إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

حكاياتهم.. أممية العشرة ، من أجل عالم ما بعد النيوليبرالية !!.

 

ابوبكر الصغير

  تونس خسرت الكثير خلال الأعوام الماضية في حضورها في ساحة الأفكار والتنظيرات العالمية ، بعد ان كانت البلاد سباقة في هذا الجانب والتي يُشهد لها بإحدى أهم النخب الفكرية والعلمية ..

 أصبحت تونس غائبة تماما .

  من المؤسف اننا لم نعد نعاني فقط من شحّ المياه و تصحّر الحقول بل كذلك موت الإبداع و تصحر العقول وهو كارثة وآفة الآفات، وضرره أشدّ وأنكى على المجتمع .

  التصحر الفكري ليس الاّ عنوان الجهل في العلم والثقافة .

 لعلّ مطحنة الواقع المرير الذي نعيش يفسّر السبب الأوّل لتهاوي الحركة الفكرية والثقافية وحتى الرياضية عندنا .

 لم تنج لا مؤسسات المجتمع المدني أو المؤسسات الرسمية التابعة للدولة، من هذا التصحّر وذلك مقارنة بما كانت تشهده الحياة الثقافية الوطنية في فترات سابقة ..

  لا يختلف مثقفان محترمان ، انّ هناك عناصر مثيرة مهمة اختفت من المشهد الثقافي نهائيا مثل أسماء مفكرين كبار بحجم قامات هشام جعيط ،محمود المسعدي ، الفاضل بن عاشور الخ .. كذلك فضاءات حرية الإبداع من نوادي سينما وفرق مسرحية وحلقات كتاب ومبدعين وإصدارات وانتاجات فنية تنشد العالمية ، وحتى مؤتمرات وانشطة ثقافية ، المنظمات و لاحزاب كانت لها احتفالياتها الثقافية هي الأخرى ، كانت تتبعها و تواليها حشود مثقفة .

  لم يبق من كلّ هذا شيء ، كأن " العقل " التونسي المبدع اصيب بالكساح الثقافي والفكري والفني.

   ظهر في الفترة الأخيرة تيار فكري نضالي عالمي جديد اتّخذ لنفسه تسمية (Le Convivialisme)، و هي فكرة للعيش المشترك، لفن التشارك والتعاون بالتصدي ولكن دون اقتتال.

   برز ذلك بعد ان فشلت المذاهب السياسية الموروثة (الليبرالية، والاشتراكية، والشيوعية، والفوضوية) في تقديم حلول لمشاكل الإنسانية ولم تعد أدلة كافية اليوم لأنها لا تخبرنا بأي شيء حاسم سواء عن محدودية الموارد الطبيعية، أو عن عالمية الثقافات وتعددها، ولا، في نهاية المطاف، عن الطريق الصحيح لتحقيق التنمية. كبح الطموح الطفولي إلى القدرة المطلقة (ما أطلق عليه اليونانيون القدماء الغطرسة) المتأصل في الرغبة البشرية.

 و هذا لا يمنع أصحاب المشروع من التواضع والإقرار بان فكرة مبدأ العيش المشترك ليس بأي حال من الأحوال عقيدة تدعي أنها تمتلك الإجابة على كل شيء وتقدم وصفات سياسية صالحة في كل مرة.

 ولكن رغم ذلك تسمح لنا بطرح الأسئلة ضمن إطار نظري مشترك واختبار تماسك ومقبولية التدابير السياسية التي قد يقترحها هذا الفاعل المدني أو السياسي أو ذاك.

  يهدف هذا التيار إلى الترويج لمبادئ يقوم عليها اجتماعه بعنوان كبير وهو : ليس هناك ما هو أكثر إلحاحا من تطوير طريقة بديلة للتفكير ووضوح العالم لتلك التي تمكنت النيوليبرالية من فرضها على الكوكب بأكمله.

 القاسم المشترك لهذه المبادرة ، البحث عن "فن العيش معًا (con-vivre) الذي يسمح للبشر بالعناية ببعضهم البعض وبالطبيعة، دون إنكار شرعية الصراع ولكن بجعله عاملاً من عوامل الديناميكية والإبداع.

 يقدم اصحاب المبادرة ، وهم منظمة Convivialist International، المبادئ الأيديولوجية التي يشملها التعايش: "الإنسانية المشتركة"، و"الاشتراكية المشتركة"، و"التفردية المشروع "، و"المعارضة الإبداعية"، و"الطبيعية من" و"السيطرة على الغطرسة".

 التعايش هو الاسم الذي يطلق على كل ما يساهم، في المذاهب والحكمة، سواء كان موجودًا حاضرا أو ماضيًا، أو علمانيا أو دينيا، في البحث عن مبادئ تسمح للبشر بالتنافس على تعاون أفضل والتقدم في الإنسانية في الوعي الكامل بمحدودية الوجود. الموارد الطبيعية والاهتمام المشترك برعاية العالم. فلسفة التعايش وفن العيش معًا، ليس هناك عقيدة جديدة يمكن إضافتها إلى الآخرين من خلال الادعاء بإلغائها أو تجاوزها جذريًا .

 اصدرت المجموعة التي اسست لهذا التيار بيانا عالميا وقعت عليه حوالي 300 شخصية من 33 دولة في العالم، لم نجد ضمن قائمة الموقعين اسما تونسيا واحدا .

   قامت العديد من المناقشات النظرية والتاريخية حول هذه الايديولوجيا الجديدة .

  اتجه التساؤل عن طبيعتها ، وخلفيتها ومكوناتها ولماذا ظهرت الان تحديدا ، بل هنالك من يقول بالسّؤال لماذا عادت الان باعتبار أن شهادة ميلاد النيوليبرالية بشكلها الحالي تعود إلى عام 1947. ففي تلك السنة، اجتمعت حوالي ثلاثين شخصية في سويسرا وأنشأت ما أصبح يعرف بجمعية " مونت بيليرين " . ومن بينهم الاقتصاديان فريدريش فون هايك وميلتون فريدمان، وفيلسوف العلم كارل بوبر، والعديد من الأسماء المعروفة الأخرى، بما في ذلك العديد من الفائزين بجوائز نوبل المستقبلية في الاقتصاد. وسرعان ما ستنجح هذه الجمعية " مونت بيليرين " ، التي لا تزال نشطة للغاية حتى اليوم، وبدعم من الشركات الكبيرة والمؤسسات الغنية، في تقويض الإجماع الكينزي، وهو إجماع ديمقراطي اجتماعي إلى حد ما في فترة ما بعد الحرب، وفرض رؤية سائدة جديدة للسياسة الاقتصادية العالمية .

 المهم انّ الإنسان مخير فيما يعلم، مسيّر فيما لا يعلم، أي أنه يزداد حرية كلما ازداد علما ، لكن يبقى المهم عندما نفكر بالغايات يجب أن لا نتجاهل الوسائل والامكانيات .

 

 

حكاياتهم..   أممية العشرة ، من أجل عالم ما بعد النيوليبرالية !!.

 

ابوبكر الصغير

  تونس خسرت الكثير خلال الأعوام الماضية في حضورها في ساحة الأفكار والتنظيرات العالمية ، بعد ان كانت البلاد سباقة في هذا الجانب والتي يُشهد لها بإحدى أهم النخب الفكرية والعلمية ..

 أصبحت تونس غائبة تماما .

  من المؤسف اننا لم نعد نعاني فقط من شحّ المياه و تصحّر الحقول بل كذلك موت الإبداع و تصحر العقول وهو كارثة وآفة الآفات، وضرره أشدّ وأنكى على المجتمع .

  التصحر الفكري ليس الاّ عنوان الجهل في العلم والثقافة .

 لعلّ مطحنة الواقع المرير الذي نعيش يفسّر السبب الأوّل لتهاوي الحركة الفكرية والثقافية وحتى الرياضية عندنا .

 لم تنج لا مؤسسات المجتمع المدني أو المؤسسات الرسمية التابعة للدولة، من هذا التصحّر وذلك مقارنة بما كانت تشهده الحياة الثقافية الوطنية في فترات سابقة ..

  لا يختلف مثقفان محترمان ، انّ هناك عناصر مثيرة مهمة اختفت من المشهد الثقافي نهائيا مثل أسماء مفكرين كبار بحجم قامات هشام جعيط ،محمود المسعدي ، الفاضل بن عاشور الخ .. كذلك فضاءات حرية الإبداع من نوادي سينما وفرق مسرحية وحلقات كتاب ومبدعين وإصدارات وانتاجات فنية تنشد العالمية ، وحتى مؤتمرات وانشطة ثقافية ، المنظمات و لاحزاب كانت لها احتفالياتها الثقافية هي الأخرى ، كانت تتبعها و تواليها حشود مثقفة .

  لم يبق من كلّ هذا شيء ، كأن " العقل " التونسي المبدع اصيب بالكساح الثقافي والفكري والفني.

   ظهر في الفترة الأخيرة تيار فكري نضالي عالمي جديد اتّخذ لنفسه تسمية (Le Convivialisme)، و هي فكرة للعيش المشترك، لفن التشارك والتعاون بالتصدي ولكن دون اقتتال.

   برز ذلك بعد ان فشلت المذاهب السياسية الموروثة (الليبرالية، والاشتراكية، والشيوعية، والفوضوية) في تقديم حلول لمشاكل الإنسانية ولم تعد أدلة كافية اليوم لأنها لا تخبرنا بأي شيء حاسم سواء عن محدودية الموارد الطبيعية، أو عن عالمية الثقافات وتعددها، ولا، في نهاية المطاف، عن الطريق الصحيح لتحقيق التنمية. كبح الطموح الطفولي إلى القدرة المطلقة (ما أطلق عليه اليونانيون القدماء الغطرسة) المتأصل في الرغبة البشرية.

 و هذا لا يمنع أصحاب المشروع من التواضع والإقرار بان فكرة مبدأ العيش المشترك ليس بأي حال من الأحوال عقيدة تدعي أنها تمتلك الإجابة على كل شيء وتقدم وصفات سياسية صالحة في كل مرة.

 ولكن رغم ذلك تسمح لنا بطرح الأسئلة ضمن إطار نظري مشترك واختبار تماسك ومقبولية التدابير السياسية التي قد يقترحها هذا الفاعل المدني أو السياسي أو ذاك.

  يهدف هذا التيار إلى الترويج لمبادئ يقوم عليها اجتماعه بعنوان كبير وهو : ليس هناك ما هو أكثر إلحاحا من تطوير طريقة بديلة للتفكير ووضوح العالم لتلك التي تمكنت النيوليبرالية من فرضها على الكوكب بأكمله.

 القاسم المشترك لهذه المبادرة ، البحث عن "فن العيش معًا (con-vivre) الذي يسمح للبشر بالعناية ببعضهم البعض وبالطبيعة، دون إنكار شرعية الصراع ولكن بجعله عاملاً من عوامل الديناميكية والإبداع.

 يقدم اصحاب المبادرة ، وهم منظمة Convivialist International، المبادئ الأيديولوجية التي يشملها التعايش: "الإنسانية المشتركة"، و"الاشتراكية المشتركة"، و"التفردية المشروع "، و"المعارضة الإبداعية"، و"الطبيعية من" و"السيطرة على الغطرسة".

 التعايش هو الاسم الذي يطلق على كل ما يساهم، في المذاهب والحكمة، سواء كان موجودًا حاضرا أو ماضيًا، أو علمانيا أو دينيا، في البحث عن مبادئ تسمح للبشر بالتنافس على تعاون أفضل والتقدم في الإنسانية في الوعي الكامل بمحدودية الوجود. الموارد الطبيعية والاهتمام المشترك برعاية العالم. فلسفة التعايش وفن العيش معًا، ليس هناك عقيدة جديدة يمكن إضافتها إلى الآخرين من خلال الادعاء بإلغائها أو تجاوزها جذريًا .

 اصدرت المجموعة التي اسست لهذا التيار بيانا عالميا وقعت عليه حوالي 300 شخصية من 33 دولة في العالم، لم نجد ضمن قائمة الموقعين اسما تونسيا واحدا .

   قامت العديد من المناقشات النظرية والتاريخية حول هذه الايديولوجيا الجديدة .

  اتجه التساؤل عن طبيعتها ، وخلفيتها ومكوناتها ولماذا ظهرت الان تحديدا ، بل هنالك من يقول بالسّؤال لماذا عادت الان باعتبار أن شهادة ميلاد النيوليبرالية بشكلها الحالي تعود إلى عام 1947. ففي تلك السنة، اجتمعت حوالي ثلاثين شخصية في سويسرا وأنشأت ما أصبح يعرف بجمعية " مونت بيليرين " . ومن بينهم الاقتصاديان فريدريش فون هايك وميلتون فريدمان، وفيلسوف العلم كارل بوبر، والعديد من الأسماء المعروفة الأخرى، بما في ذلك العديد من الفائزين بجوائز نوبل المستقبلية في الاقتصاد. وسرعان ما ستنجح هذه الجمعية " مونت بيليرين " ، التي لا تزال نشطة للغاية حتى اليوم، وبدعم من الشركات الكبيرة والمؤسسات الغنية، في تقويض الإجماع الكينزي، وهو إجماع ديمقراطي اجتماعي إلى حد ما في فترة ما بعد الحرب، وفرض رؤية سائدة جديدة للسياسة الاقتصادية العالمية .

 المهم انّ الإنسان مخير فيما يعلم، مسيّر فيما لا يعلم، أي أنه يزداد حرية كلما ازداد علما ، لكن يبقى المهم عندما نفكر بالغايات يجب أن لا نتجاهل الوسائل والامكانيات .