إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

مآسي التونسيين في مراكز الايقاف الإيطالية.. الملف المسكوت عنه..

الترحيل هو أكبر عقوبة من الممكن أن تسلّط على المهاجر غير الشرعي الذي خاطر بحياته وبأمواله وحمل معه أحلامه

بقلم:ريم بالخذيري

لغاية سنة 2015 لم تكن ظاهرة الهجرة الغير شرعية قضية دولية تقام حولها المنتديات والاجتماعات وتعقد بشأنها الاتفاقيات بل كانت شأنا داخليا تعالجه كل دولة منفردة أو بصفة ثنائية. لكن التاريخ المذكور عرف بعام أزمة المهاجرين أو اللاجئين حيث تميزت بوصول عدد كبير من الأشخاص إلى الاتحاد الأوروبي عبر البحر الأبيض المتوسط أو برًا عبر جنوب شرق أوروبا في أعقاب أزمة اللجوء في تركيا والتي فجرتها الأحداث في سوريا وفي العراق . وتواصلت هذه الأزمة لبداية السنة 2019 بعد التوصل لاتفاقية الهجرة الشهيرة مع تركيا وأعلنت حينها المفوضية الأوروبية بأن أزمة اللاجئين قد انتهت.

أمّا أزمة المهاجرين من تونس فتاريخها يعود الى سنة 2011 خلال الأحداث التي عاشتها البلاد والتي اتسمت بفراغ أمني نتج عنه وصول ما لا يقل عن 26 ألفا تونسيا الى السواحل الإيطالية. وقد تم التعامل معهم بمرونة ومنح أغلبهم اللجوء والإقامة وتسهيل العبور من إيطاليا باعتبار أن تونس خلال تلك الفترة لم تكن بلدا آمنا بالنسبة للأوروبيين ليقفز هذا العدد في سنة 2017 الى 40 ألف مهاجرا وقد تضاعف هذا العدد في السنوات الست الأخيرة إضافة الى مثلهم من الأفارقة عبروا المتوسط من خلال السواحل التونسية وهو ما أعاد قضية الهجرة تطفو على سطح الأحداث الإقليمية من جديد. وما فجّر الأزمة أكثر هو عدم اعتبار تونس بلدا ليس آمنا وبالتالي فقد عادت إيطاليا لتفعيل اتفاقية الترحيل الممضاة مع تونس وهي بصدد ممارسة ضغوط لسحبها حتى على غير التونسيين لإعادتهم الى تونس.

وقد بدأت فعليا في تنفيذها منذ 10 أوت 2020 بمعدل 80 ترحيلا أسبوعيا. وفق ما أعلن عن ذلك وزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو في مقابلة مع وكالة الأنباء الفرنسية نشرت في 8 أوت 2020، مشيرا الى أن 45 بالمائة من الذين يدخلون بلاده من طريق البحر هم تونسيون.

ووفق آخر الأرقام فقد تم منذ غرة جانفي إلى غاية 31 أوت 2023 تم ترحيل ما لا عن 1441 مهاجرا تونسيا .من جملة حوالي 4000 مقيمين بمراكز الاحتجاز والترحيل .

لكن ما الذي يتمّ قبل الترحيل؟ وما هي ظروف الاحتجاز؟ ولماذا التونسيين دون غيرهم معنيين بكابوس الترحيل؟

الترحيل هو أكبر عقوبة من الممكن أن تسلّط على المهاجر غير الشرعي الذي خاطر بحياته وبأمواله وحمل معه أحلامه وأحلام عائلته ليصل الى الجنة الموعودة كما يتصورها وبالتالي اعادته الى بلده كما رحل هو بمثابة اصدار حكم الإعدام عنه وبالفعل فقد أقدم عدد من التونسيين الى الانتحار ومحاولات الانتحار في مراكز الاحتجاز والترحيل هذه. كما أن كثير منهم أصيب بعاهات دائمة وهو يحاولون الفرار من شبح الترحيل.

ويرى التونسيون في إيطاليا أنهم مستهدفون دون غيرهم بسياسة الترحيل هذه على اعتبار أن بقية الجنسيات الافريقية لاتربط دولها اتفاقيات من هذا النوع مع إيطاليا لأن أغلب هذه الدول لا تعتبر دولا آمنة على غرار تونس .

المعنيون بالترحيل أو من طالبي اللجوء يتم ايداعهم في مراكز هي أشبه الى السجون منها الى مآوي استقبال المهاجرين غير الشرعيين والتي تقدّم فيها المساعدات والإسعافات الضرورية. وهي تقريبا مغلقة أمام الاعلام وأمام الناشطين الحقوقيين والجمعيات الإنسانية. وقد كانت المدة القصوى للإقامة في هذه المراكز 90 يوما لكن قانونا إيطاليا سنّ مؤخرا مدّد هذه المدة الى 180 يوما تنتهي امّا بالترحيل أو بقبول طلب اللجوء.

وقد اعتبر عدد من المهاجرين أنّ التمديد في فترة الإيقاف هذه هي بمثابة القتل البطيء حيث تمارس فيها كل أشكال التعنيف والتنكيل والتجريد من الإنسانية.

وللخروج من هذا الجحيم وجب دفع مبلغ 4938 أورو (حوالي 15ألف دينار تونسي) بالنسبة المهاجرين القادمين من دول آمنة مثل تونس وهو ما يستحيل على أغاب المقيمين فيها .

وفي هذه الأماكن لا يحق للمهاجر الاحتجاج أو التذمر وهو مهدد بعقوبات صارمة أعلن عنها أعلنها وزير الداخلية الإيطالي حيث صرّح أن أي مهاجر يعترض ويحتج على ظروف الإقامة وظروف الترحيل في مراكز الحجز والترحيل يعرض نفسه لعقوبة سجن تصل لمدة 6 سنوات ومثلها لكل من ينخرط العملية أو يتضامن مع المحتجين.

ويعرّف القانون الإيطالي مراكز تحديد الهوية والترحيل على أنها مراكز يحتجز فيها المواطنون من خارج دول الاتحاد الأوروبي الذين لا يملكون تصاريح إقامة نظامية ريثما يتم ترحيلهم. ولا يرتكب الأشخاص المحتجزين في مراكز تحديد الهوية والترحيل عادةً جرائما تبرر احتجازهم سوى تهمة اجتياز الحدود. ويوجد حالياً خمسة مراكز تحديد هوية وترحيل في إيطاليا، في كل من روما وكالتانيسيتا وباري وتورين وتراباني. وبدأت الحكومة الإيطالية في انشاء خمسة مراكز أخرى .

ووفقاً للمرسوم رقم 142/2015 فيمكن احتجاز المهاجر الغير شرعي في حالات محددة وهي ارتكاب جريمة خطيرة. أو اذا كان يشكل خطراً على النظام العام وأمن الدولة. وثالث الأسباب التي تتذرع به السلط الإيطالية وبه تملأ مراكز الاحتجاز بالتونسيين هو التخوف من الهروب أو، تقديم الشخص لمعلومات خاطئة لتجنب أمر الترحيل. ولا يجب أن يجب أن يطبّق هذا الحجز في صورة تدابير قسرية بديلة.

هذا بالإضافة الى اعتماد قانون الحجز الإداري لتقييد حرية الأجانب المتواجدين دون تصريح إقامة من خلال حجزهم في منشأة خاصة بهدف تحديد هويتهم وترحيلهم. وهو في الأصل لا يعتبر عقاباً على جريمة مرتكبة، ولا يتضمن محاكمة ولا يتطلب حكماً قضائياً، بل هو نظام يحرم الفرد من حرياته الأساسية بعد خرقه لأحد القوانين الإدارية مثل عدم حيازته لتصريح إقامة.لكن كل مراكز الاحتجاز حادت عن أهدافها وتخترق القانون يوميا .

والخطير في الأمر أن السلطات الإيطالية ليس لديها اشراف مباشر على هذه المراكز انمّا يتم اسنادها لشركات خاصة لإدارتها وعادة ما تكون المراقبة لها ضعيفة ومغلقة أمام الرقابة المجتمعية والإعلامية كما قلنا فتحوّلت بذلك الى مسارح للتعذيب والتنكيل .

وفي خطوة لذر الرماد على الأعين قررت السلطات الإيطالية الأسبوع الفارط إيقاف الشركة المسؤولة التي تدير مركز الحجز والترحيل في مدينة ميلانو وتعيين "مفوض حكومي" لإدارة المركز. ويأتي هذا القرار بعد تتالي الشهادات حول ما يحدث من أكل منتهي الصلوحية. وعدم توفير أغطية وملابس للمهاجرين وتتالي. الاعتداءات عليهم .أمّا الأخطر فهو اعطاؤهم أدوية مخدّرة ليسهل السيطرة عليهم .

ويعتبر ملف المراكز هذا محرج للحكومة الإيطالية لأن ما يحدث فيها لا يرقى الى المعاملة الإنسانية وبالتالي فقد فكرت في فتح مركزين كبيرين في ألبانيا الدولة سيئة السمعة في حقوق الانسان وفي الاتجار بالأعضاء البشرية وقامت بامضاء اتفاقية مع الحكومة الألبانية في خطوة فاجأت الاتحاد الأوروبي الذي صرّح مسؤولون فيه حينها بأن روما تصرفت منفردة في ملف خطير. لكن من حسن حظ المهاجرين التونسيين أنّ المحكمة الدستورية أسقطت الاتفاقية واعتبرت غير دستورية .

ردّ الاعتبار وتنقيح الاتفاقية..

كما أسلفنا الذكر فان تونس من بين الدول القليلة الممضية على اتفاقية ترحيل لمهاجريها غير الشرعيين في أوروبا وخاصة في إيطاليا وهو جعل العديد من الحقوقيين يطالبون بتعديل هذه الاتفاقية أو حتى الغائها.

هذه الاتفاقية تسببت في مأسي كثيرة بين المهاجرين من بينها حالات انتحار وعاهات مستدامة بسبب محاولات البعض الهرب من مراكز الايقاف لتجنب الترحيل.

لكن الاخطر هو اتهامات للسلط الأمنية الايطالية بتخدير هؤلاء بصفة مباشرة أو عن طريق الأكل أولا للسيطرة عليهم وثانيا ليسهل ترحيلهم.

وقد توالت الشهادات على هذا السلوك الغير قانوني من ضحايا داخل هذه المراكز ومن تونسيين مقيمين هناك. وحتى الصحافة الايطالية عادة ما تنشر القليل من كثير مما يحدث هناك. أما الأخطر إن ثبت فهو أن عملية التخدير والتكبيل تتم بحضور دبلوماسيين تونسيين يشرفون على ترحيل هؤلاء وفق تأكيدات لبعض الناشطين في المجتمع المدني من التونسيين بإيطاليا.

هذا الأمر خطير ويتعارض مع كل معاهدات الهجرة واللجوء والقوانين الإنسانية. وعلى السلط التونسية فتح بحث جدي في هذه الاتهامات. وفي كل الحالات على ايطاليا التوقف عن معاملة المرحلين كإرهابيين (تخدير وتكبيل الايدي والرجلين..).

كما يطالب عدد من المحتجزين التونسيين وعائلاتهم بفتح هذه المراكز أمام المنظمات والجمعيات التونسية للوقوف على ظروف الاحتجاز التي يبدو أنها تتعدّى التعذيب والتخدير الى جرائم أخرى تتعلق بانتزاع أعضاء واتجار بالبشر.

غير مرغوب فيهم..

في المحصلة ومع الأسف لم يعد التونسيون الوافدين على ايطاليا مرغوب فيهم لعدد من الأسباب يطول شرحها أهمها السمعة "السيئة" التي التصقت بعدد كبير منهم بسبب قلة احترفت الإجرام والنهب وترويج المخدرات. لكن هذه المعاملة بدأت تسحب على الكل ونتذكر أزمة التاشيرات للطلبة والباحثين الدكاترة حينما اخضعوا لمقابلة تأشيرة حتى للذين تحصلوا عليها سابقا فضلا عن الاسئلة الغريبة التي وجهت لهم من قبيل "ماهو موقفك من القضية الفلسطينية".

وبالتالي فمحمول على السلط التونسية وخاصة سفارتنا بإيطاليا ومختلف القنصليات أن يقوموا بالضغط الإيجابي من أجل تغيير هذه النظرة السلبية وتحسين أوضاع الإقامة والمعاملة في هذه المراكز التي تحولت الى نقاط سوداء لاذلال التونسيين وهو ما يتعارض مع السياسة العليا للدولة التي تعتبر السيادة الوطنية وكرامة التونسيين خطوطا حمراء لا يجب العبث بها.

 

 

 

مآسي التونسيين في مراكز الايقاف الإيطالية.. الملف المسكوت عنه..

الترحيل هو أكبر عقوبة من الممكن أن تسلّط على المهاجر غير الشرعي الذي خاطر بحياته وبأمواله وحمل معه أحلامه

بقلم:ريم بالخذيري

لغاية سنة 2015 لم تكن ظاهرة الهجرة الغير شرعية قضية دولية تقام حولها المنتديات والاجتماعات وتعقد بشأنها الاتفاقيات بل كانت شأنا داخليا تعالجه كل دولة منفردة أو بصفة ثنائية. لكن التاريخ المذكور عرف بعام أزمة المهاجرين أو اللاجئين حيث تميزت بوصول عدد كبير من الأشخاص إلى الاتحاد الأوروبي عبر البحر الأبيض المتوسط أو برًا عبر جنوب شرق أوروبا في أعقاب أزمة اللجوء في تركيا والتي فجرتها الأحداث في سوريا وفي العراق . وتواصلت هذه الأزمة لبداية السنة 2019 بعد التوصل لاتفاقية الهجرة الشهيرة مع تركيا وأعلنت حينها المفوضية الأوروبية بأن أزمة اللاجئين قد انتهت.

أمّا أزمة المهاجرين من تونس فتاريخها يعود الى سنة 2011 خلال الأحداث التي عاشتها البلاد والتي اتسمت بفراغ أمني نتج عنه وصول ما لا يقل عن 26 ألفا تونسيا الى السواحل الإيطالية. وقد تم التعامل معهم بمرونة ومنح أغلبهم اللجوء والإقامة وتسهيل العبور من إيطاليا باعتبار أن تونس خلال تلك الفترة لم تكن بلدا آمنا بالنسبة للأوروبيين ليقفز هذا العدد في سنة 2017 الى 40 ألف مهاجرا وقد تضاعف هذا العدد في السنوات الست الأخيرة إضافة الى مثلهم من الأفارقة عبروا المتوسط من خلال السواحل التونسية وهو ما أعاد قضية الهجرة تطفو على سطح الأحداث الإقليمية من جديد. وما فجّر الأزمة أكثر هو عدم اعتبار تونس بلدا ليس آمنا وبالتالي فقد عادت إيطاليا لتفعيل اتفاقية الترحيل الممضاة مع تونس وهي بصدد ممارسة ضغوط لسحبها حتى على غير التونسيين لإعادتهم الى تونس.

وقد بدأت فعليا في تنفيذها منذ 10 أوت 2020 بمعدل 80 ترحيلا أسبوعيا. وفق ما أعلن عن ذلك وزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو في مقابلة مع وكالة الأنباء الفرنسية نشرت في 8 أوت 2020، مشيرا الى أن 45 بالمائة من الذين يدخلون بلاده من طريق البحر هم تونسيون.

ووفق آخر الأرقام فقد تم منذ غرة جانفي إلى غاية 31 أوت 2023 تم ترحيل ما لا عن 1441 مهاجرا تونسيا .من جملة حوالي 4000 مقيمين بمراكز الاحتجاز والترحيل .

لكن ما الذي يتمّ قبل الترحيل؟ وما هي ظروف الاحتجاز؟ ولماذا التونسيين دون غيرهم معنيين بكابوس الترحيل؟

الترحيل هو أكبر عقوبة من الممكن أن تسلّط على المهاجر غير الشرعي الذي خاطر بحياته وبأمواله وحمل معه أحلامه وأحلام عائلته ليصل الى الجنة الموعودة كما يتصورها وبالتالي اعادته الى بلده كما رحل هو بمثابة اصدار حكم الإعدام عنه وبالفعل فقد أقدم عدد من التونسيين الى الانتحار ومحاولات الانتحار في مراكز الاحتجاز والترحيل هذه. كما أن كثير منهم أصيب بعاهات دائمة وهو يحاولون الفرار من شبح الترحيل.

ويرى التونسيون في إيطاليا أنهم مستهدفون دون غيرهم بسياسة الترحيل هذه على اعتبار أن بقية الجنسيات الافريقية لاتربط دولها اتفاقيات من هذا النوع مع إيطاليا لأن أغلب هذه الدول لا تعتبر دولا آمنة على غرار تونس .

المعنيون بالترحيل أو من طالبي اللجوء يتم ايداعهم في مراكز هي أشبه الى السجون منها الى مآوي استقبال المهاجرين غير الشرعيين والتي تقدّم فيها المساعدات والإسعافات الضرورية. وهي تقريبا مغلقة أمام الاعلام وأمام الناشطين الحقوقيين والجمعيات الإنسانية. وقد كانت المدة القصوى للإقامة في هذه المراكز 90 يوما لكن قانونا إيطاليا سنّ مؤخرا مدّد هذه المدة الى 180 يوما تنتهي امّا بالترحيل أو بقبول طلب اللجوء.

وقد اعتبر عدد من المهاجرين أنّ التمديد في فترة الإيقاف هذه هي بمثابة القتل البطيء حيث تمارس فيها كل أشكال التعنيف والتنكيل والتجريد من الإنسانية.

وللخروج من هذا الجحيم وجب دفع مبلغ 4938 أورو (حوالي 15ألف دينار تونسي) بالنسبة المهاجرين القادمين من دول آمنة مثل تونس وهو ما يستحيل على أغاب المقيمين فيها .

وفي هذه الأماكن لا يحق للمهاجر الاحتجاج أو التذمر وهو مهدد بعقوبات صارمة أعلن عنها أعلنها وزير الداخلية الإيطالي حيث صرّح أن أي مهاجر يعترض ويحتج على ظروف الإقامة وظروف الترحيل في مراكز الحجز والترحيل يعرض نفسه لعقوبة سجن تصل لمدة 6 سنوات ومثلها لكل من ينخرط العملية أو يتضامن مع المحتجين.

ويعرّف القانون الإيطالي مراكز تحديد الهوية والترحيل على أنها مراكز يحتجز فيها المواطنون من خارج دول الاتحاد الأوروبي الذين لا يملكون تصاريح إقامة نظامية ريثما يتم ترحيلهم. ولا يرتكب الأشخاص المحتجزين في مراكز تحديد الهوية والترحيل عادةً جرائما تبرر احتجازهم سوى تهمة اجتياز الحدود. ويوجد حالياً خمسة مراكز تحديد هوية وترحيل في إيطاليا، في كل من روما وكالتانيسيتا وباري وتورين وتراباني. وبدأت الحكومة الإيطالية في انشاء خمسة مراكز أخرى .

ووفقاً للمرسوم رقم 142/2015 فيمكن احتجاز المهاجر الغير شرعي في حالات محددة وهي ارتكاب جريمة خطيرة. أو اذا كان يشكل خطراً على النظام العام وأمن الدولة. وثالث الأسباب التي تتذرع به السلط الإيطالية وبه تملأ مراكز الاحتجاز بالتونسيين هو التخوف من الهروب أو، تقديم الشخص لمعلومات خاطئة لتجنب أمر الترحيل. ولا يجب أن يجب أن يطبّق هذا الحجز في صورة تدابير قسرية بديلة.

هذا بالإضافة الى اعتماد قانون الحجز الإداري لتقييد حرية الأجانب المتواجدين دون تصريح إقامة من خلال حجزهم في منشأة خاصة بهدف تحديد هويتهم وترحيلهم. وهو في الأصل لا يعتبر عقاباً على جريمة مرتكبة، ولا يتضمن محاكمة ولا يتطلب حكماً قضائياً، بل هو نظام يحرم الفرد من حرياته الأساسية بعد خرقه لأحد القوانين الإدارية مثل عدم حيازته لتصريح إقامة.لكن كل مراكز الاحتجاز حادت عن أهدافها وتخترق القانون يوميا .

والخطير في الأمر أن السلطات الإيطالية ليس لديها اشراف مباشر على هذه المراكز انمّا يتم اسنادها لشركات خاصة لإدارتها وعادة ما تكون المراقبة لها ضعيفة ومغلقة أمام الرقابة المجتمعية والإعلامية كما قلنا فتحوّلت بذلك الى مسارح للتعذيب والتنكيل .

وفي خطوة لذر الرماد على الأعين قررت السلطات الإيطالية الأسبوع الفارط إيقاف الشركة المسؤولة التي تدير مركز الحجز والترحيل في مدينة ميلانو وتعيين "مفوض حكومي" لإدارة المركز. ويأتي هذا القرار بعد تتالي الشهادات حول ما يحدث من أكل منتهي الصلوحية. وعدم توفير أغطية وملابس للمهاجرين وتتالي. الاعتداءات عليهم .أمّا الأخطر فهو اعطاؤهم أدوية مخدّرة ليسهل السيطرة عليهم .

ويعتبر ملف المراكز هذا محرج للحكومة الإيطالية لأن ما يحدث فيها لا يرقى الى المعاملة الإنسانية وبالتالي فقد فكرت في فتح مركزين كبيرين في ألبانيا الدولة سيئة السمعة في حقوق الانسان وفي الاتجار بالأعضاء البشرية وقامت بامضاء اتفاقية مع الحكومة الألبانية في خطوة فاجأت الاتحاد الأوروبي الذي صرّح مسؤولون فيه حينها بأن روما تصرفت منفردة في ملف خطير. لكن من حسن حظ المهاجرين التونسيين أنّ المحكمة الدستورية أسقطت الاتفاقية واعتبرت غير دستورية .

ردّ الاعتبار وتنقيح الاتفاقية..

كما أسلفنا الذكر فان تونس من بين الدول القليلة الممضية على اتفاقية ترحيل لمهاجريها غير الشرعيين في أوروبا وخاصة في إيطاليا وهو جعل العديد من الحقوقيين يطالبون بتعديل هذه الاتفاقية أو حتى الغائها.

هذه الاتفاقية تسببت في مأسي كثيرة بين المهاجرين من بينها حالات انتحار وعاهات مستدامة بسبب محاولات البعض الهرب من مراكز الايقاف لتجنب الترحيل.

لكن الاخطر هو اتهامات للسلط الأمنية الايطالية بتخدير هؤلاء بصفة مباشرة أو عن طريق الأكل أولا للسيطرة عليهم وثانيا ليسهل ترحيلهم.

وقد توالت الشهادات على هذا السلوك الغير قانوني من ضحايا داخل هذه المراكز ومن تونسيين مقيمين هناك. وحتى الصحافة الايطالية عادة ما تنشر القليل من كثير مما يحدث هناك. أما الأخطر إن ثبت فهو أن عملية التخدير والتكبيل تتم بحضور دبلوماسيين تونسيين يشرفون على ترحيل هؤلاء وفق تأكيدات لبعض الناشطين في المجتمع المدني من التونسيين بإيطاليا.

هذا الأمر خطير ويتعارض مع كل معاهدات الهجرة واللجوء والقوانين الإنسانية. وعلى السلط التونسية فتح بحث جدي في هذه الاتهامات. وفي كل الحالات على ايطاليا التوقف عن معاملة المرحلين كإرهابيين (تخدير وتكبيل الايدي والرجلين..).

كما يطالب عدد من المحتجزين التونسيين وعائلاتهم بفتح هذه المراكز أمام المنظمات والجمعيات التونسية للوقوف على ظروف الاحتجاز التي يبدو أنها تتعدّى التعذيب والتخدير الى جرائم أخرى تتعلق بانتزاع أعضاء واتجار بالبشر.

غير مرغوب فيهم..

في المحصلة ومع الأسف لم يعد التونسيون الوافدين على ايطاليا مرغوب فيهم لعدد من الأسباب يطول شرحها أهمها السمعة "السيئة" التي التصقت بعدد كبير منهم بسبب قلة احترفت الإجرام والنهب وترويج المخدرات. لكن هذه المعاملة بدأت تسحب على الكل ونتذكر أزمة التاشيرات للطلبة والباحثين الدكاترة حينما اخضعوا لمقابلة تأشيرة حتى للذين تحصلوا عليها سابقا فضلا عن الاسئلة الغريبة التي وجهت لهم من قبيل "ماهو موقفك من القضية الفلسطينية".

وبالتالي فمحمول على السلط التونسية وخاصة سفارتنا بإيطاليا ومختلف القنصليات أن يقوموا بالضغط الإيجابي من أجل تغيير هذه النظرة السلبية وتحسين أوضاع الإقامة والمعاملة في هذه المراكز التي تحولت الى نقاط سوداء لاذلال التونسيين وهو ما يتعارض مع السياسة العليا للدولة التي تعتبر السيادة الوطنية وكرامة التونسيين خطوطا حمراء لا يجب العبث بها.