهدف إنقاذها، وبهذه الكيفية يكون هناك انسجام بين الخطاب السياسي وتوجهات الحكومة ولكن هذا لم يحدث ونفس الشيء بالنسبة إلى المؤسسات العمومية إذ يبدو للمتابعين للشأن العام أن رئيس الجمهورية يتقاسم مع المنظمة  رؤيتها من أجل إنقاذ هذه المؤسسات ورفض التفويت  فيها ولكن في حقيقة الأمر نجد الخطاب السياسي لرئيس الجمهورية في واد وتوجهات الحكومة في واد ولعل أبرز مثال على ذلك أن رئيس الجمهورية عبر في العديد من المناسبات عن رفضه للتعاطي مع صندوق النقد الدولي ولكن الحكومة تعمل من أجل التفاوض مع الصندوق، واليوم نحن في الاتحاد نريد من الحكومة التي ترفض التواصل مع منظمتنا رغم إدراكها جدية مقترحاتها من أجل إنقاذ المؤسسات العمومية نحن نريد منها على الأقل أن تضع حدا لاستبعاد الكفاءات الوطنية وأن تعمل على تشريكها لأن تونس تزخر بالكفاءات في جميع الميادين والقطاعات المطلوب استشارتها والاستماع إلى مقترحاتها ورؤاها وهي مدعوة إلى فتح حوار اجتماعي جدي ومسؤول والكف عن التضييق عن حرية العمل النقابي وإيجاد حلول لتدهور المقدرة الشرائية للأسر التونسية بصفة عامة وللشغالين بصفة خاصة، وتلافي أزمة نقص المواد الأساسية والأدوية والإسراع في إصلاح المنظومات الصحية والتربوية، فأعضاء الحكومة يتحدثون عن الإصلاحات ولكن التونسيين لم يرو أي إصلاح جدي يعيد إليهم الثقة في المستقبل، فكل ما هناك هو تقسيم الشعب التونسي وبث خطاب يدعو إلى الكراهية والعنصرية.

*على ذكر الإصلاحات الكبرى، ما هو رأيكم في الاستشارة الوطنية حول التربية والتعليم التي من المنتظر أن يقع الاستئناس بنتائجها في عملية الإصلاح التربوي؟

ـ منذ سنوات والجميع في تونس يطالبون بالإصلاح التربوي وتحقيق هذا المطلب غير ممكن في صورة عدم القضاء على التشغيل الهش والمناولة ويجب ألا ننسى أن الاتحاد العام التونسي للشغل كان الأشد حرصا على القضاء على مختلف آليات التشغيل الهش في قطاع التعليم لأن هناك أقسام عديدة في الكثير من المؤسسات التربوية لا يتوفر فيها إلى حد اليوم أساتذة ومعملين والحال أننا بلغنا منتصف السنة الدراسية، فالتلاميذ في بعض الجهات لا يدرسون بعض المواد بسبب عدم توفر مدرسين، فنحن عندما نتحدث عن إصلاح تربوي ندرك جيدا أن هذا الإصلاح هو أكبر مشروع يهم الشعب التونسي لأنه يعني جميع الأسر لذلك نحن نطالب بتشريك الطرف الاجتماعي في هذا الإصلاح نظرا للدور المحوري للمدرس في هذه العملية وفي حال تجاهله لا يمكن لمشروع الإصلاح التربوي أن ينجح، وإضافة إلى الأطراف الاجتماعية يدعو الاتحاد إلى تشريك الكفاءات في إصلاح المنظومة التربوية ونفس المطلب ينسحب على مشاريع إصلاح المنظومة الصحية والوظيفة العمومية ومراجعة مجلة المياه ومجلة الطاقة، فنحن ندعو السلطة التنفيذية إلى تشريك الطرف الاجتماعي والكفاءات عند إعداد مشاريع الإصلاحات واستشارتها حول مشاريع قوانين المالية فهذا أفضل لتونس من إلقاء التهم جزافا.

* طالبتم باستشارة الاتحاد في إعداد مشاريع قوانين المالية فهل تمت دعوتكم من قبل وزارة المالية أو مجلس نواب الشعب وتحديدا لجنة المالية والميزانية لإبداء الرأي في مشروع قانون المالية لسنة 2024، وما هي احترازاتكم على هذا القانون؟

-عند الإطلاع على قانون المالية لسنة 2024 يمكن أن نلاحظ بسهولة أنه لا يختلف عن قوانين المالية السابقة في كونه قانون مالية محاسباتي يتضمن موارد ونفقات ويتغاضى تماما عن التنمية والإصلاحات الكبرى التي تحتاجها تونس من إصلاح التعليم والصحة والمنظومة الفلاحة والنقل العمومي، وإضافة إلى ذلك نجده يقوم على الاقتراض ومنه القروض الخارجية والتي لا نعرف من أين ستأتي، وفي المحصلة فإن قانون المالية للسنة الجارية لا يعبر عن توجه نحو الإصلاح، ونحن في الاتحاد قدمنا الكثير من المقترحات لكن لم يقع أخذها بعين الاعتبار إذ طالبنا بإعادة النظر في السلم الضريبي وهذا لم يحدث كما دعونا إلى تحيين المنح العائلية ومراجعة الأجر الأدنى وبأن لا تقل جراية أي أجير عن الأجر الأدنى المضمون، كما طالب الاتحاد في وقت سابق وتحديدا خلال جائحة كورونا بتأسيس نظام تأمين على فقدان مواطن الشغل لأسباب اقتصادية على غرار ما هو موجود في عدة بلدان وتم الاشتغال على مشروع قانون في الغرض في إطار اجتماع ثلاثي الأطراف تم تحت إشراف منظمة العمل الدولية وهذا المشروع جاهز ولكن الحكومة لم تمرره إلى مجلس نواب الشعب مثلما لم تمرر مشروع قانون الوظيفة العمومية ومشروع قانون المؤسسات العمومية اللذين وقع في وقت سابق تشريك الاتحاد في إعدادهما وتم الاتفاق على 80 بالمائة تقريبا من مضامينهما وهي اليوم تعتزم تقديم  مشاريع لا أحد يعرف مضامينها لأن الحوار الاجتماع معطل ولم يتم استئنافه سيكون بالإمكان التسريع في إصلاح المؤسسات العمومية وحوكمتها حالة بحالة بعيدا عن الشعارات الرنانة، أما على مستوى قانون المالية فقد طالبنا بأن يكون هناك ربط بين القرار السياسي والاقتصاد بمعنى أن السلطة التنفيذية عندما تكون لديها توجهات سياسية يجب أن تترجم تلك التوجهات اقتصاديا من خلال الإجراءات التي تقترحها في مشروع قانون المالية.. كما لا بد أن نشير إلى أن وزارة المالية كانت في وقت سابق ترسل مشروع قانون المالية للاتحاد العام التونسي للشغل قبل المصادقة عليه من قبل مجلس الوزراء وقبل إحالته على مجلس نواب الشعب ويتولى الاتحاد بمساهمة خبرائه دراسة هذا المشروع وتقديم مقترحات بشأنه ولكن منذ عامين لم تقع استشارة المنظمة بخصوص مشاريع قوانين المالية من قبل الوزارة وحتى بعد الانتخابات التشريعية وتركيز مجلس نواب الشعب لم يستشر المجلس النيابي الاتحاد بخصوص مشروع قانون المالية لسنة 2024 وهذا فيه مساس من مبدأ التشاركية والحال أنه يوجد توجه عام في العالم يتمثل في حرص الحكومات على الاستئناس بآراء المنظمات الوطنية والكفاءات من أجل تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في بلدانها.

*لتمويل ميزانية الدولة اقترحت الحكومة مؤخرا على البرلمان تنقيح القانون الأساسي للبنك المركزي التونسي وقد صادق المجلس علىالترخيص للبنك المركزي في منح تسهيلات لفائدة الخزينة العامّة بغرض تمويل جزء من عجز ميزانية الدولة لسنة 2024 في حدود 7 ألاف مليار.. فما هو رأيكم في هذا الإجراء الاستثنائي؟

ـ نحن في الاتحاد لا نرفض أن يتم تمويل عجز ميزانية الدولة من قبل البنك المركزي ولكن نريد أن يكون ذلك في حدود معينة حتى لا نسقط في دائرة استسهال الحكومة للجوء إلى البنك المركزي لتمويل الميزانية بدلا عن بحث موارد أخرى وعندما نقول هذا الشيء فنجن نعلم جيدا أننا في سنة انتخابية ونخشى من أن هذه التسهيلات يمكن أن تجعل الحكومة تلجأ إلى الاقتراض من البنك المركزي لتمويل برامج لغايات انتخابية والحال أن الشعب التونسي هو الذي سيرجع تلك القروض، وحتى في صورة عدم وجود هذه الفرضية فإننا في الاتحاد نريد أن يقع توجيه القروض للتنمية وبناء المصانع ودفع الإنتاج وليس لتمويل عجز الميزانية فقط.

 وفي علاقة بالقروض اتخذت وزارة الشؤون الاجتماعية مؤخرا قرارا يقضي بمنح قروض من قبل الصناديق الاجتماعية لمنظوريها في غياب لرؤية حقيقية لإصلاح هذه الصناديق في اتجاه توفير حماية اجتماعية لجميع التونسيين وحتى لا يحصل أي تونسي على جراية أقل من الأجر الأدنى لكن الوزارة خيرت اتخاذ مثل هذا القرار في سنة انتخابية ونحن إن كنا لا نرفض إعطاء قروض للتونسيين لكننا لا نريد أن يؤدي مثل هذا الإجراء إلى إفلاس الصناديق الاجتماعية ونعتقد أنه سيكون من الصعب على الصناديق الاجتماعية استخلاص القروض، وكل هذا يحدث بسبب غياب الحوار الاجتماعي حول إصلاح الصناديق الاجتماعية هذا الإصلاح الذي لا يعني الحكومة فقط وإنما الأطراف الاجتماعية الثلاثة.

*بصفتكم المسؤول عن قسم الدراسات بالاتحاد العام التونسي للشغل فهل هناك دراسات جديدة في الأفق وفي أي مجال؟

ـ أننا في قسم الدراسات نعمل على تشريك الخبراء في مختلف المجالات وهم مشكورون جدا لأنهم متطوعون ولا يدخرون أي جهد في خدمة الاتحاد العام التونسي للشغل ولكن المشكل المطروح يكمن في كيفية توسيع دائرة المهتمين بهذه الدراسات، فنحن في قسم الدراسات نعمل بمناسبة كل مشروع قانون المالية على دراسة المشروع المقدم من قبل الحكومة ونشتغل بمنتهى الجدية على مقترحات لتعديله بل قمنا أحيانا بتقديم قانون مالية بديل، مثلما عملنا بمناسبة الاتفاق مع صندوق النقد الدولي على تقديم مقترح اتفاق بديل تم إعداده بمشاركة خيرة الخبراء ووقع توجيه هذا المقترح إلى حكومة نجلاء بودن، واليوم نحن نشتغل على دراسة حول أهداف التنمية المستدامة ومدى التقدم في تحقيقها في تونس وهو عمل كبير تم انجازه من قبل نقابيين وخبراء وهذا العمل جاهز وسيتم عرضه قريبا في ندوة صحفية، وليس هذا فقط فنحن في قسم الدراسات بصدد تحيين رؤيتنا للاتحاد العام التونسي للشغل في غضون 2030 وفي إطاره يتم العمل على تقييم الأداء بكل صرامة وتقييم طرق التواصل بين الهياكل والانضباط والالتزام بمقتضيات النظام الداخلي وكيفية معالجة الانفلاتات في ظل احترام حرية التعبير داخل الهياكل، فالاتحاد منظمة مهيكلة والنقاشات يجب أن تدور داخل الهياكل وليس على منصات التواصل الاجتماعي بكيفية يتم فيها هتك الأعراض والتشهير بالناس ونشر المغالطات والأكاذيب.

* في علاقة بالتشهير ما هو رأيكم في المرسوم عدد 54 لسنة 2022 المؤرخ في 13 سبتمبر 2022 والمتعلق بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال وهل أنتم مع تنقيحه أو إلغائه تماما؟

-لقد طالبنا في الاتحاد في العديد من المناسبات بإلغاء المرسوم عدد 54..، وفي نفس الوقت نرى أن هناك أطرافا من الموالاة تقوم بهتك الأعراض في غياب تام للمساءلة، وهذا غير معقول لأنه من المفروض أن يقع تطبيق القانون على الجميع على قدم المساواة، وفي كل الأحوال ندعو إلى حذف المرسوم لتداعياته الخطيرة على حرية التعبير والرأي وتلفيق تهم كيدية ضد بعض النقابيين، وإضافة إلى مطالبتنا بإلغاء المرسوم عدد 54 نحن نطالب البرلمان بالعدول عن مقترح القانون المتعلق بتنقيح مرسوم الجمعيات ونعتبره حلقة جديدة من حلقات التضييق على المجتمع المدني، وفي المقابل ندعوه إلى تمرير القانون المتعلق بتجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني ويؤلما كثيرا أن نرى تونس من أقل الدول التي حصلت فيها مظاهرات لدعم القضية الفلسطينية، ونحن في الاتحاد نقترح التبرع بأجرة يوم عمل لفائدة الشعب الفلسطيني ونريد أن تكون هناك هبة شعبية قوية في تونس من أجل نصرة القضية الفلسطينية وأن لا نبرح الشوارع والساحات حتى تبقى هذه القضية حية في وجدان الشباب والأطفال.

حاورته: سعيدة بوهلال     

أنور بن قدور الأمين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل:  الحوار الوطني وتنقيح القانون الانتخابي وتركيز المحكمة الدستورية ضروري قبل الانتخابات الرئاسية

 

ـ التجمع العمالي يوم 2 مارس سيكون من أجل عودة الحوار الاجتماعي والدفاع عن الحق النقابي والمقدرة الشرائية

ـ لدينا احتراز على مضامين قانون المالية

ـ نرفض تغييب الأطراف الاجتماعية في إعداد مشروع قانون الوظيفة العمومية وإصلاح المؤسسات العمومية

ـ الإصلاح التربوي غير ممكن في ظل تواصل التشغيل الهش 

ـ نعم لتجريم التطبيع.. لكن هذا لا يكفي

تونس- الصباح

دعا أنور بن قدور الأمين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل المسؤول عن الدراسات والتوثيق إلى تنقية المناخ السياسي وتركيز المحكمة الدستورية ومراجعة القانون الانتخابي قبل الذهاب إلى الانتخابات الرئاسية، وبين أن هذه المحطة الانتخابية تكتسي أهمية كبيرة، ولهذا الغرض سيكون من الأفضل تنظيم حوار وطني جامع يتم خلاله التوافق حول مقترحات تعديل القانون الانتخابي بكيفية لا تمس من حق الترشح، مع الحرص على أن تكون الانتخابات المرتقبة نزيهة وشفافة وديمقراطية وأن تكون نسبة المشاركة فيها مقبولة من طرف الجميع وليس كما حصل في الانتخابات التشريعية والانتخابات المحلية حيث كانت نسبة الإقبال ضعيفة، والأهم من ذلك حسب رأيه، ألا يكون التنافس في الانتخابات الرئاسية قائما على أساس الولاء للأشخاص وإنما على أساس برامج واضحة المعالم ومرفقة بتصورات دقيقة حول كيفية تمويل الإصلاحات التي يقترحها المترشح سواء تعلق الأمر بإصلاح المؤسسات أو الإصلاح التربوي أو إصلاح الوظيفة العمومية أو محاربة الفساد الصغير من خلال رقمنة الإدارة وكل هذا من أجل إنقاذ تونس وضمان الاستقرار .

وتحدث بن قدور في حوار أدلى به لـ"الصباح" عما وصفه بالأزمة سياسية في البلاد وتداعياتها ودعا إلى التعجيل بتنظيم حوار وطني قبل الانتخابات الرئاسية وطالب رئيس الجمهورية بتركيز المحكمة الدستورية وأبدى استغرابه من التأخير في تركيز هذه المحكمة لأنه بمقتضى دستور 2022 أصبح تعيين أعضائها سهلا. وتطرق بالخصوص إلى استعدادات المنظمة الشغيلة لإنجاح التجمع العمالي الذي سيقام يوم السبت 2 مارس 2024 على الساعة العاشرة صباحا في ساحة القصبة بتونس، وفسر سبب احتراز الاتحاد على قانون المالية، كما أبدى رفضه لتوجه الحكومة نحو مراجعة مشروع قانون الوظيفة العمومية ومشروع قانون المؤسسات والمنشآت العمومية وتمرير قانون يتعلق بالمجلس الأعلى للتربية دون استشارة الأطراف الاجتماعية، وشدد على أن المشكل الحقيقي في تونس يكمن في عدم وضوح الرؤية.

*دعا المكتب التنفيذي للاتحاد في بيان له بتاريخ 5 فيفري الجاري أعوان الوظيفة العمومية والقطاع العام إلى تجمع عمالي يوم 2 مارس المقبل احتجاجا على تعطّل الحوار، فهل تم بعد صدور البيان الاتصال بالمنظمة من أجل التباحث حول الحلول الممكنة؟

ـ في حقيقة الأمر لا يوجد أي اتصال أو تواصل مع السلطة التنفيذية سواء كانت الحكومة أو رئاسة الجمهورية منذ مدة طويلة، وحتى بعد الإعلان عن تنظيم التجمع العمالي لم يقع الاتصال بالإتحاد،  وهناك رفض تام للحوار الاجتماعي في تونس، وهذا الرفض هو السمة البارزة لهذه الفترة إذ يوجد إصرار من قبل الحكومة على مواصلة السير في نفس النهج وهو رفض الحوار، وفي هذا الصدد لا بد من التذكير بأن الحوار الاجتماعي معطل منذ سبتمبر 2022 حيث هناك غياب تام للتشاركية، وأمام تعطل الحوار الاجتماعي بعد إصدار المنشورين عدد 20 و21 وتراجع الحكومة عن تطبيق اتفاقيتي 6 فيفري 2021 و15 سبتمبر 2022 الممضاة بينها وبين الاتحاد العام التونسي للشغل تعطل كل شيء، وأدى ذلك إلى خلق مناخ اجتماعي متوتر، وهذا مرده أن هناك اتفاقيات قطاعية لم تنفذ كما لم يقع الالتزام بمقتضيات اتفاقية الزيادة في الأجور في الوظيفة العمومية والقطاع العام في علاقة بتنظيم اجتماعات دورية بين الحكومة والطرف الاجتماعي لتدارس الوضع الاجتماعي والاقتصادي وتحيين الاتفاقية وتعديلها كلما اقتضى الوضع ذلك،  وبالتالي، ورفضا لتواصل تعطيل الحوار الاجتماعي من قبل الحكومة وضرب الحق النقابي وتدهور المقدرة الشرائية للأجراء تمت الدعوة لتجمع عمالي يوم 2 مارس المقبل أمام قصر الحكومة بالقصبة، وقد تجند الاتحاد  لإنجاح هذا التحرك النضالي السلمي، ولهذا الغرض تم تنظيم لقاءات في الجهات كما تم يوم السبت الماضي تنظيم لقاء مع مجمع القطاعات الموسع وسيتم الحرص خلال الأيام القادمة على تنظيم اجتماعات قطاعية لرصد الصفوف وتوعية أبناء الاتحاد بأهمية هذا التحرك والتحسب لإمكانية محاصرة النقابيين داخل الجمهورية والحيلولة دون التحاقهم بالعاصمة، وسيتم خلال التجمع العمالي رفع ثلاثة شعارات فحسب وهي استئناف الحوار الاجتماعي والتمسك بالحق النقابي والدفاع عن المقدرة الشرائية للأجراء.

*هناك من يعتبر أن الدعوة للتجمع العمالي ستكون اختبارا لمدى قدرة الاتحاد على حشد صفوفه خاصة في ظل وجود أزمة داخلية خانقة لم تعد خافية على العيان وتململ على مستوى القواعد فهل تقرون بوجود هذه الأزمة؟

ـ لا بد من الإشارة أولا إلى عدم وجود مشكل على مستوى قواعد الاتحاد، وأنه  لا يمكن الحديث عن أزمة في الاتحاد لأن الأزمة موجودة في كامل البلاد وهذه الأزمة ألقت بظلالها على الجميع ومنها الاتحاد، وحتى العائلات التونسية أصبحت منقسمة، ثم أن من يتحدث عن أزمة داخل الاتحاد عليه أن يتذكر بأن هذه المنظمة عندما أحيت ذكرى 26 جانفي فذلك لكي تقول إنها متمسكة باستقلاليتها وإنها ضد المحاكمات السياسية ولكي ترد على أطراف داخل الاتحاد وخارجه تسعى إلى تحميل مسؤولية تعطيل الحوار الاجتماعي إلى القيادة النقابية والحال أن السلطة التنفيذية هي التي عطلت الحوار وهي التي أبدت رفضها للأجسام الوسيطة، وهي التي تمارس تضييقات على النقابيين فضلا عن تلفيق تهم ضد البعض منهم وقد وصل الأمر حد المطالبة بتسديد أجور نقابيين كانوا في السابق متفرغين وطرد وفود نقابية عالمية متضامنة مع الاتحاد  فضلا عن محاولات ترذيل العمل النقابي وضربه رغبة في أن يصبح الاتحاد مسايرا للسلطة التنفيذية ويقبل بالأمر الواقع ويوافق على سياسات الحكومة وتوجهاتها.. ولكن الاتحاد متمسك باستقلاليته ومصر على لعب دوره كقوة اقتراح، وهو يطالب بتنفيذ جميع الاتفاقيات التي تم توقعيها سابقا احتراما لمصداقية التفاوض.. فالقيادة النقابية تشعر بوجود غضب من قبل القواعد على القيادة مرده صمتنا لوقت طويل على الوضع الذي تعيشه البلاد سواء تعلق الأمر بتردي المقدرة الشرائية للأجراء أو التوجه نحو رفع الدعم أو الإيقافات وملاحقة السياسيين والناشطين في المجتمع المدني والصحفيين على أساس المرسوم عدد 54 سيء الذكر بما أدى إلى المس بحرية التعبير وتراجع النقاش العام حول القضايا الكبرى في المنابر الإعلامية وأصبحنا نشعر بوجود "صنصرة ذاتية"، فالقيادة النقابية تعيش تحت ضغط القواعد التي ترى أن الوضع تردى كثيرا وأنه لا يمكن للقيادة أن تواصل الصمت على ما يجري في البلاد وفي هذا السياق يتنزل قرار المكتب التنفيذي للاتحاد القاضي بالدعوة لتنظيم التجمع العمالي يوم 2 مارس المقبل.

*تحدثتم خلال اجتماع مجمع القطاعات الموسع الذي نظمه الاتحاد يوم السبت الماضي عن وجود أزمة شاملة في تونس.. والحال أن هناك من يرى أن الوضع في البلاد أفضل  مما كان عليه قبل 25 جويلية، فما هو رأيكم؟

ـ لا أحد يمكنه أن ينكر وجود أزمة متعددة الجوانب في تونس وهي أزمة سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وفلاحية وبيئية وغيرها وهذه الأزمة كانت متواصلة طيلة سنوات عديدة أي أنها لم تظهر فقط بعد 25 جويلية، وتجاوزها اليوم غير ممكن إلا في صورة حلحلة الأزمة السياسية وكف السلطة التنفيذية عن التفرد بالرأي .. وهذا الأمر خطير للغاية وستكون له عواقب وخيمة على تونس وستكون له تداعيات سلبية لعل أخطرها عدم الاستقرار، ونحن اليوم إذا أردنا الاستقرار والنهوض بالبلاد فلا بد من الحرص على ضمان وحدة الشعب التونسي وتلافي الانزلاقات التي يمكن أن تحصل بسبب المس بهذه الوحدة والكف عن تبادل التهم والتنكيل بالتونسيين لأنه لن يجدي نفعا فنحن مازلنا ننتظر من السلطة تقديم برامج حقيقية من شأنها أن تساعد على إنقاذ البلاد ولكن يبدو أن السلطة التنفيذية ليس لديها مثل هذه البرامج، وهي في خطابها السياسي تقتصر على تشخيص الأوضاع والحال أن جميع التونسيين يدركون حقيقة تلك الأوضاع ويطالبون بالحلول فرئيس الجمهورية على سبيل الذكر وليس الحصر تحدث قبل المصادقة على قانون المالية عن المشاكل التي تعاني منها شركة نقل تونس وعن معاناة حرفائها وكان حري بالحكومة أن تقدم مقترحات في قانون المالية من أجل توفير موارد لفائدة هذه الشركة بهدف إنقاذها، وبهذه الكيفية يكون هناك انسجام بين الخطاب السياسي وتوجهات الحكومة ولكن هذا لم يحدث ونفس الشيء بالنسبة إلى المؤسسات العمومية إذ يبدو للمتابعين للشأن العام أن رئيس الجمهورية يتقاسم مع المنظمة  رؤيتها من أجل إنقاذ هذه المؤسسات ورفض التفويت  فيها ولكن في حقيقة الأمر نجد الخطاب السياسي لرئيس الجمهورية في واد وتوجهات الحكومة في واد ولعل أبرز مثال على ذلك أن رئيس الجمهورية عبر في العديد من المناسبات عن رفضه للتعاطي مع صندوق النقد الدولي ولكن الحكومة تعمل من أجل التفاوض مع الصندوق، واليوم نحن في الاتحاد نريد من الحكومة التي ترفض التواصل مع منظمتنا رغم إدراكها جدية مقترحاتها من أجل إنقاذ المؤسسات العمومية نحن نريد منها على الأقل أن تضع حدا لاستبعاد الكفاءات الوطنية وأن تعمل على تشريكها لأن تونس تزخر بالكفاءات في جميع الميادين والقطاعات المطلوب استشارتها والاستماع إلى مقترحاتها ورؤاها وهي مدعوة إلى فتح حوار اجتماعي جدي ومسؤول والكف عن التضييق عن حرية العمل النقابي وإيجاد حلول لتدهور المقدرة الشرائية للأسر التونسية بصفة عامة وللشغالين بصفة خاصة، وتلافي أزمة نقص المواد الأساسية والأدوية والإسراع في إصلاح المنظومات الصحية والتربوية، فأعضاء الحكومة يتحدثون عن الإصلاحات ولكن التونسيين لم يرو أي إصلاح جدي يعيد إليهم الثقة في المستقبل، فكل ما هناك هو تقسيم الشعب التونسي وبث خطاب يدعو إلى الكراهية والعنصرية.

*على ذكر الإصلاحات الكبرى، ما هو رأيكم في الاستشارة الوطنية حول التربية والتعليم التي من المنتظر أن يقع الاستئناس بنتائجها في عملية الإصلاح التربوي؟

ـ منذ سنوات والجميع في تونس يطالبون بالإصلاح التربوي وتحقيق هذا المطلب غير ممكن في صورة عدم القضاء على التشغيل الهش والمناولة ويجب ألا ننسى أن الاتحاد العام التونسي للشغل كان الأشد حرصا على القضاء على مختلف آليات التشغيل الهش في قطاع التعليم لأن هناك أقسام عديدة في الكثير من المؤسسات التربوية لا يتوفر فيها إلى حد اليوم أساتذة ومعملين والحال أننا بلغنا منتصف السنة الدراسية، فالتلاميذ في بعض الجهات لا يدرسون بعض المواد بسبب عدم توفر مدرسين، فنحن عندما نتحدث عن إصلاح تربوي ندرك جيدا أن هذا الإصلاح هو أكبر مشروع يهم الشعب التونسي لأنه يعني جميع الأسر لذلك نحن نطالب بتشريك الطرف الاجتماعي في هذا الإصلاح نظرا للدور المحوري للمدرس في هذه العملية وفي حال تجاهله لا يمكن لمشروع الإصلاح التربوي أن ينجح، وإضافة إلى الأطراف الاجتماعية يدعو الاتحاد إلى تشريك الكفاءات في إصلاح المنظومة التربوية ونفس المطلب ينسحب على مشاريع إصلاح المنظومة الصحية والوظيفة العمومية ومراجعة مجلة المياه ومجلة الطاقة، فنحن ندعو السلطة التنفيذية إلى تشريك الطرف الاجتماعي والكفاءات عند إعداد مشاريع الإصلاحات واستشارتها حول مشاريع قوانين المالية فهذا أفضل لتونس من إلقاء التهم جزافا.

* طالبتم باستشارة الاتحاد في إعداد مشاريع قوانين المالية فهل تمت دعوتكم من قبل وزارة المالية أو مجلس نواب الشعب وتحديدا لجنة المالية والميزانية لإبداء الرأي في مشروع قانون المالية لسنة 2024، وما هي احترازاتكم على هذا القانون؟

-عند الإطلاع على قانون المالية لسنة 2024 يمكن أن نلاحظ بسهولة أنه لا يختلف عن قوانين المالية السابقة في كونه قانون مالية محاسباتي يتضمن موارد ونفقات ويتغاضى تماما عن التنمية والإصلاحات الكبرى التي تحتاجها تونس من إصلاح التعليم والصحة والمنظومة الفلاحة والنقل العمومي، وإضافة إلى ذلك نجده يقوم على الاقتراض ومنه القروض الخارجية والتي لا نعرف من أين ستأتي، وفي المحصلة فإن قانون المالية للسنة الجارية لا يعبر عن توجه نحو الإصلاح، ونحن في الاتحاد قدمنا الكثير من المقترحات لكن لم يقع أخذها بعين الاعتبار إذ طالبنا بإعادة النظر في السلم الضريبي وهذا لم يحدث كما دعونا إلى تحيين المنح العائلية ومراجعة الأجر الأدنى وبأن لا تقل جراية أي أجير عن الأجر الأدنى المضمون، كما طالب الاتحاد في وقت سابق وتحديدا خلال جائحة كورونا بتأسيس نظام تأمين على فقدان مواطن الشغل لأسباب اقتصادية على غرار ما هو موجود في عدة بلدان وتم الاشتغال على مشروع قانون في الغرض في إطار اجتماع ثلاثي الأطراف تم تحت إشراف منظمة العمل الدولية وهذا المشروع جاهز ولكن الحكومة لم تمرره إلى مجلس نواب الشعب مثلما لم تمرر مشروع قانون الوظيفة العمومية ومشروع قانون المؤسسات العمومية اللذين وقع في وقت سابق تشريك الاتحاد في إعدادهما وتم الاتفاق على 80 بالمائة تقريبا من مضامينهما وهي اليوم تعتزم تقديم  مشاريع لا أحد يعرف مضامينها لأن الحوار الاجتماع معطل ولم يتم استئنافه سيكون بالإمكان التسريع في إصلاح المؤسسات العمومية وحوكمتها حالة بحالة بعيدا عن الشعارات الرنانة، أما على مستوى قانون المالية فقد طالبنا بأن يكون هناك ربط بين القرار السياسي والاقتصاد بمعنى أن السلطة التنفيذية عندما تكون لديها توجهات سياسية يجب أن تترجم تلك التوجهات اقتصاديا من خلال الإجراءات التي تقترحها في مشروع قانون المالية.. كما لا بد أن نشير إلى أن وزارة المالية كانت في وقت سابق ترسل مشروع قانون المالية للاتحاد العام التونسي للشغل قبل المصادقة عليه من قبل مجلس الوزراء وقبل إحالته على مجلس نواب الشعب ويتولى الاتحاد بمساهمة خبرائه دراسة هذا المشروع وتقديم مقترحات بشأنه ولكن منذ عامين لم تقع استشارة المنظمة بخصوص مشاريع قوانين المالية من قبل الوزارة وحتى بعد الانتخابات التشريعية وتركيز مجلس نواب الشعب لم يستشر المجلس النيابي الاتحاد بخصوص مشروع قانون المالية لسنة 2024 وهذا فيه مساس من مبدأ التشاركية والحال أنه يوجد توجه عام في العالم يتمثل في حرص الحكومات على الاستئناس بآراء المنظمات الوطنية والكفاءات من أجل تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في بلدانها.

*لتمويل ميزانية الدولة اقترحت الحكومة مؤخرا على البرلمان تنقيح القانون الأساسي للبنك المركزي التونسي وقد صادق المجلس علىالترخيص للبنك المركزي في منح تسهيلات لفائدة الخزينة العامّة بغرض تمويل جزء من عجز ميزانية الدولة لسنة 2024 في حدود 7 ألاف مليار.. فما هو رأيكم في هذا الإجراء الاستثنائي؟

ـ نحن في الاتحاد لا نرفض أن يتم تمويل عجز ميزانية الدولة من قبل البنك المركزي ولكن نريد أن يكون ذلك في حدود معينة حتى لا نسقط في دائرة استسهال الحكومة للجوء إلى البنك المركزي لتمويل الميزانية بدلا عن بحث موارد أخرى وعندما نقول هذا الشيء فنجن نعلم جيدا أننا في سنة انتخابية ونخشى من أن هذه التسهيلات يمكن أن تجعل الحكومة تلجأ إلى الاقتراض من البنك المركزي لتمويل برامج لغايات انتخابية والحال أن الشعب التونسي هو الذي سيرجع تلك القروض، وحتى في صورة عدم وجود هذه الفرضية فإننا في الاتحاد نريد أن يقع توجيه القروض للتنمية وبناء المصانع ودفع الإنتاج وليس لتمويل عجز الميزانية فقط.

 وفي علاقة بالقروض اتخذت وزارة الشؤون الاجتماعية مؤخرا قرارا يقضي بمنح قروض من قبل الصناديق الاجتماعية لمنظوريها في غياب لرؤية حقيقية لإصلاح هذه الصناديق في اتجاه توفير حماية اجتماعية لجميع التونسيين وحتى لا يحصل أي تونسي على جراية أقل من الأجر الأدنى لكن الوزارة خيرت اتخاذ مثل هذا القرار في سنة انتخابية ونحن إن كنا لا نرفض إعطاء قروض للتونسيين لكننا لا نريد أن يؤدي مثل هذا الإجراء إلى إفلاس الصناديق الاجتماعية ونعتقد أنه سيكون من الصعب على الصناديق الاجتماعية استخلاص القروض، وكل هذا يحدث بسبب غياب الحوار الاجتماعي حول إصلاح الصناديق الاجتماعية هذا الإصلاح الذي لا يعني الحكومة فقط وإنما الأطراف الاجتماعية الثلاثة.

*بصفتكم المسؤول عن قسم الدراسات بالاتحاد العام التونسي للشغل فهل هناك دراسات جديدة في الأفق وفي أي مجال؟

ـ أننا في قسم الدراسات نعمل على تشريك الخبراء في مختلف المجالات وهم مشكورون جدا لأنهم متطوعون ولا يدخرون أي جهد في خدمة الاتحاد العام التونسي للشغل ولكن المشكل المطروح يكمن في كيفية توسيع دائرة المهتمين بهذه الدراسات، فنحن في قسم الدراسات نعمل بمناسبة كل مشروع قانون المالية على دراسة المشروع المقدم من قبل الحكومة ونشتغل بمنتهى الجدية على مقترحات لتعديله بل قمنا أحيانا بتقديم قانون مالية بديل، مثلما عملنا بمناسبة الاتفاق مع صندوق النقد الدولي على تقديم مقترح اتفاق بديل تم إعداده بمشاركة خيرة الخبراء ووقع توجيه هذا المقترح إلى حكومة نجلاء بودن، واليوم نحن نشتغل على دراسة حول أهداف التنمية المستدامة ومدى التقدم في تحقيقها في تونس وهو عمل كبير تم انجازه من قبل نقابيين وخبراء وهذا العمل جاهز وسيتم عرضه قريبا في ندوة صحفية، وليس هذا فقط فنحن في قسم الدراسات بصدد تحيين رؤيتنا للاتحاد العام التونسي للشغل في غضون 2030 وفي إطاره يتم العمل على تقييم الأداء بكل صرامة وتقييم طرق التواصل بين الهياكل والانضباط والالتزام بمقتضيات النظام الداخلي وكيفية معالجة الانفلاتات في ظل احترام حرية التعبير داخل الهياكل، فالاتحاد منظمة مهيكلة والنقاشات يجب أن تدور داخل الهياكل وليس على منصات التواصل الاجتماعي بكيفية يتم فيها هتك الأعراض والتشهير بالناس ونشر المغالطات والأكاذيب.

* في علاقة بالتشهير ما هو رأيكم في المرسوم عدد 54 لسنة 2022 المؤرخ في 13 سبتمبر 2022 والمتعلق بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال وهل أنتم مع تنقيحه أو إلغائه تماما؟

-لقد طالبنا في الاتحاد في العديد من المناسبات بإلغاء المرسوم عدد 54..، وفي نفس الوقت نرى أن هناك أطرافا من الموالاة تقوم بهتك الأعراض في غياب تام للمساءلة، وهذا غير معقول لأنه من المفروض أن يقع تطبيق القانون على الجميع على قدم المساواة، وفي كل الأحوال ندعو إلى حذف المرسوم لتداعياته الخطيرة على حرية التعبير والرأي وتلفيق تهم كيدية ضد بعض النقابيين، وإضافة إلى مطالبتنا بإلغاء المرسوم عدد 54 نحن نطالب البرلمان بالعدول عن مقترح القانون المتعلق بتنقيح مرسوم الجمعيات ونعتبره حلقة جديدة من حلقات التضييق على المجتمع المدني، وفي المقابل ندعوه إلى تمرير القانون المتعلق بتجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني ويؤلما كثيرا أن نرى تونس من أقل الدول التي حصلت فيها مظاهرات لدعم القضية الفلسطينية، ونحن في الاتحاد نقترح التبرع بأجرة يوم عمل لفائدة الشعب الفلسطيني ونريد أن تكون هناك هبة شعبية قوية في تونس من أجل نصرة القضية الفلسطينية وأن لا نبرح الشوارع والساحات حتى تبقى هذه القضية حية في وجدان الشباب والأطفال.

حاورته: سعيدة بوهلال