إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

رغم ضربه لاستقلالية البنك المركزي.. الدولة تؤمن غطاء قانوني استثنائي لتمويل عجز الموازنة العامة بـ 7 مليارات دينار

 

تونس - الصباح

لم تستثن الدعوات المطالبة بضرورة المحافظة على استقلالية البنك المركزي والتخفيض من حجم الاقتراض الداخلي، توجه الدولة مجددا إلى تعبئة موارد مالية جديدة من البنوك التونسية لتغطية العجز الحاصل في ميزانيتها العمومية من خلال توفير غطاء قانوني استثنائي بعد المصادقة على مشروع قانون يسمح للبنك المركزي بمزيد تمويل الدولة...

وبمجرد المصادقة على مشروع هذا القانون الذي يخول منح البنك المركزي تسهيلات للخزينة العامة من قبل البرلمان، ستوفر الدولة تمويلات تصل إلى 7 مليار دينار تونسي لتغطية العجز الذي يفوق الـ 10 مليارات لهذه السنة حسب قانون المالية لسنة 2024..والتي ستسدد على 10 سنوات وبمدة إمهال بـ 3 سنوات دون توظيف فوائد....

لكن هذه الخطوة ستزيد من منسوب الجدل الحاصل بين التونسيين وفي الأوساط المالية، بالنظر إلى التداعيات الوخيمة التي ستكون بالأساس في علاقة بارتفاع نسب التضخم المالي وكذلك تدهور قيمة الدينار التونسي مع إمكانية مزيد تراجع التصنيف السيادي لتونس من طرف وكالات الترقيم الدولية..

في حين اعتبرت الحكومة هذه الخطوة بالمهمة والضرورية، وبررت لجوءها إلى هذا الإجراء بان الدولة ملزمة بالإيفاء بتعهدات مالية هامة مرسمة بقانون المالية وضرورية للمحافظة على المرفق وتلبية احتياجات المواطن بالإضافة إلى التعهدات بعنوان التأجير والدعم والاستثمار وخدمة الدين العمومي.

كما أوضحت وثيقة شرح الأسباب في هذا الغرض ان الدولة ستقوم خلال سنة 2024 بتسديد حوالي 25797 مليون دينار بعنوان خدمة دين منها 7.111 مليار دينار خلال الثلاثي الأول من السنة الحالية مع الإشارة إلى أن شهر فيفري سيشهد في يوم واحد تسديدات بعنوان قروض رقاعية صادرة بالسوق المالية العالمية بمبلغ يفوق 3 مليار دينار.

وأكدت الحكومة في تفسيرها على انه "مع تزايد الضغوطات المالية المسلطة على ميزانية الدولة بسبب تواصل الأزمة الاقتصادية العالمية من جهة وصعوبة تعبئة الموارد المالية الخارجية من جهة أخرى، تم التوجه في إطار سد حاجيات التمويل المنصوص عليها بقانون المالية للسنة الحالية، إلى تكثيف تعبئة الموارد بالسوق المحلية بمختلف صيغها من رقاع خزينة قصيرة وطويلة المدى وقرض رقاعي وطني وقروض مجمعة بالعملة الأجنبية".

ونظرا لان التشريع الحالي لا يمكن للبنك المركزي التونسي من تقديم تسهيلات مالية خاصة الفقرة الرابعة من الفصل 25 من القانون الأساسي عدد 35 لسنة 2016، وبالتالي فان إقراض الدولة من طرف مؤسسة الإصدار يستوجب إصدار قانون في الغرض.

وللإشارة فان تونس انطلقت مع دخول شهر جانفي من 2024 في استرجاع وخلاص ديونها في شكل قروض، وهذا القانون سيسمح بتسديد جزء منها والمتوقع أن يكون القرض المقدر بـ 850 مليون يورو مستحقة بداية من 16 فيفري الجاري

وهذه القيمة من الديون المستحقة التي سيتم سدادها قريبا، ستؤدي مباشرة إلى انخفاض احتياطيات النقد الأجنبي بما يعادل المبلغ اللازم لمدة 14 يوما من الواردات وسيكون له تأثير على سعر الصرف، بالتأكيد، في حين اعتبرتها وزيرة المالية، سهام بن نمصية، قيمة مهمة والقانون سيسمح للبنك من تمويل جزء منها حتى لا تلتجئ الحكومة إلى جدولة ديونها مع الخارج....

لن يمس من استقلالية البنك ولن يؤثر على الاقتصاد

وفي تفاعلها مع مداخلات النواب، أمس الأول حول هذا القانون المثير للجدل بين الأوساط التونسية، بينت وزيرة المالية أن القانون المصادق عليه، يندرج في إطار تنفيذ أحكام قانون المالية لسنة 2024 وهو مرتبط بالتوازنات المالية للدولة وذكرت أن التمويل المتأتي من المداخيل الذاتية للدولة لا يفي بتعهداتها المالية، وأكدت أهمية العمل على دفع الاستثمار وخلق الثروة ورفع الإنتاج والإنتاجية في عديد القطاعات خاصة منها الفلاحة والفسفاط.

واعتبرت الوزيرة أن التوجه لتعبئة موارد الدولة من البنك المركزي يمثل حلا لتسديد حاجيات التمويل ولن يزاحم تمويل الاقتصاد، مؤكدة على  عزم تونس تسديد ديونها رغم الأزمة العالمية وتأثيرها السلبي المباشر على اقتصاديات العالم وان المساعي حثيثة للحصول على تمويلات خارجية التي لا يمكن توفيرها في الثلاثي الأول من هذه السنة، وهو ما يبرر طلب استعجال النظر في مشروع القانون المعروض، لان الدولة مطالبة بتسديد قرض رقاعي بقيمة 3000 مليون دينار في الآجال والتزامها بذلك يعد من مقومات السيادة الوطنية.

كما أكدت الوزيرة  انه سيتم توجيه جزء من قيمة القرض لخلاص الدين فيما ستخصص البقية للمصاريف التنموية والاستثمارات العمومية ومنها تفعيل نشاط الفسفاط كما سيتم رصد 1000 مليون دينار لإنقاذ مصنع عجين الحلفاء بالقصرين ومعمل الفولاذ ببنزرت.

وأوضحت الوزيرة أن القرض لن يكون له تأثير على التضخم حيث أن أسباب التضخم عديدة ومتنوعة ومنها ارتفاع الطلب واضطراب مسالك التوزيع وارتفاع تكاليف الإنتاج والضغوطات النقدية والمضاربة والسياسات الجبائيّة وغيرها من العوامل، مبيّنة أن طريقة سحب القرض ومجالات صرفه من شانها أن تقلص من التداعيات السلبية على السياسة النقدية.

البنك المركزي يخسر حرب استقلاليته

والثابت اليوم انه وبالرغم من المساعي الحثيثة التي سبقت هذه الخطوة بسنوات من قبل مسؤولي البنك المركزي، أن استقلالية مؤسسة الإصدار صارت مهددة وهي التي تعود إلى سبعينيات القرض الماضي، ونتذكر جيدا الحرب التي خاضها مؤخرا للحفاظ على هذه الاستقلالية تحديدا مع مراجعة مشروع قانون المالية التعديلي لسنة 2020 المتعلقة بتعديلات للسماح للبنك بتمويل ميزانية الدولة...

وكان البنك قد اعتبر أن حجم الاقتراض الداخلي يبقى مرتبط خاصة بمدى قدرة الجهاز المصرفي على ضخ المبالغ دون المساس بالتوازنات الاقتصادية الكلية، متمسكا بما نص عليه القانون المؤرخ في 25 أفريل 2016 المتعلق بضبط النظام الأساسي للبنك المركزي يمنع التمويل المباشر للخزينة من قبل البنك المركزي مشددا على أن مثل هذا التمويل يستوجب في كل الحالات ترخيصا تشريعيا خاصا واستثنائيا من قبل مجلس نواب الشعب.

كما أكد البنك وقتها على الطابع الاستثنائي لهذا الترخيص لأية خطوة تهم مزيد تمويل الدولة، معتبرا أن من شأن إتاحة التمويل المباشر من قبل البنك للخزينة بصفة مستمرة لسد عجز الميزانية أن يقوض صورة الوجهة التونسية لدى المؤسسات الدولية ووكالات التصنيف العالمية والمستثمرين بصفة عامة بخصوص قدرة الحكومة على وضع حد لاختلال التوازنات المالية العمومية والتحكم في الدين العمومي ويزيد في صعوبة النفاذ إلى الأسواق المالية العالمية.

وكان قد قوبل موقف البنك المركزي وقتها، من قبل الطيف السياسي في البلاد على انه تنصل من مسؤوليته الوطنية في المساهمة في دعم ميزانية الدولة وتجاوز الصعوبات التي تعيشها البلاد، في حين أكدت العديد من الأطراف في الداخل التونسي وخارجه أهمية محافظة البنك على استقلاليته التي حققها بعد جدل واسع دام لسنوات.

من ذلك، يرى عدد من المتدخلين في الشأن المالي أن مزيد تمويل الدولة من قبل البنوك التونسية سيكون له تأثيرات سلبية على نسبة التضخم وارتفاع الأسعار والتكاليف الباهظة إذا ما استوجب الوضع طباعة الأموال، وبالتالي فان العملية معقدة جدا وسلبياتها على التوازنات المالية تتجاوز مسالة تمويل خزينة الدولة. حسب ما أوضحه محافظ البنك المركزي في تصريحاته الأخيرة.

واعتبرت هذه الجهات الداخلية انه من الضروري الحفاظ على استقلالية البنك المركزي وعلى الدولة أن تقبل بهذه الاستقلالية وتحترمها حتى لا تنخرم توازنات البلاد المالية ويصبح التحكم فيها صعبا.

كما شددت العديد من الأطراف الخارجية من مؤسسات مانحة ومنظمات دولية على أهمية الحفاظ على استقلالية البنك المركزي، خاصة أن البنوك المركزية في البلدان العالمية على غرار البنك المركزي الأوروبي والاحتياطي الفدرالي لا تمول عجز موازنتها العامة، لان هذه العملية تضعف قدرة البنك ولا تدعم استقلاليته.

وبالرغم من التحذيرات الخارجية والداخلية من خطورة مواصلة الدولة للاقتراض الداخلي، تدخل الدولة مرحلة جديدة وسط تحديات صعبة أهمها كيفية التحكم في التداعيات التي ستنجر عن تفعيل هذا القانون في ما يتعلق بالتضخم والدينار التونسي والمحافظة قدر الإمكان على استقلالية البنك المركزي...

وبالرجوع إلى مسار التفاوض بشان تمويل البنك المركزي لميزانية الدولة، بين الحكومات المتعاقبة والبنك، نستحضر جيدا الحرب التي أعلنها محافظ البنك المركزي مروان العباسي كأبرز مسؤولي مؤسسة الإصدار الأكثر شراسة في الاستماتة للحافظ على هذه الاستقلالية..

لكن اليوم عرف مسار التفاوض وطبيعة هذا الخلاف نقلة نوعية، ليتغير الخطاب في ظل الانتقادات والدعوات إلى إعادة النظر في المسالة، ويخرج نفس المسؤول ليؤكد أن الاستقلالية المطلقة للبنك مسالة واهية ولا تستقيم....

وفاء بن محمد

رغم ضربه لاستقلالية البنك المركزي..  الدولة تؤمن غطاء قانوني استثنائي لتمويل عجز الموازنة العامة بـ 7 مليارات دينار

 

تونس - الصباح

لم تستثن الدعوات المطالبة بضرورة المحافظة على استقلالية البنك المركزي والتخفيض من حجم الاقتراض الداخلي، توجه الدولة مجددا إلى تعبئة موارد مالية جديدة من البنوك التونسية لتغطية العجز الحاصل في ميزانيتها العمومية من خلال توفير غطاء قانوني استثنائي بعد المصادقة على مشروع قانون يسمح للبنك المركزي بمزيد تمويل الدولة...

وبمجرد المصادقة على مشروع هذا القانون الذي يخول منح البنك المركزي تسهيلات للخزينة العامة من قبل البرلمان، ستوفر الدولة تمويلات تصل إلى 7 مليار دينار تونسي لتغطية العجز الذي يفوق الـ 10 مليارات لهذه السنة حسب قانون المالية لسنة 2024..والتي ستسدد على 10 سنوات وبمدة إمهال بـ 3 سنوات دون توظيف فوائد....

لكن هذه الخطوة ستزيد من منسوب الجدل الحاصل بين التونسيين وفي الأوساط المالية، بالنظر إلى التداعيات الوخيمة التي ستكون بالأساس في علاقة بارتفاع نسب التضخم المالي وكذلك تدهور قيمة الدينار التونسي مع إمكانية مزيد تراجع التصنيف السيادي لتونس من طرف وكالات الترقيم الدولية..

في حين اعتبرت الحكومة هذه الخطوة بالمهمة والضرورية، وبررت لجوءها إلى هذا الإجراء بان الدولة ملزمة بالإيفاء بتعهدات مالية هامة مرسمة بقانون المالية وضرورية للمحافظة على المرفق وتلبية احتياجات المواطن بالإضافة إلى التعهدات بعنوان التأجير والدعم والاستثمار وخدمة الدين العمومي.

كما أوضحت وثيقة شرح الأسباب في هذا الغرض ان الدولة ستقوم خلال سنة 2024 بتسديد حوالي 25797 مليون دينار بعنوان خدمة دين منها 7.111 مليار دينار خلال الثلاثي الأول من السنة الحالية مع الإشارة إلى أن شهر فيفري سيشهد في يوم واحد تسديدات بعنوان قروض رقاعية صادرة بالسوق المالية العالمية بمبلغ يفوق 3 مليار دينار.

وأكدت الحكومة في تفسيرها على انه "مع تزايد الضغوطات المالية المسلطة على ميزانية الدولة بسبب تواصل الأزمة الاقتصادية العالمية من جهة وصعوبة تعبئة الموارد المالية الخارجية من جهة أخرى، تم التوجه في إطار سد حاجيات التمويل المنصوص عليها بقانون المالية للسنة الحالية، إلى تكثيف تعبئة الموارد بالسوق المحلية بمختلف صيغها من رقاع خزينة قصيرة وطويلة المدى وقرض رقاعي وطني وقروض مجمعة بالعملة الأجنبية".

ونظرا لان التشريع الحالي لا يمكن للبنك المركزي التونسي من تقديم تسهيلات مالية خاصة الفقرة الرابعة من الفصل 25 من القانون الأساسي عدد 35 لسنة 2016، وبالتالي فان إقراض الدولة من طرف مؤسسة الإصدار يستوجب إصدار قانون في الغرض.

وللإشارة فان تونس انطلقت مع دخول شهر جانفي من 2024 في استرجاع وخلاص ديونها في شكل قروض، وهذا القانون سيسمح بتسديد جزء منها والمتوقع أن يكون القرض المقدر بـ 850 مليون يورو مستحقة بداية من 16 فيفري الجاري

وهذه القيمة من الديون المستحقة التي سيتم سدادها قريبا، ستؤدي مباشرة إلى انخفاض احتياطيات النقد الأجنبي بما يعادل المبلغ اللازم لمدة 14 يوما من الواردات وسيكون له تأثير على سعر الصرف، بالتأكيد، في حين اعتبرتها وزيرة المالية، سهام بن نمصية، قيمة مهمة والقانون سيسمح للبنك من تمويل جزء منها حتى لا تلتجئ الحكومة إلى جدولة ديونها مع الخارج....

لن يمس من استقلالية البنك ولن يؤثر على الاقتصاد

وفي تفاعلها مع مداخلات النواب، أمس الأول حول هذا القانون المثير للجدل بين الأوساط التونسية، بينت وزيرة المالية أن القانون المصادق عليه، يندرج في إطار تنفيذ أحكام قانون المالية لسنة 2024 وهو مرتبط بالتوازنات المالية للدولة وذكرت أن التمويل المتأتي من المداخيل الذاتية للدولة لا يفي بتعهداتها المالية، وأكدت أهمية العمل على دفع الاستثمار وخلق الثروة ورفع الإنتاج والإنتاجية في عديد القطاعات خاصة منها الفلاحة والفسفاط.

واعتبرت الوزيرة أن التوجه لتعبئة موارد الدولة من البنك المركزي يمثل حلا لتسديد حاجيات التمويل ولن يزاحم تمويل الاقتصاد، مؤكدة على  عزم تونس تسديد ديونها رغم الأزمة العالمية وتأثيرها السلبي المباشر على اقتصاديات العالم وان المساعي حثيثة للحصول على تمويلات خارجية التي لا يمكن توفيرها في الثلاثي الأول من هذه السنة، وهو ما يبرر طلب استعجال النظر في مشروع القانون المعروض، لان الدولة مطالبة بتسديد قرض رقاعي بقيمة 3000 مليون دينار في الآجال والتزامها بذلك يعد من مقومات السيادة الوطنية.

كما أكدت الوزيرة  انه سيتم توجيه جزء من قيمة القرض لخلاص الدين فيما ستخصص البقية للمصاريف التنموية والاستثمارات العمومية ومنها تفعيل نشاط الفسفاط كما سيتم رصد 1000 مليون دينار لإنقاذ مصنع عجين الحلفاء بالقصرين ومعمل الفولاذ ببنزرت.

وأوضحت الوزيرة أن القرض لن يكون له تأثير على التضخم حيث أن أسباب التضخم عديدة ومتنوعة ومنها ارتفاع الطلب واضطراب مسالك التوزيع وارتفاع تكاليف الإنتاج والضغوطات النقدية والمضاربة والسياسات الجبائيّة وغيرها من العوامل، مبيّنة أن طريقة سحب القرض ومجالات صرفه من شانها أن تقلص من التداعيات السلبية على السياسة النقدية.

البنك المركزي يخسر حرب استقلاليته

والثابت اليوم انه وبالرغم من المساعي الحثيثة التي سبقت هذه الخطوة بسنوات من قبل مسؤولي البنك المركزي، أن استقلالية مؤسسة الإصدار صارت مهددة وهي التي تعود إلى سبعينيات القرض الماضي، ونتذكر جيدا الحرب التي خاضها مؤخرا للحفاظ على هذه الاستقلالية تحديدا مع مراجعة مشروع قانون المالية التعديلي لسنة 2020 المتعلقة بتعديلات للسماح للبنك بتمويل ميزانية الدولة...

وكان البنك قد اعتبر أن حجم الاقتراض الداخلي يبقى مرتبط خاصة بمدى قدرة الجهاز المصرفي على ضخ المبالغ دون المساس بالتوازنات الاقتصادية الكلية، متمسكا بما نص عليه القانون المؤرخ في 25 أفريل 2016 المتعلق بضبط النظام الأساسي للبنك المركزي يمنع التمويل المباشر للخزينة من قبل البنك المركزي مشددا على أن مثل هذا التمويل يستوجب في كل الحالات ترخيصا تشريعيا خاصا واستثنائيا من قبل مجلس نواب الشعب.

كما أكد البنك وقتها على الطابع الاستثنائي لهذا الترخيص لأية خطوة تهم مزيد تمويل الدولة، معتبرا أن من شأن إتاحة التمويل المباشر من قبل البنك للخزينة بصفة مستمرة لسد عجز الميزانية أن يقوض صورة الوجهة التونسية لدى المؤسسات الدولية ووكالات التصنيف العالمية والمستثمرين بصفة عامة بخصوص قدرة الحكومة على وضع حد لاختلال التوازنات المالية العمومية والتحكم في الدين العمومي ويزيد في صعوبة النفاذ إلى الأسواق المالية العالمية.

وكان قد قوبل موقف البنك المركزي وقتها، من قبل الطيف السياسي في البلاد على انه تنصل من مسؤوليته الوطنية في المساهمة في دعم ميزانية الدولة وتجاوز الصعوبات التي تعيشها البلاد، في حين أكدت العديد من الأطراف في الداخل التونسي وخارجه أهمية محافظة البنك على استقلاليته التي حققها بعد جدل واسع دام لسنوات.

من ذلك، يرى عدد من المتدخلين في الشأن المالي أن مزيد تمويل الدولة من قبل البنوك التونسية سيكون له تأثيرات سلبية على نسبة التضخم وارتفاع الأسعار والتكاليف الباهظة إذا ما استوجب الوضع طباعة الأموال، وبالتالي فان العملية معقدة جدا وسلبياتها على التوازنات المالية تتجاوز مسالة تمويل خزينة الدولة. حسب ما أوضحه محافظ البنك المركزي في تصريحاته الأخيرة.

واعتبرت هذه الجهات الداخلية انه من الضروري الحفاظ على استقلالية البنك المركزي وعلى الدولة أن تقبل بهذه الاستقلالية وتحترمها حتى لا تنخرم توازنات البلاد المالية ويصبح التحكم فيها صعبا.

كما شددت العديد من الأطراف الخارجية من مؤسسات مانحة ومنظمات دولية على أهمية الحفاظ على استقلالية البنك المركزي، خاصة أن البنوك المركزية في البلدان العالمية على غرار البنك المركزي الأوروبي والاحتياطي الفدرالي لا تمول عجز موازنتها العامة، لان هذه العملية تضعف قدرة البنك ولا تدعم استقلاليته.

وبالرغم من التحذيرات الخارجية والداخلية من خطورة مواصلة الدولة للاقتراض الداخلي، تدخل الدولة مرحلة جديدة وسط تحديات صعبة أهمها كيفية التحكم في التداعيات التي ستنجر عن تفعيل هذا القانون في ما يتعلق بالتضخم والدينار التونسي والمحافظة قدر الإمكان على استقلالية البنك المركزي...

وبالرجوع إلى مسار التفاوض بشان تمويل البنك المركزي لميزانية الدولة، بين الحكومات المتعاقبة والبنك، نستحضر جيدا الحرب التي أعلنها محافظ البنك المركزي مروان العباسي كأبرز مسؤولي مؤسسة الإصدار الأكثر شراسة في الاستماتة للحافظ على هذه الاستقلالية..

لكن اليوم عرف مسار التفاوض وطبيعة هذا الخلاف نقلة نوعية، ليتغير الخطاب في ظل الانتقادات والدعوات إلى إعادة النظر في المسالة، ويخرج نفس المسؤول ليؤكد أن الاستقلالية المطلقة للبنك مسالة واهية ولا تستقيم....

وفاء بن محمد