-رئيس جمعية الأمنيين المتقاعدين لـ"الصباح" : المؤسسة الأمنية تتعرض لحملة ممنهجة لاستهدافها وشيطنتها.. وعلى الدولة إرساء منظومة أمن جمهوري
-البوليس السياسي هيكل وهمي
-فتح تحقيقات قضائية في أحداث سابقة وايداع بعض القيادات الأمنية ومحاكمتهم
تونس-الصباح
تحيي تونس اليوم الأحد 14 جانفي الذكرى 13 للثورة التي اندلعت شرارتها من ولاية سيدي بوزيد في السابع عشر من ديسمبر 2010.
صباح الشابي
13 سنة مرت على الثورة وقضايا شهداء وجرحى الثورة ما تزال عالقة أمام الدوائر المختصة ولم يتم الفصل فيها رغم مرور كل هذه السنوات مما دفع بعائلات الشهداء الى الشعور باليأس والإحباط وعدم الإنصاف في المقابل يرى الشق الآخر المنسوبة إليهم التهم أنه مسار متعطل منذ بدايته ولم يبن على أسس صحيحة بل تم من خلاله استهداف الأمنيين والزج بهم في قضايا بالاعتماد على شهادة الشهود التي لا تعتبر كافية لإدانتهم بقتل المتظاهرين خلال الثورة.
كما يعتقد البعض الآخر أنه خلافا للمسار المتعطل لقضايا الشهداء فإن هناك مسائل حصلت بعد الثورة كان بالإمكان انها لم تحصل على غرار حل جهاز أمن الدولة وعديد المسائل الأخرى.
حل إدارة أمن الدولة..
"الصباح" كان لها اتصال مع عبد المجيد البلومي رئيس جمعية أمل واستشراف لمتقاعدي الأمن التونسي الذي قال في بداية حديثه عن الأيام الأولى التي تلت مغادرة الرئيس الراحل زين العابدين بن علي البلاد ، معتبرا أنه في تلك اللحظة بات واضحا لديهم كأمنيين مباشرين ومتقاعدين أن المؤسسة الأمنية تتعرض لحملة ممنهجة لاستهدافها وشيطنتها تحت عناوين ومسميات لا تمت بأية صلة للواقع من أشهرها : " دولة بوليسية - بوليس بن علي - بوليس سياسي " وأصبحت مثل هذه العبارات تلاقي رواجا بالمنابر الاعلامية على لسان معظم السياسيين والحقوقيين.
وتجسمت هذه الحملة بوضوح حسب رأيه من خلال اتخاذ جملة من القرارات المتسرّعة وغير المدروسة من أخطرها حل إدارة أمن الدولة وإحالة أكثر من 60 إطارا من القيادات الأمنية السامية على التقاعد الوجوبي بإيعاز من بعض الأطراف السياسية ودون اعتماد أية معايير موضوعية فيما يتعلق بانتقاء المشمولين بهذا القرار الذي التبس بتصفيات حسابات شخصية بين بعض الأمنيين فيما بينهم بغاية التقرب والولاء للمنظومة السياسية التي امسكت بزمام السلطة لضمان التموقع والمحافظة على المناصب والامتيازات.
وتابع بالقول إن الدولة زمن حكم "بن علي" لم تكن دولة بوليسية كما روج لذلك بدليل أن المؤسسة الأمنية كانت تشكو من نقص فادح في المواد البشرية ، حيث كان عدد الامنيين بمختلف أسلاكهم أقل بكثير من المعدل المعتمد عالميا بالمقارنة مع عدد السكان، وهو ما تطلب مضاعفة التعداد من خلال تكثيف الانتدابات وخاصة خلال الفترة الممتدة من سنة 2011 إلى 2013.
البوليس السياسي
أما ما سمي بـ" البوليس السياسي" فهو هيكل وهمي ولا وجود لأي أثر قانوني له على أرض الواقع ضمن هياكل قوات الأمن الداخلي وكانت هذه التسمية الوهمية على حد تعبيره ترمز إلى إطارات وأعوان مصالح أمن الدولة والاستعلامات والارشاد.
وقد تجاهل من قادوا هذه الحملة التشكيكية أن مثل هذه الهياكل الأمنية المختصة تعتبر الركيزة الأساسية للعمل الأمني بمفهومه الشامل وان مثل هذه الاختصاصات الأمنية الحيويّة متواجدة ومعتمدة بكافة دول العالم الديمقراطي المتحضر لأنها مكلفة أساسا باستباق التهديدات المحتملة داخليا وخارجيا ذات العلاقة بالأمن القومي وتقييمها وتحليلها للحد منها ومن مخاطرها . ففي الولايات المتحدة الامريكية نجد على سبيل المثال أن وكالة الاستخبارات "سي.آي.آي" تأسست منذ سنة 1947 وترصد لها ميزانية بمليارات الدولارات وتوفر لها كل الإمكانات التي تقتضيها مهامها ومنها المشاركة في رسم السياسة الداخلية والخارجية.
استهداف الأمنيين
يضيف محدثنا أنه من مظاهر استهداف الامنيين بعد 14 جانفي ، فتح تحقيقات قضائية في احداث سابقة وايداع بعض القيادات الأمنية ومحاكمتهم في اشارة الى قضايا الشهداء تأسيسا على دعاوى مجردة قدمت ضدهم وليس لها ما يدعمها سوى تصريحات زاعمي الضرر ودون توفر ما يكفي من القرائن والحجج الداعمة للوقائع المضمنة بالشكايات.
والأدهى والأمر انه تم رفض تمكين هؤلاء المحكوم عليهم من الانتفاع بآلية السراح الشرطي دون أدنى مبرر رغم توفر كل شروطها القانونية والموضوعية.
ومثل هذا التعسف على الإجراءات لا يمكن ان يفسر إلا بإرادة التشفي من المعنيين والتنكيل بهم.
واعتبر أن مثل هذه المحاكمات كانت من ضمن الأسباب التي أدت إلى رفض بعض الدول الأجنبية تسليم المطلوبين لديها من أصهار " بن علي" وعائلته.
وتابع في نفس السياق معتبرا أنه بخصوص مقولة "بوليس بن علي" فتلك العبارة تندرج كذلك في نفس سياق حملة الشيطنة والتشويه لأن "بوليس بن علي" هو نفسه الذي أصبح يأتمر بأوامر وتعليمات "المرزوقي" ثم المرحوم "الباجي" فالرئيس الحالي "قيس سعيد" . وهذه التبعية ليست لذات الشخص وإنما هي مستمدة من صفة القائد الأعلى للقوات المسلحة، وهو ما يحتمه القانون الأساسي العام لقوات الأمن الداخلي الذي كان صدر منذ 1982 ولا يزال نافذ المفعول إلى حد هذه اللحظة شأنه شأن أغلبية سائر القوانين الأخرى التي يعود بعضها لفترة ما قبل الاستقلال.
التجاوزات الأمنية
ويضيف أنه وفي سياق عون قوات الأمن الداخلي القيام بمهامه ، يمكن ان تصدر من جانبه بعض التجاوزات الفردية بدرجات مختلفة، والتجاوزات ليست حكرا على أعوان الأمن وهم بشر مثل غيرهم وإنما يمكن ان تحصل في كل القطاعات المهنية إلا أنها بالتأكيد ليست سياسة ممنهجة من الدولة بدليل أن المؤسسة الأمنية خلال فترة حكم "بن علي" كانت تضم عدة هياكل رقابة وتفقد مركزيا وجهويا منها التفقدية العامة لوزارة الداخلية والتفقدية العامة للأمن ومثيلتها بالحرس والتفقدية العليا لقوات الأمن الداخلي والديوانة، إلى جانب التتبعات القضائية التي تطال مرتكبي الجرائم، حيث كان هناك جناح بالسجن خاص بموظفي الدولة يعرف باسم " pavillons F ".
ومنظومة ما بعد 14 جانفي 2011 على علم بذلك وتجرأت على إعادة إدماج حوالي 3000 منهم صلب المؤسسة الأمنية.
كشف الحقيقة وتحديد المسؤوليات
وفيما يتعلق بمطلب كشف الحقيقة وتحديد المسؤوليات ثم المحاسبة فيما يتعلق بالقتلى والجرحي خلال مسار الاحداث التي جدت من أواخر ديسمبر 2010 حتى الأيام الموالية لمغادرة الرئيس الأسبق "بن علي" للبلاد، رجح أن مجمل الظروف والملابسات التي حفت سواء بالأحداث المسجلة بمختلف الجهات أو بمسار التحقيقات وكذلك بالعنصر البشري الذي تواجد بمسرح الأحداث ، تحول دون التوصل للحقيقة كاملة وتحديد المسؤوليات وفق الأطر القانونية المعهودة.
لكن نجد أن الطرف المقابل وهم الجرحى أو عائلات القتلى لا يقبلون بهذا الموقف "وهو أمر طبيعي" ينسجم ويتلاءم مع ما ذهب إليه الفيلسوف الالماني " فريديريك نيتشه" حين تحدث عن "الحقيقة " فقال : " أحيانا لا يرغب الناس في سماع الحقيقة لانهم لا يريدون رؤية أوهامهم تتحطم".
فأول ما يمكن اعتباره عائقا يحول دون التوصل إلى الحقيقة التي لا يرتقي إليها أدنى شك وفقا لما كانت أقرته محكمة التعقيب من أن " الشك ينتفع به المتهم" وهي قاعدة قانونية تستمد جذورها من الفقه الاسلامي استنادا لقول الرسول الاعظم : " لئن يخطئ الإمام في العفو أفضل من أن يخطئ في العقوبة".
وفي هذا الإطار، تجدر الإشارة إلى تواتر الاحتجاجات وسرعة انتشارها وفقدان السيطرة الأمنية هي عوامل أعاقت القيام بجملة من الإجراءات الميدانية المتأكدة والتي تقتضيها نجاعة التحقيقات ومنها بالخصوص المعاينات الفنية الحينية والميدانية بمسرح الجريمة من قبل الفنيين تحت إشراف قاضي التحقيق المتعهد وممثل النيابة العمومية ، وحجز ما يمكن حجزه لفائدة البحث مثل ظروف الرصاص إن وجدت واحالتها على المخابر لإخضاعها للاختبارات الضرورية.
ومن أخطر الإجراءات التي لم يسبق لها مثيل في مسار التحقيقات ببلادنا دفن جثث القتلى دون اخضاعها للتشريح لتحديد أسباب الوفاة وأماكن الاصابات واستخراج ما يمكن أن يكون علق بالجثث من رصاصات أو غيرها قصد إخضاعها للاختبار البالستي بالمخبر المركزي للاسلحة والذخيرة لتحديد نوعية السلاح المستعمل واجراء ما يلزم من عمليات المقارنة الفنية بغية التعرف على قطعة السلاح التي أطلق بواسطتها العيار الناري وهو ما يمكن ان يوفر عنصر "الإسناد" لأن الرصاصة القاتلة تخرج من سلاح بعينه يستعمله شخص بعينه وليس مجموعة.
ومما يزيد الأمر تعقيدا هو التواجد والتداخل للعديد من التشكيلات الأمنية والعسكرية التي تستعمل جلها نفس الأسلحة الجماعية "بنادق شطاير" مع مسدسات فردية من نفس العيار تقريبا.
وأضاف أن ما وقع تداوله من إصدار تعليمات فوقية تقضي بإطلاق الرصاص الحي على المحتجين والمتظاهرين مما أدى الى سقوط ضحايا موضحا في هذا السياق أن الأسلحة الفردية والجماعية مع ذخيرتها الحية التي تسند لأعوان قوات الأمن الداخلي تعتبر تجهيزات إدارية توفرها لهم الدولة من المال العام لاستعمالها في إطار الفصل 3 من القانون الأساسي العام لقوات الأمن الداخلي عدد 70 لسنة 1982 الذي حدد حصريا الوضعيات التي يخول لهم فيها استعمال السلاح وهي حالات الدفاع الشرعي المنصوص عليها وعلى شروطها بالفصل 38 - 40 و42 من المجلة الجزائية أو في الحالات الاستثنائية المنصوص عليها بالفقرة 2 من الفصل 20 من القانون عدد 4 لسنة 69 المتعلق بالمظاهرات والتجمهر، وهو نص لا يزال ساري المفعول إلى حد هذه اللحظة. بما معناه أن استعمال السلاح واطلاق النار لا يخضع للتعليمات وإنما يخضع لتقدير من يمسكه من حيث مدى توفر شروط الشرعية والضرورة والتناسب.
ومن الطبيعي أنه في مثل هذه الأحداث الدامية يتم فتح تحقيقات إدارية وأخرى قضائية لتحميل المسؤوليات أو نفيها. وبقدر ما يكون انطلاق التحقيقات في الإبان بقدر ما يتيسر كشف الحقيقة كاملة وتوفير مؤيداتها .
وفيما يتعلق بالاعتماد على شهادة الشهود كوسيلة اثبات أو نفي للتهم، فإن هذه الوسيلة لا تعتبر كافية لوحدها لما يلتبس بها من أبعاد ذاتية تثير الريبة وتؤثر على مصداقية الشهادة .
"وبالاضافة إلى ما سبق شرحه وبيانه من جوانب قانونية وواقعية، فإن تواصل مسار الدوائر القضائية المتخصصة في العدالة الانتقالية في ظل قانون التلبس بجملة من الخروقات الجوهرية التي تمس من مقومات المحاكمة العادلة كما عرفتها التشريعات والمواثيق الدولية.
وبصرف النظر عن الجدل القائم حول مدى شرعية تواصل مسار استثنائي لـ"منظومة عدالة انتقالية" محددة بالمدة الزمنية المخصصة لها والتي انتهت منذ أواخر ماي 2018 لأنه لا يجوز تأبيدها إلى اجل غير مسمى ، فكل ذلك لن يؤدي في تقديري إلى رضى الجميع وقد يتسبب في زيادة تأزيم الأوضاع".
على الدولة الاعتذار
ورأى انه آن الأوان للمصالحة الشاملة مع الماضي، ان تعتذر الدولة في شخص رئيسها عن أخطاء وتجاوزات موظفيها مع الاسراع في وضع الأطر التشريعية الملائمة لإرساء منظومة أمن جمهوري حقيقي على أرض الواقع يعمل على فرض سلطة القانون وحماية الأفراد والمجتمع في كنف الحياد واحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية وحماية الممتلكات العامة والخاصة ومراعاة مقتضيات الأمن القومي وتنزيل هذه السياسة الأمنية على أرض الواقع من حيث الممارسة اليومية.
جرحى فارقوا الحياة
على الرغم من مرور 13 عاما مازال جرحى الثورة يتساقطون بشكل او بآخر فالموت يختطفهم عن طواعية بعد قرار بعضهم في لحظة يأس وضع حد لرحلة معاناة طويلة لم يتحملوا أعباءها مما دفع بهم للانتحار فيما يغادر آخرون الحياة بعد رحلة طويلة مع المرض لم يجنوا منها سوى التعب فيتساقط جرحى الثورة فيما لا تزال ملفاتهم القضائية والاجتماعية عالقة منذ سنوات.
فقد توفي خلال العشرية الأخيرة بولاية نابل جريح الثورة منتصر الدخلاوي بعد رحلة طويلة مع المرض وقبله توفي الهادي العوني والد الشهيد مهدي العوني والذي كان دائما متواجدا في كل تحركات عائلات شهداء وجرحى الثورة وفي المحاكم حاملا لصورة ابنه وكان هدفه الوصول إلى حقيقة وفاة ابنه مهدي العوني.
كما توفي جريح الثورة طارق الدزيري خلال شهر جانفي 2020 بعد تسع سنوات من إصابته بالرصاص مما خلف له شللا نصفيا حيث أصبح يتحرك على كرسي متحرك وقبله كذلك توفي جريح الثورة محمد الحنشي سنة 2016 بعد معاناة مع المرض فجرحى الثورة يفارقون الحياة ولم يعرفوا بعد من أصابهم بالرصاص ولم يعرفوا حقيقة مرتكبي الانتهاكات في حقهم.
اما بقية الجرحى فبعضهم يعيش نصف حياة بسبب الإصابات التي لحقتهم فاغلبيتهم مازالوا يعالجون بالمستشفيات ويعيشون بمسكنات الاوجاع بعد أن حرمتهم الإصابات التي لحقتهم من ممارسة حياتهم بصفة عادية.
جرحى ينتحرون
بالإضافة إلى الجرحى الذين يفارقون الحياة بعد صراع مع المرض هناك جرحى اختاروا وضع حد لحياتهم على غرار جريح الثورة ناجي الحفيان الذي فارق الحياة وهو لم يتخط بعد ربيعه السادس والعشرين بعد ان بلغ به اليأس مبلغه مما دفعه الى اضرام النار بجسده مما استوجب نقله الى مركز الاصابات والحروق البليغة ببنعروس لتلقي الاسعافات اللازمة الا ان جسده الضعيف لم يتمكن من مقاومة اثار الحروق البليغة التي لحقته وأتت على أنحاء عديدة من جسده حيث فارق الحياة .
وهو ثالث جريح ثورة يقدم على الانتحار بعد ان سبقه في ذلك جريح الثورة كمال عبادلية والذي اقدم على الانتحار سنة 2021 بعد ان اضرم النار في جسده أمام معتمدية سيدي بوزيد الغربية بعد ان كتب عبارات وعلقها بسور بلدية سيدي بوزيد تعبر عن يأسه من وضعيته الاجتماعية الصعبة، وقبله وتحديدا خلال شهر جوان 2020 اقدم كذلك جريح الثورة ماهر الحيزي على الانتحار بولاية القصرين نتيجة الوضعية الاجتماعية الصعبة التي يمر بها
ملفات عالقة
وأما الملفات القضائية المتعلقة بشهداء وجرحى الثورة فمازالت تراوح مكانها منذ سنوات أمام الدوائر المتخصصة في العدالة الانتقالية لا سيما وأن تركيبة الدوائر تعاني اليوم من شغور بعد الحركة القضائية الاخيرة التي شملت سبع دوائر في العدالة الانتقالية والتي يتلقى قضاتها تكوينا خاصا وهذا ما زاد في تعطيل مسار الملفات التي بقيت عالقة منذ نشرها سنة 2018.
-رئيس جمعية الأمنيين المتقاعدين لـ"الصباح" : المؤسسة الأمنية تتعرض لحملة ممنهجة لاستهدافها وشيطنتها.. وعلى الدولة إرساء منظومة أمن جمهوري
-البوليس السياسي هيكل وهمي
-فتح تحقيقات قضائية في أحداث سابقة وايداع بعض القيادات الأمنية ومحاكمتهم
تونس-الصباح
تحيي تونس اليوم الأحد 14 جانفي الذكرى 13 للثورة التي اندلعت شرارتها من ولاية سيدي بوزيد في السابع عشر من ديسمبر 2010.
صباح الشابي
13 سنة مرت على الثورة وقضايا شهداء وجرحى الثورة ما تزال عالقة أمام الدوائر المختصة ولم يتم الفصل فيها رغم مرور كل هذه السنوات مما دفع بعائلات الشهداء الى الشعور باليأس والإحباط وعدم الإنصاف في المقابل يرى الشق الآخر المنسوبة إليهم التهم أنه مسار متعطل منذ بدايته ولم يبن على أسس صحيحة بل تم من خلاله استهداف الأمنيين والزج بهم في قضايا بالاعتماد على شهادة الشهود التي لا تعتبر كافية لإدانتهم بقتل المتظاهرين خلال الثورة.
كما يعتقد البعض الآخر أنه خلافا للمسار المتعطل لقضايا الشهداء فإن هناك مسائل حصلت بعد الثورة كان بالإمكان انها لم تحصل على غرار حل جهاز أمن الدولة وعديد المسائل الأخرى.
حل إدارة أمن الدولة..
"الصباح" كان لها اتصال مع عبد المجيد البلومي رئيس جمعية أمل واستشراف لمتقاعدي الأمن التونسي الذي قال في بداية حديثه عن الأيام الأولى التي تلت مغادرة الرئيس الراحل زين العابدين بن علي البلاد ، معتبرا أنه في تلك اللحظة بات واضحا لديهم كأمنيين مباشرين ومتقاعدين أن المؤسسة الأمنية تتعرض لحملة ممنهجة لاستهدافها وشيطنتها تحت عناوين ومسميات لا تمت بأية صلة للواقع من أشهرها : " دولة بوليسية - بوليس بن علي - بوليس سياسي " وأصبحت مثل هذه العبارات تلاقي رواجا بالمنابر الاعلامية على لسان معظم السياسيين والحقوقيين.
وتجسمت هذه الحملة بوضوح حسب رأيه من خلال اتخاذ جملة من القرارات المتسرّعة وغير المدروسة من أخطرها حل إدارة أمن الدولة وإحالة أكثر من 60 إطارا من القيادات الأمنية السامية على التقاعد الوجوبي بإيعاز من بعض الأطراف السياسية ودون اعتماد أية معايير موضوعية فيما يتعلق بانتقاء المشمولين بهذا القرار الذي التبس بتصفيات حسابات شخصية بين بعض الأمنيين فيما بينهم بغاية التقرب والولاء للمنظومة السياسية التي امسكت بزمام السلطة لضمان التموقع والمحافظة على المناصب والامتيازات.
وتابع بالقول إن الدولة زمن حكم "بن علي" لم تكن دولة بوليسية كما روج لذلك بدليل أن المؤسسة الأمنية كانت تشكو من نقص فادح في المواد البشرية ، حيث كان عدد الامنيين بمختلف أسلاكهم أقل بكثير من المعدل المعتمد عالميا بالمقارنة مع عدد السكان، وهو ما تطلب مضاعفة التعداد من خلال تكثيف الانتدابات وخاصة خلال الفترة الممتدة من سنة 2011 إلى 2013.
البوليس السياسي
أما ما سمي بـ" البوليس السياسي" فهو هيكل وهمي ولا وجود لأي أثر قانوني له على أرض الواقع ضمن هياكل قوات الأمن الداخلي وكانت هذه التسمية الوهمية على حد تعبيره ترمز إلى إطارات وأعوان مصالح أمن الدولة والاستعلامات والارشاد.
وقد تجاهل من قادوا هذه الحملة التشكيكية أن مثل هذه الهياكل الأمنية المختصة تعتبر الركيزة الأساسية للعمل الأمني بمفهومه الشامل وان مثل هذه الاختصاصات الأمنية الحيويّة متواجدة ومعتمدة بكافة دول العالم الديمقراطي المتحضر لأنها مكلفة أساسا باستباق التهديدات المحتملة داخليا وخارجيا ذات العلاقة بالأمن القومي وتقييمها وتحليلها للحد منها ومن مخاطرها . ففي الولايات المتحدة الامريكية نجد على سبيل المثال أن وكالة الاستخبارات "سي.آي.آي" تأسست منذ سنة 1947 وترصد لها ميزانية بمليارات الدولارات وتوفر لها كل الإمكانات التي تقتضيها مهامها ومنها المشاركة في رسم السياسة الداخلية والخارجية.
استهداف الأمنيين
يضيف محدثنا أنه من مظاهر استهداف الامنيين بعد 14 جانفي ، فتح تحقيقات قضائية في احداث سابقة وايداع بعض القيادات الأمنية ومحاكمتهم في اشارة الى قضايا الشهداء تأسيسا على دعاوى مجردة قدمت ضدهم وليس لها ما يدعمها سوى تصريحات زاعمي الضرر ودون توفر ما يكفي من القرائن والحجج الداعمة للوقائع المضمنة بالشكايات.
والأدهى والأمر انه تم رفض تمكين هؤلاء المحكوم عليهم من الانتفاع بآلية السراح الشرطي دون أدنى مبرر رغم توفر كل شروطها القانونية والموضوعية.
ومثل هذا التعسف على الإجراءات لا يمكن ان يفسر إلا بإرادة التشفي من المعنيين والتنكيل بهم.
واعتبر أن مثل هذه المحاكمات كانت من ضمن الأسباب التي أدت إلى رفض بعض الدول الأجنبية تسليم المطلوبين لديها من أصهار " بن علي" وعائلته.
وتابع في نفس السياق معتبرا أنه بخصوص مقولة "بوليس بن علي" فتلك العبارة تندرج كذلك في نفس سياق حملة الشيطنة والتشويه لأن "بوليس بن علي" هو نفسه الذي أصبح يأتمر بأوامر وتعليمات "المرزوقي" ثم المرحوم "الباجي" فالرئيس الحالي "قيس سعيد" . وهذه التبعية ليست لذات الشخص وإنما هي مستمدة من صفة القائد الأعلى للقوات المسلحة، وهو ما يحتمه القانون الأساسي العام لقوات الأمن الداخلي الذي كان صدر منذ 1982 ولا يزال نافذ المفعول إلى حد هذه اللحظة شأنه شأن أغلبية سائر القوانين الأخرى التي يعود بعضها لفترة ما قبل الاستقلال.
التجاوزات الأمنية
ويضيف أنه وفي سياق عون قوات الأمن الداخلي القيام بمهامه ، يمكن ان تصدر من جانبه بعض التجاوزات الفردية بدرجات مختلفة، والتجاوزات ليست حكرا على أعوان الأمن وهم بشر مثل غيرهم وإنما يمكن ان تحصل في كل القطاعات المهنية إلا أنها بالتأكيد ليست سياسة ممنهجة من الدولة بدليل أن المؤسسة الأمنية خلال فترة حكم "بن علي" كانت تضم عدة هياكل رقابة وتفقد مركزيا وجهويا منها التفقدية العامة لوزارة الداخلية والتفقدية العامة للأمن ومثيلتها بالحرس والتفقدية العليا لقوات الأمن الداخلي والديوانة، إلى جانب التتبعات القضائية التي تطال مرتكبي الجرائم، حيث كان هناك جناح بالسجن خاص بموظفي الدولة يعرف باسم " pavillons F ".
ومنظومة ما بعد 14 جانفي 2011 على علم بذلك وتجرأت على إعادة إدماج حوالي 3000 منهم صلب المؤسسة الأمنية.
كشف الحقيقة وتحديد المسؤوليات
وفيما يتعلق بمطلب كشف الحقيقة وتحديد المسؤوليات ثم المحاسبة فيما يتعلق بالقتلى والجرحي خلال مسار الاحداث التي جدت من أواخر ديسمبر 2010 حتى الأيام الموالية لمغادرة الرئيس الأسبق "بن علي" للبلاد، رجح أن مجمل الظروف والملابسات التي حفت سواء بالأحداث المسجلة بمختلف الجهات أو بمسار التحقيقات وكذلك بالعنصر البشري الذي تواجد بمسرح الأحداث ، تحول دون التوصل للحقيقة كاملة وتحديد المسؤوليات وفق الأطر القانونية المعهودة.
لكن نجد أن الطرف المقابل وهم الجرحى أو عائلات القتلى لا يقبلون بهذا الموقف "وهو أمر طبيعي" ينسجم ويتلاءم مع ما ذهب إليه الفيلسوف الالماني " فريديريك نيتشه" حين تحدث عن "الحقيقة " فقال : " أحيانا لا يرغب الناس في سماع الحقيقة لانهم لا يريدون رؤية أوهامهم تتحطم".
فأول ما يمكن اعتباره عائقا يحول دون التوصل إلى الحقيقة التي لا يرتقي إليها أدنى شك وفقا لما كانت أقرته محكمة التعقيب من أن " الشك ينتفع به المتهم" وهي قاعدة قانونية تستمد جذورها من الفقه الاسلامي استنادا لقول الرسول الاعظم : " لئن يخطئ الإمام في العفو أفضل من أن يخطئ في العقوبة".
وفي هذا الإطار، تجدر الإشارة إلى تواتر الاحتجاجات وسرعة انتشارها وفقدان السيطرة الأمنية هي عوامل أعاقت القيام بجملة من الإجراءات الميدانية المتأكدة والتي تقتضيها نجاعة التحقيقات ومنها بالخصوص المعاينات الفنية الحينية والميدانية بمسرح الجريمة من قبل الفنيين تحت إشراف قاضي التحقيق المتعهد وممثل النيابة العمومية ، وحجز ما يمكن حجزه لفائدة البحث مثل ظروف الرصاص إن وجدت واحالتها على المخابر لإخضاعها للاختبارات الضرورية.
ومن أخطر الإجراءات التي لم يسبق لها مثيل في مسار التحقيقات ببلادنا دفن جثث القتلى دون اخضاعها للتشريح لتحديد أسباب الوفاة وأماكن الاصابات واستخراج ما يمكن أن يكون علق بالجثث من رصاصات أو غيرها قصد إخضاعها للاختبار البالستي بالمخبر المركزي للاسلحة والذخيرة لتحديد نوعية السلاح المستعمل واجراء ما يلزم من عمليات المقارنة الفنية بغية التعرف على قطعة السلاح التي أطلق بواسطتها العيار الناري وهو ما يمكن ان يوفر عنصر "الإسناد" لأن الرصاصة القاتلة تخرج من سلاح بعينه يستعمله شخص بعينه وليس مجموعة.
ومما يزيد الأمر تعقيدا هو التواجد والتداخل للعديد من التشكيلات الأمنية والعسكرية التي تستعمل جلها نفس الأسلحة الجماعية "بنادق شطاير" مع مسدسات فردية من نفس العيار تقريبا.
وأضاف أن ما وقع تداوله من إصدار تعليمات فوقية تقضي بإطلاق الرصاص الحي على المحتجين والمتظاهرين مما أدى الى سقوط ضحايا موضحا في هذا السياق أن الأسلحة الفردية والجماعية مع ذخيرتها الحية التي تسند لأعوان قوات الأمن الداخلي تعتبر تجهيزات إدارية توفرها لهم الدولة من المال العام لاستعمالها في إطار الفصل 3 من القانون الأساسي العام لقوات الأمن الداخلي عدد 70 لسنة 1982 الذي حدد حصريا الوضعيات التي يخول لهم فيها استعمال السلاح وهي حالات الدفاع الشرعي المنصوص عليها وعلى شروطها بالفصل 38 - 40 و42 من المجلة الجزائية أو في الحالات الاستثنائية المنصوص عليها بالفقرة 2 من الفصل 20 من القانون عدد 4 لسنة 69 المتعلق بالمظاهرات والتجمهر، وهو نص لا يزال ساري المفعول إلى حد هذه اللحظة. بما معناه أن استعمال السلاح واطلاق النار لا يخضع للتعليمات وإنما يخضع لتقدير من يمسكه من حيث مدى توفر شروط الشرعية والضرورة والتناسب.
ومن الطبيعي أنه في مثل هذه الأحداث الدامية يتم فتح تحقيقات إدارية وأخرى قضائية لتحميل المسؤوليات أو نفيها. وبقدر ما يكون انطلاق التحقيقات في الإبان بقدر ما يتيسر كشف الحقيقة كاملة وتوفير مؤيداتها .
وفيما يتعلق بالاعتماد على شهادة الشهود كوسيلة اثبات أو نفي للتهم، فإن هذه الوسيلة لا تعتبر كافية لوحدها لما يلتبس بها من أبعاد ذاتية تثير الريبة وتؤثر على مصداقية الشهادة .
"وبالاضافة إلى ما سبق شرحه وبيانه من جوانب قانونية وواقعية، فإن تواصل مسار الدوائر القضائية المتخصصة في العدالة الانتقالية في ظل قانون التلبس بجملة من الخروقات الجوهرية التي تمس من مقومات المحاكمة العادلة كما عرفتها التشريعات والمواثيق الدولية.
وبصرف النظر عن الجدل القائم حول مدى شرعية تواصل مسار استثنائي لـ"منظومة عدالة انتقالية" محددة بالمدة الزمنية المخصصة لها والتي انتهت منذ أواخر ماي 2018 لأنه لا يجوز تأبيدها إلى اجل غير مسمى ، فكل ذلك لن يؤدي في تقديري إلى رضى الجميع وقد يتسبب في زيادة تأزيم الأوضاع".
على الدولة الاعتذار
ورأى انه آن الأوان للمصالحة الشاملة مع الماضي، ان تعتذر الدولة في شخص رئيسها عن أخطاء وتجاوزات موظفيها مع الاسراع في وضع الأطر التشريعية الملائمة لإرساء منظومة أمن جمهوري حقيقي على أرض الواقع يعمل على فرض سلطة القانون وحماية الأفراد والمجتمع في كنف الحياد واحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية وحماية الممتلكات العامة والخاصة ومراعاة مقتضيات الأمن القومي وتنزيل هذه السياسة الأمنية على أرض الواقع من حيث الممارسة اليومية.
جرحى فارقوا الحياة
على الرغم من مرور 13 عاما مازال جرحى الثورة يتساقطون بشكل او بآخر فالموت يختطفهم عن طواعية بعد قرار بعضهم في لحظة يأس وضع حد لرحلة معاناة طويلة لم يتحملوا أعباءها مما دفع بهم للانتحار فيما يغادر آخرون الحياة بعد رحلة طويلة مع المرض لم يجنوا منها سوى التعب فيتساقط جرحى الثورة فيما لا تزال ملفاتهم القضائية والاجتماعية عالقة منذ سنوات.
فقد توفي خلال العشرية الأخيرة بولاية نابل جريح الثورة منتصر الدخلاوي بعد رحلة طويلة مع المرض وقبله توفي الهادي العوني والد الشهيد مهدي العوني والذي كان دائما متواجدا في كل تحركات عائلات شهداء وجرحى الثورة وفي المحاكم حاملا لصورة ابنه وكان هدفه الوصول إلى حقيقة وفاة ابنه مهدي العوني.
كما توفي جريح الثورة طارق الدزيري خلال شهر جانفي 2020 بعد تسع سنوات من إصابته بالرصاص مما خلف له شللا نصفيا حيث أصبح يتحرك على كرسي متحرك وقبله كذلك توفي جريح الثورة محمد الحنشي سنة 2016 بعد معاناة مع المرض فجرحى الثورة يفارقون الحياة ولم يعرفوا بعد من أصابهم بالرصاص ولم يعرفوا حقيقة مرتكبي الانتهاكات في حقهم.
اما بقية الجرحى فبعضهم يعيش نصف حياة بسبب الإصابات التي لحقتهم فاغلبيتهم مازالوا يعالجون بالمستشفيات ويعيشون بمسكنات الاوجاع بعد أن حرمتهم الإصابات التي لحقتهم من ممارسة حياتهم بصفة عادية.
جرحى ينتحرون
بالإضافة إلى الجرحى الذين يفارقون الحياة بعد صراع مع المرض هناك جرحى اختاروا وضع حد لحياتهم على غرار جريح الثورة ناجي الحفيان الذي فارق الحياة وهو لم يتخط بعد ربيعه السادس والعشرين بعد ان بلغ به اليأس مبلغه مما دفعه الى اضرام النار بجسده مما استوجب نقله الى مركز الاصابات والحروق البليغة ببنعروس لتلقي الاسعافات اللازمة الا ان جسده الضعيف لم يتمكن من مقاومة اثار الحروق البليغة التي لحقته وأتت على أنحاء عديدة من جسده حيث فارق الحياة .
وهو ثالث جريح ثورة يقدم على الانتحار بعد ان سبقه في ذلك جريح الثورة كمال عبادلية والذي اقدم على الانتحار سنة 2021 بعد ان اضرم النار في جسده أمام معتمدية سيدي بوزيد الغربية بعد ان كتب عبارات وعلقها بسور بلدية سيدي بوزيد تعبر عن يأسه من وضعيته الاجتماعية الصعبة، وقبله وتحديدا خلال شهر جوان 2020 اقدم كذلك جريح الثورة ماهر الحيزي على الانتحار بولاية القصرين نتيجة الوضعية الاجتماعية الصعبة التي يمر بها
ملفات عالقة
وأما الملفات القضائية المتعلقة بشهداء وجرحى الثورة فمازالت تراوح مكانها منذ سنوات أمام الدوائر المتخصصة في العدالة الانتقالية لا سيما وأن تركيبة الدوائر تعاني اليوم من شغور بعد الحركة القضائية الاخيرة التي شملت سبع دوائر في العدالة الانتقالية والتي يتلقى قضاتها تكوينا خاصا وهذا ما زاد في تعطيل مسار الملفات التي بقيت عالقة منذ نشرها سنة 2018.