بعد 66 سنة تعود الذاكرة بالسيد محمد الطيبي ليستحضر بعض الصور التي رسخت في ذهنه منذ عقود ولم تستطع الأيام محوها.
"لم أكن اعلم حجم الجحيم الذي تخبئه تلك الطائرات التي قدمت ذلك الصباح عندما سارع معلمنا إلى إخراجنا من القسم لنحتمي بسور المدرسة المتآكل وقبل أن أشاهد بأم عيني ذلك الدمار الذي خلفته وتلك الأشلاء التي تناثرت في عدة أماكن وقبل أن اسمع ذلك العويل الذي تعالى في كل أرجاء القرية"، بهذه الكلمات انطلق السيد محمد الطيبي المتقاعد من سلك التعليم في رواية ما عاشته قريته صبيحة 8 فيفري 1958.
ويضيف محمد الطيبي قوله:"كنت في الثانية عشرة من عمري آنذاك وبينما كنا ندرس سمعنا أزيز طائرة عسكرية وهو صوت ألفناه ولم يكن يحرك فينا خوفا أو رعبا، باعتبار وجود قاعدة عسكرية فرنسية ومدرج طائرات بقرية الحدادة الجزائرية المجاورة ولكن هدوءنا تحول فجأة إلى هلع ونحن نسمع صوت الرصاص الذي استعمله أعوان الحرس الوطني لجعل الطائرة العسكرية الفرنسية تعود أدراجها بعد دخولها التراب التونسي فسارع معلمنا إلى تهدئتنا والتخفيف من روعنا".
يسكت محمد برهة من الزمن شاخصا بعينيه في بعض أوراق الصحف التي تحدثت عن الاعتداء الغاشم ثم يقول:"بعد مرور بعض الوقت كان سرب من الطائرات يغطي سماء الساقية ويرمي قنابله عشوائيا فسارع معلمنا إلى إخراجنا من القسم لنحتمي بسور المدرسة وأمرنا بترك مسافات فيما بيننا..، ظننت أن يوم القيامة قد حل وأنا اسمع صوت القنابل وصراخ الجرحى وأرى نساء وأطفالا وشيوخا يفرون في كل الاتجاهات فرحت أبحث عن والدي الذي رافقني ذلك الصباح لقضاء بعض الشؤون من السوق لأصاب بالذهول وأنا أرى تلك المشاهد البشعة... أطراف مبتورة ودماء اختلطت مع الزيت وبترول الإنارة المنزلي ومع أكياس السميد التي كان الصليب الأحمر بصدد توزيعها على اللاجئين الجزائريين..".
يسحب محمد الطيبي تنهيدة وهو يقول:"كنت أبحث عن والدي بين جثث القتلى وبين الجرحى غير مكترث بإمكانية عودة الطائرات لتنفيذ غارة أخرى قبل أن يجدني أحد أجوارنا ويخبرني أن والدي عاد إلى المنزل.... كنت أسير بين الجثث فرأيت بعض أقراني وبعض أصدقائي وبعض أقاربي وقد وافتهم المنية، لقد حفرت تلك اللحظات جروحا عميقة في كل من عاشها حتى أن البعض ممن اعرفهم أصيبوا بأزمات نفسية حادة عقب ذلك الاعتداء الغاشم".
وأردف محمد قوله "تلك الحادثة الأليمة راح ضحيتها عشرات الأبرياء منهم 12 طفلا حتى أن بعض الجثث تم دفنها دون تحديد هوية أصحابها.. لقد تم دفن الجميع في مقبرة جماعية بمنطقة فرشان فيما لحق الدمار بمختلف المؤسسات الحكومية وبعدد من المساكن بقرية الساقية".
ويختم محمد الطيبي حديثه بالقول "إن قرية الساقية ستظل رمزا للكفاح والنضال المشترك بين تونس والجزائر إلا أنها لم تنل حظها في التنمية، رغم الوعود الكثيرة التي أطلقها البلدان بتفعيل مجموعة من البرامج لفائدة هذه القرية".
أبو رهام
بعد 66 سنة تعود الذاكرة بالسيد محمد الطيبي ليستحضر بعض الصور التي رسخت في ذهنه منذ عقود ولم تستطع الأيام محوها.
"لم أكن اعلم حجم الجحيم الذي تخبئه تلك الطائرات التي قدمت ذلك الصباح عندما سارع معلمنا إلى إخراجنا من القسم لنحتمي بسور المدرسة المتآكل وقبل أن أشاهد بأم عيني ذلك الدمار الذي خلفته وتلك الأشلاء التي تناثرت في عدة أماكن وقبل أن اسمع ذلك العويل الذي تعالى في كل أرجاء القرية"، بهذه الكلمات انطلق السيد محمد الطيبي المتقاعد من سلك التعليم في رواية ما عاشته قريته صبيحة 8 فيفري 1958.
ويضيف محمد الطيبي قوله:"كنت في الثانية عشرة من عمري آنذاك وبينما كنا ندرس سمعنا أزيز طائرة عسكرية وهو صوت ألفناه ولم يكن يحرك فينا خوفا أو رعبا، باعتبار وجود قاعدة عسكرية فرنسية ومدرج طائرات بقرية الحدادة الجزائرية المجاورة ولكن هدوءنا تحول فجأة إلى هلع ونحن نسمع صوت الرصاص الذي استعمله أعوان الحرس الوطني لجعل الطائرة العسكرية الفرنسية تعود أدراجها بعد دخولها التراب التونسي فسارع معلمنا إلى تهدئتنا والتخفيف من روعنا".
يسكت محمد برهة من الزمن شاخصا بعينيه في بعض أوراق الصحف التي تحدثت عن الاعتداء الغاشم ثم يقول:"بعد مرور بعض الوقت كان سرب من الطائرات يغطي سماء الساقية ويرمي قنابله عشوائيا فسارع معلمنا إلى إخراجنا من القسم لنحتمي بسور المدرسة وأمرنا بترك مسافات فيما بيننا..، ظننت أن يوم القيامة قد حل وأنا اسمع صوت القنابل وصراخ الجرحى وأرى نساء وأطفالا وشيوخا يفرون في كل الاتجاهات فرحت أبحث عن والدي الذي رافقني ذلك الصباح لقضاء بعض الشؤون من السوق لأصاب بالذهول وأنا أرى تلك المشاهد البشعة... أطراف مبتورة ودماء اختلطت مع الزيت وبترول الإنارة المنزلي ومع أكياس السميد التي كان الصليب الأحمر بصدد توزيعها على اللاجئين الجزائريين..".
يسحب محمد الطيبي تنهيدة وهو يقول:"كنت أبحث عن والدي بين جثث القتلى وبين الجرحى غير مكترث بإمكانية عودة الطائرات لتنفيذ غارة أخرى قبل أن يجدني أحد أجوارنا ويخبرني أن والدي عاد إلى المنزل.... كنت أسير بين الجثث فرأيت بعض أقراني وبعض أصدقائي وبعض أقاربي وقد وافتهم المنية، لقد حفرت تلك اللحظات جروحا عميقة في كل من عاشها حتى أن البعض ممن اعرفهم أصيبوا بأزمات نفسية حادة عقب ذلك الاعتداء الغاشم".
وأردف محمد قوله "تلك الحادثة الأليمة راح ضحيتها عشرات الأبرياء منهم 12 طفلا حتى أن بعض الجثث تم دفنها دون تحديد هوية أصحابها.. لقد تم دفن الجميع في مقبرة جماعية بمنطقة فرشان فيما لحق الدمار بمختلف المؤسسات الحكومية وبعدد من المساكن بقرية الساقية".
ويختم محمد الطيبي حديثه بالقول "إن قرية الساقية ستظل رمزا للكفاح والنضال المشترك بين تونس والجزائر إلا أنها لم تنل حظها في التنمية، رغم الوعود الكثيرة التي أطلقها البلدان بتفعيل مجموعة من البرامج لفائدة هذه القرية".