نحتاج أحيانا إلى تسليط الضوء على الفاشلين، الخاسرين، كبارا وصغارا، أولئك الذين تمكن بعضهم، من إثارة انبهار كبير في لحظة ثورية ما.
ليس من هدف وراء ذلك إلاّ فهم معنى "السياسة السلبية" وإظهار ما يعنيه أن تكون "خاسرا " أو "فاشلا" في السياسة.
إنّ أهم سلاح يمكن توظيفه ضدّ خصم سياسي، تأجيج عدم الثقة العامة حوله، من خلال إعطاء صورة هذه الشخصيات العامة التي "تسعى فقط إلى الصمود"، بمجرد وصولها إلى السلطة"، حيث "لا يشعر الأبطال بالفشل إلا بالكاد لأنه الأفق الذي لا ينفصل عن هذا النشاط الاجتماعي".
تثير فكرة الفشل في السياسة في حد ذاتها تساؤلات، لأنها تتعلق بفكر وتنظيم سياسي يتميز بـ"نزعة محافظة قوية للغاية" حيث يحصل منظّرو العودة القديمة في كثير من الأحيان على نتائج حاسمة من تلقاء أنفسهم.
إن أخطر ما يمكن ن يبتلى به الفعل السياسي هو أن تسكن اللاّعبين فيه صفة العناية الإلهية بالتالي الخلود في المنصب .
ألم يعلن السيد نور الدين البحيري في فترة ما أنّ "النهضة" جاءت لتحكم تونس خلال الخمسين سنة القادمة، بأن جعل قيادتها محكومة بالبقاء نوعا ما ولو بوهم القوة والإفراط في الثقة بالنفس .
إن الفشل في السياسة ليس إلاّ نتيجة هذا الانفصال المستمر بين الحلم أو الخيال السياسي وأفق المثالي الذي لا يتوقف أبدا عن تغذيته والتجربة الملموسة للواقع الذي شكله .
أغرت قوَة "النهضة" واحتكارها للفضاء الديني العام بما مكنها من شعبية خاصة في الأحياء والمدن الداخلية عديد الفاعلين السياسيين الطموحين لأدوار متقدمة في السلطة .
أوّل هؤلاء الوزير الأول الأسبق محمد مزالي الذي عبر وسطاء "خيّرين" طمح في كسب الحركة الى جانبه الى درجة الدخول في مفاوضات سرية مباشرة مع قيادتها حتى وهي تقبع في السجن .
إذ كان مزالي يقوم بإخراج هذه القيادة من زنزاناتها بالسجن ليلا ويلتقي بها في بيته في سكرة سرّا للتفاوض وتوفير صيغة تحالف: الاعتراف بحزب إسلامي مقابل الدعم له في معركة خلافة الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة.
الرئيس الراحل الآخر زين العابدين بن علي مباشرة بعد 7 نوفمبر 1987 سعى الى مهادنة الحركة و "تونستها" والقطع مع "الأخونة"، مكّنها من الانخراط في مشروعه السياسي والمشاركة بقائمات مستقلة في انتخابات 1989، لكن لم تدم "فترة العسل" طويلا لتحصل القطيعة والصدام وبعدها المحاكمات .
حتى جاءت المصاهرة مع صخر الماطري الذي كان له الدور الكبير في عودة الاتصالات ولو عبر رسائل سرية بين القصر وقيادات من "النهضة" دعمتها مساعي وساطة أخرى حاول القيام بها صاحب قناة "المستقلّة" بلندن محمد الهاشمي الحامدي، الى أن حصل الانقلاب على "صانع التغيير نفسه" ويكون المستفيد الأكبر "النهضة" التي نجحت في اختراق كلّ الأحزاب وإحداث الانقسامات داخلها طمعا بالاستفراد بالساحة السياسية، ولعلّ من دفع الفاتورة باهظة هو حزب نداء تونس، إذ طمع الرئيس الراحل المرحوم الباجي قائد السبسي وبضغط عائلي ومن بعض مقرّبيه وهو صاحب تلك المقولة الشهيرة: "النداء والنهضة عبارة عن خطّيْن متوازييْن لا يلتقيان إلا بإذن الله.. وإذا التقيا فلا حول ولا قوة إلا بالله " !! الى عقد تحالف مع رئيس الحركة راشد الغنوشي (اجتماع باريس الشهير) انتصارا لتصعيد ابنه حافظ قائد السبسي لقيادة النداء" ومأسسة مرحلة سياسية جديدة تدخلها البلاد وهي "التوافق" .
استفادت النهضة من هذه التجربة السياسية لتفكّ العزلة التي كانت تتهدّدها وتمتصّ الغضب الشعبي الذي بدا يتنامي بعد الاغتيالات السياسية وفشل الحكومات المتعاقبة في تحقيق أي انجاز تنموي للبلاد !!.
في الشطرنج لا يلوم المرء نفسه إلا إذا انهزم .
في تقدير موقف، فان "النهضة" لم تفشل، فهي ببساطة طرحت ألف حلٍ لا يعمل !!
بالتالي من الأفضل أن ترضى بما فشلت فيه فقط لأنه لا قوة لها على معايشة فشل آخر !
(للحديث صلة).
يرويها: أبوبكر الصغير
نحتاج أحيانا إلى تسليط الضوء على الفاشلين، الخاسرين، كبارا وصغارا، أولئك الذين تمكن بعضهم، من إثارة انبهار كبير في لحظة ثورية ما.
ليس من هدف وراء ذلك إلاّ فهم معنى "السياسة السلبية" وإظهار ما يعنيه أن تكون "خاسرا " أو "فاشلا" في السياسة.
إنّ أهم سلاح يمكن توظيفه ضدّ خصم سياسي، تأجيج عدم الثقة العامة حوله، من خلال إعطاء صورة هذه الشخصيات العامة التي "تسعى فقط إلى الصمود"، بمجرد وصولها إلى السلطة"، حيث "لا يشعر الأبطال بالفشل إلا بالكاد لأنه الأفق الذي لا ينفصل عن هذا النشاط الاجتماعي".
تثير فكرة الفشل في السياسة في حد ذاتها تساؤلات، لأنها تتعلق بفكر وتنظيم سياسي يتميز بـ"نزعة محافظة قوية للغاية" حيث يحصل منظّرو العودة القديمة في كثير من الأحيان على نتائج حاسمة من تلقاء أنفسهم.
إن أخطر ما يمكن ن يبتلى به الفعل السياسي هو أن تسكن اللاّعبين فيه صفة العناية الإلهية بالتالي الخلود في المنصب .
ألم يعلن السيد نور الدين البحيري في فترة ما أنّ "النهضة" جاءت لتحكم تونس خلال الخمسين سنة القادمة، بأن جعل قيادتها محكومة بالبقاء نوعا ما ولو بوهم القوة والإفراط في الثقة بالنفس .
إن الفشل في السياسة ليس إلاّ نتيجة هذا الانفصال المستمر بين الحلم أو الخيال السياسي وأفق المثالي الذي لا يتوقف أبدا عن تغذيته والتجربة الملموسة للواقع الذي شكله .
أغرت قوَة "النهضة" واحتكارها للفضاء الديني العام بما مكنها من شعبية خاصة في الأحياء والمدن الداخلية عديد الفاعلين السياسيين الطموحين لأدوار متقدمة في السلطة .
أوّل هؤلاء الوزير الأول الأسبق محمد مزالي الذي عبر وسطاء "خيّرين" طمح في كسب الحركة الى جانبه الى درجة الدخول في مفاوضات سرية مباشرة مع قيادتها حتى وهي تقبع في السجن .
إذ كان مزالي يقوم بإخراج هذه القيادة من زنزاناتها بالسجن ليلا ويلتقي بها في بيته في سكرة سرّا للتفاوض وتوفير صيغة تحالف: الاعتراف بحزب إسلامي مقابل الدعم له في معركة خلافة الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة.
الرئيس الراحل الآخر زين العابدين بن علي مباشرة بعد 7 نوفمبر 1987 سعى الى مهادنة الحركة و "تونستها" والقطع مع "الأخونة"، مكّنها من الانخراط في مشروعه السياسي والمشاركة بقائمات مستقلة في انتخابات 1989، لكن لم تدم "فترة العسل" طويلا لتحصل القطيعة والصدام وبعدها المحاكمات .
حتى جاءت المصاهرة مع صخر الماطري الذي كان له الدور الكبير في عودة الاتصالات ولو عبر رسائل سرية بين القصر وقيادات من "النهضة" دعمتها مساعي وساطة أخرى حاول القيام بها صاحب قناة "المستقلّة" بلندن محمد الهاشمي الحامدي، الى أن حصل الانقلاب على "صانع التغيير نفسه" ويكون المستفيد الأكبر "النهضة" التي نجحت في اختراق كلّ الأحزاب وإحداث الانقسامات داخلها طمعا بالاستفراد بالساحة السياسية، ولعلّ من دفع الفاتورة باهظة هو حزب نداء تونس، إذ طمع الرئيس الراحل المرحوم الباجي قائد السبسي وبضغط عائلي ومن بعض مقرّبيه وهو صاحب تلك المقولة الشهيرة: "النداء والنهضة عبارة عن خطّيْن متوازييْن لا يلتقيان إلا بإذن الله.. وإذا التقيا فلا حول ولا قوة إلا بالله " !! الى عقد تحالف مع رئيس الحركة راشد الغنوشي (اجتماع باريس الشهير) انتصارا لتصعيد ابنه حافظ قائد السبسي لقيادة النداء" ومأسسة مرحلة سياسية جديدة تدخلها البلاد وهي "التوافق" .
استفادت النهضة من هذه التجربة السياسية لتفكّ العزلة التي كانت تتهدّدها وتمتصّ الغضب الشعبي الذي بدا يتنامي بعد الاغتيالات السياسية وفشل الحكومات المتعاقبة في تحقيق أي انجاز تنموي للبلاد !!.
في الشطرنج لا يلوم المرء نفسه إلا إذا انهزم .
في تقدير موقف، فان "النهضة" لم تفشل، فهي ببساطة طرحت ألف حلٍ لا يعمل !!
بالتالي من الأفضل أن ترضى بما فشلت فيه فقط لأنه لا قوة لها على معايشة فشل آخر !