لقد عرت حرب غزة الوجه الحقيقي لهذا الغرب المهيمن على كل شيء في عالمنا اليوم وكشفت عن وجهه الكولونيالي
بقلم نوفل سلامة
مازالت عملية طوفان الأقصى وما نتج عنها من عدوان حربي مدمر تتعرض له مدينة غزة إلى اليوم تقوده الآلة الحربية لدولة الاحتلال الصهيوني المدعومة عسكريا من الولايات المتحدة الأمريكية والمسنودة من غالبية الدول الأوروبية تكشف عن الكثير من القضايا التي تحتاج إلى مراجعة متأكدة وإعادة نظر ضرورية في علاقة بكامل المنظومات الفكرية والمعرفية العالمية التي تقدم اليوم على أنها كونية وإنسانية وتحتاجها الشعوب لتحتكم إليها وتنظم بها حياتها وعلى أنها أفضل ما توصل إليه العقل الأوروبي في راهنيته ليقود بها البشرية ويسيطر بها على العالم.
لقد كشفت حرب غزة على نفاق هذا الغرب وفكره المنحاز للقوى المهيمنة على العالم وخوى شعاراته ونظرياته التي فرضها على الشعوب كآليات تفكير وطرق عيش ونظم معرفية لا يمكن الخروج عنها أو تجاوزها نحو بدائل أخرى تكون أكثر عدلا وانصافا وإنسانية .. لقد اتضح اليوم ونحن ندخل الشهر الرابع من العدوان الإسرائيلي الأمريكي الغربي على غزة أن الغرب لم يتخلص بعد من نظرته الاستعمارية للشعوب وما زال يشده حنين مستبطن للمرحلة الكولونيالية التي مارسها لفترة رغم كل الحديث الذي روج له منظروه من المثقفين والمفكرين والفلاسفة والسياسيين عن فكرة العيش المشترك والاعتراف بالآخر والحق في الاختلاف وكل الحديث عن حق الشعوب في تقرير مصيرها من دون تدخل من أي جهة كانت وحق دول الجنوب وكل الشعوب الفقيرة في ممارسة إرادتها الحرة.
لقد عرت حرب غزة الوجه الحقيقي لهذا الغرب المهيمن على كل شيء في عالمنا اليوم وكشفت عن وجهه الكولونيالي في مجال من أخطر المجالات وفي ميدان كان يفترض أنه من أكثر الميادين حرية وجرأة وابتعادا عن القيود والرقابة وفي مجال كان يعتقد أنه خارج الهيمنة الأوروبية وخارج المركزية الغربية التي يمارسها في كل المجالات وفي ميدان كان يعتقد أنه يحظى بهامش كبير من الحرية .
كانت حرب غزة مناسبة مهمة حتى نرى كيف تعامل هذا الغرب الحر الديمقراطي مع الفنانين والحقل الفني بكل أنواعه وأشكاله وتمظهراته في علاقته بما يدور في غزة من اعتداء على الإنسانية ومن عملية تطهير عرقي لا مثيل له ومن إبادة جماعية فاقت كل التوقعات وكيف نظر هذا الغرب وتعامل مع كل التعبيرات الفنية وكل الأصوات القادمة من مجال الابداع الفني المناصرة للقضية الفلسطينية أو المنددة بما تقوم به الآلة الحربية الإسرائيلية والمستنكرة للصمت الذي تمارسه كل الحكومات الغربية الحرة.
الصدمة التي استفاق عليها العاملون في الميدان الفني أن الغرب المنحاز كليا للمحتل والمرتمي في أحضان الغاصب الإسرائيلي يمارس اليوم قمعا رهيبا على كل صوت حر من الفنانين ويتبع استراتيجية مخيفة في الحكم على تصرفات المبدعين في مجال الغناء والسينما والمسرح والفن التشكيلي بعد أن أحيى من جديد محاكم تفتيش القرون الوسطى التي كانت الكنسية المسيحية تستخدمها ضد كل مخالف للإيمان المسيحي وكل من لا يدين بالمسيحية وشرع في الحكم على النوايا وإصدار الأحكام بحق هؤلاء الفنانين في مشهد يعيدنا إلى مناخات القرون الوسطى وزمن الحروب الصليبية .
لقد عاد هذا الغرب إلى حقيقته الرافضة للاختلاف وعاد إلى نفسه العميقة التي تأبى التعايش مع الاختلاف واستعاد نظرته الكولونيالية التي تفرض نهجا واحدا للفن وموقفا واحدا للإبداع وتحارب كل محاولة من أجل بناء عالم جديد ما بعد الاستعمار الغربي يقوم على الاعتراف بالآخر ويقر الانفتاح على الثقافات الإنسانية ويحترم خصوصيتها ويعترف بالتنوع ويعتبر أن العالم لا يقوم على نظرة واحدة للعالم هي نظرة الغرب المهيمن .. لقد عاد هذا الغرب الأطلسي إلى فكر الهيمنة وفكر الاقصاء للأخر الذي يطالب بحقه في العيش بكرامة وبعيدا عن أية وصايا.
ما حصل مع حرب غزة أن منسوب الحرية الكبير ودائرته الواسعة في مجال الفن الذي يعد من أكثر المجالات تحررا وبعدا عن القيود والخطوط الحمراء قد ضاق وتراجعت الحرية الفنية وكبلت كل الأصوات الحرة المبدعة ودخل العالم في الأشهر الأخيرة في حالة غير مسبوقة من الخوف والذعر والترهيب وإصدار الأحكام على النوايا والمواقف الحرة وبذلك أعلن الكثير من المثقفين أن زمن الفن المتمرد وعهد الفن الحر ومرحلة ثورة الإبداع الفني يتم محاصرتها بعد أن تعرض الكثير من الفنانين إلى مضايقات وترهيب وإصدار أحكام بشأنهم بسبب مواقفهم تجاه ما ترتكبه إسرائيل من أعمال قتل بحق المدنيين من الأطفال والنساء وما تتعرض له المستشفيات والمدارس من قصف عشوائي مجنون .
اليوم الكثير من الأسماء العالمية الوازنة في مجال الفن والثقافة يتم التنكيل بها وتخويفها وترهيبها في رسالة واضحة إلى عودة السيطرة الرمزية للأنا الغربية على الآخر وفي إعلان صريح على بداية مرحلة جديدة يستعيد فيها الغرب مركزيته على كل ما هو فن وفكر وثقافة وابداع وهيمنة نظرته على كل ما هو ذوق ونظرة فنية إبداعية. لقد أعلنها الغرب صراحة أنه لا مجال اليوم للتسامح مع كل فنان يتعاطف مع الغزاويين وأن كل الكلام عن حرية الفنان وحرية المبدع وحرية المثقف والمفكر هو كلام لا معنى له إذا ما تعلق الأمر باليهود وبمفهوم معاداة للسامية الذي ابتدعوه. اليوم الفن الإنساني يختنق وأصحابه يتم التضييق عليهم ومؤسساته تحاصر وتفقد الكثير من حريتها.
اليوم حرب غزة قد اسقطت القناع عن هذا الغرب وفضحت حقيقته وعرت نفسه العميقة المخفية في مجال من أهم المجالات التي يتباهى بها وفي مجال كان يفترض أنه من أكثر المجالات حرية وابداعا وجرأة وبعدا عن المراقبة والتقييد. اليوم سقطت فكرة الحداثة وفكر الأنوار الذي تأسس على صورة الفنان والمبدع والمثقف والمفكر المحرر من كل القيود مهما كان نوعها ومهما كان مصدرها. اليوم نعيش زمن عودة فكر الهيمنة الغربية وإحياء للنظرة الكولونيالية من جديد. اليوم نعيش الوجه الحقيقي للغرب الحداثي المستنير.
لقد عرت حرب غزة الوجه الحقيقي لهذا الغرب المهيمن على كل شيء في عالمنا اليوم وكشفت عن وجهه الكولونيالي
بقلم نوفل سلامة
مازالت عملية طوفان الأقصى وما نتج عنها من عدوان حربي مدمر تتعرض له مدينة غزة إلى اليوم تقوده الآلة الحربية لدولة الاحتلال الصهيوني المدعومة عسكريا من الولايات المتحدة الأمريكية والمسنودة من غالبية الدول الأوروبية تكشف عن الكثير من القضايا التي تحتاج إلى مراجعة متأكدة وإعادة نظر ضرورية في علاقة بكامل المنظومات الفكرية والمعرفية العالمية التي تقدم اليوم على أنها كونية وإنسانية وتحتاجها الشعوب لتحتكم إليها وتنظم بها حياتها وعلى أنها أفضل ما توصل إليه العقل الأوروبي في راهنيته ليقود بها البشرية ويسيطر بها على العالم.
لقد كشفت حرب غزة على نفاق هذا الغرب وفكره المنحاز للقوى المهيمنة على العالم وخوى شعاراته ونظرياته التي فرضها على الشعوب كآليات تفكير وطرق عيش ونظم معرفية لا يمكن الخروج عنها أو تجاوزها نحو بدائل أخرى تكون أكثر عدلا وانصافا وإنسانية .. لقد اتضح اليوم ونحن ندخل الشهر الرابع من العدوان الإسرائيلي الأمريكي الغربي على غزة أن الغرب لم يتخلص بعد من نظرته الاستعمارية للشعوب وما زال يشده حنين مستبطن للمرحلة الكولونيالية التي مارسها لفترة رغم كل الحديث الذي روج له منظروه من المثقفين والمفكرين والفلاسفة والسياسيين عن فكرة العيش المشترك والاعتراف بالآخر والحق في الاختلاف وكل الحديث عن حق الشعوب في تقرير مصيرها من دون تدخل من أي جهة كانت وحق دول الجنوب وكل الشعوب الفقيرة في ممارسة إرادتها الحرة.
لقد عرت حرب غزة الوجه الحقيقي لهذا الغرب المهيمن على كل شيء في عالمنا اليوم وكشفت عن وجهه الكولونيالي في مجال من أخطر المجالات وفي ميدان كان يفترض أنه من أكثر الميادين حرية وجرأة وابتعادا عن القيود والرقابة وفي مجال كان يعتقد أنه خارج الهيمنة الأوروبية وخارج المركزية الغربية التي يمارسها في كل المجالات وفي ميدان كان يعتقد أنه يحظى بهامش كبير من الحرية .
كانت حرب غزة مناسبة مهمة حتى نرى كيف تعامل هذا الغرب الحر الديمقراطي مع الفنانين والحقل الفني بكل أنواعه وأشكاله وتمظهراته في علاقته بما يدور في غزة من اعتداء على الإنسانية ومن عملية تطهير عرقي لا مثيل له ومن إبادة جماعية فاقت كل التوقعات وكيف نظر هذا الغرب وتعامل مع كل التعبيرات الفنية وكل الأصوات القادمة من مجال الابداع الفني المناصرة للقضية الفلسطينية أو المنددة بما تقوم به الآلة الحربية الإسرائيلية والمستنكرة للصمت الذي تمارسه كل الحكومات الغربية الحرة.
الصدمة التي استفاق عليها العاملون في الميدان الفني أن الغرب المنحاز كليا للمحتل والمرتمي في أحضان الغاصب الإسرائيلي يمارس اليوم قمعا رهيبا على كل صوت حر من الفنانين ويتبع استراتيجية مخيفة في الحكم على تصرفات المبدعين في مجال الغناء والسينما والمسرح والفن التشكيلي بعد أن أحيى من جديد محاكم تفتيش القرون الوسطى التي كانت الكنسية المسيحية تستخدمها ضد كل مخالف للإيمان المسيحي وكل من لا يدين بالمسيحية وشرع في الحكم على النوايا وإصدار الأحكام بحق هؤلاء الفنانين في مشهد يعيدنا إلى مناخات القرون الوسطى وزمن الحروب الصليبية .
لقد عاد هذا الغرب إلى حقيقته الرافضة للاختلاف وعاد إلى نفسه العميقة التي تأبى التعايش مع الاختلاف واستعاد نظرته الكولونيالية التي تفرض نهجا واحدا للفن وموقفا واحدا للإبداع وتحارب كل محاولة من أجل بناء عالم جديد ما بعد الاستعمار الغربي يقوم على الاعتراف بالآخر ويقر الانفتاح على الثقافات الإنسانية ويحترم خصوصيتها ويعترف بالتنوع ويعتبر أن العالم لا يقوم على نظرة واحدة للعالم هي نظرة الغرب المهيمن .. لقد عاد هذا الغرب الأطلسي إلى فكر الهيمنة وفكر الاقصاء للأخر الذي يطالب بحقه في العيش بكرامة وبعيدا عن أية وصايا.
ما حصل مع حرب غزة أن منسوب الحرية الكبير ودائرته الواسعة في مجال الفن الذي يعد من أكثر المجالات تحررا وبعدا عن القيود والخطوط الحمراء قد ضاق وتراجعت الحرية الفنية وكبلت كل الأصوات الحرة المبدعة ودخل العالم في الأشهر الأخيرة في حالة غير مسبوقة من الخوف والذعر والترهيب وإصدار الأحكام على النوايا والمواقف الحرة وبذلك أعلن الكثير من المثقفين أن زمن الفن المتمرد وعهد الفن الحر ومرحلة ثورة الإبداع الفني يتم محاصرتها بعد أن تعرض الكثير من الفنانين إلى مضايقات وترهيب وإصدار أحكام بشأنهم بسبب مواقفهم تجاه ما ترتكبه إسرائيل من أعمال قتل بحق المدنيين من الأطفال والنساء وما تتعرض له المستشفيات والمدارس من قصف عشوائي مجنون .
اليوم الكثير من الأسماء العالمية الوازنة في مجال الفن والثقافة يتم التنكيل بها وتخويفها وترهيبها في رسالة واضحة إلى عودة السيطرة الرمزية للأنا الغربية على الآخر وفي إعلان صريح على بداية مرحلة جديدة يستعيد فيها الغرب مركزيته على كل ما هو فن وفكر وثقافة وابداع وهيمنة نظرته على كل ما هو ذوق ونظرة فنية إبداعية. لقد أعلنها الغرب صراحة أنه لا مجال اليوم للتسامح مع كل فنان يتعاطف مع الغزاويين وأن كل الكلام عن حرية الفنان وحرية المبدع وحرية المثقف والمفكر هو كلام لا معنى له إذا ما تعلق الأمر باليهود وبمفهوم معاداة للسامية الذي ابتدعوه. اليوم الفن الإنساني يختنق وأصحابه يتم التضييق عليهم ومؤسساته تحاصر وتفقد الكثير من حريتها.
اليوم حرب غزة قد اسقطت القناع عن هذا الغرب وفضحت حقيقته وعرت نفسه العميقة المخفية في مجال من أهم المجالات التي يتباهى بها وفي مجال كان يفترض أنه من أكثر المجالات حرية وابداعا وجرأة وبعدا عن المراقبة والتقييد. اليوم سقطت فكرة الحداثة وفكر الأنوار الذي تأسس على صورة الفنان والمبدع والمثقف والمفكر المحرر من كل القيود مهما كان نوعها ومهما كان مصدرها. اليوم نعيش زمن عودة فكر الهيمنة الغربية وإحياء للنظرة الكولونيالية من جديد. اليوم نعيش الوجه الحقيقي للغرب الحداثي المستنير.