إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

قراءة في كتاب "نسيج الذكريات" (2/2)

بقلم: أنس الشابي

 تونس-الصباح

يعلم الجميع أنّ الباجي قائد السبسي قرّر التوافق مع حركة النهضة بعد انتخابه سنة 2014، وفي فترة تولّي يوسف الشاهد رئاسة الحكومة شرع هذا الأخير في فكّ ارتباطه برئيس الجمهوريّة الذي عيّنه في ذلك الموقع وقرّر التحالف مع حركة النهضة بعد تدمير حزب النداء والشروع في تكوين حزبه على أشلاء ما تبقّى لتصبح الأغلبيّة البرلمانيّة في يد الغنوشي ويصبح بذلك الحاكم الفعلي للبلاد بعد تهميش الباجي وركنه على الرفّ، أيامها قابل الغنوشي رئيس الدولة وأعلمه بما قرّ عليه قراره يقول المؤلّف: "كنت أعلم من خلال اطلاعي على النشاط اليومي لسيادة الرئيس بأنّ السيّد راشد الغنوشي سوف يزوره في ذلك اليوم، ولذلك نزلت إلى مكتبه وعندما أخذت مكاني بدا لي أنّ الرئيس ليس كعادته فأدركت أنّ شيئا ما قد حصل وتسبّب له في هذا القلق، فسألته عمّا حصل فردّ عليّ السؤال قائلا هل تعرف من كان معي بالمكتب قبل قليل؟، فأجبته بأني أعرف أنّ السيّد راشد الغنوشي كان بالمكتب، فسألني وهل تعرف لماذا جاء إليّ؟، فقلت له هذا ما أودّ معرفته إذا لم يكن هنالك مانع، عندئذ أعلمني بأنّ السيّد راشد الغنوشي لم يعد في حاجة إلى الوفاق الذي كان بينهما وبين النداء والنهضة، وأنّه جاء ليعلمه بقرار الانفصال، أكّد لي سيادة الرئيس أنّه لم يستغرب هذا الموقف من السيّد راشد الغنوشي الذي أصبح يعتقد أنّه استرجع نفوذه داخل المحيط السياسي فحزبه هو الأقوى داخل مجلس النواب، وهو في البلاد ثالث الرؤساء والسيد يوسف الشاهد رئيس الحكومة أصبح إلى جانبه، ولذلك فإنّه لم يعد في حاجة إلى الوفاق طالما أنّه وجد حاجته في رئيس الحكومة... ولم يتردّد في أن يجيب السيّد راشد الغنوشي بقوله سوف تندمون في يوم من الأيام على موقفكم هذا"(ص314)، والذي تجدر الإشارة إليه أنّ الباجي أخطأ خطأ فادحا في توافقه مع حركة النهضة لأنّ الحركات الإسلاميّة جميعها وبدون استثناء تصدر عن موقف عقدي يعتبرون فيه أنفسهم "المسلمون" بألف ولام التعريف وكلّ مخالف لهم كافر يُستتاب أو يطبّق عليه حدّ الردة وهو الأمر الذي تربّي عليه حركة النهضة قواعدها من خلال إبقائها على وثيقة "الرؤية الفكريّة والمنهج الأصولي لحركة النهضة التونسيّة" هذا النصّ الذي كتبه لهم عبد المجيد النجار وأجازه يوسف القرضاوي ما زال معتمدا منذ إقراره في المؤتمر الرابع سنة 1986 في المنزه ولم يتغيّر لحد الساعة حيث حافظ عليه المؤتمر العاشر الذي ادّعوا فيه أنّهم فصلوا الدعوي عن السياسي، فالتوافق لم يكن إلا حيلة استفادت منها النهضة ولم يتفطن الباجي لذلك إلا متأخرا وبعد أن انفرط عقد مسانديه من حوله وبعد أن جُرّد من الحزام السياسي والانتخابي الذي أوصله إلى سدّة الرئاسة.

ما ذكرت أعلاه ليس إلا نتفا من كتاب أعتبره أصدق ما نشر متعاطو العمل السياسي في تونس بعد سنة 2011 لأنه يتميّز بــ:

1) اللغة السليمة التي تمتلك قدرا من طلاوة مبنى يشدّك شدّا لا ينفكّ عنك إلا بتقليب آخر صفحة من الكتاب بحيث لا تكرار ولا مترادفات ولا حشو لتسويد الأوراق.

2) تواضع المؤلّف وصدقه عند سرده الأحداث فلا تشعر بأنّه يضخّم من دوره أو يحقّر من أدوار غيره أو أنّه يجد لنفسه المبرّرات لهذا التصرف أو ذاك كما أنّ القارئ لا يجد لديه مسردا لعيوب الآخرين ممّا هو دارج لدى غيره فالقلم عفّ عمّا لا يليق.

3) وفاء نادر واعتراف بالفضل لكلّ من أحسن إليه منذ أن دخل قلم التحقيق في وزارة العدل إلى أن دخل قصر الرئاسة في قرطاج.

كتاب هام وضروري لفهم أحداث كثيرة عرفها الوطن مجزأة أو محرّفة فضلا عن سرده مسيرة طفل ابتدأ بالدراسة في الفرع الزيتوني بتوزر وانتهى به المطاف عميدا للمحامين في تونس المحروسة حماها ربّ البريّة. (انتهى)

 

 

قراءة في كتاب "نسيج الذكريات" (2/2)

بقلم: أنس الشابي

 تونس-الصباح

يعلم الجميع أنّ الباجي قائد السبسي قرّر التوافق مع حركة النهضة بعد انتخابه سنة 2014، وفي فترة تولّي يوسف الشاهد رئاسة الحكومة شرع هذا الأخير في فكّ ارتباطه برئيس الجمهوريّة الذي عيّنه في ذلك الموقع وقرّر التحالف مع حركة النهضة بعد تدمير حزب النداء والشروع في تكوين حزبه على أشلاء ما تبقّى لتصبح الأغلبيّة البرلمانيّة في يد الغنوشي ويصبح بذلك الحاكم الفعلي للبلاد بعد تهميش الباجي وركنه على الرفّ، أيامها قابل الغنوشي رئيس الدولة وأعلمه بما قرّ عليه قراره يقول المؤلّف: "كنت أعلم من خلال اطلاعي على النشاط اليومي لسيادة الرئيس بأنّ السيّد راشد الغنوشي سوف يزوره في ذلك اليوم، ولذلك نزلت إلى مكتبه وعندما أخذت مكاني بدا لي أنّ الرئيس ليس كعادته فأدركت أنّ شيئا ما قد حصل وتسبّب له في هذا القلق، فسألته عمّا حصل فردّ عليّ السؤال قائلا هل تعرف من كان معي بالمكتب قبل قليل؟، فأجبته بأني أعرف أنّ السيّد راشد الغنوشي كان بالمكتب، فسألني وهل تعرف لماذا جاء إليّ؟، فقلت له هذا ما أودّ معرفته إذا لم يكن هنالك مانع، عندئذ أعلمني بأنّ السيّد راشد الغنوشي لم يعد في حاجة إلى الوفاق الذي كان بينهما وبين النداء والنهضة، وأنّه جاء ليعلمه بقرار الانفصال، أكّد لي سيادة الرئيس أنّه لم يستغرب هذا الموقف من السيّد راشد الغنوشي الذي أصبح يعتقد أنّه استرجع نفوذه داخل المحيط السياسي فحزبه هو الأقوى داخل مجلس النواب، وهو في البلاد ثالث الرؤساء والسيد يوسف الشاهد رئيس الحكومة أصبح إلى جانبه، ولذلك فإنّه لم يعد في حاجة إلى الوفاق طالما أنّه وجد حاجته في رئيس الحكومة... ولم يتردّد في أن يجيب السيّد راشد الغنوشي بقوله سوف تندمون في يوم من الأيام على موقفكم هذا"(ص314)، والذي تجدر الإشارة إليه أنّ الباجي أخطأ خطأ فادحا في توافقه مع حركة النهضة لأنّ الحركات الإسلاميّة جميعها وبدون استثناء تصدر عن موقف عقدي يعتبرون فيه أنفسهم "المسلمون" بألف ولام التعريف وكلّ مخالف لهم كافر يُستتاب أو يطبّق عليه حدّ الردة وهو الأمر الذي تربّي عليه حركة النهضة قواعدها من خلال إبقائها على وثيقة "الرؤية الفكريّة والمنهج الأصولي لحركة النهضة التونسيّة" هذا النصّ الذي كتبه لهم عبد المجيد النجار وأجازه يوسف القرضاوي ما زال معتمدا منذ إقراره في المؤتمر الرابع سنة 1986 في المنزه ولم يتغيّر لحد الساعة حيث حافظ عليه المؤتمر العاشر الذي ادّعوا فيه أنّهم فصلوا الدعوي عن السياسي، فالتوافق لم يكن إلا حيلة استفادت منها النهضة ولم يتفطن الباجي لذلك إلا متأخرا وبعد أن انفرط عقد مسانديه من حوله وبعد أن جُرّد من الحزام السياسي والانتخابي الذي أوصله إلى سدّة الرئاسة.

ما ذكرت أعلاه ليس إلا نتفا من كتاب أعتبره أصدق ما نشر متعاطو العمل السياسي في تونس بعد سنة 2011 لأنه يتميّز بــ:

1) اللغة السليمة التي تمتلك قدرا من طلاوة مبنى يشدّك شدّا لا ينفكّ عنك إلا بتقليب آخر صفحة من الكتاب بحيث لا تكرار ولا مترادفات ولا حشو لتسويد الأوراق.

2) تواضع المؤلّف وصدقه عند سرده الأحداث فلا تشعر بأنّه يضخّم من دوره أو يحقّر من أدوار غيره أو أنّه يجد لنفسه المبرّرات لهذا التصرف أو ذاك كما أنّ القارئ لا يجد لديه مسردا لعيوب الآخرين ممّا هو دارج لدى غيره فالقلم عفّ عمّا لا يليق.

3) وفاء نادر واعتراف بالفضل لكلّ من أحسن إليه منذ أن دخل قلم التحقيق في وزارة العدل إلى أن دخل قصر الرئاسة في قرطاج.

كتاب هام وضروري لفهم أحداث كثيرة عرفها الوطن مجزأة أو محرّفة فضلا عن سرده مسيرة طفل ابتدأ بالدراسة في الفرع الزيتوني بتوزر وانتهى به المطاف عميدا للمحامين في تونس المحروسة حماها ربّ البريّة. (انتهى)