إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

بسبب جرائم الإبادة الجماعية.. إسرائيل في قفص الاتهام

 

 

سقط سلاح المظلومية التاريخية لمحرقة "الهولوكوست" الذي طالما استعملته إسرائيل بروباغاندا دعائية

بقلم د. الصحراوي قمعون

صحفي باحث في علوم الإعلام والإتصال

  لم يكن أحد من أفراد اللوبي الداعم لإسرائيل في المنظمات الدولية والجمعياتية والحقوقية عبر العالم التي تسيطر عليها إسرائيل منذ نهاية الحرب العالمية الثانية ، يتصور أن تجر إسرائيل قسرا للمحاكمة في محكمة العدل الدولية بلاهاي. ولكن إصرار جمهورية جنوب إفريقيا، أيقونة النضال الحقوقي عبر العالم وبلد المناضل التاريخي نيلسون مانديلا صاحب الرمزية النضالية السلمية العليا، جر إسرائيل إلى كرسي الاتهام في لاهي، مما شكل لها ولداعميها هزيمة قضائية وحقوقية تضاف إلى هزائمها العسكرية والمجتمعية والأخلاقية في مواجهتها للشعب الفلسطيني.

     لقد سقط سلاح المظلومية التاريخية لمحرقة "الهولوكوست" الذي طالما استعملته إسرائيل بروباغاندا دعائية، والذي أصبح مع الزمن مستهلكا لا يصدقه الجيل الجديد من شعوب العالم المطلعة على خبايا الأمور بفضل عالم الميديا الجديدة المفتوحة للعموم دون رقابة من الحكومات المؤيدة للسردية الإسرائيلية ورمزها إسرائيل .

   وهكذا مثلَت إسرائيل للمرة الأولي في تاريخها أمام المحكمة الدولية يوم 11 جانفي 2024 اثر دعوى قضائية تقدمت بها جمهورية جنوب إفريقيا إلى المحكمة تتهم فيها إسرائيل بارتكاب جرائم حرب "إبادة جماعية" في غزة، وهو ما جعل المسؤول الأول عن تلك الإبادة رئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو ينتفض غير مصدق لما يحدث حوله ويقول نفاقا :" ان هذا عالم منافقين فنحن ضحايا الإبادة الجماعية في التاريخ نحاكم اليوم بتهمة الإبادة الجماعية" .

جرائم إبادة بالجملة

   وأكد الفريق القانوني لجمهورية جنوب إفريقيا ، أحد البلدان الداعمة للحق الفلسطيني وعانت سابقا من نظام الميز العنصري والابارتهيد الشبيه بالاحتلال الإسرائيلي، أن " أفعال إسرائيل وأوجه تقصيرها تعتبر ذات إبادة جماعية لأنها ترتكب القصد المحدد المطلوب لتدمير الفلسطينيين في غزة كجزء من مجموعة القومية والعرقية والإثنية الفلسطينية الأوسع ".

 وجاء في الدعوى المكونة من 84 صفحة أن إسرائيل نفذت إجراءات للإبادة الجماعية مع التركيز علي قتل المدنيين وإلحاق الأذى الجسدي بهم وفرض ظروف لا يمكنها الحفاظ علي الحياة، إلى جانب الهجمات العسكرية على نظام الرعاية الصحية والأساسية في غزة حيث يقتل السكان بالقنابل من الجو والبر والبحر، وهم أيضا معرضون لخطر الموت المباشر بسبب تدمير المدن الفلسطينية ومحدودية المساعدات المسموح بدخولها واستحالة توزيع تلك المساعدات مع تساقط القنابل. وهذا يجعل الحياة مستحيلة".

     وتضمنت الدعوى التي ألقتها المحامية الجنوب افريقية عادلة هاسيم لقطات فيديو للظروف الصعبة على الأرض في مجال السكن والماء والكهرباء ، داعية المحكمة إلى إيقاف هذه الجرائم.

    وقالت المحامية في الدعوى أيضا أن " إسرائيل في حملتها الأخيرة علي غزة قتلت عددا غير مسبوق من المدنيين الفلسطينيين . ومنذ 7 اكتوبر2023 وعلى مدى ثلاثة أشهر ألقت إسرائيل ستة ألاف قنبلة في الأسبوع واستعملت على مدي ألفي مرة قذائف تزن ألفي رطل في المناطق الجنوبية من فلسطين والمعلنة مناطق أمنة بما في ذلك مخيمات اللاجئين . علما بان القنابل التي تزن ألفي رطل تعتبر من أكثر القنابل تدميرا. إسرائيل قتلت عددا غير مسبوق من المدنيين في غزة مع علمها التام بعدد الأرواح المدنية التي تزهقها كل قنبلة " كما جاء في كلامها.

 ومن جانبه قال ممثل جنوب إفريقيا وزير العدل فيها أمام المحكمة :" غزة تمثل فشلا أخلاقيا ويجب على العالم أن يشعر بالرعب . لا يوجد مكان أمن في غزة والعالم يجب ان يشعر بالخجل". واستشهد بالزعيم الجنوب إفريقي نيلسون مانديلا لشرح دفاعه عن الشعب الفلسطيني الذي يردد مقولته " نحن جزء من إنسانية واحدة" .

وأفادت مصادر حقوقية أن الفيديوهات وصور التدمير والقتل التي كان الجنود الإسرائيليون يفتخرون بها وينشرونها وهم يرقصون على جثث الضحايا المدنيين عبر شبكات التواصل الاجتماعي، "أصبحت دليل إدانة لهم أمام المحكمة الدولية" .

    وعلى هامش هذه الدعوى قال رئيس جمهورية جنوب إفريقيا بكل فخر واعتزاز :" بينما كان محامونا يدافعون عن قضيتنا في لاهاي، لم أشعر بالفخر الذي أشعر به اليوم. الخطوة التي اتخذناها محفوفة بالمخاطر . فنحن بلد صغير ولدينا اقتصاد صغير وقد يهاجموننا . لكننا سنظل متمسكين بمبادئنا ولن نكون أحرارا ما لم يتحرر الشعب الفلسطيني الحر أيضا".

   وعبر في نفس الوقت حفيد نيلسون مانديلا في تصريحات للصحافة في جنوب إفريقيا أن بلاده "فخورة بالوقوف إلى جانب الحق لأنها عانت لعقود من سياسة القتل والتمييز العنصري في سياسة الأبارتهايْد في جنوب إفريقيا، وكانت إسرائيل هي الحليف غير الأخلاقي لنظام العنصريين الذي يشبه النظام العنصري في إسرائيل الآن ."

   وقد وقفت جميع دول العالم على ما تحلت به دولة جنوب إفريقيا من شجاعة وتعلق بالقيم الإنسانية وبقيم الحق والعدل. وهي تعرف جيدا أوضاع الميز العنصري وكانت قاست ويلات التحالف الاستراتيجي الذي كان قائما منذ ستينات القرن الماضي بين جمهورية جنوب إفريقيا العنصرية في بريتوريا ونظام الميز العنصري الإسرائيلي في فلسطين المحتلة . وكانت إسرائيل طوال عقود هي الحليف الوحيد الذي بقي يساند بريتوريا رغم الحصار الدولي والأممي عليها حتى قبول استقلال جنوب إفريقيا وإطلاق سراح زعيمها نليسون مانديلا الذي كان دائما يصرح بان "تحرير جنوب إفريقيا لن يكتمل إلا بتحرير فلسطين وتمكين الشعب الفلسطيني من حقوقه المشروعة على غرار البلدان التي كانت خاضعة للاستعمار وتحصلت على استقلالها في ستينات وسبعينات القرن الماضي ومنها جنوب إفريقيا.

التضليل الإعلامي مرة أخرى

كانت هذه المحاكمة الرمزية في محكمة لاهاي فرصة أخرى للوقوف على مدى تجذر تقاليد التضليل الإعلامي في الإعلام الغربي الأورو أمريكي . فقد كانت وسائل الإعلام المكتوبة والسمعية البصرية والالكترونية الغربية ، بوقا يردد مقولات الغرب الاستعماري وسردية الأحداث من وجهة النظر الإسرائيلية التي يتم تقديمها علي سردية فريق جنوب إفريقيا اعتمادا على تقنية الهرم المقلوب ضد الحق ومع الباطل، أي إبراز ما يسمى " حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها وهي المحاصرة وتعرضت الي هجوم إرهابي من حماس التي تشبه حركات الإرهاب مثل داعش والقاعدة لاسامة بن لادن"، حسب تعبير السردية الباهتة التي ترددها وسائل الإعلام في فرنسا وبريطانيا بكل ببغائية ، كما يعلم في فنيات التجويق الإعلامي وتكرار الكذب من طرف جوقة منظمة حتى يصبح حقيقة في ذهن المتلقين للرسالة الإعلامية بغثها وسمينها.

   وقد تبين أن كثيرا من وسائل الأعلام المحترمة مثل مجلة "كورييه أنترناسيونال" الفرنسية التي تدعي الموضوعية والتحليل المعمق، تناولت محاكمة إسرائيل في لاهاي بسطحية وسردية اسرائلية فجة مقللة من حجم حجج فريق جنوب إفريقيا، مع ذكر مستفيض لتصريحات رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين ناتنياهو الذي وصفته الصحيفة بانه " زعيم إسرائيل التي يدافع عنها ضد الإرهاب" (عدد 11 جانفي 2024). وأوردت تصريحاته التي قال فيها إن "العالم المنافق يسير عكس التاريخ حيث أن إسرائيل التي تقاوم الإبادة متهمة بالإبادة"، حسب زعمه، في حين قال نائبه في الحكومة ان هذه المحاكمة المنافقة تشبه قضية درايفوس الضابط اليهودي في الجمهورية الثالثة عام 1890 في فرنسا"، كما أوردت الصحيفة، التي اعتبرت في مقال آخر بتاريخ 4 جانفي 2024 ان "هجوم حماس الدموي فجر السابع من اكتوبر كان شبيها بالهولوكوست" .

   إنه سقوط مدوّ أخر لعناوين الصحافة الفرنسية في مجال احترام أخلاقيات المهنة الصحفية النبيلة . وهو سقوط عوضته وسائل التواصل الاجتماعي التي فضحت المستور وأعطت أولوية لسردية المظلومين الفلسطينيين ومن يدافع عنهم من شرفاء العالم الذين اكتووا بنار الاستعمار والميز العنصري المُمَأْسَس في شكل أبارتهايد، كما كان لعقود في جنوب إفريقيا.

ونفس الموقف سجل في الصحافة الأمريكية المنحازة كليا لإسرائيل حيث لا تعطي في مقالاتها أي اهتمام لمعاناة السكان المدنيين من القصف ومنع الغذاء والكهرباء والوقود عنهم وكذلك عدد الضحايا من الصحفيين الفلسطينيين، حسبما أفاد تقرير مستقل "أنتارْسابْت" بتحليله أكثر من ألف مقال من الصحف الأمريكية الأبرز وهي "نيويورك تايمز" و"واشنطن بوست" و"لوس أنجلوس تايمز" التي لها أكبر تأثير على الرأي العام الأمريكي منذ عقود.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 بسبب جرائم الإبادة الجماعية.. إسرائيل في قفص الاتهام

 

 

سقط سلاح المظلومية التاريخية لمحرقة "الهولوكوست" الذي طالما استعملته إسرائيل بروباغاندا دعائية

بقلم د. الصحراوي قمعون

صحفي باحث في علوم الإعلام والإتصال

  لم يكن أحد من أفراد اللوبي الداعم لإسرائيل في المنظمات الدولية والجمعياتية والحقوقية عبر العالم التي تسيطر عليها إسرائيل منذ نهاية الحرب العالمية الثانية ، يتصور أن تجر إسرائيل قسرا للمحاكمة في محكمة العدل الدولية بلاهاي. ولكن إصرار جمهورية جنوب إفريقيا، أيقونة النضال الحقوقي عبر العالم وبلد المناضل التاريخي نيلسون مانديلا صاحب الرمزية النضالية السلمية العليا، جر إسرائيل إلى كرسي الاتهام في لاهي، مما شكل لها ولداعميها هزيمة قضائية وحقوقية تضاف إلى هزائمها العسكرية والمجتمعية والأخلاقية في مواجهتها للشعب الفلسطيني.

     لقد سقط سلاح المظلومية التاريخية لمحرقة "الهولوكوست" الذي طالما استعملته إسرائيل بروباغاندا دعائية، والذي أصبح مع الزمن مستهلكا لا يصدقه الجيل الجديد من شعوب العالم المطلعة على خبايا الأمور بفضل عالم الميديا الجديدة المفتوحة للعموم دون رقابة من الحكومات المؤيدة للسردية الإسرائيلية ورمزها إسرائيل .

   وهكذا مثلَت إسرائيل للمرة الأولي في تاريخها أمام المحكمة الدولية يوم 11 جانفي 2024 اثر دعوى قضائية تقدمت بها جمهورية جنوب إفريقيا إلى المحكمة تتهم فيها إسرائيل بارتكاب جرائم حرب "إبادة جماعية" في غزة، وهو ما جعل المسؤول الأول عن تلك الإبادة رئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو ينتفض غير مصدق لما يحدث حوله ويقول نفاقا :" ان هذا عالم منافقين فنحن ضحايا الإبادة الجماعية في التاريخ نحاكم اليوم بتهمة الإبادة الجماعية" .

جرائم إبادة بالجملة

   وأكد الفريق القانوني لجمهورية جنوب إفريقيا ، أحد البلدان الداعمة للحق الفلسطيني وعانت سابقا من نظام الميز العنصري والابارتهيد الشبيه بالاحتلال الإسرائيلي، أن " أفعال إسرائيل وأوجه تقصيرها تعتبر ذات إبادة جماعية لأنها ترتكب القصد المحدد المطلوب لتدمير الفلسطينيين في غزة كجزء من مجموعة القومية والعرقية والإثنية الفلسطينية الأوسع ".

 وجاء في الدعوى المكونة من 84 صفحة أن إسرائيل نفذت إجراءات للإبادة الجماعية مع التركيز علي قتل المدنيين وإلحاق الأذى الجسدي بهم وفرض ظروف لا يمكنها الحفاظ علي الحياة، إلى جانب الهجمات العسكرية على نظام الرعاية الصحية والأساسية في غزة حيث يقتل السكان بالقنابل من الجو والبر والبحر، وهم أيضا معرضون لخطر الموت المباشر بسبب تدمير المدن الفلسطينية ومحدودية المساعدات المسموح بدخولها واستحالة توزيع تلك المساعدات مع تساقط القنابل. وهذا يجعل الحياة مستحيلة".

     وتضمنت الدعوى التي ألقتها المحامية الجنوب افريقية عادلة هاسيم لقطات فيديو للظروف الصعبة على الأرض في مجال السكن والماء والكهرباء ، داعية المحكمة إلى إيقاف هذه الجرائم.

    وقالت المحامية في الدعوى أيضا أن " إسرائيل في حملتها الأخيرة علي غزة قتلت عددا غير مسبوق من المدنيين الفلسطينيين . ومنذ 7 اكتوبر2023 وعلى مدى ثلاثة أشهر ألقت إسرائيل ستة ألاف قنبلة في الأسبوع واستعملت على مدي ألفي مرة قذائف تزن ألفي رطل في المناطق الجنوبية من فلسطين والمعلنة مناطق أمنة بما في ذلك مخيمات اللاجئين . علما بان القنابل التي تزن ألفي رطل تعتبر من أكثر القنابل تدميرا. إسرائيل قتلت عددا غير مسبوق من المدنيين في غزة مع علمها التام بعدد الأرواح المدنية التي تزهقها كل قنبلة " كما جاء في كلامها.

 ومن جانبه قال ممثل جنوب إفريقيا وزير العدل فيها أمام المحكمة :" غزة تمثل فشلا أخلاقيا ويجب على العالم أن يشعر بالرعب . لا يوجد مكان أمن في غزة والعالم يجب ان يشعر بالخجل". واستشهد بالزعيم الجنوب إفريقي نيلسون مانديلا لشرح دفاعه عن الشعب الفلسطيني الذي يردد مقولته " نحن جزء من إنسانية واحدة" .

وأفادت مصادر حقوقية أن الفيديوهات وصور التدمير والقتل التي كان الجنود الإسرائيليون يفتخرون بها وينشرونها وهم يرقصون على جثث الضحايا المدنيين عبر شبكات التواصل الاجتماعي، "أصبحت دليل إدانة لهم أمام المحكمة الدولية" .

    وعلى هامش هذه الدعوى قال رئيس جمهورية جنوب إفريقيا بكل فخر واعتزاز :" بينما كان محامونا يدافعون عن قضيتنا في لاهاي، لم أشعر بالفخر الذي أشعر به اليوم. الخطوة التي اتخذناها محفوفة بالمخاطر . فنحن بلد صغير ولدينا اقتصاد صغير وقد يهاجموننا . لكننا سنظل متمسكين بمبادئنا ولن نكون أحرارا ما لم يتحرر الشعب الفلسطيني الحر أيضا".

   وعبر في نفس الوقت حفيد نيلسون مانديلا في تصريحات للصحافة في جنوب إفريقيا أن بلاده "فخورة بالوقوف إلى جانب الحق لأنها عانت لعقود من سياسة القتل والتمييز العنصري في سياسة الأبارتهايْد في جنوب إفريقيا، وكانت إسرائيل هي الحليف غير الأخلاقي لنظام العنصريين الذي يشبه النظام العنصري في إسرائيل الآن ."

   وقد وقفت جميع دول العالم على ما تحلت به دولة جنوب إفريقيا من شجاعة وتعلق بالقيم الإنسانية وبقيم الحق والعدل. وهي تعرف جيدا أوضاع الميز العنصري وكانت قاست ويلات التحالف الاستراتيجي الذي كان قائما منذ ستينات القرن الماضي بين جمهورية جنوب إفريقيا العنصرية في بريتوريا ونظام الميز العنصري الإسرائيلي في فلسطين المحتلة . وكانت إسرائيل طوال عقود هي الحليف الوحيد الذي بقي يساند بريتوريا رغم الحصار الدولي والأممي عليها حتى قبول استقلال جنوب إفريقيا وإطلاق سراح زعيمها نليسون مانديلا الذي كان دائما يصرح بان "تحرير جنوب إفريقيا لن يكتمل إلا بتحرير فلسطين وتمكين الشعب الفلسطيني من حقوقه المشروعة على غرار البلدان التي كانت خاضعة للاستعمار وتحصلت على استقلالها في ستينات وسبعينات القرن الماضي ومنها جنوب إفريقيا.

التضليل الإعلامي مرة أخرى

كانت هذه المحاكمة الرمزية في محكمة لاهاي فرصة أخرى للوقوف على مدى تجذر تقاليد التضليل الإعلامي في الإعلام الغربي الأورو أمريكي . فقد كانت وسائل الإعلام المكتوبة والسمعية البصرية والالكترونية الغربية ، بوقا يردد مقولات الغرب الاستعماري وسردية الأحداث من وجهة النظر الإسرائيلية التي يتم تقديمها علي سردية فريق جنوب إفريقيا اعتمادا على تقنية الهرم المقلوب ضد الحق ومع الباطل، أي إبراز ما يسمى " حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها وهي المحاصرة وتعرضت الي هجوم إرهابي من حماس التي تشبه حركات الإرهاب مثل داعش والقاعدة لاسامة بن لادن"، حسب تعبير السردية الباهتة التي ترددها وسائل الإعلام في فرنسا وبريطانيا بكل ببغائية ، كما يعلم في فنيات التجويق الإعلامي وتكرار الكذب من طرف جوقة منظمة حتى يصبح حقيقة في ذهن المتلقين للرسالة الإعلامية بغثها وسمينها.

   وقد تبين أن كثيرا من وسائل الأعلام المحترمة مثل مجلة "كورييه أنترناسيونال" الفرنسية التي تدعي الموضوعية والتحليل المعمق، تناولت محاكمة إسرائيل في لاهاي بسطحية وسردية اسرائلية فجة مقللة من حجم حجج فريق جنوب إفريقيا، مع ذكر مستفيض لتصريحات رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين ناتنياهو الذي وصفته الصحيفة بانه " زعيم إسرائيل التي يدافع عنها ضد الإرهاب" (عدد 11 جانفي 2024). وأوردت تصريحاته التي قال فيها إن "العالم المنافق يسير عكس التاريخ حيث أن إسرائيل التي تقاوم الإبادة متهمة بالإبادة"، حسب زعمه، في حين قال نائبه في الحكومة ان هذه المحاكمة المنافقة تشبه قضية درايفوس الضابط اليهودي في الجمهورية الثالثة عام 1890 في فرنسا"، كما أوردت الصحيفة، التي اعتبرت في مقال آخر بتاريخ 4 جانفي 2024 ان "هجوم حماس الدموي فجر السابع من اكتوبر كان شبيها بالهولوكوست" .

   إنه سقوط مدوّ أخر لعناوين الصحافة الفرنسية في مجال احترام أخلاقيات المهنة الصحفية النبيلة . وهو سقوط عوضته وسائل التواصل الاجتماعي التي فضحت المستور وأعطت أولوية لسردية المظلومين الفلسطينيين ومن يدافع عنهم من شرفاء العالم الذين اكتووا بنار الاستعمار والميز العنصري المُمَأْسَس في شكل أبارتهايد، كما كان لعقود في جنوب إفريقيا.

ونفس الموقف سجل في الصحافة الأمريكية المنحازة كليا لإسرائيل حيث لا تعطي في مقالاتها أي اهتمام لمعاناة السكان المدنيين من القصف ومنع الغذاء والكهرباء والوقود عنهم وكذلك عدد الضحايا من الصحفيين الفلسطينيين، حسبما أفاد تقرير مستقل "أنتارْسابْت" بتحليله أكثر من ألف مقال من الصحف الأمريكية الأبرز وهي "نيويورك تايمز" و"واشنطن بوست" و"لوس أنجلوس تايمز" التي لها أكبر تأثير على الرأي العام الأمريكي منذ عقود.