في هذا العالم المتسارع لن يكون هناك مجال للتقاعس، بل مجاراة نسق التطور العلمي والتكنولوجي يمثل طوق النجاة
بقلم د. الصحراوي قمعون
صحفي باحث في علوم الإعلام والصحافة
تسارعت وتيرة التطور البشري خلال السنوات الأخيرة بشكل غير مسبوق في الحضارة البشرية ، وذلك بفضل التطور العلمي والتكنولوجي، وخاصة بفضل تطور وسائل الاتصال والتواصل البشري بشكل أصبحت فيه عشرية من الزمن الراهن تساوي قرنا كاملا في السابق ، والقرن يقارن بألف سنة من الزمن الغابر، في حين أصبحت السنة الحالية تقاس بعشرية من الزمن القريب جدا .
لقد سجل خلال العشرية الماضية (2010-2020)تطور سريع في وسائل التواصل والإعلام والصحافة الرقمية ودخول الذكاء الصناعي غمار عالم الخلق والإبداع الصحفي والأدبي بسرعة تطلبت استعمال كوابح وفرامل لهذا التطور الجنوني المخيف، حفاظا على أخلاقيات المهن الإبداعية ومورد رزق الصحافيين والمبدعين.
لقد زادت وتيرة التطور في تحويل المتلقي للمعلومة والرسالة الإعلامية إلى باث ومرسل ومتحكم فيها خلقت عالم حكم الجماهير أو عالم حكم الجماهيرية العظمى السياسية التي يختلط فيها الحابل بالنابل والعاقل بالمتطرف المتطاوس، كما في سوق عكاظ في جزيرة العرب الجاهلية سابقا.
حتمية الانتقال الرقمي الديجيتالي في المهن الإعلامية
كما تجاوز التطور المسجل بنظرية " القرية الكونية" التي بشر بها منذ ستينات القرن الماضي عالم الاتصال الكندي مارشال ماكلوهان الذي اعتبر أن اكتشاف المطبعة من طرف الألماني غوتمبارغ، عام 1453 خلق كرة أرضية جديدة أطلق عليها تسمية "كوكب غوتمبارغ" حملت اسم كتاب أصدره عام 1962 وهو " غالاكْسي غوتمبارغ" وفيه طرح نظريته حول تحول العالم إلى قرية كل سكانها يعرفون بعضهم البعض دون حدود جغرافية، كما يعرف القرويون تفاصيل شؤون بعضهم البعض . لكن تسارع وتيرة التطور البشري خلال العقد الأخير والعقود القليلة التي سبقته أحدث ثورة في واقع علاقات التواصل البشري السريع، وصولا إلى تحديات تحكم الذكاء الاصطناعي في مختلف شؤون الحياة .
لقد جاء هذا التسارع بشكل لم يسبق له مثيل في تاريخ الكرة الأرضية القديمة ، منذ أربعة مليارات سنة، حسب تقديرات وحسابات علماء الفيزياء والفلك، وحسب المعلومات التاريخية المتداولة في الموسوعات الورقية أو الالكترونية أو التي بحوزة الذكاء الاصطناعي الصاعد.
ونظرة سريعة تحوصل تاريخ الكوكب الأرضي تفيد أننا نشهد حقبة تاريخية لم يعرفها الإنسان منذ بداية وجوده على هذا الكوكب ، ولم يمر بها الكوكب منذ انقراض الديناصورات وبداية العصر الجليدي ٠ ذلك أن عمر الأرض بالمقارنة مع الكواكب الأخرى يبلغ حوالي خمسة مليارات سنة، ظهر خلالها الإنسان البدائي منذ أربعة مليارات ونصف مليون سنة فقط، أي بعد انقراض الديناصورات إثر ارتطام نيزك بالأرض، وذلك بستين مليون سنة كاملة، حسب أكثر النظريات قبولا من الناحية العلمية .
وقد ظهر الإنسان بشكله البشري الحديث كما هو حاليا، منذ أربعين ألف سنة فقط. وتمكّن من اكتشاف الزراعة منذ عشرة آلاف سنة٠ ثم اكتشف الكتابة منذ خمسة آلاف سنة ٠
وخلال الأربعة آلاف سنة الأخيرة ظهرت كل الحضارات القديمة المعروفة وهي الحضارة السومرية والفرعونية والإغريقية والقرطاجية والرومانية والبيزنطية والعربية الإسلامية والغربية الحالية .
ويؤكد علماء التاريخ أن المائتي سنة الماضية ( 1800/2000)، كانت مختلفة جذريا عن الأربعة آلاف التي سبقتها بفضل الاختراعات والاكتشافات العلمية التي حققتها فيها البشرية . وقد تمكن الإنسان من استغلال كل موارد الطاقة المتوفرة من نفط وغاز وفحم حجري وطاقة نووية وكهرباء . كما اكتشف البث الإذاعي والتلفزي والطائرات والفضاء وسافر إلى كواكب أخرى وقام بغزو الفضاء ونزل على سطح القمر ويستعد للنزول على سطح المريخ واستعماره واستغلال ثرواته، واستعمال القمر القريب كمحطة انطلاق نحو كواكب أخرى.
أما الخمسين سنة الماضية فكانت أيضا سريعة في الاكتشافات العلمية. وهي تمثل نقلة نوعية في التطور البشري تزيد في نسقها عن المائتي سنة الماضية من عمر البشرية . وقد ظهرت فيها حضارة البلاستيك التي عوضت حضارة الحديد والمعادن المعروفة منذ ألاف السنين . كما سجلت فيها اكتشافات عديدة لفائدة البشرية مثل المضادات الحيوية. وتم فيها القضاء علي الأمراض والأوبئة التي كانت في السابق تبيد شعوبا وحضارات بأكملها وفي مقدمتها الطاعون والكوليرا .
أما أخر عشرين سنة من حياة الكوكب وساكنيه من البشر، فقد كانت مختلفة بشكل صاروخي عما سبقها ٠فقد ظهرت فيها الشبكة العنكبوتية للأنترنت ومختلف أجيال الهواتف الجوالة المتناسلة تناسل الانفجار الديمغرافي دون تنظيم عائلي او تحديد للنسل .
ويحلو للبعض المقارنة بين الفرق الزمني بين اكتشاف الفلاحة واكتشاف الكتابة والتي تبلغ خمسة آلاف سنة كاملة حتى استطاع الإنسان الفلاح فيها أن يكتب حرفا .
وفي الماضي قضى العرب المسلمون قرنين كاملين زمن الخليفة العباسي الليبرالي وباعث "بيت الحكمة" في بغداد، لترجمة الآثار العلمية والفلسفية للإغريق والفرس والهنود. وقضت أوروبا عصر النهضة بعد تخلفها في العصور الوسطي نفس المدة من قرنين من الزمن مع بداية نهضتها في القرن الخامس عشر، لترجمة أثار الإغريق والعرب المسلمين . واليوم يمكن اختزال ذينك القرنين من الزمن في عشرين سنة بفضل التطور السريع لانتشار وتوسع تراسل المعلومات الحينية بين الجامعات والمكتبات عبر النّات. وفي السابق تطلب الأمر شهرين كاملين ليصل خبر موت الإمبراطور الفرنسي نابليون بونابارت إلي باريس من مكان نفيه في جزيرة سانت هيلان البريطانية في قلب المحيط الهادي وذلك بسبب بطء الاتصالات التقليدية التي تسير بالمراكب الشراعية.
واليوم أيضا، عشر سنوات كانت كافية حتى ننتقل بيسر وسرعة من الهاتف الأرضي البدائي إلى الهاتف الذكي المزود بالانترنت والمتوفر للجميع كبارا وصغارا.
سؤال المستقبل
ويطرح السؤال الآن : كيف ستكون الأجيال القادمة بعد خمسة آلاف سنة أو خمسمائة سنة أو خمسين سنة من هذا العصر مقارنة بما سبقه ٠ إنه عصر الذكاء الاصطناعي مع ظهور الإنسان الجديد الذي لا تعرف ملامحه إلا في سيناريوهات أفلام الخيال العلمي الذي تتحفنا به السينما الخيالية في ناتفليكس والتي تحققت في الواقع بعض من المعجزات التي بشرت بها سينمائيا .
في هذا العالم السريع المتسارع لن يكون هناك مجال للتقاعس والنوم نومة أهل الكهف، بل إن مجاراة نسق التطور العلمي والتكنولوجي يمثل طوق النجاة للإنسان والشركات العاملة في المجال، والتي تجد نفسها على قارعة الطريق العلمي، إذا لم تبادر بالتغيير.
منذ عشرين سنة كانت الشركة الفنلندية الرائدة في اتصالات الهاتف الجوال "نوكيا"، أكبر شركة مهيمنة على السوق العالمية. ولكنها الآن أصبحت في خبر كانَ وعوضتها شركة سامسونع الكورية الجنوبية وشركة هْواوي الصينية . وخلال المؤتمر الصحفي للإعلان عن نهاية شركة نوكيا التي تم شراؤها من شركة ميكروسوفت ، قال المدير التنفيذي لها بحرقة وألم :"نحن لم نفعل أي شيء خاطئ، لكن بطريقة ما، خسرنا". وخسرت الشركة ريادتها لأنّها لم تتجدد وغاب عنها التعلم، ففقدت فرصة لتبقى شركة عملاقة فتراجعت وابتلعتها شركة أخرى، لأن العالم تغير بسرعة كبيرة.
ونفس الأمر ينطبق على وسائل الإعلام المكتوبة أو المسموعة أو المرئية أو الالكترونية التي نشاهد اندثارا لكثير منها إذا لم تتجدد مع واقع السوق الإعلامية التنافسية على غرار وكالة الأنباء الأمريكية "يونايْتد براس أنترناشيونال" (يو. بي. أي) التي ظلت منذ تأسيسها عام 1907 رائدة في السوق الأمريكية والعالمية ولكنها لم تستطع التأقلم مع التطور الرقمي ففقدت الريّادة واندثرت في تسعينات القرن الماضي. ونفس الأمر والمآل ينطبق على مختلف وسائل الإعلام والصحافة التقليدية صورة عدم إنجاح انتقالها الرقمي الديجيتالي ولو على مراحل بطيئة.
وتلك سنة التطور البشري السريع او البطيء كما حددها بن خلدون في مقدمته الشهيرة .
والسؤال المطروح : هل مازال اليوم مكان لوكالات الأنباء والصحافة المكتوبة في ظل زحمة وتخمة الإخبار الحيني على مدار الساعة في مختلف مواقع ومنصات الأخبار السيار .
الجواب : نعم .
يمكن التفاعل مع هذا الرأي عبر البريد الالكتروني أو الصفحات الفايسبوكية والميسنجرية أو الإكسية ، تويتر سابقا .
في هذا العالم المتسارع لن يكون هناك مجال للتقاعس، بل مجاراة نسق التطور العلمي والتكنولوجي يمثل طوق النجاة
بقلم د. الصحراوي قمعون
صحفي باحث في علوم الإعلام والصحافة
تسارعت وتيرة التطور البشري خلال السنوات الأخيرة بشكل غير مسبوق في الحضارة البشرية ، وذلك بفضل التطور العلمي والتكنولوجي، وخاصة بفضل تطور وسائل الاتصال والتواصل البشري بشكل أصبحت فيه عشرية من الزمن الراهن تساوي قرنا كاملا في السابق ، والقرن يقارن بألف سنة من الزمن الغابر، في حين أصبحت السنة الحالية تقاس بعشرية من الزمن القريب جدا .
لقد سجل خلال العشرية الماضية (2010-2020)تطور سريع في وسائل التواصل والإعلام والصحافة الرقمية ودخول الذكاء الصناعي غمار عالم الخلق والإبداع الصحفي والأدبي بسرعة تطلبت استعمال كوابح وفرامل لهذا التطور الجنوني المخيف، حفاظا على أخلاقيات المهن الإبداعية ومورد رزق الصحافيين والمبدعين.
لقد زادت وتيرة التطور في تحويل المتلقي للمعلومة والرسالة الإعلامية إلى باث ومرسل ومتحكم فيها خلقت عالم حكم الجماهير أو عالم حكم الجماهيرية العظمى السياسية التي يختلط فيها الحابل بالنابل والعاقل بالمتطرف المتطاوس، كما في سوق عكاظ في جزيرة العرب الجاهلية سابقا.
حتمية الانتقال الرقمي الديجيتالي في المهن الإعلامية
كما تجاوز التطور المسجل بنظرية " القرية الكونية" التي بشر بها منذ ستينات القرن الماضي عالم الاتصال الكندي مارشال ماكلوهان الذي اعتبر أن اكتشاف المطبعة من طرف الألماني غوتمبارغ، عام 1453 خلق كرة أرضية جديدة أطلق عليها تسمية "كوكب غوتمبارغ" حملت اسم كتاب أصدره عام 1962 وهو " غالاكْسي غوتمبارغ" وفيه طرح نظريته حول تحول العالم إلى قرية كل سكانها يعرفون بعضهم البعض دون حدود جغرافية، كما يعرف القرويون تفاصيل شؤون بعضهم البعض . لكن تسارع وتيرة التطور البشري خلال العقد الأخير والعقود القليلة التي سبقته أحدث ثورة في واقع علاقات التواصل البشري السريع، وصولا إلى تحديات تحكم الذكاء الاصطناعي في مختلف شؤون الحياة .
لقد جاء هذا التسارع بشكل لم يسبق له مثيل في تاريخ الكرة الأرضية القديمة ، منذ أربعة مليارات سنة، حسب تقديرات وحسابات علماء الفيزياء والفلك، وحسب المعلومات التاريخية المتداولة في الموسوعات الورقية أو الالكترونية أو التي بحوزة الذكاء الاصطناعي الصاعد.
ونظرة سريعة تحوصل تاريخ الكوكب الأرضي تفيد أننا نشهد حقبة تاريخية لم يعرفها الإنسان منذ بداية وجوده على هذا الكوكب ، ولم يمر بها الكوكب منذ انقراض الديناصورات وبداية العصر الجليدي ٠ ذلك أن عمر الأرض بالمقارنة مع الكواكب الأخرى يبلغ حوالي خمسة مليارات سنة، ظهر خلالها الإنسان البدائي منذ أربعة مليارات ونصف مليون سنة فقط، أي بعد انقراض الديناصورات إثر ارتطام نيزك بالأرض، وذلك بستين مليون سنة كاملة، حسب أكثر النظريات قبولا من الناحية العلمية .
وقد ظهر الإنسان بشكله البشري الحديث كما هو حاليا، منذ أربعين ألف سنة فقط. وتمكّن من اكتشاف الزراعة منذ عشرة آلاف سنة٠ ثم اكتشف الكتابة منذ خمسة آلاف سنة ٠
وخلال الأربعة آلاف سنة الأخيرة ظهرت كل الحضارات القديمة المعروفة وهي الحضارة السومرية والفرعونية والإغريقية والقرطاجية والرومانية والبيزنطية والعربية الإسلامية والغربية الحالية .
ويؤكد علماء التاريخ أن المائتي سنة الماضية ( 1800/2000)، كانت مختلفة جذريا عن الأربعة آلاف التي سبقتها بفضل الاختراعات والاكتشافات العلمية التي حققتها فيها البشرية . وقد تمكن الإنسان من استغلال كل موارد الطاقة المتوفرة من نفط وغاز وفحم حجري وطاقة نووية وكهرباء . كما اكتشف البث الإذاعي والتلفزي والطائرات والفضاء وسافر إلى كواكب أخرى وقام بغزو الفضاء ونزل على سطح القمر ويستعد للنزول على سطح المريخ واستعماره واستغلال ثرواته، واستعمال القمر القريب كمحطة انطلاق نحو كواكب أخرى.
أما الخمسين سنة الماضية فكانت أيضا سريعة في الاكتشافات العلمية. وهي تمثل نقلة نوعية في التطور البشري تزيد في نسقها عن المائتي سنة الماضية من عمر البشرية . وقد ظهرت فيها حضارة البلاستيك التي عوضت حضارة الحديد والمعادن المعروفة منذ ألاف السنين . كما سجلت فيها اكتشافات عديدة لفائدة البشرية مثل المضادات الحيوية. وتم فيها القضاء علي الأمراض والأوبئة التي كانت في السابق تبيد شعوبا وحضارات بأكملها وفي مقدمتها الطاعون والكوليرا .
أما أخر عشرين سنة من حياة الكوكب وساكنيه من البشر، فقد كانت مختلفة بشكل صاروخي عما سبقها ٠فقد ظهرت فيها الشبكة العنكبوتية للأنترنت ومختلف أجيال الهواتف الجوالة المتناسلة تناسل الانفجار الديمغرافي دون تنظيم عائلي او تحديد للنسل .
ويحلو للبعض المقارنة بين الفرق الزمني بين اكتشاف الفلاحة واكتشاف الكتابة والتي تبلغ خمسة آلاف سنة كاملة حتى استطاع الإنسان الفلاح فيها أن يكتب حرفا .
وفي الماضي قضى العرب المسلمون قرنين كاملين زمن الخليفة العباسي الليبرالي وباعث "بيت الحكمة" في بغداد، لترجمة الآثار العلمية والفلسفية للإغريق والفرس والهنود. وقضت أوروبا عصر النهضة بعد تخلفها في العصور الوسطي نفس المدة من قرنين من الزمن مع بداية نهضتها في القرن الخامس عشر، لترجمة أثار الإغريق والعرب المسلمين . واليوم يمكن اختزال ذينك القرنين من الزمن في عشرين سنة بفضل التطور السريع لانتشار وتوسع تراسل المعلومات الحينية بين الجامعات والمكتبات عبر النّات. وفي السابق تطلب الأمر شهرين كاملين ليصل خبر موت الإمبراطور الفرنسي نابليون بونابارت إلي باريس من مكان نفيه في جزيرة سانت هيلان البريطانية في قلب المحيط الهادي وذلك بسبب بطء الاتصالات التقليدية التي تسير بالمراكب الشراعية.
واليوم أيضا، عشر سنوات كانت كافية حتى ننتقل بيسر وسرعة من الهاتف الأرضي البدائي إلى الهاتف الذكي المزود بالانترنت والمتوفر للجميع كبارا وصغارا.
سؤال المستقبل
ويطرح السؤال الآن : كيف ستكون الأجيال القادمة بعد خمسة آلاف سنة أو خمسمائة سنة أو خمسين سنة من هذا العصر مقارنة بما سبقه ٠ إنه عصر الذكاء الاصطناعي مع ظهور الإنسان الجديد الذي لا تعرف ملامحه إلا في سيناريوهات أفلام الخيال العلمي الذي تتحفنا به السينما الخيالية في ناتفليكس والتي تحققت في الواقع بعض من المعجزات التي بشرت بها سينمائيا .
في هذا العالم السريع المتسارع لن يكون هناك مجال للتقاعس والنوم نومة أهل الكهف، بل إن مجاراة نسق التطور العلمي والتكنولوجي يمثل طوق النجاة للإنسان والشركات العاملة في المجال، والتي تجد نفسها على قارعة الطريق العلمي، إذا لم تبادر بالتغيير.
منذ عشرين سنة كانت الشركة الفنلندية الرائدة في اتصالات الهاتف الجوال "نوكيا"، أكبر شركة مهيمنة على السوق العالمية. ولكنها الآن أصبحت في خبر كانَ وعوضتها شركة سامسونع الكورية الجنوبية وشركة هْواوي الصينية . وخلال المؤتمر الصحفي للإعلان عن نهاية شركة نوكيا التي تم شراؤها من شركة ميكروسوفت ، قال المدير التنفيذي لها بحرقة وألم :"نحن لم نفعل أي شيء خاطئ، لكن بطريقة ما، خسرنا". وخسرت الشركة ريادتها لأنّها لم تتجدد وغاب عنها التعلم، ففقدت فرصة لتبقى شركة عملاقة فتراجعت وابتلعتها شركة أخرى، لأن العالم تغير بسرعة كبيرة.
ونفس الأمر ينطبق على وسائل الإعلام المكتوبة أو المسموعة أو المرئية أو الالكترونية التي نشاهد اندثارا لكثير منها إذا لم تتجدد مع واقع السوق الإعلامية التنافسية على غرار وكالة الأنباء الأمريكية "يونايْتد براس أنترناشيونال" (يو. بي. أي) التي ظلت منذ تأسيسها عام 1907 رائدة في السوق الأمريكية والعالمية ولكنها لم تستطع التأقلم مع التطور الرقمي ففقدت الريّادة واندثرت في تسعينات القرن الماضي. ونفس الأمر والمآل ينطبق على مختلف وسائل الإعلام والصحافة التقليدية صورة عدم إنجاح انتقالها الرقمي الديجيتالي ولو على مراحل بطيئة.
وتلك سنة التطور البشري السريع او البطيء كما حددها بن خلدون في مقدمته الشهيرة .
والسؤال المطروح : هل مازال اليوم مكان لوكالات الأنباء والصحافة المكتوبة في ظل زحمة وتخمة الإخبار الحيني على مدار الساعة في مختلف مواقع ومنصات الأخبار السيار .
الجواب : نعم .
يمكن التفاعل مع هذا الرأي عبر البريد الالكتروني أو الصفحات الفايسبوكية والميسنجرية أو الإكسية ، تويتر سابقا .