فإذا نحن وصلنا إلى المعلم فقد وصلنا إلى نقطة شائكة لأنّنا اعتدنا دائما أن ننقل النقد في الأمور العامة إلى مسائل شخصية ونحوّل الكلام في المبادئ العامة لذا فهل يسمح لنا المعلمون بأن نصارحهم القول مؤكدين إن كنّا كذلك فانّنا نصد قهم القول بأن جزءا كبيرا من ضعف اللغة العربية يرجع إليهم ولسنا ننكر أنّ منهم أفذاذا يصحّ أن يكون منهم المثل الذي ننشده، ولكن المنطق عوّدنا أن يكون حكمنا على الكثير الشائع لا على القليل النادر.
ثمّ أمر الامتحانات أمر غريب فمع هذا الضعف الذي نسمعه في كل مكان تظهر نتيجة الامتحانات باهرة خاصة في اللغة العربية والسقوط فيها نادر.
فشيء من شيئين إمّا أن تكون الشكوى في غير محلها وهذا لا يسلّم به عاقل أو تكون الامتحانات على غير وجهها وهذا ما يقوله كل عاقل وسبب هذا السوء في الامتحانات كثيرة منها عدم تقدير ورقة الامتحانات إذ لهم طريقة في التصحيح ليست صحيحة فهم لا يقومون الورقة ككل ولكن يجزئونها جزيئات صغيرة ثم يضعون العدد على كل جزيء ، فيحدث أن التلميذ يأتي بأخطاء شنيعة تدلّ على الجهل التّام ومع ذلك ينجح أضف إلى ذلك الرحمة والشفقة في التصحيح ولو زالت هذه الرحمة المبالغ فيها وأدرك التلميذ ما تعامل به ورقته من الحزم في الامتحانات لخدم هذا الموقف اللغة العربية والتعليم.
أمن المعقول أن تلمس هذا الضعف ثم تكون نسبة النجاح فوق الثمانين في المائة في أكثر السنين ؟
ولا ننسى التفقد له دوره وأثره على ذلك فلو حدّد الغرض منه لبانت قوّته العالية أو ضعفه فليس المتفقّد جاسوسا يضبط الجريمة ولا عدّادا يعدّ التمارين ومواضيع التعبير الكتابي ولا غرضه الأول أن يقول أن كلمة كذا ليست في القاموس كلا ولا غرضه الأول أن يكتب عن الدرس إنّه جيد أو ممتاز أو ضعيف إنّما مهمته الأولى حسن توجيه المعلمين إلى تحقيق الغرض من دراسة اللغة العربية والتّعليم والوصول بالتلاميذ والمدرسين والكتب والمناهج إلى أرقى حدّ مستطاع وبمقدار تحقيق هذا الغرض أو عدم تحقيقه يكون الحكم على قيمة التفقّد.
إذا أصلح المعلم والمنهج والامتحانات والتفقد صلحت اللغة العربية والتّعليم في المدارس وهذا هو العلاج الصحيح أمّا ما عداه صلاح غير حاسم ولا ناجح.
III- ضعف المكتبة العربية
والآن نعود إلى السبب الأخير من أسباب ضعف اللغة العربية وهي مسألة المكتبة العربية، فالحق أنها مكتبة ضعيفة فاترة هي مائدة ليست دسمة ولا متنوعة الألوان فالتعليم الزيتوني لم يشترك في التأليف الحديث اشتراكا جدّيا ولم يساهم بالقدر الذي كان يجب عليه ولم يعرف عقلية الناس في العصر الحديث حتى يخرج لهم ما هم في أشد الحاجة إليه وكلية الآداب لم تؤدّ رسالتها في هذا الموضوع كاملة واتجهت أكثر ما اتجهت إلى الثقافة الخاصة لا العامة فمكتبتنا في كل نواحيها ناقصة من ناحية الأطفال ومن ناحية الجمهور وناحية المتعلمين وحسبك أن تقارن بين مكتبة أوربية وأخرى عربية فتحس بالفرق الذي يحزنك ويبعث فيك الخجل والشعور بالتقصير فأين إذن الروايات الراقية التي يصح أن نضعها في يد أبنائنا وبناتنا ؟ وأين الكتب في الثقافة العامة التي تزيد بها معلومات الجمهور؟ وأين الأدب القديم. المبسّط؟ والإجابة عن الأسئلة واضحة جليّة لدى الجميع وواضح أيضا أن اللغة لا ترقى بكتبها في قواعد النحو والصرف والتصريف بمقدار ما ترقى بالكتب الأدبية ذوات الموضوع أضف إلى ذلك أن الكتب المدرسية ليس فيها أيّ تنسيق أو انسجام أو تواصل وأخصّ بذلك كتاب القراءة وكيفيّة معالجة النصوص أثناء التدريس فهي تعمتد على النقد والأسلوب قبل أن يلمّ التلميذ بجمهرة كبيرة من الأدب يكون قد قرأها وفهمها وتذوّقها وتختم الحصّة بمطالبة التلميذ حفظ بعض الفقرات وتزويده ببعض الجمل على اعتبارها جملا حسنة وعليه أن يستعملها أو يقحمها في تحاريره كما شاء.
دور مدارس ترشيح المعلمين
تعدّ مدارس ترشيح المعلمين أصلح سبيل لإصلاح المعلم والتعليم فالحق أن مدارس الترشيح في الماضي سعت ليتخرّج منها معلمون قد يكونون أكفاء لو استمرت وحاولت التمشي في طريق التطور ولكن سرعان ما تم التخلي عنها واللجوء إلى الجامعة لكن الجامعة لم تستطع أن تخرج المعلمين الأكفاء الذين تتطلبهم اللغة العربية للأخذ بيدها والنهوض بها ومحاربة الضعف الفاشي فيها وذلك لأنّ الجامعة تعتمد على طائفة من حاملي شهادة الباكلوريا وهؤلاء في غالب الأحيان لا يصلحون لتدريس اللغة العربية لعدم حذقهم لها ذلك أنّ اللغة العربية متّصلة اتصالا وثيقا بالدين ولا يمكن أن يحذقها ويستطيع أن يفهم كتبها القديمة إلاّ من بلغ درجة عالية في فهم القرآن والحديث والفقه وأصول الفقه والتاريخ الإسلامي والطلبة الذين تأخذهم الجامعة لهذا القسم لم يثقفوهم هذه الثقافة ولا تستطيع الجامعة أن تكمل فيهم هذا النقص مهما بذل المدرسون من الجهد ومن أجل هذا ترى أن الطلبة بينما يجيدون نهج البحث في المسائل ويقصّرون في مسائل تعدّ في نظر التعليم الزيتوني القديم مسائل أولية وهي في الواقع كذلك.
لذا يجب الاعتماد على مدارس ترشيح المعلمين في شكل جديد وعليها الأخذ بالاعتبار لما سبق وبذلك تستطيع أن تخرج خير نموذج للمعلم ولا يكون ذلك إلاّ:
1- بفصلها عن المندوبية الجهوية للتعليم وجعلها تابعة مباشرة بمدير التعليم الابتدائي بوزارة التربية ويصبح المسؤول على التعليم الابتدائي في الجهات المتفقد الجهوي بمساعدة بقية المتفقدين وجميعهم تحت إشراف مدير التعليم الابتدائي بوازرة التربية وبذلك تحدّد المسؤولية ولا يقع التداخل بين المسؤولية الإدارية للمندوبية الجهوية والمسؤولية التعليمية.
2- إعادة النظر فيها من جديد، في نظامها وبرامجها فلم تعد أساليبها التي كانت صالحة منذ عشرين سنة تبقى صالحة الآن.
3- أن يشرف على وضع هذه النظم جماعة من خيرة الرجال ثقافة وعقلا وسعة تفكير وعلما بمناهج التربية.
4- أن يعاد تنظيمها على خير ممّا كانت عليه فتكون الدراسة فيها مقصورة على المواد العلمية واللغة وما يتبعها من مواد اجتماعية وتربية بدنية ويتوسع فيها في الدراسة الدينية من قرآن وتفسیر وحديث وما إلى ذلك.
5- تكون الدراسة في مدارس ترشیح المعلمين دراسة قاسية شديدة دقيقة في الامتحان فلا يسمح لضعيف ولا متوسّط الكفاية. أن يتخرج من هذه المدرسة لأنها ستكون أفعل مدرسة في رقيّ الأمة وتكوين عقليّتها والنهوض بحياتها وهذا هو أفضل علاج لضعف اللغة العربية والتعليم في تونس.
بقلم: محيي الدين المراكشي(*)
II- المعلّم
فإذا نحن وصلنا إلى المعلم فقد وصلنا إلى نقطة شائكة لأنّنا اعتدنا دائما أن ننقل النقد في الأمور العامة إلى مسائل شخصية ونحوّل الكلام في المبادئ العامة لذا فهل يسمح لنا المعلمون بأن نصارحهم القول مؤكدين إن كنّا كذلك فانّنا نصد قهم القول بأن جزءا كبيرا من ضعف اللغة العربية يرجع إليهم ولسنا ننكر أنّ منهم أفذاذا يصحّ أن يكون منهم المثل الذي ننشده، ولكن المنطق عوّدنا أن يكون حكمنا على الكثير الشائع لا على القليل النادر.
ثمّ أمر الامتحانات أمر غريب فمع هذا الضعف الذي نسمعه في كل مكان تظهر نتيجة الامتحانات باهرة خاصة في اللغة العربية والسقوط فيها نادر.
فشيء من شيئين إمّا أن تكون الشكوى في غير محلها وهذا لا يسلّم به عاقل أو تكون الامتحانات على غير وجهها وهذا ما يقوله كل عاقل وسبب هذا السوء في الامتحانات كثيرة منها عدم تقدير ورقة الامتحانات إذ لهم طريقة في التصحيح ليست صحيحة فهم لا يقومون الورقة ككل ولكن يجزئونها جزيئات صغيرة ثم يضعون العدد على كل جزيء ، فيحدث أن التلميذ يأتي بأخطاء شنيعة تدلّ على الجهل التّام ومع ذلك ينجح أضف إلى ذلك الرحمة والشفقة في التصحيح ولو زالت هذه الرحمة المبالغ فيها وأدرك التلميذ ما تعامل به ورقته من الحزم في الامتحانات لخدم هذا الموقف اللغة العربية والتعليم.
أمن المعقول أن تلمس هذا الضعف ثم تكون نسبة النجاح فوق الثمانين في المائة في أكثر السنين ؟
ولا ننسى التفقد له دوره وأثره على ذلك فلو حدّد الغرض منه لبانت قوّته العالية أو ضعفه فليس المتفقّد جاسوسا يضبط الجريمة ولا عدّادا يعدّ التمارين ومواضيع التعبير الكتابي ولا غرضه الأول أن يقول أن كلمة كذا ليست في القاموس كلا ولا غرضه الأول أن يكتب عن الدرس إنّه جيد أو ممتاز أو ضعيف إنّما مهمته الأولى حسن توجيه المعلمين إلى تحقيق الغرض من دراسة اللغة العربية والتّعليم والوصول بالتلاميذ والمدرسين والكتب والمناهج إلى أرقى حدّ مستطاع وبمقدار تحقيق هذا الغرض أو عدم تحقيقه يكون الحكم على قيمة التفقّد.
إذا أصلح المعلم والمنهج والامتحانات والتفقد صلحت اللغة العربية والتّعليم في المدارس وهذا هو العلاج الصحيح أمّا ما عداه صلاح غير حاسم ولا ناجح.
III- ضعف المكتبة العربية
والآن نعود إلى السبب الأخير من أسباب ضعف اللغة العربية وهي مسألة المكتبة العربية، فالحق أنها مكتبة ضعيفة فاترة هي مائدة ليست دسمة ولا متنوعة الألوان فالتعليم الزيتوني لم يشترك في التأليف الحديث اشتراكا جدّيا ولم يساهم بالقدر الذي كان يجب عليه ولم يعرف عقلية الناس في العصر الحديث حتى يخرج لهم ما هم في أشد الحاجة إليه وكلية الآداب لم تؤدّ رسالتها في هذا الموضوع كاملة واتجهت أكثر ما اتجهت إلى الثقافة الخاصة لا العامة فمكتبتنا في كل نواحيها ناقصة من ناحية الأطفال ومن ناحية الجمهور وناحية المتعلمين وحسبك أن تقارن بين مكتبة أوربية وأخرى عربية فتحس بالفرق الذي يحزنك ويبعث فيك الخجل والشعور بالتقصير فأين إذن الروايات الراقية التي يصح أن نضعها في يد أبنائنا وبناتنا ؟ وأين الكتب في الثقافة العامة التي تزيد بها معلومات الجمهور؟ وأين الأدب القديم. المبسّط؟ والإجابة عن الأسئلة واضحة جليّة لدى الجميع وواضح أيضا أن اللغة لا ترقى بكتبها في قواعد النحو والصرف والتصريف بمقدار ما ترقى بالكتب الأدبية ذوات الموضوع أضف إلى ذلك أن الكتب المدرسية ليس فيها أيّ تنسيق أو انسجام أو تواصل وأخصّ بذلك كتاب القراءة وكيفيّة معالجة النصوص أثناء التدريس فهي تعمتد على النقد والأسلوب قبل أن يلمّ التلميذ بجمهرة كبيرة من الأدب يكون قد قرأها وفهمها وتذوّقها وتختم الحصّة بمطالبة التلميذ حفظ بعض الفقرات وتزويده ببعض الجمل على اعتبارها جملا حسنة وعليه أن يستعملها أو يقحمها في تحاريره كما شاء.
دور مدارس ترشيح المعلمين
تعدّ مدارس ترشيح المعلمين أصلح سبيل لإصلاح المعلم والتعليم فالحق أن مدارس الترشيح في الماضي سعت ليتخرّج منها معلمون قد يكونون أكفاء لو استمرت وحاولت التمشي في طريق التطور ولكن سرعان ما تم التخلي عنها واللجوء إلى الجامعة لكن الجامعة لم تستطع أن تخرج المعلمين الأكفاء الذين تتطلبهم اللغة العربية للأخذ بيدها والنهوض بها ومحاربة الضعف الفاشي فيها وذلك لأنّ الجامعة تعتمد على طائفة من حاملي شهادة الباكلوريا وهؤلاء في غالب الأحيان لا يصلحون لتدريس اللغة العربية لعدم حذقهم لها ذلك أنّ اللغة العربية متّصلة اتصالا وثيقا بالدين ولا يمكن أن يحذقها ويستطيع أن يفهم كتبها القديمة إلاّ من بلغ درجة عالية في فهم القرآن والحديث والفقه وأصول الفقه والتاريخ الإسلامي والطلبة الذين تأخذهم الجامعة لهذا القسم لم يثقفوهم هذه الثقافة ولا تستطيع الجامعة أن تكمل فيهم هذا النقص مهما بذل المدرسون من الجهد ومن أجل هذا ترى أن الطلبة بينما يجيدون نهج البحث في المسائل ويقصّرون في مسائل تعدّ في نظر التعليم الزيتوني القديم مسائل أولية وهي في الواقع كذلك.
لذا يجب الاعتماد على مدارس ترشيح المعلمين في شكل جديد وعليها الأخذ بالاعتبار لما سبق وبذلك تستطيع أن تخرج خير نموذج للمعلم ولا يكون ذلك إلاّ:
1- بفصلها عن المندوبية الجهوية للتعليم وجعلها تابعة مباشرة بمدير التعليم الابتدائي بوزارة التربية ويصبح المسؤول على التعليم الابتدائي في الجهات المتفقد الجهوي بمساعدة بقية المتفقدين وجميعهم تحت إشراف مدير التعليم الابتدائي بوازرة التربية وبذلك تحدّد المسؤولية ولا يقع التداخل بين المسؤولية الإدارية للمندوبية الجهوية والمسؤولية التعليمية.
2- إعادة النظر فيها من جديد، في نظامها وبرامجها فلم تعد أساليبها التي كانت صالحة منذ عشرين سنة تبقى صالحة الآن.
3- أن يشرف على وضع هذه النظم جماعة من خيرة الرجال ثقافة وعقلا وسعة تفكير وعلما بمناهج التربية.
4- أن يعاد تنظيمها على خير ممّا كانت عليه فتكون الدراسة فيها مقصورة على المواد العلمية واللغة وما يتبعها من مواد اجتماعية وتربية بدنية ويتوسع فيها في الدراسة الدينية من قرآن وتفسیر وحديث وما إلى ذلك.
5- تكون الدراسة في مدارس ترشیح المعلمين دراسة قاسية شديدة دقيقة في الامتحان فلا يسمح لضعيف ولا متوسّط الكفاية. أن يتخرج من هذه المدرسة لأنها ستكون أفعل مدرسة في رقيّ الأمة وتكوين عقليّتها والنهوض بحياتها وهذا هو أفضل علاج لضعف اللغة العربية والتعليم في تونس.