يبقى الدكتور المنصف الوهايبي من ابرز الشعراء في تونس والوطن العربي... هو مدرسة شعرية التفرد وبتجلياتها في نحت القصيد الذي يغوص في الأعماق باحثا عن الدهشة واثارة الأسئلة و التساؤلات برؤية فنية وابداعية فيها بحث وتطوير وتجديد
المنصف الوهايبي مبدع شعري استثنائي من خلال تجوله بين مختلف المشارب والاتجاهات والمدارس الشعرية هو شاعر حداثي بامتياز على اعتبار ان الحداثة عنده هي في عدم التقيد بتوجه او انتصار لمدرسة شعرية على أخرى
الدكتور المنصف الوهايبي الحائز منذ أيام على الجائزة الدولية للنقد في الشعر بامارة الشارقة توقف في هذا اللقاء مع " الصباح " عند البعض من توجهاته في الشعر والشعراء علاقته بالشعر والشعراء... لا يهدأ على حال وهو الذي يعيش أروع لحظات التجلي عند الانصهار الكلي في عمل ابداعي جديد صياغة او قراءة او نقدا
**حصلت اعمالك على العديد من التتويجات العربية ذات الصيت الكبير ..اي تأثير لذلك في اثراءتجربة الشاعر وحضوره في المشهد الادبي العربي بدرجة اولى؟
-حصلت شخصيّا على أكثر من جائزة تونسيّة وعربيّة(جائزة الشابي والكومار الذهبي وعكاظ والبابطين وجائزة الشيخ زايد للكتاب، وكنت أولّ شاعر يفوز بها؛ إذ هي أسندت ولاتزال للرواية.. وجائزة نيكوس غاتسوس "لجنة التحكيم" في باريس عن كتابي الشعري الصادر عن دار برونو دوساي.. وجائزة نقد الشعر) والحقّ هي جوائز ذات بعد رمزي لا أظنّه يخفى إلاّ عن الذين يترشّحون لهذه الجوائز، حتى إذا لم يحالفهم الحظّ؛ انقلبوا يشتمون اللجان، ويشكّكون في مصداقيّة الجائزة. عيار أيّة جائزة هو بعدها الرمزي، وما ينطوي عليه من اعتراف بالعمل الأدبي، ومن ثمّة التشجيع على قراءته ونشره. وأمّا القيمة الماليّة فهي تساعد لاشكّ المبدعين على التحرّر من كثير من ضغوط الحياة الماديّة، وتتيح لهم أن يتفرّغوا للإبداع والكتابة وإغناء الحياة الثقافيّة.
**ان يتم تخصيص مسابقة دولية للنقد ...هل يعني اننا نعيش ازمة في نقد الإبداعات التي تظهر سنويا وطنيا وعربيا؟
-هذا هو السؤال الذي ما ننفكّ نطرحه، فقد غاب النقد أو يكاد، وحلّ محلّه البحث الجامعي الأكاديمي. وشتّان بينهما، فالنقد عمل فرديّ ورؤية واختيار، وخبرة وتمرّس أو مراس؛ وهو من ثمّة سلطة، وأمّا البحث فعمل يشارك فيه الطالب الباحث والأستاذ المشرف؛ وهو يعدّ للجنة علميّة، وليس للجمهور أو للقرّاء عامّة. وبإمكان أيّ طالب ان يكون باحثا، لكن ليس بميسوره أن يكون ناقدا؛ بالمعنى الذي ذكرته. ومشكلة الشعر العربي اليوم، أنّ الذين "يُعنون"به هم من الباحثين الذين تتفاوت بحوثهم من حيث القيمة والإضافة، وليسوا من النقّاد. وعليه فإنّ تخصيص جائزة للنقد في إمارة الشارقة، إنّما مردّه إلى هذا "الغياب" الذي نقرّ به جميعا، وهو يرجع في جانب كبير منه إلى "تردّي" الذائقة، وعدم التمييز بين النصّ "القويّ" والنصّ "الضعيف" أو"المتهافت". والذائقة ليست مجرّد انطباعات أو ارتسامات، وإنّما هي محصّلة خبرة ومراس.
**هل نحتاج اليوم للشعر في ظل الوضع الانساني الراهن؟
ـــ لأفرّع الجواب إلى مهمّتين، أولاهما مهمّة الشعر، والثانية مهمّة الشاعر. والشعر ليس مجرّد حديقة خفيّة مسوّرة، أو منتزها “على الطراز الفرنسي” مصمّما من أجل متعنا وسعادتنا الخاصة، أو هو سحر خبيء؛ أو حديقة أعشاب بريّة يسرح فيه الخيال، أو قاعة مزجّجة. إنّما الشعر كما أحاوله، وأفهمه وأقرؤه في تجارب كبار شعرائنا من غابر الجاهليّة إلى اليوم، وعند شعوب أخرى غيرنا، ممارسة اجتماعيّة أساسها المشاركة والتبادل. إنه وهو الفنّ الكوني الذي تضع فيه كلّ ثقافة لبنَتها “روح الشعب” والتعبير عن “الاستعداد للعيش” معا، بما يجعلنا نتجاوز الاختلافات في المعتقدات والمراجع والأذواق؛ وإن كان يُفترض في هذه أن تخصب الثقافة، وتذكي حيويّتها؛ وتضفي عليها معناها. والثقافة إرث وتراث ومشروع في الآن نفسه، لكلّ الناس أو لغالبيّتهم.
أمّا إذا علّقنا المهمّة بالشعر، فلنتذكّر أنّ العالم اليوم "قرية كونيّة". على أنّها ليست بالقرية "الفاضلة” ولا هي بالجنّة "الموعودة"، فما تزال كثير من أمورها إلى فوضى واضطراب كبيرين أو غير يسيرين. قرية كونيّة يزعم الزاعمون أنّ لبنتها الأولى وضعت منذ قرون مع الديانات والحضارات الكبرى، وليس في القرن العشرين الذي خفي عنّا؛ وقد ودّعناه منذ عقدين، ومضى مثل كلّ صباحات العالم التي لن تعود أبدا. قرية كونيّة يعتقد كثير أو قليل أنّها ما تزال على تغيّر العلاقات والتحالفات بين شمال وجنوب، بالصورة ذاتها التي رسمت العالم إلى يومنا هذا؛ أعني صورة الشمال "القويّ" المستغِلّ والجنوب "الضعيف" المستغَلّ. ولكنّها صورة تحتاج اليوم إلى قدر كبير من التنسيب.
ما يعنيني في السياق الذي أنا به هذه العولمة التي تتحدّر إلينا من كلّ حدب وصوب؛ وهي تجرفنا نحن الذين لم نتهيّأ لها؛ في من تجرف من شعوب العالم، بما تنزّله علينا من سوط عذاب أو من منّ وسلوى. ومن حقّ الشاعر أن يعالج هذا في شعره، حيث الخوف يشير في الواقع إلى العديد من المشاعر والعواطف الإنسانيّة. لكن يظلّ بالإمكان التمييز بين الخوف من شرّ حاضر يبلغ حدّ الرعب والفزع، أو من نُذر المستقبل. وفي أيّ حال، نحن خائفون ممّا هو محتمل أو وارد أو متوقّع أو مجهول؛ في عالم يكاد يكون فيه المستقبل جزءا من حاضرنا القلق..
**كيف تقرا ظاهرة توجه العديد من الشعراء الى الرواية وانت واحد منهم *
ــ نشرت ثلاث محاولات روائيّة هي "عشيقة آدم" وقد فازت بالكومار الذهبي 2012، وأصدرها أستاذنا الراحل توفيق بكّار، في سلسلة "عيون المعاصرة". وقد كتبتها بين 2009 و2010، ووظّفت فيها التقنيات الفيسبوكيّة. والثانية هي "هل كان بورقيبة يخشى حقّا معيوفة بنت الضاوي"، وقد حاولت فيها أن أرسم صورة الزعيم الحبيب بورقيبة باني دولة الاستقلال، في المخيال الشعبي، وليس من منظور تاريخي أو سياسي. والثالثة هي "ليلة الإفك" وهي تعالج ما حدث في تونس من عام 2010 إلى 2014، وجلّ شخصيّاتها بأسمائهم الحقيقيّة. ولديّ محاولة رابعة بعنوان "جمهوريّة جربة" الجزيرة التونسيّة الشهيرة، وتخيّلتها وقد انفصلت عن تونس؛ وساحت في البحر؛ وأخذت تقترب من مالطة. وعسى أن أنهيها هذا العام.
الحقّ أنا لست روائيّا، ولا أدّعي ذلك. إنّما أنا قارئ للرواية؛ ويكاد لا يفوتني منها شيء عربيّا وعالميّا. لأقل إنّي قارئ يكتب الرواية، أو ما يفيض عن الشعر. ولكن بلغة الرواية. فأنا على ما أظنّ أعرف بحكم قراءتي للروائيّين العالميّين الكبار، وعلى رأسهم جيمس جويس، كيف أكفّ عن كوني شاعرا؛ ما أن أشرع في هذا النوع من السرد الروائي.
وأدرك كيف ينهض القول السردي برواية قصّة أو مغامرة تنتظمها حبكة، يقوم بها شخوص يتحرّكون في فضاء وزمان مخصوصيْن. وهم يؤدّون القصّة في ضوء الممكنات السرديّة وما يتعلّق منها بالتغييرات الزمنيّة وإدارة فن الدخول إلى العالم المحكيّ، سواء أقيّدته وجهة نظر داخليّة أم لم تقيّده.وهذا لا يتسنّى في النصّ الشعري، إلاّ نادرا؛ بالرغم من انّ لي قصائد مركّبة ذات منحى سردي؛ ولكن شتّان بين السرد الشعري المكثّف والسرد الروائي المفصّل.
لست روائيّا ولا أدّعي ذلك، وإنّما جرّبت الرواية في ثلاث محاولات، فازت إحداها وهي "عشيقة آدم" ب"الكومار الذهبي"، وكان أستاذنا الراحل توفيق بكّار هو الذي اقترح نشرها في سلسلة "عيون المعاصرة" دار الجنوب فالمحاولة الثانية "هل كان بورقيبة يخشى حقّا معيوفة بنت الضاوي" ، فالثالثة "ليلة الإفك". ولديّ محاولة رابعة لا تزال قيد الكتابة وهي "جمهوريّة جربة" حيث "أتصوّر" هذه الجزيرة وقد انساحت في البحر، وأخذت تقترب من مالطة. ومع ذلك فأنالا أجاذب الروائيّين الكبار مكانتهم؛ وإنّما أكتب ما يفيض عن الشعر، أو ما لا أستطيع قوله شعرا من تفاصيل الحياة.
**تتميز الكتابة الشعرية عند الدكتور المنصف الوهايبي بالحضور اللافت للمكان ماذا فعل المكان القيرواني بقصيدتك؟
-أحاول في جلّ ما أكتبه بما في ذلك كتابي الشعري الأخير "بورتريهات منصف الوهايبي" ,هو يضمّ قصائد في زوجتيلا الراحلة، أن أستنطق بأدوات الشعر والسرد معا المكان القيرواني والتونسيوالعربي في الجزيرة العربيّة واليمن، وعالم الفينيقيّين والكنعانيّين من خلال استحضار صورة فلسطين، والمحنة السوريّة، والشمال الافريقي والغربي(شبه الجزيرة الايبيريّة وعالم الأندلس والموريسكيّين وجنوب البرتغال ولمبدوزا وجنوة في إيطاليا وسيت في فرنسا وباريس...) والمكان هنا إنّما يحضر في علاقته الملتبسة بالماضي والحاضر معا أي "الحال" كما كان يسمّيه نحاة العرب، وليس في سياق الزمنيّة الخطيّة التي لا تناسب الزمنيّة الشعريّة؛ وهي في كلّ كتاب لي حاضر أبديّ، لا يحتاج الشاعر بموجبها إلى أن يعيد إحياء "الموتى" فهم حاضرون في قصائده ،وهو يحاوروهم باستمرار قدماء ومعاصرين(امرؤ القيس وطرفة والشنفرى وعنترة وعمرو بن كلثوم والمعرّي والسيّاب ومحمود درويش وأدونيس وسركون بولص ونزيه ابو عفش والماغوط وممدوح عدوان وبول فاليري والشاعر التونسي الراحل عمّار منصور...) والمسوّغ لذلك الوعي بأنّ الشعريّ قائم على التداخل، وهو منشدّ إلى نفسه مثلما هو منشدّ إلى سابقه بل إلى لاحقه؛ إذ هو ينشأ "قرائيّا أي وهو يَقْرأ موادّه وخاماتِه وكلّ ما يدور في فضائه، بحسب ما تمليه عليه طبيعة جنسه، وبحسب ما يستعيره من عناصر من الأجناس الأخرى مثل الملحمة والدراما خاصّة. ومادام الشعر يتّسع لهذه الظواهر أو الأجناس سواء تعلّقت بشعريّة الدال أو بشعريّة المدلول، فلا ضير أن يصل الشاعر بعضها ببعض ما دام منبتها الأصلي هو الشعر نفسه. هذا الديوان هو ديوان الرحلة والأمكنة التي عرفها الشاعر، وهو يحاول أن يتمثّلها في علاقتها بالتاريخ والحاضر وباليوميّ والمعيش، وأن يستنطقها بأدوات القصيدة العربيّة حيث الإيقاع الزماني المسموع(الوزن/ التفعيلة) في علاقة حميمة بالإيقاع المكاني المرئي.
**بعد هذه المسيرة الثرية شعرا ورواية ودراسات ونقدا ...هل مازالت القصيدة متوهجة في ذاتك ؟
-أنا أحاول أن أعيش الشعر على قدر ما أكتبه. ذلك أنّي منذ كتابي "من البحر تأتي الجبال" المنشور في فواتح التسعينات منصرف إلى المكانوتفاصيل اليومي، أكتبها وأقولهامثلما يقولها الرّسم ويقولها السرد. ولا أحبّ بهذا أن أقول إنّ القصيدة عندي لوحة تشكيليّة؛ وإنّما فيها من مقتضيات التّشكيل البصريّ ما فيها، وإن بتمثّل لغويّ. واللّوحة هي أيضا تكثيف، بل لعلّها أكثر تكثيفا من القصيدة؛ إذ مهما تتّسعْ مساحة القماشة فإنّها محدودة لا تفلت من الحقل البصريّ؛ وهي التي تفتح للبصيرة أو الفطنة ما تفتح من ظاهر الأشياء وخافيها، بغير جارحة. وهي عندي جزئيات وتفاصيل، بل أشياء "مبتذلة" أو هي "مطروحة" في الطريق؛ قد لا ننتبه إليها في معهود سلوكنا اليوميّ.
**قال الشاعر المصري الراحل فاروق شوشة "ان شعراء تونس تجاوزوا الشابي". كيف تقرأ هذا الرأي؟
-فعلا صدر هذا الرأي عن الشاعر المصري الراحل فاروق شوشة صاحب البرنامج الشهير "لغتنا الجميلة"، في مقال له ب"الأهرام" وسمه ب" الوهايبي وشاعريّة ما بعد الشابي"وهذا بعض ما قاله: "في القاهرة استمعت لأول مرة إلي صوت منصف الوهايبي ممثلا للشاعرية التونسية في مهرجان الشعر العربي, وفي جلسته الافتتاحية التي كان واضحا أنها تقدم للجماهير المحتشدة- في المسرح الصغير بدار الأوبرا- الأصوات الشعرية الكبري المشاركة في المهرجان, لم يكن الوهايبي أكثرهم شهرة أو بريقا, ولم يكن اسمه مرتبطا بقضية سياسية أو قومية, ولم يكن مطاردا يبحث عن وطن أو هوية لكنه كان كبيرا باقتداره الشعري, ونفسه الممتد, ولغته الطازجة المدهشة, وعالمه المتعدد المستويات والدلالات والاحالات والرموز المتنقل- في يسر وحنكة- من مقام إلي مقام, والمازج بين عناصر الواقع والاسطورة وكأنه يمسك بين يديه بمفاتيح العالم الشعري ويأخذنا في رفق وهوادة إلي أبهائه ومنعطفاته ومكنون أسراره.
ليلتها ولد في وجدان الجمهور القاهري والعربي المشارك في المهرجان شاعر تونسي كبير القامة وعندما هدأ صخب الحفل وجلجلة الشعر الزاعق وبدأ سكون البحيرة كان واضحا أن شعر الوهايبي التونسي وسعدي يوسف العراقي هو الأبقي والأكثر رسوخا واستقرار وقدرة علي خطاب المستقبل."
**هل انتهى عصر القصيدة العمودية في الشعر العربي المعاصر؟
-كتبت مثل غيري "قصيدة البيت" ولا أقول القصيدة العموديّة لأنّها تسمية غير دقيقة؛ فعمود الشعر هو نظريّة الشعر عند العرب ومدارها على الإصابة في الوصف والمقاربة في التشبيه وندرة البديع...)، وليس شكل القصيدة. ولكنّي أحبّ أن أكتب داخل شعريّة الوزن "التفعيلة" لأنّ الوزن ليس حلية خارجيّة كما يتوهّم البعض من شعراء "قصيدة النثر"، وإنّما هو من كنه بنية العربيّة ونظامها الصرفي. والعربيّة لغة رياضيّة تكاد كلّ أوزانها ترجع إلى "الجذر التربيعي"، بما في ذلك الأسماء الجامدة التي أدار عليها شعراء الجاهليّة الأفذاذ قصائدهم، أو الأسماء المشتقّة أو "السائلة". وهذا الوزن مشرع على كلّ إمكانات الشعر، إذا كان الشاعر متمرّسا به وبلطائفه. أمّا "قصيدة البيت" اليوم لا القديمة، فهي في جلّها "تلاعب" استعاري؛ أو هي قصيدة "باب بدفّتين" كما قال لي محمود درويش مازحا في القاهرة قبيل رحيله بأشهر قليلة، إذ اللغة فيها تخبر عن نفسها، بذات القدر الذي تخبر به عن تمثّل لحقيقة موجودة سلفا أو لمعنى قائم في العالم، وشهادة لنظام ما للكون، مرتّب ملموس. والإقرار بهذا لا يعدو رؤية مثاليّة تتصوّر الانسان موجودا في نظام خارج نطاق سيطرته، وإن لم يكن خارج نطاق قدرته على تنظيمه. وقد تكون القصيدة "لعموديّة المعاصرة" صورة من هذه "الارتداد" الذي تشهده جلّ البلاد العربيّة في شتى مناحي الحياة. وقد تكونردّا على "قصيدة الباب الدوّار" كما أحبّ أن اسمّي هذا النمط من"الكتابة" السائبة المنساحة التي يرى فيها البعض إحالة وفساد معنى، أو إفراطا في استخدام اللغة واستهانة بقواعدها وأنساقها.
ولي أن أتمثّل في هذا السياق بشعراء كبار، حتى أكون صادقا مع نفسي ومع القرّاء دون تهيّب؛ فالقصائد الحماسيّة المثيرة للعواطف عند الجواهري مثلا أو نزار قبّاني(وأستثني قصائده التي نقلتنا من غرض الغزل بسننه وأعرافه، إلى موضوع الحبّ في علاقته باليومي والمعيش) أي تلك التي تسعى إلى إشراك الشعر في السجالات والمناقشات السياسيّة والاجتماعيّة؛ لا يمكن إلاّ أن تصدر عن رؤية قد تنزل بالشعر في نماذج غير قليلة سهل الأباطح. وهو ما أوقعه شاعرا جماهيريّا مثل نزار في"سقطات"، فـقصيدته الشهيرة "غرناطته» هي غرناطة "الفاتح" لا الشاعر؛ بالرغم من أنّها قصيدة "حواريّة" رسم فيها الشاعر صورة لهذه "الإسبانيّة" السمراء "العربيّة" التي هي في منزلة بين السواد والبياض، وذات شعر أسود وعينين سوداوين استبدل فيهما "الحجْر" بالمحجر؛ وهو سائغ في الشعر على نحو ما نجد عند الأخطل وغيره ممّن يشبّه المحجر بـ"سراج الموقد". بيْد أنّ "الموقف" غلب على الحوار، فكانت قفلة القصيدة غير محكمة؛ إذ كان الأنسب استئناسا بهذا البيت:
ما أغربَ التاريخَ كيف أعادني/// لحفيدة سمراءَ من أحفادي
أن تكون القفلة:
عانقتُ فيها عندما ودّعتها/// ليلى حفيدةَ طارق بن زيادِ
وليس"رجلاً يُسمّى…" على ما في "يسمّى" من حشو لا مسوّغ له سوى مضايق الوزن. وكان بإمكانه أن يقول "رجل المغازي طارق بن زياد" وهو الذي لم يرَ في هذه "الدليلة" السمراء سوى صورة "الذكر الفاتح". وما أصدق الشاعر المكسيكي "فرنسيسكو دي إيكازا" في تلك العبارة التي تطالعنا في غير مكان من المدينة: "ليس ثمّة أكثر قسوة في العالم من أن يكون المرءُ أعمى في غرناطة". وقسْ على ذلك قصيدة نزار في تونس:
يا تونس الخضراء جئتك عاشقا/// وعلى جبيني وردة وكتابُ
وقد كان أنسب له أن يكون العجز: "وبراحتِي لك وردةٌ وكتابُ" أو "بيدِي أنا لك وردة وكتاب"، إذ لا مسوّغ هنا للفظة "جبين" فهي في غير موضعها.
**من وجهة نظرك ماذا قدمت قصيدة النثر للشعر العربي ؟
-لا أدري ما إذا كان بعضنا على دراية بأنّ السجال حول"قصيدة النثر" و"الشعر المنثور" بدأ منذ أوائل القرن الماضي، أي قبل ظهور «قصيدة التفعيلة» بأكثر من ثلاثة أو أربعة عقود. كان ذلك مع أمين الريحاني عام 1905 مترسّما والت ويتمان في "أوراق العشب". وهو لا ينكر هذا التأثير، ويرى أنّ ويتمان خلّص الشعر من قيود العروض والأوزان.
وفي مجلّة «العالم الأدبي» ( أوت 1930) لزين العابدين السنوسي، يستوقفنا مقاله العلميّ الرصين،وفيه يناقش بلغة المفاهيم، المصطلح «الشعر المنثور»، ويقترح بدلا منه «النثر الشعري»؛ لأنّه في تقديره «نثر في مادّته، تستند روحه إلى الشعر»، ولكنّه يتقبّل المصطلح السائد، ويكتب: «ما حيلتي وقد سبقني بعض المشارقة إلى تسميته كذلك في لغتنا؛ فلم أرَ مندوحة من اتّباعه، وقلت لنغضّ عن المتبادر والمعاني الأصليّة لهذا التركيب، ولنقل مع من يقول: لا مشاحة في الاصطلاح.» ويتنبّه، بحكم ثقافته الفرنسيّة إلى جانب ثقافته العربيّة المتينة؛ إلى ما يعانيه المصطلح المنقول حرفيّا عن الفرنسيّة Poème en prose من قلق العبارة ومن «صدمة شديدة بين جزئي التسمية في هذا التركيب… وفي الأصل الفرنسي ما في الترجمة (العربيّة) من تنافر، واضطراب أشار إليه ناقدوهم، وأخذ حيّزه من الجدل». ثمّ يعرّف هذا النمط، فالفرنسيّون إنّما يقصدون به «ضربا من الترسّل البليغ السامي الذي يرتفع، بلفظه المختار وسبكه الأنيق؛ عن مستوى البلاغة النثريّة، ويشارك الشعر في خياله وحذلقته (التظرّف في الكلام والتكيّس) الرائعة الرقراقة؛ وإن كان لا يتقيّد بوزن، ولا يتسلسل عن نظام مخصوص».
ولا يفوت السنوسي أن يناقش بعض المشارقة الذين كانوا يمزجون مزجا غريبا بين "الشعر المنثور"، و"السجع العربي، "و"الأبيات الحرّة"، وهي كما ينبّه غير النثر الشعري «إذ أنّها تمتاز عنه بالاتزان، وإن اشترط فيها عدم التقيّد بوزن بعينه». ويتمثّل لذلك بكتاب أمين الريحاني "الريحانيّات" فقد جمع في قسم الشعر المنثور «أربعة أضرب من البلاغة: الشعر والشعر المنثور والأبيات الحرّة والسجع…»، وساق شواهد، خلص منها إلى أنّ التسمية ّشعر منثور «اصطلاح خاصّ بالريحاني؛ «يسمّي بها ما يمزجه من ضروب البلاغة بقديها وحديثها… وإن أوهمنا هو أنّ الفرنسيّين مشاركون له في ذلك؛ فوضع لنا لفظة (الفير ليبر أي الأبيات الحرّة) بحروفها اللاتينيّة، وما هذه من الأبيات الحرّة في شيء». ويختتم السنوسي مقاله بمقطع من قصيدة منثورة لمي زيادة «دمعة على الغرّيد الصامت». ويعقّب:» فهذا نثر حقّا، ولكنّه نثر شعري بروحه وأنفاسه وبتراكيبه وألفاظه. شعر من النمط الأعلى يؤيّده من جانب الله إلهام وإيحاء. فيه موسيقيّة القصائد، وإن خلا من قافية النظم، وفيه رنين الشعر؛ وإن برأ من الموازين».
أمّا الدين أغنوا قصيدة النثر التونسيّة اليوم فأبرزهم باسط بن حسن، وسائر مدوّنة عبد الفتّاح بن حمّودة، وبعض الشاعرات الاستثنائيّات مثل أمامة الزاير في قصائدها النثريّة، وسونيا الفرجاني، وأفراح الجبالي خاصّة. ناهيك عن شعراء معروفين جرّبوا الموزون والمنثور مثل آدم فتحي وفتحي النصري...
مؤطر:
المنصف الوهايبي..من يكون؟
ولد محمد المنصف الوهايبي بحاجب العيون بولاية القيروان وتحصل على شهادة الدكتورا الحلقة الثالثة (= ماجستير) عن أطروحة «الجسد المرئي والجسد المتخيل في شعر أدونيس» وعلى شهادة دكتوراه الدولة عن موضوع «صناعة الشعر عند أبي تمّام ومكوناتها: في قراءة القدامى وفي النص الشعري». وقام في 1996 بالكتابة وتأليف السيناريو للفيلم الوثائقي الخيالي «يا بلدا يشبهني» والذي يتمحور حول زيارة الرسام بول كلي إلى تونس والحمّامات والقيروان في عام 1914 وأخرجه هشام الجربي. وشارك في كتابة سيناريو فيلم «بانتظار ابن رشد» لنفس المخرج في 1998. وعمل في ترجمة الشعر إلى العربية إذ عرّب في 1984 بالاشتراك مع محمد الغزّي ديوان «تحت برج الدلو» للسويدي أوستون شوستراند عضو لجنة نوبل، وشارك مع الشاعرة البرتغالية روزا أليس برانكو في ترجمة ديوانها «ما ينقص الأخضر ليكون شجرة» في 2002 وفي إصدار «نخلة القيروان» باللغتين العربية والبرتغالية في 2003. وتُرجمت قصائد مختارة من دواوينه إلى عدة لغات هي الفرنسية والإنجليزية والألمانية الإسبانية والبرتغالية والسويدية. وله عدة مقالات في موقع الأوان ويعمل مديرا لجمعية «العتبة الثقافية» ببورتو في البرتغال.
تحصل ديوانه «ميتافيزيقا وردة الرمل» على جائزة البنك التونسي «أبوالقاسم الشابي» للشعر في 1999، وحصل أيضا على جائزة الكومار الذهبي عن رواية «عشيقة آدم» في 2012. وفاز ديوانه «ديوان الوهايبي» بجائزة أفضل ديوان عن مؤسسة جائزة عبد العزيز سعود البابطين للإبداع الشعري في 2014 والتي قيمتها عشرون ألف دولار أمريكي. وحصل في 2020 عن ديوانه «بالكأس ما قبل الأخيرة» على جائزة الشيخ زايد للآداب التي تقدمها جائزة الشيخ زايد للكتاب والتي تبلغ قيمتها مليون درهم إماراتي. وحصل بحثه «بنية الخطاب الشعري في الشعرية العربية المعاصرة بين الاستعاري والكنائي» على المركز الأول في الدورة الثالثة من جائزة الشارقة لنقد الشعر العربي في 2023.
حوار محسن بن احمد
يبقى الدكتور المنصف الوهايبي من ابرز الشعراء في تونس والوطن العربي... هو مدرسة شعرية التفرد وبتجلياتها في نحت القصيد الذي يغوص في الأعماق باحثا عن الدهشة واثارة الأسئلة و التساؤلات برؤية فنية وابداعية فيها بحث وتطوير وتجديد
المنصف الوهايبي مبدع شعري استثنائي من خلال تجوله بين مختلف المشارب والاتجاهات والمدارس الشعرية هو شاعر حداثي بامتياز على اعتبار ان الحداثة عنده هي في عدم التقيد بتوجه او انتصار لمدرسة شعرية على أخرى
الدكتور المنصف الوهايبي الحائز منذ أيام على الجائزة الدولية للنقد في الشعر بامارة الشارقة توقف في هذا اللقاء مع " الصباح " عند البعض من توجهاته في الشعر والشعراء علاقته بالشعر والشعراء... لا يهدأ على حال وهو الذي يعيش أروع لحظات التجلي عند الانصهار الكلي في عمل ابداعي جديد صياغة او قراءة او نقدا
**حصلت اعمالك على العديد من التتويجات العربية ذات الصيت الكبير ..اي تأثير لذلك في اثراءتجربة الشاعر وحضوره في المشهد الادبي العربي بدرجة اولى؟
-حصلت شخصيّا على أكثر من جائزة تونسيّة وعربيّة(جائزة الشابي والكومار الذهبي وعكاظ والبابطين وجائزة الشيخ زايد للكتاب، وكنت أولّ شاعر يفوز بها؛ إذ هي أسندت ولاتزال للرواية.. وجائزة نيكوس غاتسوس "لجنة التحكيم" في باريس عن كتابي الشعري الصادر عن دار برونو دوساي.. وجائزة نقد الشعر) والحقّ هي جوائز ذات بعد رمزي لا أظنّه يخفى إلاّ عن الذين يترشّحون لهذه الجوائز، حتى إذا لم يحالفهم الحظّ؛ انقلبوا يشتمون اللجان، ويشكّكون في مصداقيّة الجائزة. عيار أيّة جائزة هو بعدها الرمزي، وما ينطوي عليه من اعتراف بالعمل الأدبي، ومن ثمّة التشجيع على قراءته ونشره. وأمّا القيمة الماليّة فهي تساعد لاشكّ المبدعين على التحرّر من كثير من ضغوط الحياة الماديّة، وتتيح لهم أن يتفرّغوا للإبداع والكتابة وإغناء الحياة الثقافيّة.
**ان يتم تخصيص مسابقة دولية للنقد ...هل يعني اننا نعيش ازمة في نقد الإبداعات التي تظهر سنويا وطنيا وعربيا؟
-هذا هو السؤال الذي ما ننفكّ نطرحه، فقد غاب النقد أو يكاد، وحلّ محلّه البحث الجامعي الأكاديمي. وشتّان بينهما، فالنقد عمل فرديّ ورؤية واختيار، وخبرة وتمرّس أو مراس؛ وهو من ثمّة سلطة، وأمّا البحث فعمل يشارك فيه الطالب الباحث والأستاذ المشرف؛ وهو يعدّ للجنة علميّة، وليس للجمهور أو للقرّاء عامّة. وبإمكان أيّ طالب ان يكون باحثا، لكن ليس بميسوره أن يكون ناقدا؛ بالمعنى الذي ذكرته. ومشكلة الشعر العربي اليوم، أنّ الذين "يُعنون"به هم من الباحثين الذين تتفاوت بحوثهم من حيث القيمة والإضافة، وليسوا من النقّاد. وعليه فإنّ تخصيص جائزة للنقد في إمارة الشارقة، إنّما مردّه إلى هذا "الغياب" الذي نقرّ به جميعا، وهو يرجع في جانب كبير منه إلى "تردّي" الذائقة، وعدم التمييز بين النصّ "القويّ" والنصّ "الضعيف" أو"المتهافت". والذائقة ليست مجرّد انطباعات أو ارتسامات، وإنّما هي محصّلة خبرة ومراس.
**هل نحتاج اليوم للشعر في ظل الوضع الانساني الراهن؟
ـــ لأفرّع الجواب إلى مهمّتين، أولاهما مهمّة الشعر، والثانية مهمّة الشاعر. والشعر ليس مجرّد حديقة خفيّة مسوّرة، أو منتزها “على الطراز الفرنسي” مصمّما من أجل متعنا وسعادتنا الخاصة، أو هو سحر خبيء؛ أو حديقة أعشاب بريّة يسرح فيه الخيال، أو قاعة مزجّجة. إنّما الشعر كما أحاوله، وأفهمه وأقرؤه في تجارب كبار شعرائنا من غابر الجاهليّة إلى اليوم، وعند شعوب أخرى غيرنا، ممارسة اجتماعيّة أساسها المشاركة والتبادل. إنه وهو الفنّ الكوني الذي تضع فيه كلّ ثقافة لبنَتها “روح الشعب” والتعبير عن “الاستعداد للعيش” معا، بما يجعلنا نتجاوز الاختلافات في المعتقدات والمراجع والأذواق؛ وإن كان يُفترض في هذه أن تخصب الثقافة، وتذكي حيويّتها؛ وتضفي عليها معناها. والثقافة إرث وتراث ومشروع في الآن نفسه، لكلّ الناس أو لغالبيّتهم.
أمّا إذا علّقنا المهمّة بالشعر، فلنتذكّر أنّ العالم اليوم "قرية كونيّة". على أنّها ليست بالقرية "الفاضلة” ولا هي بالجنّة "الموعودة"، فما تزال كثير من أمورها إلى فوضى واضطراب كبيرين أو غير يسيرين. قرية كونيّة يزعم الزاعمون أنّ لبنتها الأولى وضعت منذ قرون مع الديانات والحضارات الكبرى، وليس في القرن العشرين الذي خفي عنّا؛ وقد ودّعناه منذ عقدين، ومضى مثل كلّ صباحات العالم التي لن تعود أبدا. قرية كونيّة يعتقد كثير أو قليل أنّها ما تزال على تغيّر العلاقات والتحالفات بين شمال وجنوب، بالصورة ذاتها التي رسمت العالم إلى يومنا هذا؛ أعني صورة الشمال "القويّ" المستغِلّ والجنوب "الضعيف" المستغَلّ. ولكنّها صورة تحتاج اليوم إلى قدر كبير من التنسيب.
ما يعنيني في السياق الذي أنا به هذه العولمة التي تتحدّر إلينا من كلّ حدب وصوب؛ وهي تجرفنا نحن الذين لم نتهيّأ لها؛ في من تجرف من شعوب العالم، بما تنزّله علينا من سوط عذاب أو من منّ وسلوى. ومن حقّ الشاعر أن يعالج هذا في شعره، حيث الخوف يشير في الواقع إلى العديد من المشاعر والعواطف الإنسانيّة. لكن يظلّ بالإمكان التمييز بين الخوف من شرّ حاضر يبلغ حدّ الرعب والفزع، أو من نُذر المستقبل. وفي أيّ حال، نحن خائفون ممّا هو محتمل أو وارد أو متوقّع أو مجهول؛ في عالم يكاد يكون فيه المستقبل جزءا من حاضرنا القلق..
**كيف تقرا ظاهرة توجه العديد من الشعراء الى الرواية وانت واحد منهم *
ــ نشرت ثلاث محاولات روائيّة هي "عشيقة آدم" وقد فازت بالكومار الذهبي 2012، وأصدرها أستاذنا الراحل توفيق بكّار، في سلسلة "عيون المعاصرة". وقد كتبتها بين 2009 و2010، ووظّفت فيها التقنيات الفيسبوكيّة. والثانية هي "هل كان بورقيبة يخشى حقّا معيوفة بنت الضاوي"، وقد حاولت فيها أن أرسم صورة الزعيم الحبيب بورقيبة باني دولة الاستقلال، في المخيال الشعبي، وليس من منظور تاريخي أو سياسي. والثالثة هي "ليلة الإفك" وهي تعالج ما حدث في تونس من عام 2010 إلى 2014، وجلّ شخصيّاتها بأسمائهم الحقيقيّة. ولديّ محاولة رابعة بعنوان "جمهوريّة جربة" الجزيرة التونسيّة الشهيرة، وتخيّلتها وقد انفصلت عن تونس؛ وساحت في البحر؛ وأخذت تقترب من مالطة. وعسى أن أنهيها هذا العام.
الحقّ أنا لست روائيّا، ولا أدّعي ذلك. إنّما أنا قارئ للرواية؛ ويكاد لا يفوتني منها شيء عربيّا وعالميّا. لأقل إنّي قارئ يكتب الرواية، أو ما يفيض عن الشعر. ولكن بلغة الرواية. فأنا على ما أظنّ أعرف بحكم قراءتي للروائيّين العالميّين الكبار، وعلى رأسهم جيمس جويس، كيف أكفّ عن كوني شاعرا؛ ما أن أشرع في هذا النوع من السرد الروائي.
وأدرك كيف ينهض القول السردي برواية قصّة أو مغامرة تنتظمها حبكة، يقوم بها شخوص يتحرّكون في فضاء وزمان مخصوصيْن. وهم يؤدّون القصّة في ضوء الممكنات السرديّة وما يتعلّق منها بالتغييرات الزمنيّة وإدارة فن الدخول إلى العالم المحكيّ، سواء أقيّدته وجهة نظر داخليّة أم لم تقيّده.وهذا لا يتسنّى في النصّ الشعري، إلاّ نادرا؛ بالرغم من انّ لي قصائد مركّبة ذات منحى سردي؛ ولكن شتّان بين السرد الشعري المكثّف والسرد الروائي المفصّل.
لست روائيّا ولا أدّعي ذلك، وإنّما جرّبت الرواية في ثلاث محاولات، فازت إحداها وهي "عشيقة آدم" ب"الكومار الذهبي"، وكان أستاذنا الراحل توفيق بكّار هو الذي اقترح نشرها في سلسلة "عيون المعاصرة" دار الجنوب فالمحاولة الثانية "هل كان بورقيبة يخشى حقّا معيوفة بنت الضاوي" ، فالثالثة "ليلة الإفك". ولديّ محاولة رابعة لا تزال قيد الكتابة وهي "جمهوريّة جربة" حيث "أتصوّر" هذه الجزيرة وقد انساحت في البحر، وأخذت تقترب من مالطة. ومع ذلك فأنالا أجاذب الروائيّين الكبار مكانتهم؛ وإنّما أكتب ما يفيض عن الشعر، أو ما لا أستطيع قوله شعرا من تفاصيل الحياة.
**تتميز الكتابة الشعرية عند الدكتور المنصف الوهايبي بالحضور اللافت للمكان ماذا فعل المكان القيرواني بقصيدتك؟
-أحاول في جلّ ما أكتبه بما في ذلك كتابي الشعري الأخير "بورتريهات منصف الوهايبي" ,هو يضمّ قصائد في زوجتيلا الراحلة، أن أستنطق بأدوات الشعر والسرد معا المكان القيرواني والتونسيوالعربي في الجزيرة العربيّة واليمن، وعالم الفينيقيّين والكنعانيّين من خلال استحضار صورة فلسطين، والمحنة السوريّة، والشمال الافريقي والغربي(شبه الجزيرة الايبيريّة وعالم الأندلس والموريسكيّين وجنوب البرتغال ولمبدوزا وجنوة في إيطاليا وسيت في فرنسا وباريس...) والمكان هنا إنّما يحضر في علاقته الملتبسة بالماضي والحاضر معا أي "الحال" كما كان يسمّيه نحاة العرب، وليس في سياق الزمنيّة الخطيّة التي لا تناسب الزمنيّة الشعريّة؛ وهي في كلّ كتاب لي حاضر أبديّ، لا يحتاج الشاعر بموجبها إلى أن يعيد إحياء "الموتى" فهم حاضرون في قصائده ،وهو يحاوروهم باستمرار قدماء ومعاصرين(امرؤ القيس وطرفة والشنفرى وعنترة وعمرو بن كلثوم والمعرّي والسيّاب ومحمود درويش وأدونيس وسركون بولص ونزيه ابو عفش والماغوط وممدوح عدوان وبول فاليري والشاعر التونسي الراحل عمّار منصور...) والمسوّغ لذلك الوعي بأنّ الشعريّ قائم على التداخل، وهو منشدّ إلى نفسه مثلما هو منشدّ إلى سابقه بل إلى لاحقه؛ إذ هو ينشأ "قرائيّا أي وهو يَقْرأ موادّه وخاماتِه وكلّ ما يدور في فضائه، بحسب ما تمليه عليه طبيعة جنسه، وبحسب ما يستعيره من عناصر من الأجناس الأخرى مثل الملحمة والدراما خاصّة. ومادام الشعر يتّسع لهذه الظواهر أو الأجناس سواء تعلّقت بشعريّة الدال أو بشعريّة المدلول، فلا ضير أن يصل الشاعر بعضها ببعض ما دام منبتها الأصلي هو الشعر نفسه. هذا الديوان هو ديوان الرحلة والأمكنة التي عرفها الشاعر، وهو يحاول أن يتمثّلها في علاقتها بالتاريخ والحاضر وباليوميّ والمعيش، وأن يستنطقها بأدوات القصيدة العربيّة حيث الإيقاع الزماني المسموع(الوزن/ التفعيلة) في علاقة حميمة بالإيقاع المكاني المرئي.
**بعد هذه المسيرة الثرية شعرا ورواية ودراسات ونقدا ...هل مازالت القصيدة متوهجة في ذاتك ؟
-أنا أحاول أن أعيش الشعر على قدر ما أكتبه. ذلك أنّي منذ كتابي "من البحر تأتي الجبال" المنشور في فواتح التسعينات منصرف إلى المكانوتفاصيل اليومي، أكتبها وأقولهامثلما يقولها الرّسم ويقولها السرد. ولا أحبّ بهذا أن أقول إنّ القصيدة عندي لوحة تشكيليّة؛ وإنّما فيها من مقتضيات التّشكيل البصريّ ما فيها، وإن بتمثّل لغويّ. واللّوحة هي أيضا تكثيف، بل لعلّها أكثر تكثيفا من القصيدة؛ إذ مهما تتّسعْ مساحة القماشة فإنّها محدودة لا تفلت من الحقل البصريّ؛ وهي التي تفتح للبصيرة أو الفطنة ما تفتح من ظاهر الأشياء وخافيها، بغير جارحة. وهي عندي جزئيات وتفاصيل، بل أشياء "مبتذلة" أو هي "مطروحة" في الطريق؛ قد لا ننتبه إليها في معهود سلوكنا اليوميّ.
**قال الشاعر المصري الراحل فاروق شوشة "ان شعراء تونس تجاوزوا الشابي". كيف تقرأ هذا الرأي؟
-فعلا صدر هذا الرأي عن الشاعر المصري الراحل فاروق شوشة صاحب البرنامج الشهير "لغتنا الجميلة"، في مقال له ب"الأهرام" وسمه ب" الوهايبي وشاعريّة ما بعد الشابي"وهذا بعض ما قاله: "في القاهرة استمعت لأول مرة إلي صوت منصف الوهايبي ممثلا للشاعرية التونسية في مهرجان الشعر العربي, وفي جلسته الافتتاحية التي كان واضحا أنها تقدم للجماهير المحتشدة- في المسرح الصغير بدار الأوبرا- الأصوات الشعرية الكبري المشاركة في المهرجان, لم يكن الوهايبي أكثرهم شهرة أو بريقا, ولم يكن اسمه مرتبطا بقضية سياسية أو قومية, ولم يكن مطاردا يبحث عن وطن أو هوية لكنه كان كبيرا باقتداره الشعري, ونفسه الممتد, ولغته الطازجة المدهشة, وعالمه المتعدد المستويات والدلالات والاحالات والرموز المتنقل- في يسر وحنكة- من مقام إلي مقام, والمازج بين عناصر الواقع والاسطورة وكأنه يمسك بين يديه بمفاتيح العالم الشعري ويأخذنا في رفق وهوادة إلي أبهائه ومنعطفاته ومكنون أسراره.
ليلتها ولد في وجدان الجمهور القاهري والعربي المشارك في المهرجان شاعر تونسي كبير القامة وعندما هدأ صخب الحفل وجلجلة الشعر الزاعق وبدأ سكون البحيرة كان واضحا أن شعر الوهايبي التونسي وسعدي يوسف العراقي هو الأبقي والأكثر رسوخا واستقرار وقدرة علي خطاب المستقبل."
**هل انتهى عصر القصيدة العمودية في الشعر العربي المعاصر؟
-كتبت مثل غيري "قصيدة البيت" ولا أقول القصيدة العموديّة لأنّها تسمية غير دقيقة؛ فعمود الشعر هو نظريّة الشعر عند العرب ومدارها على الإصابة في الوصف والمقاربة في التشبيه وندرة البديع...)، وليس شكل القصيدة. ولكنّي أحبّ أن أكتب داخل شعريّة الوزن "التفعيلة" لأنّ الوزن ليس حلية خارجيّة كما يتوهّم البعض من شعراء "قصيدة النثر"، وإنّما هو من كنه بنية العربيّة ونظامها الصرفي. والعربيّة لغة رياضيّة تكاد كلّ أوزانها ترجع إلى "الجذر التربيعي"، بما في ذلك الأسماء الجامدة التي أدار عليها شعراء الجاهليّة الأفذاذ قصائدهم، أو الأسماء المشتقّة أو "السائلة". وهذا الوزن مشرع على كلّ إمكانات الشعر، إذا كان الشاعر متمرّسا به وبلطائفه. أمّا "قصيدة البيت" اليوم لا القديمة، فهي في جلّها "تلاعب" استعاري؛ أو هي قصيدة "باب بدفّتين" كما قال لي محمود درويش مازحا في القاهرة قبيل رحيله بأشهر قليلة، إذ اللغة فيها تخبر عن نفسها، بذات القدر الذي تخبر به عن تمثّل لحقيقة موجودة سلفا أو لمعنى قائم في العالم، وشهادة لنظام ما للكون، مرتّب ملموس. والإقرار بهذا لا يعدو رؤية مثاليّة تتصوّر الانسان موجودا في نظام خارج نطاق سيطرته، وإن لم يكن خارج نطاق قدرته على تنظيمه. وقد تكون القصيدة "لعموديّة المعاصرة" صورة من هذه "الارتداد" الذي تشهده جلّ البلاد العربيّة في شتى مناحي الحياة. وقد تكونردّا على "قصيدة الباب الدوّار" كما أحبّ أن اسمّي هذا النمط من"الكتابة" السائبة المنساحة التي يرى فيها البعض إحالة وفساد معنى، أو إفراطا في استخدام اللغة واستهانة بقواعدها وأنساقها.
ولي أن أتمثّل في هذا السياق بشعراء كبار، حتى أكون صادقا مع نفسي ومع القرّاء دون تهيّب؛ فالقصائد الحماسيّة المثيرة للعواطف عند الجواهري مثلا أو نزار قبّاني(وأستثني قصائده التي نقلتنا من غرض الغزل بسننه وأعرافه، إلى موضوع الحبّ في علاقته باليومي والمعيش) أي تلك التي تسعى إلى إشراك الشعر في السجالات والمناقشات السياسيّة والاجتماعيّة؛ لا يمكن إلاّ أن تصدر عن رؤية قد تنزل بالشعر في نماذج غير قليلة سهل الأباطح. وهو ما أوقعه شاعرا جماهيريّا مثل نزار في"سقطات"، فـقصيدته الشهيرة "غرناطته» هي غرناطة "الفاتح" لا الشاعر؛ بالرغم من أنّها قصيدة "حواريّة" رسم فيها الشاعر صورة لهذه "الإسبانيّة" السمراء "العربيّة" التي هي في منزلة بين السواد والبياض، وذات شعر أسود وعينين سوداوين استبدل فيهما "الحجْر" بالمحجر؛ وهو سائغ في الشعر على نحو ما نجد عند الأخطل وغيره ممّن يشبّه المحجر بـ"سراج الموقد". بيْد أنّ "الموقف" غلب على الحوار، فكانت قفلة القصيدة غير محكمة؛ إذ كان الأنسب استئناسا بهذا البيت:
ما أغربَ التاريخَ كيف أعادني/// لحفيدة سمراءَ من أحفادي
أن تكون القفلة:
عانقتُ فيها عندما ودّعتها/// ليلى حفيدةَ طارق بن زيادِ
وليس"رجلاً يُسمّى…" على ما في "يسمّى" من حشو لا مسوّغ له سوى مضايق الوزن. وكان بإمكانه أن يقول "رجل المغازي طارق بن زياد" وهو الذي لم يرَ في هذه "الدليلة" السمراء سوى صورة "الذكر الفاتح". وما أصدق الشاعر المكسيكي "فرنسيسكو دي إيكازا" في تلك العبارة التي تطالعنا في غير مكان من المدينة: "ليس ثمّة أكثر قسوة في العالم من أن يكون المرءُ أعمى في غرناطة". وقسْ على ذلك قصيدة نزار في تونس:
يا تونس الخضراء جئتك عاشقا/// وعلى جبيني وردة وكتابُ
وقد كان أنسب له أن يكون العجز: "وبراحتِي لك وردةٌ وكتابُ" أو "بيدِي أنا لك وردة وكتاب"، إذ لا مسوّغ هنا للفظة "جبين" فهي في غير موضعها.
**من وجهة نظرك ماذا قدمت قصيدة النثر للشعر العربي ؟
-لا أدري ما إذا كان بعضنا على دراية بأنّ السجال حول"قصيدة النثر" و"الشعر المنثور" بدأ منذ أوائل القرن الماضي، أي قبل ظهور «قصيدة التفعيلة» بأكثر من ثلاثة أو أربعة عقود. كان ذلك مع أمين الريحاني عام 1905 مترسّما والت ويتمان في "أوراق العشب". وهو لا ينكر هذا التأثير، ويرى أنّ ويتمان خلّص الشعر من قيود العروض والأوزان.
وفي مجلّة «العالم الأدبي» ( أوت 1930) لزين العابدين السنوسي، يستوقفنا مقاله العلميّ الرصين،وفيه يناقش بلغة المفاهيم، المصطلح «الشعر المنثور»، ويقترح بدلا منه «النثر الشعري»؛ لأنّه في تقديره «نثر في مادّته، تستند روحه إلى الشعر»، ولكنّه يتقبّل المصطلح السائد، ويكتب: «ما حيلتي وقد سبقني بعض المشارقة إلى تسميته كذلك في لغتنا؛ فلم أرَ مندوحة من اتّباعه، وقلت لنغضّ عن المتبادر والمعاني الأصليّة لهذا التركيب، ولنقل مع من يقول: لا مشاحة في الاصطلاح.» ويتنبّه، بحكم ثقافته الفرنسيّة إلى جانب ثقافته العربيّة المتينة؛ إلى ما يعانيه المصطلح المنقول حرفيّا عن الفرنسيّة Poème en prose من قلق العبارة ومن «صدمة شديدة بين جزئي التسمية في هذا التركيب… وفي الأصل الفرنسي ما في الترجمة (العربيّة) من تنافر، واضطراب أشار إليه ناقدوهم، وأخذ حيّزه من الجدل». ثمّ يعرّف هذا النمط، فالفرنسيّون إنّما يقصدون به «ضربا من الترسّل البليغ السامي الذي يرتفع، بلفظه المختار وسبكه الأنيق؛ عن مستوى البلاغة النثريّة، ويشارك الشعر في خياله وحذلقته (التظرّف في الكلام والتكيّس) الرائعة الرقراقة؛ وإن كان لا يتقيّد بوزن، ولا يتسلسل عن نظام مخصوص».
ولا يفوت السنوسي أن يناقش بعض المشارقة الذين كانوا يمزجون مزجا غريبا بين "الشعر المنثور"، و"السجع العربي، "و"الأبيات الحرّة"، وهي كما ينبّه غير النثر الشعري «إذ أنّها تمتاز عنه بالاتزان، وإن اشترط فيها عدم التقيّد بوزن بعينه». ويتمثّل لذلك بكتاب أمين الريحاني "الريحانيّات" فقد جمع في قسم الشعر المنثور «أربعة أضرب من البلاغة: الشعر والشعر المنثور والأبيات الحرّة والسجع…»، وساق شواهد، خلص منها إلى أنّ التسمية ّشعر منثور «اصطلاح خاصّ بالريحاني؛ «يسمّي بها ما يمزجه من ضروب البلاغة بقديها وحديثها… وإن أوهمنا هو أنّ الفرنسيّين مشاركون له في ذلك؛ فوضع لنا لفظة (الفير ليبر أي الأبيات الحرّة) بحروفها اللاتينيّة، وما هذه من الأبيات الحرّة في شيء». ويختتم السنوسي مقاله بمقطع من قصيدة منثورة لمي زيادة «دمعة على الغرّيد الصامت». ويعقّب:» فهذا نثر حقّا، ولكنّه نثر شعري بروحه وأنفاسه وبتراكيبه وألفاظه. شعر من النمط الأعلى يؤيّده من جانب الله إلهام وإيحاء. فيه موسيقيّة القصائد، وإن خلا من قافية النظم، وفيه رنين الشعر؛ وإن برأ من الموازين».
أمّا الدين أغنوا قصيدة النثر التونسيّة اليوم فأبرزهم باسط بن حسن، وسائر مدوّنة عبد الفتّاح بن حمّودة، وبعض الشاعرات الاستثنائيّات مثل أمامة الزاير في قصائدها النثريّة، وسونيا الفرجاني، وأفراح الجبالي خاصّة. ناهيك عن شعراء معروفين جرّبوا الموزون والمنثور مثل آدم فتحي وفتحي النصري...
مؤطر:
المنصف الوهايبي..من يكون؟
ولد محمد المنصف الوهايبي بحاجب العيون بولاية القيروان وتحصل على شهادة الدكتورا الحلقة الثالثة (= ماجستير) عن أطروحة «الجسد المرئي والجسد المتخيل في شعر أدونيس» وعلى شهادة دكتوراه الدولة عن موضوع «صناعة الشعر عند أبي تمّام ومكوناتها: في قراءة القدامى وفي النص الشعري». وقام في 1996 بالكتابة وتأليف السيناريو للفيلم الوثائقي الخيالي «يا بلدا يشبهني» والذي يتمحور حول زيارة الرسام بول كلي إلى تونس والحمّامات والقيروان في عام 1914 وأخرجه هشام الجربي. وشارك في كتابة سيناريو فيلم «بانتظار ابن رشد» لنفس المخرج في 1998. وعمل في ترجمة الشعر إلى العربية إذ عرّب في 1984 بالاشتراك مع محمد الغزّي ديوان «تحت برج الدلو» للسويدي أوستون شوستراند عضو لجنة نوبل، وشارك مع الشاعرة البرتغالية روزا أليس برانكو في ترجمة ديوانها «ما ينقص الأخضر ليكون شجرة» في 2002 وفي إصدار «نخلة القيروان» باللغتين العربية والبرتغالية في 2003. وتُرجمت قصائد مختارة من دواوينه إلى عدة لغات هي الفرنسية والإنجليزية والألمانية الإسبانية والبرتغالية والسويدية. وله عدة مقالات في موقع الأوان ويعمل مديرا لجمعية «العتبة الثقافية» ببورتو في البرتغال.
تحصل ديوانه «ميتافيزيقا وردة الرمل» على جائزة البنك التونسي «أبوالقاسم الشابي» للشعر في 1999، وحصل أيضا على جائزة الكومار الذهبي عن رواية «عشيقة آدم» في 2012. وفاز ديوانه «ديوان الوهايبي» بجائزة أفضل ديوان عن مؤسسة جائزة عبد العزيز سعود البابطين للإبداع الشعري في 2014 والتي قيمتها عشرون ألف دولار أمريكي. وحصل في 2020 عن ديوانه «بالكأس ما قبل الأخيرة» على جائزة الشيخ زايد للآداب التي تقدمها جائزة الشيخ زايد للكتاب والتي تبلغ قيمتها مليون درهم إماراتي. وحصل بحثه «بنية الخطاب الشعري في الشعرية العربية المعاصرة بين الاستعاري والكنائي» على المركز الأول في الدورة الثالثة من جائزة الشارقة لنقد الشعر العربي في 2023.