تونس-الصباح
تنظر بداية الاسبوع القادم الدائرة القضائية المختصة بالنظر في قضايا العدالة الانتقالية في ملف اغتيال الزعيم صالح بن يوسف رميا بالرصاص منذ ما يزيد عن 62 عاما.
مفيدة القيزاني
وتعود أطوار قضية اغتيال صالح بن يوسف إلى يوم 12 أوت 1961، حيث يذكر أن بورقيبة أرسل فريقًا تمكّن من استدراج صالح بن يوسف إلى نزل رويال الكائن وسط مدينة فرنكفورت بألمانيا.
وقام فريق الاغتيال في إطار التحضير للتصفية بالتنقل عدة مرات عام 1961 بين سويسرا وألمانيا لرصد ومتابعة تحركات بن يوسف الذي كانت تصفه الصحف الوطنية زمن الاستعمار بـ"الزعيم الأكبر".
وفي الصباح الباكر من يوم 12 أوت 1961، غادر حميدة بنتربوت فندق "فالدورف" مع المنفذين الإثنين، عبد الله بن مبروك ومحمد بن خليفة محرز، واقتنوا تذاكر ذهابا وإيابا من مطار زيورخ إلى فرانكفورت فيما ظلّ زرق العيون في المدينة السويسرية.
في فرانكفورت، حجز بنتربوت غرفة في فندق "رويال" الواقع قبالة محطة قطارات المدينة، باسم المنفذين الإثنين، وعلى الساعة الرابعة بعد الزوال من نفس اليوم، هاتف بنتربوت بن يوسف وطلب منه القدوم من مدينة "فيزبادن" أين يقيم إلى فرانكفورت وذلك لمقابلة الضابطين المزعومين في النزل.
امتنع بن يوسف في البداية لأنه كان يستعد مساء ذلك اليوم للسفر إلى غينيا بدعوة من رئيسها سيكو توري لحضور قمة دول عدم الانحياز، ولكنه استجاب بالنهاية على اعتبار ثقته في بنتربوت وحكم القرابة العائلية وفي مساء ذلك اليوم، وصل بن يوسف للنزل مع زوجته صوفية واستقبله كل من مبروك ومحرز وطلبا منه الصعود إلى غرفة بالطابق العلوي وهو ما استجاب إليه بن يوسف الذي طلب من زوجته انتظاره في مقهى النزل.
ما بين الساعة الرابعة ونصف والخامسة تحديدًا، وبينما كان بن يوسف جالسًا على أريكة الغرفة، أطلق المنفذان النار من مسافة قصيرة باستعمال مسدس من عيار 7.65 ملم على مستوى جمجمة بن يوسف ومن الخلف أيضًا ليُردى قتيلًا.
غادر المنفذان الغرفة تاركين مفتاحها بالباب من الخارج وأعلما عون الاستقبال أنهما سيعودان بعد وقت قريب لأنهما ينتظران مكالمة هاتفية، ولكنهما لم يعودا.
خلال الساعتين اللاحقتين لمغادرة منفذي الاغتيال، تلقى موظف الاستقبال بالنزل 3 مكالمات هاتفية لم يحوّلها للغرفة مشيرًا على المخاطب بأن نزلاء الغرفة لم يعودا بعد، وطلب المخاطب في المكالمة الأخيرة إعلامهما عند حضورهما بضرورة التحول إلى مكان حدده لعون الاستقبال.
في الأثناء ومع الساعة السابعة إلا ربع، استرابت صوفية بن صالح من عدم رجوع زوجها خاصة مع اقتراب موعد سفرهما إلى غينيا، فصعدت للغرفة لتجد زوجها ملقى على الأريكة وهو يلهث وتصدر منه حشرجة والدماء تنزف من مؤخرة رأسه ويداه مفتوحتان ومفكرته ممزقة وملقاة على الأرض مع القلم، فصاحت بأعلى صوت طالبة النجدة.
نقلت سيارة إسعاف بن يوسف مضجرًا بالدماء إلى مستشفى فرانكفورت أين جرت محاولة إنقاذه وأجريت له عملية جراحية لكنه توفي تحديدًا على الساعة الحادية عشر إلا ربع من ذلك اليوم.
في تلك الليلة الفاصلة عن يوم الأحد، شوهد فريق الاغتيال بزعامة زرق العيون في فندق "روايال" في زيورخ ليغادروا جميعًا صبيحة اليوم الموالي إلى تونس.
شهادة نجله
وللإشارة فإن نجل صالح بن يوسف لطفي بن يوسف كان متواجدا بقاعة الجلسة طلب سماعه كشاهد في قضية مقتل علي بوعين فقررت المحكمة سماعه على سبيل الاسترشاد.
وبالتحرير عليه لاحظ أنه زمن اغتيال علي بوعين كان عمره 4 سنوات ولا يتذكر الحادثة ولا يستحضر ملامح علي بوعين الحارس الشخصي والسائق الشخصي لوالده وحسب ما بلغه فإنه على إثر الخلاف بين الديوان السياسي بزعامة البورقيبيين والأمانة العامة بزعامة صالح بن يوسف وأمام احتدام الصراع بين الشقين البورقيبي واليوسفي في علاقة بمعاهدة الاستقلال قرر الديوان السياسي الشق البورقيبي تمكين والده من حارس شخصي وسائق ووكلت الديوان السياسي المرحوم علي اسماعيل بوعين بتلك المسؤولية وذلك قصد استقاء أخبار والده وتيسير عملية اغتياله عند الضرورة وذلك على إثر رجوعه من الخارج يوم 13 سبتمبر 1955 وأمام رفض علي بوعين المهمة القذرة تم تصفية الأخير يوم 1 ديسمبر 1955 وكانت بداية سلسلة الاغتيالات السياسية بعد قتل الصحبي بن عمار وبعدها مهاجمة "دار الصباح" واغتيال مختار عطية يوم 3 ديسمبر 1955 وتوالت تصفية بقية المناضلين ضد الاستعمار لكل من يشتم عنه رائحة اليوسفيين.
ملاحظا في الأخير أن علي بوعين أصبح واحدا من العائلة ويشرف على قضاء شؤونها ورفض رفضا قطعيا تسهيل عملية اغتيال بن يوسف نظرا لتوطد علاقته بالعائلة.
وأوضح الأستاذ عفيف بن يوسف محامي عائلة صالح بن يوسف أنه وفي إطار شهادة المناضل محمد الصالح بن الهادي غرس في ملف اغتيال المناضل صالح بن يوسف أتت شهادته على عملية اغتيال علي بوعين وطلب من المحكمة العودة لها.
شهادة حمادي غرس
كانت شهادة حمادي غرس الشهادة الأخيرة في الجلسة العلنية الثانية لهيئة الحقيقة والكرامة وهو أحد ضحايا الصراع اليوسفي-البورقيبي حمادي غرس من مواليد 1932.
وقال غرس إن قدومه للإدلاء بشهادته أمام هيئة الحقيقة والكرامة كان في اطار قيامه بمهمة لها صبغة قومية وطنية وعدلية وأخلاقية للكشف عن حقيقة "نضال الربع ساعة الأخير" الذي قال إنه أنقذ تونس وأرغم فرنسا على الاعتراف للشعب التونسي بحقه في الحرية والسيادة والكرامة.
وأضاف غرس بأن المهم أنه من أجل فتح ملف شهداء المعارضة اليوسفية وإعادة النظر في هذا الملف وكشف الحقائق، وكذلك لـ"إدانة كل من هو حي أو ميت، أمر أو وافق أو غض الطرف على الممارسات الإجرامية التي تعرض لها التونسيون من طرف لجان دستورية تحت غطاء حكومة الطاهر بن عمار الثانية بداية من سبتمبر 1955 الى أفريل 1956 ومن أجل إنصاف ذاكرتنا القومية وإزالة الغش على تاريخنا المعاصر وإنارة الرأي العام وخاصة للاجيال الحديثة"، على حسب تعبيره.
وسرد حمادي غرس الأحداث والمواقف التي تسببت في الخلاف اليوسفي-البورقيبي والذي انتهى بـ"جريمة دولة" على حسب تعبيره.
وقال غرس إن هذه الأحداث حصلت منذ شهر جويلية 1955 بعد قرابة العامين والنصف من حدوث الثورة التونسية المسلحة في 18 جانفي 1952، حيث أشار أن هناك مجموعة من الحوادث الدموية حدثت في تونس والتي وصفها بالحوادث "شبه الأمنية" والتي حصلت نتيجة اعتداءات الأمن والسلطة الاستعمارية على المناضلين والمقاومين.
وأقر غرس أنه بدأ نشاطه في الحزب الحر الدستوري منذ سنة 1948 وأنه قد شارك في الثورة التونسية المسلحة بداية من 18 جانفي 1952، وأنه تم القبض عليه وحوكم في ماي 1953 من طرف السلط الفرنسية بالسجن في سجن "زنزانة باردو"، مضيفا أنه نجح صحبة مجموعة من المقاومين في الهروب من السجن بعد أن حفروا نفقا داخل الزنزانة وفروا فيما بعد في اتجاه ليبيا.
وأكد غرس أنه أمام عجز السلطة الاستعمارية في القضاء على المقاومة الوطنية تدخل رئيس فرنسا "مونداس فرانس" واتصل ببورقيبة الذي كان يقيم بالمنفى.
رفع الإقامة الجبرية
كما أكد غرس أن فرانس قرر رفع الإقامة الجبرية على بورقيبة وقام باستدعائه الى باريس، وعقد معه لقاءات سرية وافق في آخرها بورقيبة على مشروع للحكم الذاتي بتونس.
وأشار غرس أن بورقيبة أعلم القيادي في الحزب الحر الدستوري صالح بن يوسف في القاهرة عن أهم المعطيات المتعلقة بهذا المشروع فقبل بن يوسف مبدأ الدخول في التفاوض، ولكنه رفض بعد ذلك فكرة الحكم الذاتي لأنه اعتبر أنه لا يضع حدا لنظام الحماية على تونس.
معركة برقو
كما سرد غرس ما حصل في مدينة تازركة من ولاية نابل، حيث أخرج الجنود الفرنسيون الرجال من المنازل وقاموا باغتصاب النساء وقتل الرضع.
واطوار معركة برقو وما تسببت فيه من خسائر للفرنسيين، فكانت حجة انذر المستعمر من خلالها بورقيبة بضرورة تسليم المقاومين التونسيين السلاح وإلا فإنهم سينهون مفاوضات الحكم الذاتي.
وأقر غرس بأن بورقيبة استطاع اقناع بعض المقاومين بالقاء السلاح وتسليمه إلى الجيش الفرنسي، وهو ما اعتبرها "الفضيحة"، مشيرا أن بعض المقاومين رفضوا ذلك على غرار المقاوم الطاهر لسود.
وأشار غرس ان يوم الإعلان عن الاستقلال كان الجميع ينتظر مصالحة وطنية شاملة ولكن بورقيبة طلب من المقاومين والمعارضين لنهجه تسليم أنفسهم إلى السلطة الفرنسية، مضيفا أن القوات الفرنسية قامت بتعذيب مجموعات من المعارضين لبورقيبة وقتلتهم.
وأشار قائلا "التونسيون في تلك الفترة كانوا يعتقدون أن الفرنسيين سيرحلون وكانوا ينتظرون مصالحة وطنية ولكنهم وجدوا أن المسألة لم تتغير".
وأضاف أن هذا التصرف لم يكن له أي تفسير سوى أن بورقيبة كان مشغولا بإحداث المجلس التأسيسي أكثر من انشغاله بتوطيد الاستقلال، مشيرا أن بورقيبة كان يسعى لأن يكون المجلس التأسيسي متكونا من مسانديه وذلك ما سيمكنه عبره إعلان الجمهورية التي سيكون رئيسا لها.
وأردف غرس أنه في تلك الفترة فإن الجيش الفرنسي بقي بتونس وقام بقتل مئات الشبان الذين كانوا يتحصنون بالجبال.
شكوك
وأقر أن لديه شكوكا في أن هناك جثثا لأولئك الشبان لم تدفن وبقيت في العراء ببعض الأودية والجبال.
واشار حمادي غرس أنه كان من أنصار صالح بن يوسف وأنه تم إيقافه يوم 22 ماي 1956 عندما تمت محاصرته صحبة مجموعة من المقاومين بجبل سيدي ثابت من طرف قوات الأمن التابعة للنظام البورقيبي وأنه تم الحكم عليه أمام محكمة القضاء العليا بتهمة تكوين عصابة مفسدين والنيل من أمن الدولة وحمل السلاح، وهو ما اعتبره حكما ظالما ومفاجئا خاصة وأنه كان يعتبر كلا الفريقين من يوسفيين وبورقيبيين مناضلين ضد الاستعمار.
وأشار أنه قد تم اصدار الحكم في حقه بتاريخ 24 جانفي 1957 بالسجن مدة 10 أعوام قضى منها 5 أعوام فيما أخضع الى المراقبة الإدارية لمدة 10 أعوام.
قضى حمادي غرس مدة محكوميته في عدة سجون على غرار سجن 9 أفريل و"زنزانة باردو" وغار الملح و"بورتوفارينا".
وصدرت أحكام أخرى ضد البعض من المقاومين اليوسفيين تراوحت بين 10و20 سنة والإعدام.
شهادة صالح بن خليفة بن عامر
وبسماع صالح بن خليفة بن عامر أحد المتضررين أفاد أنه حضر لدى هيئة الحقيقة والكرامة، وكان شارك في مقاومة المستعمر وجاب العديد من المناطق وهو قائد الكتيبة 13 صحبة مجموعة من المقاومين وأنه إزاء الانشقاق بين بورقيبة وبن يوسف انضم إلى شق بن يوسف الذي كان رافضا للاستقلال الجزئي والذي تمسك بالمقاومة وعدم تسليم السلاح حفاظا على الدماء التي سالت من أجل حرية الوطن، ولذلك رابط صحبة رفاقه من المقاومين بالجبال إلى أن تم إلقاء القبض عليه بجبل سمامة من قبل قوات المستعمر صحبة رجال شرطة تونسية الذين تصدوا لقوات المستعمر المرافقة لهم من تعذيب ولم يتم إهانته وقد تم خفره إلى سجن القصرين ومنها إلى باردو (الزندالة) حيث تمت محاكمته بعد ثلاثة أشهر من الإيقاف بتهمة النيل من أمن الدولة برئاسة قاضي تونسي بخمس سنوات أشغال شاقة أي من أجل الاصطفاف مع صالح بن يوسف ثم إلى سجن غار الملح ببنزرت قضى منها 3 سنوات وتم نفيه على إثرها إلى توزر تحت المراقبة الإدارية لمدة 10 سنوات ملاحظا أن المعاملة بالسجن لم تكن سيئة ولم يتعرض للتعذيب ولا إلى الإهانة غير أنه لم تتم زيارته من قبل عائلته وزوجته بسبب المنع من الزيارة.
غير أنه أثناء النفي تمكنت عائلته من زيارته بعد الحصول على ترخيص في الغرض وكان بحلوله بتوزر تم تسليمه إلى الأمن الذي نبه عليه بعدم مغادرة توزر حتى لا يقضي بقية العقوبة بالسجن وكان يتردد على الأمن كل يوم أحد للإمضاء واشتغل بالحضائر وتمكن من محل للسكنى على وجه الفضل وعند انتهاء مدة النفي 10 سنوات رجع إلى مقر سكناه الأصلي بقبلي.