شرعت تونس منذ ربيع العام الماضي في تنفيذ استراتيجية وطنية للانتقال الايكولوجي تهدف بالأساس الى "الى ضمان ديمومة راس المال الطبيعي وتحسين كفاءة استعمال الموارد في كافة الانشطة واعتماد حوكمة مؤسساتية شاملة وبين القطاعات ودامجة ترابيا"، وذلك وفق ما كان قد اعلن عنه في اجتماع وزاري حول الموضوع كان قد انتظم في بداية فيفري2023. وكانت هذه الاستراتيجية مؤخرا محور اهتمام لقاء توعوي بإشراف وزيرة البيئة ليلى الشيخاوي المهداوي قدمت فيه الوزيرة بالمناسبة ابرز المحاور وكان ذلك تحديدا يوم 17 جانفي المنقضي بحديقة النباتات بالمركز العمراني الشمالي بالعاصمة وبحضور ممثلين عن عدة هياكل عمومية وممثلين عن المجتمع المدني من النشطاء في مجالات الحفاظ على البيئة وأيضا ممثلين عن شركاء تونس في هذه الاستراتيجية واساسا صندوق الأمم المتحدة الإنمائي(PNUD)والصندوق العالمي للطبيعة ممثلا في مكتب تونس وشمال افريقيا (WWF).
وقد شددت الوزيرة وهي تعدد المحاور الرئيسية للاستراتيجية على محور التوعية والتثقيف حول البيئة مؤكدة على أهمية انخراط المواطن في كل الجهود من اجل تغيير أنماط الإنتاج والاستهلاك. أما عن المحاور الخمسة الكبرى للاستراتيجية المذكورة فهي على التوالي:
الحوكمة والتمويل والتنوع البيولوجي ومقاومة التصحر والمتغيرات المناخية ومواجهة الكوارث الطبيعية والحد من التلوث والتثقيف والتوعية.
ولنا ان نشير إلى أن هذه الاستراتيجية التي تقودها وزارة البيئة هي مشروع وطني تشارك في دعمه وتنفيذه جميع الوزارات والهياكل العمومية وهو يعتبر، أي المشروع استجابة للجهود العالمية في مكافحة المتغيرات المناخية ومحاولة الحد من تأثيراتها السلبية. فالعالم يشهد منذ فترة تغيرات مناخية مخيفة ناجمة بالخصوص عن التلوث والافراط في الاستهلاك، اثرت سلبا على نوعية الحياة حتى أنها صارت تهدد الكوكب الأرضي في وجوده وقد حتمت تدخل كل الدول من اجل التخفيف من تأثيرات هذه التغييرات.
ورغم انه شتان بين بلد مثل تونس وبين البلدان الصناعية الكبرى الملوثة للطبيعة، فإن كل البلدان ومن بينها بلادنا التي تتحمل تبعات السلوك المضر للطبيعة اكثر مما تتسبب فيه، تجد نفسها بلا خيارات كثيرة. فهي محكومة بضرورة التأقلم مع المتغيرات المناخية والعمل على الحد من تأثيراتها السلبية التي أصبحت تهدد وجود الانسان كما هو معروف (تهدد في طعامه وفي الهواء الذي يتنفس وفي الماء الخ...).
وقد اختارت تونس ان تكون فاعلة وفق ما شدد عليه مدير البيئة وجودة الحياة بوزارة البيئة الهادي الشبيلي في حديثه لـ"الصباح" حول مبادرة تونس بوضع استراتيجية وطنية للانتقال الايكولوجي وان تبذل كل الجهود من أجل ما أسماه بـتأمين الرفاه للأجيال الحالية والقادمة مشددا على ان هذه الاستراتيجية التي ولئن تقودها وزارة البيئة فهي تنبع من إرادة سياسية من اعلى مستوى وتهم كل مكونات المجتمع. وتعول تونس على دعم المنظمات الأممية والدولية في "حربها" من اجل بيئة افضل. ومن بين الهياكل الداعمة نذكر الصندوق العالمي للطبيعة ( مقره الرسمي بسويسرا وله فروع في عدة انحاء بالعالم) الذي كان لنا بالمناسبة لقاء مع مدير مكتبه بتونس وشمال إفريقيا، جمال جريجر الذي شدد على أن تونس منخرطة في الجهود العالمية لحماية الطبيعة والبيئة وانها موقعة على اتفاقيتي ايتشي (اليابان) للتنوع البيولوجي التي انتهى العمل بها في 2020 وعلى اتفاقية كونمينغ – مونريال – للتنوع البيولوجي (ديسمبر 2022) التي من المفروض أن يتواصل بها العمل إلى غاية 2030. وقد أكد محدثنا على ان الاستراتيجية هي مشروع وطني تونسي لم يشارك الصندوق قي صياغته لكنه يدعمه ماديا ولوجستيا لأنه وفق نفس المصدر يشتمل على برنامج ملائم للجهود الدولية وحدد أهدافا تنسجم مع الاطار العالمي لمواجهة المتغيرات المناخية.
وإذ نشير إلى أن الإستراتيجية الوطنية للانتقال الإيكولولوجي بتفاصيلها منشورة على الموقع الرسمي لوزارة البيئة وهي بذلك متاحة للمهتمين، فإننا حاولنا ان نتفاعل اكثر مع الحدث وان نطرح على ضيفينا وهما كل من السيد الهادي شبيلي مدير عام البيئة وجودة الحياة بوزارة البيئة وجمال جريجر مدير مكتب تونس وشمال افريقيا للصندوق العالمي للطبيعة، أسئلة حول نجاعة المبادرة الوطنية التونسية وحول مدى واقعية كل الإجراءات الواردة بها، وأيضا هل يمكن القول ان الأرضية في تونس- قانونيا واجتماعيا ونفسيا – مهيأة لهذا التحول الايكولوجي المنشود؟ مع ضرورة الإشارة إلى أننا وجهنا نفس الأسئلة إلى احد مسؤولي الصندوق الإنمائي الأممي، مكتب تونس، ولم نظفر بإجابة رغم طول الانتظار.
وإذ نطرح هذه الأسئلة على محدثينا، فإننا نذكر بأن تونس التي تؤسس لمنظومة جديدة للحكم المحلي وقد قامت الدولة بحل المجالس البلدية المنتخبة السابقة، تواجه تحديات بيئية كبرى ومن ابرزها مشكل التصرف في النفايات المنزلية والصناعية. وفي هذا الاطار ورغبة منا في الاستفادة بآراء احد الخبراء في مجال البيئة، أوضح لنا الدكتور محمد الشريف وهو خبير دولي في المجال أنه كان يحبذ أن يسبق مؤتمر وطني تشارك فيه كل القطاعات والجهات الفاعلة وأولها الادارة والمجتمع المدني وضع هذه الاستراتيجية التي خيرت الادارة في النهاية ان لا تستند في صياغتها على قاعدة تشاركية.
الدكتور محمد الشريف يتساءل أيضا عن دور المجلس الوطني للجهات والأقاليم (بصدد التأسيس) في وضع وتنقيح وملاءمة الإستراتيجية الوطنية للانتقال الايكولوجي ومراقبة تفعيلها، نظرا لأنها تنبثق من الإدارة أي السلطة التنفيذية دون مقاربة تشاركية واسعة.
وهو يتساءل كذلك حول امكانية عرض هذه الاستراتيجية لاحقا على هذا المجلس للمصادقة عليها، نظرا الى أن (حسب الدستور) كل مخططات التنمية الجهوية، والإقليمية، والوطنية تعرض وجوبا عليه وهو يمارس كذلك صلاحيات الرقابة والمساءلة في مختلف المسائل المتعلقة بتنفيذ الميزانية ومخططات التنمية.
إعداد: حياة السايب
جهود مضنية للدول النامية لتحميل الدول الصناعية الأكثر تلويثا للكون لتحمل مسؤوليتها
اهتم العالم بالمتغيرات المناخية بعد أن تسارع نسقها وأصبحت تهدد الإنسان في وجوده. هذا الإنسان هو بطبيعة الحال المتسبب الأساسي في هذه المتغيرات بالإفراط في الاستهلاك وبالمساهمة في التلوث والأضرار بالطبيعة. صحيح هناك فوارق بين البلدان الصناعية الاستهلاكية الكبرى وبين البلدان النامية في حجم الأضرار بالطبيعة وفي انبعاث الغازات الملوثة لكن العالم بأسره يتحمل تبعات ممارسات الدول الكبرى الأكثر تلويثا للمناخ، بل تدفع الدول النامية ثمنا باهظا لذلك نراها تقوم في كل مؤتمرات الأمم المتحدة للمناخ بمجهودات كبيرة لتحميل الدول الكبرى مسؤوليتها ودفعها على الأقل على مساعدة الدول النامية في مواجهة أثار التغيرات المناخية.
وقد تعددت المؤتمرات الأممية حول المناخ منذ وضع اتفاقية أممية إطارية بشأن التغيرات المناخية.
واتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ هي معاهدة متعددة الأطراف تم اعتمادها في عام 1992، بعد وقت قصير من إصدار الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ لتقرير التقييم الأول في عام 1990، لتثبيت تركيزات الغازات الدفيئة "عند مستوى من شأنه منع التدخل البشري (من صنع الإنسان) الخطير في النظام المناخي".
ووفرت اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ منذ دخولها حيز التنفيذ في عام 1994 الأساس للمفاوضات الدولية بشأن المناخ، بما في ذلك الاتفاقيات التاريخية مثل بروتوكول كيوتو (1997) واتفاق باريس (2015).
وعقدت الدورة الأولى لمؤتمر الأطراف (COP) في برلين، ألمانيا، عام 1995. وعقدت الدورة الثامنة والعشرين لمؤتمر الأطراف في نهاية عام 2023 في دبي، الإمارات العربية المتحدة.
ويتم تحديد البلد المضيف لمؤتمر المناخ عادة بالتناوب بين المجموعات الإقليمية الخمس للأمم المتحدة (إفريقيا وآسيا والمحيط الهادئ وأوروبا الشرقية وأمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي وأوروبا الغربية وغيرها)، ويحدد أعضاء المجموعة الإقليمية أي بلد من منطقتهم سيقدم عرضا لاستضافة المؤتمر.
وأنشأت مؤتمرات المناخ معالم عالمية لحركة المناخ، حيث وضعت المعايير ودفعت العمل، بما في ذلك ما يتعلق بالحد من انبعاثات الكربون، وتسريع التحول العالمي في مجال الطاقة، ومساعدة البلدان على التكيف وبناء القدرة على مجابهة القضايا المناخية المتفاقمة. وتكون هذه المؤتمرات فرصة لجمع الحكومات مع القطاع الخاص والمجتمع المدني وقطاع الصناعة والأفراد أيضا لمعالجة أزمة المناخ.
الدورة السادسة والعشرون لمؤتمر المناخ (COP26)
في عام 2021، جمع مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ، الدورة السادسة والعشرين لمؤتمر الأطراف، في غلاسكو بالمملكة المتحدة وفق أرقام الأمم المتحدة 120 من قادة العالم وأكثر من 40,000 مشارك مسجل لمناقشة جميع جوانب تغير المناخ مثل العلم، والحلول، والإرادة السياسية للعمل، والمؤشرات الواضحة للعمل المناخي. واعتمدت الدول ميثاق غلاسكو للمناخ، وهو عبارة عن مجموعة من القرارات، بما في ذلك تعزيز الجهود لبناء القدرة على التكيف مع تغير المناخ، والحد من انبعاثات الغازات الدفيئة وتوفير التمويل اللازم لكليهما.
الدورة السابعة والعشرون لمؤتمر المناخ (COP27)
في عام 2022، اختتم مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ، الدورة السابعة والعشرين لمؤتمر الأطراف، في شرم الشيخ، مصر باعتماد خطة شرم الشيخ للتنفيذ، التي أنشأت صندوقا مخصصا للخسائر والأضرار، محافظة على النية الواضحة للإبقاء على الاحترار العالمي عند مستوى لا يزيد عن 1.5 درجة مائوية فوق مستويات ما قبل العصر الصناعي، مع التركيز على مساءلة الشركات التجارية والمؤسسات، وإيجاد سبل لتعبئة المزيد من الدعم المالي للبلدان النامية، وتسليط الاهتمام على العمل بدل الوعود.
تونس موقعة على اتفاقيتي "ايتشي" اليابانية و"كونمينغ" مونريال للتنوع البيولوجي
إن إطار كونمينغ-مونتريال العالمي للتنوع البيولوجي (GBF) هو ما انتهى إليه مؤتمر الأمم المتحدة للتنوع البيولوجي لعام 2022. وكان عنوانه المبدئي هو "الإطار العالمي للتنوع البيولوجي لما بعد عام 2020". وقد اعتمد من المؤتمر الخامس عشر لأطراف (COP15) اتفاقية التنوع البيولوجي في 19 ديسمبر 2022.
وقد سميت الاتفاقية على اسم مدينتين، كونمينغ الكندية، التي كان من المقرر أن تكون المدينة المضيفة لـ COP15 في أكتوبر 2020، لكنها أُجلت وتنازلت عن استضافتها لاحقا بسبب تدابير فيروس كورونا،ومونريال، وهي مقر اتفاقية التنوع البيولوجي. وتدخلت الأمانة العامة لاستضافة COP15 بعد إلغاء كونمينغ.
تحتوي الاتفاقية على 4 أهداف عالمية ("أهداف كونمينغ-مونريال العالمية لعام 2050") وهي تهم التنوع البيولولجي والمحميات البحرية والتصنيع والاستهلاك المستدام والغازات والملوثاتو23 هدفا ("أهداف كونمينغ-مونتريال 2030 العالمية"). وقد وقعت بلادنا على الاتفاقية التي جاءت بعد اتفاقية ايتشي اليابانية للتنوع البيولوجي 2011-2020 التي كانت تونس قد وقعت عليها أيضا.
وتمثل الأغذية والزراعة – إنتاج المحاصيل والإنتاج الحيواني، والحراجة، ومصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية – أكثر من نصف الأهداف الواردة في إطار كونمينغ-مونريال العالمي للتنوع البيولوجي وبطريقة أو بأخرى بجميع الأهداف الأخرى. وتشمل هذه الأهداف تلك المتعلقة بإصلاح النظم الإيكولوجية، والأنواع الغريبة الغازية، والتلوث، وتلك التي تتناول الموارد الوراثية للأغذية والزراعة وسلامة التربة والتلقيح.
ويلزم الهدف 10، على سبيل المثال، البلدان بضمان أن المناطق الخاضعة للزراعة، وتربية الأحياء المائية، ومصايد الأسماك، والحراجة تدار على نحو مستدام، ولاسيما من خلال الاستخدام المستدام للتنوع البيولوجي، بما في ذلك من خلال تحقيق زيادة كبيرة في تطبيق الممارسات الصديقة للتنوع البيولوجي.
ولذلك، تعتبر القطاعات الزراعية والغذائية في قلب عمليات تخطيط للإجراءات اللازمة لتحقيق أهداف الإطار وتنفيذها ورصدها.
وتتولى منظمة الأغذية والزراعة مهمة تنفيذ ورصد إطار كونمينغ-مونريال العالمي للتنوع البيولوجي في النظم الزراعية والغذائية. وهي تراقب المواصفات، والخطوط التوجيهية، وأدوات المحاسبة والرصد، ومدونات السلوك.
وتتولى المنظمة قياس التقدم المحرز في تحقيق غايات إطار كونمينغ-مونريال العالمي للتنوع البيولوجي وأهدافه وذلك من خلال العمل مع الحكومات والشركاء حول العالم.
مدير الصندوق العالمي للطبيعة (مكتب تونس وشمال إفريقيا) لـ"الصباح": الإستراتيجية الوطنية للانتقال الايكولوجي تنسجم مع الإطار العالمي ..
شدد مدير الصندوق العالمي للطبيعة ( مكتب تونس وشمال إفريقيا) جمال جريجر أن الإستراتيجية الوطنية للانتقال الايكولوجي كبادرة وفكرة وأولوية تونسية مائة بالمائة ولم يساهم الصندوق العالمي في تحديد نقاطها لكنه يدعمها ماديا ولوجستيا لأنها ملائمة للإطار العالمي في الغرض وهي تضم اغلب النقاط المطلوبة.
وأكد محدثنا أن ما يهم المنظمات والصناديق الداعمة ومن بينها الصندوق العالمي للطبيعة هو مدى انسجام البلد مع الإطار العالمي لمواجهة التغيرات المناخية.
والأسئلة التي تفرض نفسها في قضية الحال هي أين توجد تونس في خضم الجهود الدولية لحماية البيئة وإلى أي مدى تنسجم برامجها واستراتيجياتها مع الإطار العالمي الذي يعمل على مجابهة أثار التحولات المناخية أو على الأقل هل هنالك وعي بالأمر وإقرار بأهمية الجهود في المجال.
فما هو هذا الإطار العالمي إذن؟
يقول محدثنا أن اتفاقية أيتشي اليابانية ( 2010) كانت هي الإطار الذي تتحرك فيه البلدان لحماية البيئة والطبيعة والحفاظ على التنوع البيولوجي وكانت قد ضمت أهدافا تحد من التلوث في العالم وتحمي النظم البيئية ولكن العمل بالاتفاقية انتهى في 2020 دون تحقيق أهداف ملموسة ليتم فيما بعد وضع اتفاقية جديدة هي اتفاقية كونمينغ-مونريال في ديسمبر 2022 للحفاظ على التنوع البيولوجي ووضعت بدورها أهدافا ملزمة للدول الموقعة على الاتفاقية تتمثل في حماية النظم البيئية والطبيعة ( إلى غاية 2030) وقد حددت أربعة أهداف كبرى تهم التنوع البيولولجي والمحميات البحرية والتصنيع والاستهلاك المستدام والغازات والملوثات.
وتطالب الاتفاقية جميع الدول الموقعة بتحيين استراتيجياتها للتنوع البيولوجي خلال سنة 2024 . وتونس كما يقول محدثنا موقعة على الاتفاقيتين.
لكن ما هو دور الصندوق العالمي للطبيعة تحديدا في هذه الإستراتيجية؟
وهنا يقول جمال جريجر إن دور الصندوق العالمي للطبيعة يتمثل في إيجاد توافق بين الأهداف العالمية والاحتياجات الوطنية. فليس من الضروري مثلا أن تضع تونس عنصرا ملوثا في إستراتيجيتها الوطنية وهو غير موجود في الواقع. دور الصندوق يتمثل كذلك في انجاز مشاريع مشتركة ودعم الباحثين والمجتمع المدني فالصندوق يدعم العمل الجمعياتي وفق ما قدمه محدثنا من تفاصيل وهو يشجع أيضا على مشاركة ممثلين من المجتمع المدني في التظاهرات العالمية حول البيئة والمناخ ويدعم أيضا حضور العلماء والخبراء في هذه المناسبات الدولية.
وهو يساعد على نشر الوعي من خلال تمويل الجمعيات التونسية وقد قام بتمويل مشاريع جهوية قدمتها الجمعيات في طبرقة وجندوبة وصفاقس وغيرها من جهات البلاد.
أما عن مدى واقعية كل ما ورد في الإستراتيجية من نقاط وهل سخرت البلاد كل الإمكانيات لإنجاحها، فيقول مدير الصندوق العالمي للطبيعة (مكتب تونس وشمال إفريقيا) أنه علينا أن نتفق على أن وجود إستراتيجية للانتقال الانتقال الايكولوجي هو أمر جيد في حد ذاته وهو أفضل من عدم وجوده. لكن في المقابل هو يعتبر أن الإستراتيجية ليست ملك وزارة البيئة لوحدها وإنما هي مشروع وطني موجه للجميع. الكل ينبغي أن يكون طرفا في هذا المشروع لذلك يعتبر أن العمل التوعوي هام جدا. والتوعية بقضايا البيئة يجب أن تشمل المواطن والموظف والمسؤول وان تكون قضية الجميع. فاليوم هام جدا أن نفكر، قبل اقتناء أي جهاز يشتغل بالطاقة، في حجم الاستهلاك وهام جدا أن نقارن بين حجم الكلفة وما سيتكلفه الجهاز. فيمكن اقتناء جهاز بأقل سعر لكنه سيكون مكلفا من حيث الاستهلاك وسيكون طبعا مضرا بالطبيعة.
والواضح أن تونس مطالبة بتغيير ترسانة قوانينها حتى تكون أكثر مرونة في معالجة قضايا البيئة مع ضرورة الاشتغال على توعية المواطن بالمخاطر التي تهدد البلاد إذا ما استمرينا في نفس طرق الإنتاج والاستهلاك. فالمواطن وفق محدثنا سيظل يرفض قطع الماء في ساعات معينة إذا لم يستوعب أن بلادنا مهددة في هذا المجال لكن مقابل ذلك لا بد أن يكون هناك حد أدنى من العدالة في تطبيق هذه الإجراءات حتى لا يتعامل معها المواطن كإجراءات عقابية.
أما فيما يتعلق بمسألة تسخير الإمكانيات، فيعتقد محدثنا أن وزارة البيئة مدعوة إلى متابعة تطبيق الإستراتيجية وتحيين ما يلزم تحيينه لان العالم يتطور والبحث العلمي يتطور والأهداف كذلك تتغير مع المتغيرات التي يشهدها العالم. ومادامت تونس ملتزمة بالإطار العالمي المذكور فإنها تحظى بدعم المنظمات الدولية، لكن كل الجهود تظل منقوصة إذا لم ينتشر الوعي بأهمية الموضوع. فقضايا البيئة ليست ترفا وليست فيلما وثائقيا أو خبرا في شريط الأنباء وإنما هي اقتناع وقناعة وفعل يومي وفق محدثنا.
فلا احد يستطيع أن ينفي وجود تأثيرات مناخية سلبية اليوم ولا يمكن كذلك أن نعي بوجود مشكل في كميات المياه المتوفرة اليوم ونظل نستهلك بنفس الطريقة. هناك حقائق يجب أن نواجهها اليوم. ففلاحتنا لن تتواصل بنفس الطرق ولن نستمر في استعمال نفس القوانين التي أوصلتنا إلى هذه الحالة ولن نعول على نفس الاقتصاد.
ويواصل قائلا:"صحيح أن تونس وبلدان في نفس وضعيتها، ليست المسبب الرئيسي للتلوث مثلا لكننا نتأثر بهذه المتغيرات المناخية ومطلوب منا أن نتأقلم مع الوضع وان نقتنع بأنه علينا أن نغير من أنفسنا حتى نحمي بلداننا ونحمي الطبيعة". ويصرّ محدثنا:"علينا أن نغير كل شيء. نغير القوانين والاقتصاد والاستهلاك. فلا جدوى للتمسك بنفس الأنماط الاستهلاكية ونحن ندرك أن الموارد تتناقص. فهل من الطبيعي أن نستهلك نفس كميات المياه وان نعول على نفس الزراعات التي تستنزف كميات هائلة من المياه ثم نستغرب من مآلات الأمور وتأثيراتها الوخيمة على البيئة والطبيعة؟ ".
ويشدد محدثنا على أن كل القرارات التي يتم اتخاذها يجب أن تكون بعد دراسات اجتماعية واقتصادية توضح الوضعية وتقترح بدائل. فالفلاح الذي يجد نفسه مدعوا للتخلي عن نوعية من الزراعات ينبغي أن يدرك أن هناك زراعات أخرى ممكنة وتكون أكثر مردودية واقل تكلفة من حيث استنزاف الموارد الطبيعية.
وإذ يعتبر جمال جريجر أن الإستراتيجية الوطنية للانتقال الايكولوجي تعتبر فرصة جيدة لتونس لمجابهة مشاكل البيئة والتحولات المناخية، فغنه يعتقد أنها لن تضمن كل شروط النجاح دون أمرين اثنين. أولا دعم البحث العلمي فلا شيء يستقيم دون بحث علمي والمشاريع التي لا تكون مسبوقة بدراسات علمية دقيقة قليلا ما يكتب لها النجاح، وثانيا الاشتغال على التوعية بان قضايا البيئة ومسائل مثل التنوع البيولوجي والحفاظ على النظم البيئية ليست ترفا، بل مسائل حياتية طبعا مع ضرورة قيام الدولة بجهود من اجل ما اسماه بأقلمة القوانين والاقتصاد مع متطلبات الحفاظ على البيئة والطبيعة.
جدير بالذكر أن الصندوق العالمي للطبيعة هو منظمة عالمية غير حكومية تأسست سنة 1961 بسويسرا وهو يعمل على التوعية بقضايا البيئة وعلى الحد من تأثيرات التغيرات المناخية السلبية وتتأتى مصادر تمويله من دول الاتحاد الأوروبي الوكالة الفرنسية للتنمية وهو يحصل على منح وهبات من خواص من أصدقاء البيئة أو الداعمين للعمل النضالي من اجل البيئة.
الهادي الشبيلي مدير عام بوزارة البيئة لـ"الصباح" : لدينا سفراء للبيئة في كل المؤسسات بما في ذلك القطاع الخاص
أكد السيد الهادي الشبيلي مدير عام البيئة وجودة الحياة بوزارة البيئة أن الإستراتيجية الوطنية للانتقال الايكولوجي فرضتها المتغيرات المناخية التي يشهدها العالم والتي أثرت على بلادنا وجعلتنا أمام حتمية اتخاذ مبادرات تكون أكثر نجاعة وتوفر فرصا أفضل للوصول إلى الأهداف المنشودة مشيرا إلى أن العمل عموما من اجل التخفيف من حدة التأثيرات السلبية للمتغيرات المناخية في تونس وخارجها وان حقق تقدما، فإنه لم يكن بالنجاعة الكافية وهو ما تطلب من الجميع مراجعة البرامج وطرق العمل من اجل تلافي النقائص وإصلاح البرامج الأقل نجاعة.
وقال محدثنا أن الإستراتيجية الوطنية للانتقال الايكولوجي وان كانت بإشراف وزارة البيئة، فإنها تنبع من إرادة سياسية من أعلى مستوى، بداية من رئاسة الجمهورية مرورا برئاسة الحكومة وصولا إلى كل الوزارات والهياكل العمومية المهتمة بالموضوع وهي ليست شأنا بيئيا فحسب وإنما شأنا وطنيا ومشروع دولة. فقد تم إعداد استراتيجيه وطنية تهدف إلى العمل على التحكم في الطاقة والحفاظ على الموارد الطبيعية للبلاد والحد من مخلفات المتغيرات المناخية ببادرة من رئاسة الحكومة. وذكر محدثنا بان لتونس العديد من الاستراتيجيات الوطنية في مجال البيئة تهم التنوع البيولوجي والطاقة والماء والنقل المستدام والتهيئة الترابية والتهيئة العمرانية والحد من التأثيرات المناخية وغيرها وقد تم جمعها ضمن رؤية واحدة وإستراتيجية واحدة وهي الإستراتيجية الوطنية للانتقال الايكولوجي التي قال إنها تستمد جذورها من الواقع وتصب كلها في خانة العمل من اجل تحقيق أهداف الانتقال الايكولوجي المنشود وهو تأمين الرفاه للأجيال الحالية والقادمة والمحافظة على الموارد الطبيعية والتأقلم مع المتغيرات المناخية وللوصول إلى هذا الهدف الأسمى تم تحديد خمسة محاور كبرى عددها كالآتي:
أولا، الحوكمة التمويل. والمقصود بالحوكمة هو تحسيس كل طرف بمسؤوليته إزاء واقع جديد وهو أن العالم يتغير. أما في باب التمويل فقال محدثنا انه تم اقتراح دمج كل الاعتمادات المالية المتفرقة الخاصة بمشاريع وبرامج بيئية متعددة ( الماء، التطهير والاقتصاد الأزرق والاقتصاد الدائري والمالية الخضراء ومقاومة التصحر وغيرها) في صندوق واحد هو صندوق الانتقال الإيكولوجي. والهدف هو تجنب العراقيل الإدارية والتعطيلات بوضع طرق عمل خالية من التعقيد وواضحة ومبسطة. وتتولى اللجنة الوطنية العليا للتنمية المستدامة برئاسة رئيس الحكومة وعضوية الوزراء وكل من له إضافة في المجال الإشراف على العمل وتسطر اللجنة العليا السياسة البيئية وتحدد أولويات التصرف. وتضم كل الوزارات آليات مماثلة ونفس الشيء في كل القطاعات بما في ذلك القطاع الخاص، إذ نجد مثلا في كل مصنع، شخصا مكلفا بالبيئة مهمته التوعية بقضايا البيئة.
ثانيا، المتغيرات المناخية والحد من مخاطر الكوارث الطبيعية، أي كيف نتأقلم مع المتغيرات المناخية ونضمن صمود اقتصادنا ومدننا ومنظومات إنتاجنا ومواطنينا ضد الكوارث من خلال رؤية مجددة واقتصاد يفرز نسبة اقل من مادة الكربون ويكون مرنا أكثر مع التغيرات المناخية وينحو نحو تحقيق صفر من مادة الكربون في المستقبل.
ثالثا، التنوع البيولوجي والحد من التصحر وتدهور الأراضي وهذا له علاقة بكل ما هو امن غذائي ومائي ومنظومات فلاحية وغابية وطبيعية وإيكولوجية وبرية وبحرية.
رابعا، الحد من التلوث من خلال مراجعة أنظمة الإنتاج والاستهلاك والسلوكيات.
خامسا، التوعية والتثقيف حول التحولات المناخية. وشدد محدثنا في هذا الباب على انه تمت المراهنة على إستراتيجية تقوم على الثقافة والعلم والتكنولوجيا وتعتمد على ذكاء التونسي وما يميز بلادنا خاصة على المستوى المحلي.
وأوضح مدير عام البيئة وجودة الحياة انه تم تحديد ثلاثة برامج عمل ذات أولوية بهدف الإسراع في تنفيذ الإستراتيجية وهي ما يلي:
أولا، مواجهة التلوث بمادة البلاستيك مشيرا إلى ما تعانيه البلاد من مادة البلاستيك وكثرة استعمالها رغم المبادرات المتعددة للتقليص من الاستعمال مذكرا بخطورتها على البيئة.
ثانيا، معالجة المياه المستعملة وتنقيتها وتثمينها واستغلالها في الفلاحة والصناعة والطاقة مشيرا إلى أن بلادنا تضم ما لا يقل عن 130 محطة لمعالجة المياه المستعملة.
ثالثا، التصرف في فضلات الهدم والبناءات وهو يشدد على أنه أينما حللت تجد فضلات الهدم والبناء مكدسة، منبها إلى أنه قد أنجزت العديد من البحوث والدراسات التي تؤكد إمكانية استعمال فضلات الهدم والبناء في إنتاج مواد مرسكلة يمكن تثمينها وإعادة استعمالها في بناء الطرقات وفي بناءات أخرى مؤكدا أن هذا الإجراء من شأنه أن يساعد في خلق مواطن شغل وفي حماية البيئة وأيضا يحافظ على ما بقي لنا وفق وصفه من الجبال التي تستخرج منها الحجارة مشددا على أن الاقتصاد الخطي ذلك الذي نستعمل فيه الشيء مرة واحدة، قد انتهى.
وحول تنزيل الإستراتيجية في الواقع خاصة مع عدم استيعاب المواطن كثيرا للإجراءات التي تضمها لاسيما فيما يتعلق بالماء واستعمال الأراضي الزراعية، أشار السيد الهادي الشبيلي إلى أنه لأجل ذلك أكد ومنذ بداية هذا الحديث عن أهمية المحور الخامس للإستراتيجية الوطنية للانتقال الايكولوجي الذي يهم التوعية والتثقيف. هو يعتبر أن الأمر ليس سهلا لكنه ليس مستحيلا خاصة عندما نعلم انه لا خيار أمامنا وانه لزام علينا أن نغير من أنماط سلوكنا ومن أنماط إنتاجنا حتى نضمن استمرارنا.
هو يتفهم أن يكون الفلاح الذي تتم دعوته إلى تقليص كميات المياه المستعملة في الري، غير مستوعب للفكرة وهو يتفهم الناس التي تعتبر قطع الماء لساعات معينة عبارة عن عقوبة لكن يتوقع أن يفهم الجميع أن هذه الإجراءات ضرورية وانه لا مفر من التغيير. فالطبيعة غاضبة وعلينا أن نحترمها بالتخفيف من حدة الاستهلاك والتقليص من المواد الملوثة والمعادلة في الحقيقة بسيطة بالنسبة له : الطبيعة تحترمك عندما تحترمها.
والسؤال في قضية الحال بماذا يستفيد الفلاح عندما يمعن في زرع الأرض دون راحة مع استعمال مكثف للأسمدة؟ ربما ستعطيه الأرض مردودا في البداية لكنها تتعب في النهاية والأرض كما هو معلوم تعطي مردودا أفضل عندما ترتاح مرة في العامين. السؤال أيضا ماذا سيستفيد الصياد في البحر عندما يمارس الصيد العشوائي، سوى من صيد قليل في حين أن الراحة البيولوجية أثبتت انه يمكنها أن توفر له صيدا أفضل بكثير؟
عموما، يقول محدثنا، الجميع مقتنع في نهاية الأمر بان العالم يتغير وبأن المتغيرات المناخية لها تأثير على جودة الحياة لكن الاختلاف في كيفية التفاعل مع الإجراءات وهو من جانبه يبدي تفاؤلا كبيرا لأنه لا شيء مستحيل في نظره وان التعلل بالتعطيلات الإدارية والمالية والقانونية، لم يعد يجدي نفعا لأن الانتقال الايكولوجي هو مشروع دولة وقضية دولة تريد أن تضمن مستقبل أجيالها ولا بد من توفير كل الإمكانيات لإنجاحه.
صحيح هناك صعوبات خاصة على مستوى فهم واستيعاب بعض الإجراءات وخاصة الدعوة إلى تغيير نظم الاستهلاك. فليس من السهل أن يتعود المواطن على التفكير مثلا في نوعية البيت الذي يسكنه، هل يبينه من الآجر الأقل تكلفة لكن أكثر عرضة للمتغيرات المناخية أو من مواد أكثر تكلفة نسبيا لكن يكون فيها مثلا الهواء معدلا طبيعيا؟ ليس سهلا أن يفكر في حجم الطاقة المستهلكة عند اقتنائه جهازا كهربائيا، وفي إمكانية التضحية بثمن أكثر بقليل مقابل استهلاك طاقة اقل، وليس سهلا عموما أن يفكر آليا في حجم الكلفة والتكلفة والتأثير على الموارد الطبيعية قبل استعمال أي شيء. لكن مع الوقت ومع استيعاب أنه لا حل أمامنا سوى تغيير نظم الاستهلاك، سيتغير وسيتأقلم مع الواقع الجديد الذي يذكر محدثنا انه مفروض فرضا فتونس وان لم تكن مصدرا ملوثا أساسيا في العالم لكنها تتأثر سلبيا بالمتغيرات المناخية. وعن سؤال في هذا السياق حول انتفاع بلادنا بدعم مالي من المنظمات والهياكل الدولية الناشطة في مجال البيئة لتنفيذ إستراتيجيتها، قال مدير عام البيئة وجودة الحياة من الطبيعي انه من الطبيعي تستفيد بلادنا من خطوط التمويل العالمية المرصودة لمواجهة أثار المتغيرات المناخية فهي تتحمل تبعات هذه المتغيرات وتقوم بعمل كبير من اجل الحد من تأثيراتها وتحتاج إلى دعم في هذا الباب.
وعلى مستوى التنفيذ يشدد السيد هادي الشبيلي على أن نقطة القوة للإستراتيجية وإضافة إلى الدعم السياسي الكبير من أعلى مستوى هو التنسيق الجيد بين الوزارات. ففي كل وزارة لدينا وفق قوله سفراء الانتقال الايكولوجي. الذي يتولون ترسيخ الثقافة البيئية. وهو يعول كثيرا على منشور يتوقع أن تكون له إضافة وهو منشور "نحو مؤسسات صديقة للبيئة". وكل مؤسسة منخرطة تكون لها سياسة بيئية واضحة وفق قوله، إذ تقلص من استهلاك الماء والكهرباء وتخفف من استعمال مادة البلاستيك والورق وتستعمل مواد تنظيف صديقة للبيئة وتقوم بفرز الفضلات وهي ستغير بذلك وجه البلاد. هذه المؤسسات، أي كانت وسواء كانت مدرسة او معهدا او محكمة أو دار ثقافة وغيرها، ستكون منذ باب الدخول تحمل سمات الحفاظ على البيئة. وإذ يكرر محدثنا أن الأمر ليس سهلا لكنه يرى أنه ليس بمستحيل. وحول هذا يقول: لقد نجح أجدادنا رغم قلة الإمكانيات في الحفاظ على هذه الأرض، فكيف لا نسير على دربهم؟. ويواصل: صحيح، إن الوضعية صعبة اليوم لكن، هل نبقى مكتوفي الأيدي؟
تونس – الصباح
شرعت تونس منذ ربيع العام الماضي في تنفيذ استراتيجية وطنية للانتقال الايكولوجي تهدف بالأساس الى "الى ضمان ديمومة راس المال الطبيعي وتحسين كفاءة استعمال الموارد في كافة الانشطة واعتماد حوكمة مؤسساتية شاملة وبين القطاعات ودامجة ترابيا"، وذلك وفق ما كان قد اعلن عنه في اجتماع وزاري حول الموضوع كان قد انتظم في بداية فيفري2023. وكانت هذه الاستراتيجية مؤخرا محور اهتمام لقاء توعوي بإشراف وزيرة البيئة ليلى الشيخاوي المهداوي قدمت فيه الوزيرة بالمناسبة ابرز المحاور وكان ذلك تحديدا يوم 17 جانفي المنقضي بحديقة النباتات بالمركز العمراني الشمالي بالعاصمة وبحضور ممثلين عن عدة هياكل عمومية وممثلين عن المجتمع المدني من النشطاء في مجالات الحفاظ على البيئة وأيضا ممثلين عن شركاء تونس في هذه الاستراتيجية واساسا صندوق الأمم المتحدة الإنمائي(PNUD)والصندوق العالمي للطبيعة ممثلا في مكتب تونس وشمال افريقيا (WWF).
وقد شددت الوزيرة وهي تعدد المحاور الرئيسية للاستراتيجية على محور التوعية والتثقيف حول البيئة مؤكدة على أهمية انخراط المواطن في كل الجهود من اجل تغيير أنماط الإنتاج والاستهلاك. أما عن المحاور الخمسة الكبرى للاستراتيجية المذكورة فهي على التوالي:
الحوكمة والتمويل والتنوع البيولوجي ومقاومة التصحر والمتغيرات المناخية ومواجهة الكوارث الطبيعية والحد من التلوث والتثقيف والتوعية.
ولنا ان نشير إلى أن هذه الاستراتيجية التي تقودها وزارة البيئة هي مشروع وطني تشارك في دعمه وتنفيذه جميع الوزارات والهياكل العمومية وهو يعتبر، أي المشروع استجابة للجهود العالمية في مكافحة المتغيرات المناخية ومحاولة الحد من تأثيراتها السلبية. فالعالم يشهد منذ فترة تغيرات مناخية مخيفة ناجمة بالخصوص عن التلوث والافراط في الاستهلاك، اثرت سلبا على نوعية الحياة حتى أنها صارت تهدد الكوكب الأرضي في وجوده وقد حتمت تدخل كل الدول من اجل التخفيف من تأثيرات هذه التغييرات.
ورغم انه شتان بين بلد مثل تونس وبين البلدان الصناعية الكبرى الملوثة للطبيعة، فإن كل البلدان ومن بينها بلادنا التي تتحمل تبعات السلوك المضر للطبيعة اكثر مما تتسبب فيه، تجد نفسها بلا خيارات كثيرة. فهي محكومة بضرورة التأقلم مع المتغيرات المناخية والعمل على الحد من تأثيراتها السلبية التي أصبحت تهدد وجود الانسان كما هو معروف (تهدد في طعامه وفي الهواء الذي يتنفس وفي الماء الخ...).
وقد اختارت تونس ان تكون فاعلة وفق ما شدد عليه مدير البيئة وجودة الحياة بوزارة البيئة الهادي الشبيلي في حديثه لـ"الصباح" حول مبادرة تونس بوضع استراتيجية وطنية للانتقال الايكولوجي وان تبذل كل الجهود من أجل ما أسماه بـتأمين الرفاه للأجيال الحالية والقادمة مشددا على ان هذه الاستراتيجية التي ولئن تقودها وزارة البيئة فهي تنبع من إرادة سياسية من اعلى مستوى وتهم كل مكونات المجتمع. وتعول تونس على دعم المنظمات الأممية والدولية في "حربها" من اجل بيئة افضل. ومن بين الهياكل الداعمة نذكر الصندوق العالمي للطبيعة ( مقره الرسمي بسويسرا وله فروع في عدة انحاء بالعالم) الذي كان لنا بالمناسبة لقاء مع مدير مكتبه بتونس وشمال إفريقيا، جمال جريجر الذي شدد على أن تونس منخرطة في الجهود العالمية لحماية الطبيعة والبيئة وانها موقعة على اتفاقيتي ايتشي (اليابان) للتنوع البيولوجي التي انتهى العمل بها في 2020 وعلى اتفاقية كونمينغ – مونريال – للتنوع البيولوجي (ديسمبر 2022) التي من المفروض أن يتواصل بها العمل إلى غاية 2030. وقد أكد محدثنا على ان الاستراتيجية هي مشروع وطني تونسي لم يشارك الصندوق قي صياغته لكنه يدعمه ماديا ولوجستيا لأنه وفق نفس المصدر يشتمل على برنامج ملائم للجهود الدولية وحدد أهدافا تنسجم مع الاطار العالمي لمواجهة المتغيرات المناخية.
وإذ نشير إلى أن الإستراتيجية الوطنية للانتقال الإيكولولوجي بتفاصيلها منشورة على الموقع الرسمي لوزارة البيئة وهي بذلك متاحة للمهتمين، فإننا حاولنا ان نتفاعل اكثر مع الحدث وان نطرح على ضيفينا وهما كل من السيد الهادي شبيلي مدير عام البيئة وجودة الحياة بوزارة البيئة وجمال جريجر مدير مكتب تونس وشمال افريقيا للصندوق العالمي للطبيعة، أسئلة حول نجاعة المبادرة الوطنية التونسية وحول مدى واقعية كل الإجراءات الواردة بها، وأيضا هل يمكن القول ان الأرضية في تونس- قانونيا واجتماعيا ونفسيا – مهيأة لهذا التحول الايكولوجي المنشود؟ مع ضرورة الإشارة إلى أننا وجهنا نفس الأسئلة إلى احد مسؤولي الصندوق الإنمائي الأممي، مكتب تونس، ولم نظفر بإجابة رغم طول الانتظار.
وإذ نطرح هذه الأسئلة على محدثينا، فإننا نذكر بأن تونس التي تؤسس لمنظومة جديدة للحكم المحلي وقد قامت الدولة بحل المجالس البلدية المنتخبة السابقة، تواجه تحديات بيئية كبرى ومن ابرزها مشكل التصرف في النفايات المنزلية والصناعية. وفي هذا الاطار ورغبة منا في الاستفادة بآراء احد الخبراء في مجال البيئة، أوضح لنا الدكتور محمد الشريف وهو خبير دولي في المجال أنه كان يحبذ أن يسبق مؤتمر وطني تشارك فيه كل القطاعات والجهات الفاعلة وأولها الادارة والمجتمع المدني وضع هذه الاستراتيجية التي خيرت الادارة في النهاية ان لا تستند في صياغتها على قاعدة تشاركية.
الدكتور محمد الشريف يتساءل أيضا عن دور المجلس الوطني للجهات والأقاليم (بصدد التأسيس) في وضع وتنقيح وملاءمة الإستراتيجية الوطنية للانتقال الايكولوجي ومراقبة تفعيلها، نظرا لأنها تنبثق من الإدارة أي السلطة التنفيذية دون مقاربة تشاركية واسعة.
وهو يتساءل كذلك حول امكانية عرض هذه الاستراتيجية لاحقا على هذا المجلس للمصادقة عليها، نظرا الى أن (حسب الدستور) كل مخططات التنمية الجهوية، والإقليمية، والوطنية تعرض وجوبا عليه وهو يمارس كذلك صلاحيات الرقابة والمساءلة في مختلف المسائل المتعلقة بتنفيذ الميزانية ومخططات التنمية.
إعداد: حياة السايب
جهود مضنية للدول النامية لتحميل الدول الصناعية الأكثر تلويثا للكون لتحمل مسؤوليتها
اهتم العالم بالمتغيرات المناخية بعد أن تسارع نسقها وأصبحت تهدد الإنسان في وجوده. هذا الإنسان هو بطبيعة الحال المتسبب الأساسي في هذه المتغيرات بالإفراط في الاستهلاك وبالمساهمة في التلوث والأضرار بالطبيعة. صحيح هناك فوارق بين البلدان الصناعية الاستهلاكية الكبرى وبين البلدان النامية في حجم الأضرار بالطبيعة وفي انبعاث الغازات الملوثة لكن العالم بأسره يتحمل تبعات ممارسات الدول الكبرى الأكثر تلويثا للمناخ، بل تدفع الدول النامية ثمنا باهظا لذلك نراها تقوم في كل مؤتمرات الأمم المتحدة للمناخ بمجهودات كبيرة لتحميل الدول الكبرى مسؤوليتها ودفعها على الأقل على مساعدة الدول النامية في مواجهة أثار التغيرات المناخية.
وقد تعددت المؤتمرات الأممية حول المناخ منذ وضع اتفاقية أممية إطارية بشأن التغيرات المناخية.
واتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ هي معاهدة متعددة الأطراف تم اعتمادها في عام 1992، بعد وقت قصير من إصدار الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ لتقرير التقييم الأول في عام 1990، لتثبيت تركيزات الغازات الدفيئة "عند مستوى من شأنه منع التدخل البشري (من صنع الإنسان) الخطير في النظام المناخي".
ووفرت اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ منذ دخولها حيز التنفيذ في عام 1994 الأساس للمفاوضات الدولية بشأن المناخ، بما في ذلك الاتفاقيات التاريخية مثل بروتوكول كيوتو (1997) واتفاق باريس (2015).
وعقدت الدورة الأولى لمؤتمر الأطراف (COP) في برلين، ألمانيا، عام 1995. وعقدت الدورة الثامنة والعشرين لمؤتمر الأطراف في نهاية عام 2023 في دبي، الإمارات العربية المتحدة.
ويتم تحديد البلد المضيف لمؤتمر المناخ عادة بالتناوب بين المجموعات الإقليمية الخمس للأمم المتحدة (إفريقيا وآسيا والمحيط الهادئ وأوروبا الشرقية وأمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي وأوروبا الغربية وغيرها)، ويحدد أعضاء المجموعة الإقليمية أي بلد من منطقتهم سيقدم عرضا لاستضافة المؤتمر.
وأنشأت مؤتمرات المناخ معالم عالمية لحركة المناخ، حيث وضعت المعايير ودفعت العمل، بما في ذلك ما يتعلق بالحد من انبعاثات الكربون، وتسريع التحول العالمي في مجال الطاقة، ومساعدة البلدان على التكيف وبناء القدرة على مجابهة القضايا المناخية المتفاقمة. وتكون هذه المؤتمرات فرصة لجمع الحكومات مع القطاع الخاص والمجتمع المدني وقطاع الصناعة والأفراد أيضا لمعالجة أزمة المناخ.
الدورة السادسة والعشرون لمؤتمر المناخ (COP26)
في عام 2021، جمع مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ، الدورة السادسة والعشرين لمؤتمر الأطراف، في غلاسكو بالمملكة المتحدة وفق أرقام الأمم المتحدة 120 من قادة العالم وأكثر من 40,000 مشارك مسجل لمناقشة جميع جوانب تغير المناخ مثل العلم، والحلول، والإرادة السياسية للعمل، والمؤشرات الواضحة للعمل المناخي. واعتمدت الدول ميثاق غلاسكو للمناخ، وهو عبارة عن مجموعة من القرارات، بما في ذلك تعزيز الجهود لبناء القدرة على التكيف مع تغير المناخ، والحد من انبعاثات الغازات الدفيئة وتوفير التمويل اللازم لكليهما.
الدورة السابعة والعشرون لمؤتمر المناخ (COP27)
في عام 2022، اختتم مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ، الدورة السابعة والعشرين لمؤتمر الأطراف، في شرم الشيخ، مصر باعتماد خطة شرم الشيخ للتنفيذ، التي أنشأت صندوقا مخصصا للخسائر والأضرار، محافظة على النية الواضحة للإبقاء على الاحترار العالمي عند مستوى لا يزيد عن 1.5 درجة مائوية فوق مستويات ما قبل العصر الصناعي، مع التركيز على مساءلة الشركات التجارية والمؤسسات، وإيجاد سبل لتعبئة المزيد من الدعم المالي للبلدان النامية، وتسليط الاهتمام على العمل بدل الوعود.
تونس موقعة على اتفاقيتي "ايتشي" اليابانية و"كونمينغ" مونريال للتنوع البيولوجي
إن إطار كونمينغ-مونتريال العالمي للتنوع البيولوجي (GBF) هو ما انتهى إليه مؤتمر الأمم المتحدة للتنوع البيولوجي لعام 2022. وكان عنوانه المبدئي هو "الإطار العالمي للتنوع البيولوجي لما بعد عام 2020". وقد اعتمد من المؤتمر الخامس عشر لأطراف (COP15) اتفاقية التنوع البيولوجي في 19 ديسمبر 2022.
وقد سميت الاتفاقية على اسم مدينتين، كونمينغ الكندية، التي كان من المقرر أن تكون المدينة المضيفة لـ COP15 في أكتوبر 2020، لكنها أُجلت وتنازلت عن استضافتها لاحقا بسبب تدابير فيروس كورونا،ومونريال، وهي مقر اتفاقية التنوع البيولوجي. وتدخلت الأمانة العامة لاستضافة COP15 بعد إلغاء كونمينغ.
تحتوي الاتفاقية على 4 أهداف عالمية ("أهداف كونمينغ-مونريال العالمية لعام 2050") وهي تهم التنوع البيولولجي والمحميات البحرية والتصنيع والاستهلاك المستدام والغازات والملوثاتو23 هدفا ("أهداف كونمينغ-مونتريال 2030 العالمية"). وقد وقعت بلادنا على الاتفاقية التي جاءت بعد اتفاقية ايتشي اليابانية للتنوع البيولوجي 2011-2020 التي كانت تونس قد وقعت عليها أيضا.
وتمثل الأغذية والزراعة – إنتاج المحاصيل والإنتاج الحيواني، والحراجة، ومصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية – أكثر من نصف الأهداف الواردة في إطار كونمينغ-مونريال العالمي للتنوع البيولوجي وبطريقة أو بأخرى بجميع الأهداف الأخرى. وتشمل هذه الأهداف تلك المتعلقة بإصلاح النظم الإيكولوجية، والأنواع الغريبة الغازية، والتلوث، وتلك التي تتناول الموارد الوراثية للأغذية والزراعة وسلامة التربة والتلقيح.
ويلزم الهدف 10، على سبيل المثال، البلدان بضمان أن المناطق الخاضعة للزراعة، وتربية الأحياء المائية، ومصايد الأسماك، والحراجة تدار على نحو مستدام، ولاسيما من خلال الاستخدام المستدام للتنوع البيولوجي، بما في ذلك من خلال تحقيق زيادة كبيرة في تطبيق الممارسات الصديقة للتنوع البيولوجي.
ولذلك، تعتبر القطاعات الزراعية والغذائية في قلب عمليات تخطيط للإجراءات اللازمة لتحقيق أهداف الإطار وتنفيذها ورصدها.
وتتولى منظمة الأغذية والزراعة مهمة تنفيذ ورصد إطار كونمينغ-مونريال العالمي للتنوع البيولوجي في النظم الزراعية والغذائية. وهي تراقب المواصفات، والخطوط التوجيهية، وأدوات المحاسبة والرصد، ومدونات السلوك.
وتتولى المنظمة قياس التقدم المحرز في تحقيق غايات إطار كونمينغ-مونريال العالمي للتنوع البيولوجي وأهدافه وذلك من خلال العمل مع الحكومات والشركاء حول العالم.
مدير الصندوق العالمي للطبيعة (مكتب تونس وشمال إفريقيا) لـ"الصباح": الإستراتيجية الوطنية للانتقال الايكولوجي تنسجم مع الإطار العالمي ..
شدد مدير الصندوق العالمي للطبيعة ( مكتب تونس وشمال إفريقيا) جمال جريجر أن الإستراتيجية الوطنية للانتقال الايكولوجي كبادرة وفكرة وأولوية تونسية مائة بالمائة ولم يساهم الصندوق العالمي في تحديد نقاطها لكنه يدعمها ماديا ولوجستيا لأنها ملائمة للإطار العالمي في الغرض وهي تضم اغلب النقاط المطلوبة.
وأكد محدثنا أن ما يهم المنظمات والصناديق الداعمة ومن بينها الصندوق العالمي للطبيعة هو مدى انسجام البلد مع الإطار العالمي لمواجهة التغيرات المناخية.
والأسئلة التي تفرض نفسها في قضية الحال هي أين توجد تونس في خضم الجهود الدولية لحماية البيئة وإلى أي مدى تنسجم برامجها واستراتيجياتها مع الإطار العالمي الذي يعمل على مجابهة أثار التحولات المناخية أو على الأقل هل هنالك وعي بالأمر وإقرار بأهمية الجهود في المجال.
فما هو هذا الإطار العالمي إذن؟
يقول محدثنا أن اتفاقية أيتشي اليابانية ( 2010) كانت هي الإطار الذي تتحرك فيه البلدان لحماية البيئة والطبيعة والحفاظ على التنوع البيولوجي وكانت قد ضمت أهدافا تحد من التلوث في العالم وتحمي النظم البيئية ولكن العمل بالاتفاقية انتهى في 2020 دون تحقيق أهداف ملموسة ليتم فيما بعد وضع اتفاقية جديدة هي اتفاقية كونمينغ-مونريال في ديسمبر 2022 للحفاظ على التنوع البيولوجي ووضعت بدورها أهدافا ملزمة للدول الموقعة على الاتفاقية تتمثل في حماية النظم البيئية والطبيعة ( إلى غاية 2030) وقد حددت أربعة أهداف كبرى تهم التنوع البيولولجي والمحميات البحرية والتصنيع والاستهلاك المستدام والغازات والملوثات.
وتطالب الاتفاقية جميع الدول الموقعة بتحيين استراتيجياتها للتنوع البيولوجي خلال سنة 2024 . وتونس كما يقول محدثنا موقعة على الاتفاقيتين.
لكن ما هو دور الصندوق العالمي للطبيعة تحديدا في هذه الإستراتيجية؟
وهنا يقول جمال جريجر إن دور الصندوق العالمي للطبيعة يتمثل في إيجاد توافق بين الأهداف العالمية والاحتياجات الوطنية. فليس من الضروري مثلا أن تضع تونس عنصرا ملوثا في إستراتيجيتها الوطنية وهو غير موجود في الواقع. دور الصندوق يتمثل كذلك في انجاز مشاريع مشتركة ودعم الباحثين والمجتمع المدني فالصندوق يدعم العمل الجمعياتي وفق ما قدمه محدثنا من تفاصيل وهو يشجع أيضا على مشاركة ممثلين من المجتمع المدني في التظاهرات العالمية حول البيئة والمناخ ويدعم أيضا حضور العلماء والخبراء في هذه المناسبات الدولية.
وهو يساعد على نشر الوعي من خلال تمويل الجمعيات التونسية وقد قام بتمويل مشاريع جهوية قدمتها الجمعيات في طبرقة وجندوبة وصفاقس وغيرها من جهات البلاد.
أما عن مدى واقعية كل ما ورد في الإستراتيجية من نقاط وهل سخرت البلاد كل الإمكانيات لإنجاحها، فيقول مدير الصندوق العالمي للطبيعة (مكتب تونس وشمال إفريقيا) أنه علينا أن نتفق على أن وجود إستراتيجية للانتقال الانتقال الايكولوجي هو أمر جيد في حد ذاته وهو أفضل من عدم وجوده. لكن في المقابل هو يعتبر أن الإستراتيجية ليست ملك وزارة البيئة لوحدها وإنما هي مشروع وطني موجه للجميع. الكل ينبغي أن يكون طرفا في هذا المشروع لذلك يعتبر أن العمل التوعوي هام جدا. والتوعية بقضايا البيئة يجب أن تشمل المواطن والموظف والمسؤول وان تكون قضية الجميع. فاليوم هام جدا أن نفكر، قبل اقتناء أي جهاز يشتغل بالطاقة، في حجم الاستهلاك وهام جدا أن نقارن بين حجم الكلفة وما سيتكلفه الجهاز. فيمكن اقتناء جهاز بأقل سعر لكنه سيكون مكلفا من حيث الاستهلاك وسيكون طبعا مضرا بالطبيعة.
والواضح أن تونس مطالبة بتغيير ترسانة قوانينها حتى تكون أكثر مرونة في معالجة قضايا البيئة مع ضرورة الاشتغال على توعية المواطن بالمخاطر التي تهدد البلاد إذا ما استمرينا في نفس طرق الإنتاج والاستهلاك. فالمواطن وفق محدثنا سيظل يرفض قطع الماء في ساعات معينة إذا لم يستوعب أن بلادنا مهددة في هذا المجال لكن مقابل ذلك لا بد أن يكون هناك حد أدنى من العدالة في تطبيق هذه الإجراءات حتى لا يتعامل معها المواطن كإجراءات عقابية.
أما فيما يتعلق بمسألة تسخير الإمكانيات، فيعتقد محدثنا أن وزارة البيئة مدعوة إلى متابعة تطبيق الإستراتيجية وتحيين ما يلزم تحيينه لان العالم يتطور والبحث العلمي يتطور والأهداف كذلك تتغير مع المتغيرات التي يشهدها العالم. ومادامت تونس ملتزمة بالإطار العالمي المذكور فإنها تحظى بدعم المنظمات الدولية، لكن كل الجهود تظل منقوصة إذا لم ينتشر الوعي بأهمية الموضوع. فقضايا البيئة ليست ترفا وليست فيلما وثائقيا أو خبرا في شريط الأنباء وإنما هي اقتناع وقناعة وفعل يومي وفق محدثنا.
فلا احد يستطيع أن ينفي وجود تأثيرات مناخية سلبية اليوم ولا يمكن كذلك أن نعي بوجود مشكل في كميات المياه المتوفرة اليوم ونظل نستهلك بنفس الطريقة. هناك حقائق يجب أن نواجهها اليوم. ففلاحتنا لن تتواصل بنفس الطرق ولن نستمر في استعمال نفس القوانين التي أوصلتنا إلى هذه الحالة ولن نعول على نفس الاقتصاد.
ويواصل قائلا:"صحيح أن تونس وبلدان في نفس وضعيتها، ليست المسبب الرئيسي للتلوث مثلا لكننا نتأثر بهذه المتغيرات المناخية ومطلوب منا أن نتأقلم مع الوضع وان نقتنع بأنه علينا أن نغير من أنفسنا حتى نحمي بلداننا ونحمي الطبيعة". ويصرّ محدثنا:"علينا أن نغير كل شيء. نغير القوانين والاقتصاد والاستهلاك. فلا جدوى للتمسك بنفس الأنماط الاستهلاكية ونحن ندرك أن الموارد تتناقص. فهل من الطبيعي أن نستهلك نفس كميات المياه وان نعول على نفس الزراعات التي تستنزف كميات هائلة من المياه ثم نستغرب من مآلات الأمور وتأثيراتها الوخيمة على البيئة والطبيعة؟ ".
ويشدد محدثنا على أن كل القرارات التي يتم اتخاذها يجب أن تكون بعد دراسات اجتماعية واقتصادية توضح الوضعية وتقترح بدائل. فالفلاح الذي يجد نفسه مدعوا للتخلي عن نوعية من الزراعات ينبغي أن يدرك أن هناك زراعات أخرى ممكنة وتكون أكثر مردودية واقل تكلفة من حيث استنزاف الموارد الطبيعية.
وإذ يعتبر جمال جريجر أن الإستراتيجية الوطنية للانتقال الايكولوجي تعتبر فرصة جيدة لتونس لمجابهة مشاكل البيئة والتحولات المناخية، فغنه يعتقد أنها لن تضمن كل شروط النجاح دون أمرين اثنين. أولا دعم البحث العلمي فلا شيء يستقيم دون بحث علمي والمشاريع التي لا تكون مسبوقة بدراسات علمية دقيقة قليلا ما يكتب لها النجاح، وثانيا الاشتغال على التوعية بان قضايا البيئة ومسائل مثل التنوع البيولوجي والحفاظ على النظم البيئية ليست ترفا، بل مسائل حياتية طبعا مع ضرورة قيام الدولة بجهود من اجل ما اسماه بأقلمة القوانين والاقتصاد مع متطلبات الحفاظ على البيئة والطبيعة.
جدير بالذكر أن الصندوق العالمي للطبيعة هو منظمة عالمية غير حكومية تأسست سنة 1961 بسويسرا وهو يعمل على التوعية بقضايا البيئة وعلى الحد من تأثيرات التغيرات المناخية السلبية وتتأتى مصادر تمويله من دول الاتحاد الأوروبي الوكالة الفرنسية للتنمية وهو يحصل على منح وهبات من خواص من أصدقاء البيئة أو الداعمين للعمل النضالي من اجل البيئة.
الهادي الشبيلي مدير عام بوزارة البيئة لـ"الصباح" : لدينا سفراء للبيئة في كل المؤسسات بما في ذلك القطاع الخاص
أكد السيد الهادي الشبيلي مدير عام البيئة وجودة الحياة بوزارة البيئة أن الإستراتيجية الوطنية للانتقال الايكولوجي فرضتها المتغيرات المناخية التي يشهدها العالم والتي أثرت على بلادنا وجعلتنا أمام حتمية اتخاذ مبادرات تكون أكثر نجاعة وتوفر فرصا أفضل للوصول إلى الأهداف المنشودة مشيرا إلى أن العمل عموما من اجل التخفيف من حدة التأثيرات السلبية للمتغيرات المناخية في تونس وخارجها وان حقق تقدما، فإنه لم يكن بالنجاعة الكافية وهو ما تطلب من الجميع مراجعة البرامج وطرق العمل من اجل تلافي النقائص وإصلاح البرامج الأقل نجاعة.
وقال محدثنا أن الإستراتيجية الوطنية للانتقال الايكولوجي وان كانت بإشراف وزارة البيئة، فإنها تنبع من إرادة سياسية من أعلى مستوى، بداية من رئاسة الجمهورية مرورا برئاسة الحكومة وصولا إلى كل الوزارات والهياكل العمومية المهتمة بالموضوع وهي ليست شأنا بيئيا فحسب وإنما شأنا وطنيا ومشروع دولة. فقد تم إعداد استراتيجيه وطنية تهدف إلى العمل على التحكم في الطاقة والحفاظ على الموارد الطبيعية للبلاد والحد من مخلفات المتغيرات المناخية ببادرة من رئاسة الحكومة. وذكر محدثنا بان لتونس العديد من الاستراتيجيات الوطنية في مجال البيئة تهم التنوع البيولوجي والطاقة والماء والنقل المستدام والتهيئة الترابية والتهيئة العمرانية والحد من التأثيرات المناخية وغيرها وقد تم جمعها ضمن رؤية واحدة وإستراتيجية واحدة وهي الإستراتيجية الوطنية للانتقال الايكولوجي التي قال إنها تستمد جذورها من الواقع وتصب كلها في خانة العمل من اجل تحقيق أهداف الانتقال الايكولوجي المنشود وهو تأمين الرفاه للأجيال الحالية والقادمة والمحافظة على الموارد الطبيعية والتأقلم مع المتغيرات المناخية وللوصول إلى هذا الهدف الأسمى تم تحديد خمسة محاور كبرى عددها كالآتي:
أولا، الحوكمة التمويل. والمقصود بالحوكمة هو تحسيس كل طرف بمسؤوليته إزاء واقع جديد وهو أن العالم يتغير. أما في باب التمويل فقال محدثنا انه تم اقتراح دمج كل الاعتمادات المالية المتفرقة الخاصة بمشاريع وبرامج بيئية متعددة ( الماء، التطهير والاقتصاد الأزرق والاقتصاد الدائري والمالية الخضراء ومقاومة التصحر وغيرها) في صندوق واحد هو صندوق الانتقال الإيكولوجي. والهدف هو تجنب العراقيل الإدارية والتعطيلات بوضع طرق عمل خالية من التعقيد وواضحة ومبسطة. وتتولى اللجنة الوطنية العليا للتنمية المستدامة برئاسة رئيس الحكومة وعضوية الوزراء وكل من له إضافة في المجال الإشراف على العمل وتسطر اللجنة العليا السياسة البيئية وتحدد أولويات التصرف. وتضم كل الوزارات آليات مماثلة ونفس الشيء في كل القطاعات بما في ذلك القطاع الخاص، إذ نجد مثلا في كل مصنع، شخصا مكلفا بالبيئة مهمته التوعية بقضايا البيئة.
ثانيا، المتغيرات المناخية والحد من مخاطر الكوارث الطبيعية، أي كيف نتأقلم مع المتغيرات المناخية ونضمن صمود اقتصادنا ومدننا ومنظومات إنتاجنا ومواطنينا ضد الكوارث من خلال رؤية مجددة واقتصاد يفرز نسبة اقل من مادة الكربون ويكون مرنا أكثر مع التغيرات المناخية وينحو نحو تحقيق صفر من مادة الكربون في المستقبل.
ثالثا، التنوع البيولوجي والحد من التصحر وتدهور الأراضي وهذا له علاقة بكل ما هو امن غذائي ومائي ومنظومات فلاحية وغابية وطبيعية وإيكولوجية وبرية وبحرية.
رابعا، الحد من التلوث من خلال مراجعة أنظمة الإنتاج والاستهلاك والسلوكيات.
خامسا، التوعية والتثقيف حول التحولات المناخية. وشدد محدثنا في هذا الباب على انه تمت المراهنة على إستراتيجية تقوم على الثقافة والعلم والتكنولوجيا وتعتمد على ذكاء التونسي وما يميز بلادنا خاصة على المستوى المحلي.
وأوضح مدير عام البيئة وجودة الحياة انه تم تحديد ثلاثة برامج عمل ذات أولوية بهدف الإسراع في تنفيذ الإستراتيجية وهي ما يلي:
أولا، مواجهة التلوث بمادة البلاستيك مشيرا إلى ما تعانيه البلاد من مادة البلاستيك وكثرة استعمالها رغم المبادرات المتعددة للتقليص من الاستعمال مذكرا بخطورتها على البيئة.
ثانيا، معالجة المياه المستعملة وتنقيتها وتثمينها واستغلالها في الفلاحة والصناعة والطاقة مشيرا إلى أن بلادنا تضم ما لا يقل عن 130 محطة لمعالجة المياه المستعملة.
ثالثا، التصرف في فضلات الهدم والبناءات وهو يشدد على أنه أينما حللت تجد فضلات الهدم والبناء مكدسة، منبها إلى أنه قد أنجزت العديد من البحوث والدراسات التي تؤكد إمكانية استعمال فضلات الهدم والبناء في إنتاج مواد مرسكلة يمكن تثمينها وإعادة استعمالها في بناء الطرقات وفي بناءات أخرى مؤكدا أن هذا الإجراء من شأنه أن يساعد في خلق مواطن شغل وفي حماية البيئة وأيضا يحافظ على ما بقي لنا وفق وصفه من الجبال التي تستخرج منها الحجارة مشددا على أن الاقتصاد الخطي ذلك الذي نستعمل فيه الشيء مرة واحدة، قد انتهى.
وحول تنزيل الإستراتيجية في الواقع خاصة مع عدم استيعاب المواطن كثيرا للإجراءات التي تضمها لاسيما فيما يتعلق بالماء واستعمال الأراضي الزراعية، أشار السيد الهادي الشبيلي إلى أنه لأجل ذلك أكد ومنذ بداية هذا الحديث عن أهمية المحور الخامس للإستراتيجية الوطنية للانتقال الايكولوجي الذي يهم التوعية والتثقيف. هو يعتبر أن الأمر ليس سهلا لكنه ليس مستحيلا خاصة عندما نعلم انه لا خيار أمامنا وانه لزام علينا أن نغير من أنماط سلوكنا ومن أنماط إنتاجنا حتى نضمن استمرارنا.
هو يتفهم أن يكون الفلاح الذي تتم دعوته إلى تقليص كميات المياه المستعملة في الري، غير مستوعب للفكرة وهو يتفهم الناس التي تعتبر قطع الماء لساعات معينة عبارة عن عقوبة لكن يتوقع أن يفهم الجميع أن هذه الإجراءات ضرورية وانه لا مفر من التغيير. فالطبيعة غاضبة وعلينا أن نحترمها بالتخفيف من حدة الاستهلاك والتقليص من المواد الملوثة والمعادلة في الحقيقة بسيطة بالنسبة له : الطبيعة تحترمك عندما تحترمها.
والسؤال في قضية الحال بماذا يستفيد الفلاح عندما يمعن في زرع الأرض دون راحة مع استعمال مكثف للأسمدة؟ ربما ستعطيه الأرض مردودا في البداية لكنها تتعب في النهاية والأرض كما هو معلوم تعطي مردودا أفضل عندما ترتاح مرة في العامين. السؤال أيضا ماذا سيستفيد الصياد في البحر عندما يمارس الصيد العشوائي، سوى من صيد قليل في حين أن الراحة البيولوجية أثبتت انه يمكنها أن توفر له صيدا أفضل بكثير؟
عموما، يقول محدثنا، الجميع مقتنع في نهاية الأمر بان العالم يتغير وبأن المتغيرات المناخية لها تأثير على جودة الحياة لكن الاختلاف في كيفية التفاعل مع الإجراءات وهو من جانبه يبدي تفاؤلا كبيرا لأنه لا شيء مستحيل في نظره وان التعلل بالتعطيلات الإدارية والمالية والقانونية، لم يعد يجدي نفعا لأن الانتقال الايكولوجي هو مشروع دولة وقضية دولة تريد أن تضمن مستقبل أجيالها ولا بد من توفير كل الإمكانيات لإنجاحه.
صحيح هناك صعوبات خاصة على مستوى فهم واستيعاب بعض الإجراءات وخاصة الدعوة إلى تغيير نظم الاستهلاك. فليس من السهل أن يتعود المواطن على التفكير مثلا في نوعية البيت الذي يسكنه، هل يبينه من الآجر الأقل تكلفة لكن أكثر عرضة للمتغيرات المناخية أو من مواد أكثر تكلفة نسبيا لكن يكون فيها مثلا الهواء معدلا طبيعيا؟ ليس سهلا أن يفكر في حجم الطاقة المستهلكة عند اقتنائه جهازا كهربائيا، وفي إمكانية التضحية بثمن أكثر بقليل مقابل استهلاك طاقة اقل، وليس سهلا عموما أن يفكر آليا في حجم الكلفة والتكلفة والتأثير على الموارد الطبيعية قبل استعمال أي شيء. لكن مع الوقت ومع استيعاب أنه لا حل أمامنا سوى تغيير نظم الاستهلاك، سيتغير وسيتأقلم مع الواقع الجديد الذي يذكر محدثنا انه مفروض فرضا فتونس وان لم تكن مصدرا ملوثا أساسيا في العالم لكنها تتأثر سلبيا بالمتغيرات المناخية. وعن سؤال في هذا السياق حول انتفاع بلادنا بدعم مالي من المنظمات والهياكل الدولية الناشطة في مجال البيئة لتنفيذ إستراتيجيتها، قال مدير عام البيئة وجودة الحياة من الطبيعي انه من الطبيعي تستفيد بلادنا من خطوط التمويل العالمية المرصودة لمواجهة أثار المتغيرات المناخية فهي تتحمل تبعات هذه المتغيرات وتقوم بعمل كبير من اجل الحد من تأثيراتها وتحتاج إلى دعم في هذا الباب.
وعلى مستوى التنفيذ يشدد السيد هادي الشبيلي على أن نقطة القوة للإستراتيجية وإضافة إلى الدعم السياسي الكبير من أعلى مستوى هو التنسيق الجيد بين الوزارات. ففي كل وزارة لدينا وفق قوله سفراء الانتقال الايكولوجي. الذي يتولون ترسيخ الثقافة البيئية. وهو يعول كثيرا على منشور يتوقع أن تكون له إضافة وهو منشور "نحو مؤسسات صديقة للبيئة". وكل مؤسسة منخرطة تكون لها سياسة بيئية واضحة وفق قوله، إذ تقلص من استهلاك الماء والكهرباء وتخفف من استعمال مادة البلاستيك والورق وتستعمل مواد تنظيف صديقة للبيئة وتقوم بفرز الفضلات وهي ستغير بذلك وجه البلاد. هذه المؤسسات، أي كانت وسواء كانت مدرسة او معهدا او محكمة أو دار ثقافة وغيرها، ستكون منذ باب الدخول تحمل سمات الحفاظ على البيئة. وإذ يكرر محدثنا أن الأمر ليس سهلا لكنه يرى أنه ليس بمستحيل. وحول هذا يقول: لقد نجح أجدادنا رغم قلة الإمكانيات في الحفاظ على هذه الأرض، فكيف لا نسير على دربهم؟. ويواصل: صحيح، إن الوضعية صعبة اليوم لكن، هل نبقى مكتوفي الأيدي؟