الرئيس الحبيب بورقيبة لم يكن رجل دولة وزعيما سياسيا ومصلحا اجتماعيا وإنما كان أيضا رحمه الله بألف رحمة مفكرا وطنيا وثقافيا وحضاريا. وكان من وصاياه لم شمل تونس أبدا دائما بالتضامن والتازر والتعاون بين الجميع فلاميز ولا تمايز ولا جحود ولا نكران الجميل. وكان يدرك إدراكا واعيا بأن التونسيين اليهود جزء من الأمة لا يتجزأ عن التونسيين المسلمين: في حالها ومصيرها، في وطنيتها وكفاحها وتشيدها، في فنها وفكرها، في ثقافتها وحضارتها.
لقد استقبلهم مرارا وتكرارا وزارهم في "الغريبة" دارهم في جزيرة جربة، ورفع هناك على جدرانها لوحة رخامية تؤرخ زيارته الشخصية والرسمية السياسية لهم أعترافا منه بأعمالهم وأفضالهم ـ ولا فضل لوطني على الوطن ـ ومشاريعهم وسمى رجالات منهم في مناصب عليا في الدولة والإدارة، وحرص على إكرام الفنانين المخلصين لفنهم الرفيع. وقد بقيت له ذكرى عزيزة على نفسه: يوم كان فنانا مسرحيا هاويا فلقد مثل دورا مسرحيا في "رواية شهداء الوطنية" على ركح المسرح الى جانب المطربة النجمة والممثلة الكبيرة حبيبة مسيكة ـ أعظم ممثلة ومطربة وراقصة في عصرها ـ وقد ذكرها المؤلف الأستاذ فاخر بألف تعبير جميل ـ وكان الممثل الهاوي الحبيب بورقيبة يرفض ان يستلم من مدير الفرقة التمثيلية كاشي على ما اضطلع به من دور إذا هو اشترط أن يكون أجره على عمله الفني قبلة من الفنانة حبيبة مسيكة تطبعها على خده ! فما أروع هذا المشهد !
وكاتب رثاه المفكر الحبيب بورقيبة لم ينخرط في حزب سياسي سواء كان الحزب الحر الدستوري التونسي أو الحزب الشيوعي أو الحزب الإشتراكي الذي كانت غالبيته من اليهود التونسيين المناهضين للإستعمار الفرنسي حينا والمهادن له أحيانا، ولا في أية منظمة شبه سياسية ودينية. إنه حر طليق من تلك القيود لأنه لا يأتمر بأوامر مهما كانت وتكن، ولم يطلب في حياته قط مكافأته بمال أو بمنصب إذا ما تكلم عن أو مع رئيس أو وزير أو مدير عام خطير وبعضهم من معارفه وأصحابه، بالإضافة إلى أنه كان يشوش على سياسة الرئيس الجليل ولكنه كان يكره الوصوليين والمنتهزين والببغاوات والجهال في الحزب الواحد الأحد. تلك هي بعض صفاتي وقد استدعاني الرئيس إلى مقابلته في قصر قرطاج مرتين مع زملاء صحافيين وكنت في رفقة أستاذي وصديقي الأستاذ الشاذلي القليبي رحمه الله رحمة واسعة وهذا الكتاب ثري بالمعلومات والسير والأشعار والأزجال وكلمات الأغاني والصور الشمسية لوجوه الفنانات والفنانين والكاريكور. وأعتبره من أهم الكتب التونسية التي صدرت خلال السنوات القليلة الماضية ف المجال الثقافي حول تاريخ تونس الثقافي المعاصر والحديث.
فنعم هذا الكتاب ونعم مؤلفه والسلام
بقلم: عز الدين المدني
الرئيس الحبيب بورقيبة لم يكن رجل دولة وزعيما سياسيا ومصلحا اجتماعيا وإنما كان أيضا رحمه الله بألف رحمة مفكرا وطنيا وثقافيا وحضاريا. وكان من وصاياه لم شمل تونس أبدا دائما بالتضامن والتازر والتعاون بين الجميع فلاميز ولا تمايز ولا جحود ولا نكران الجميل. وكان يدرك إدراكا واعيا بأن التونسيين اليهود جزء من الأمة لا يتجزأ عن التونسيين المسلمين: في حالها ومصيرها، في وطنيتها وكفاحها وتشيدها، في فنها وفكرها، في ثقافتها وحضارتها.
لقد استقبلهم مرارا وتكرارا وزارهم في "الغريبة" دارهم في جزيرة جربة، ورفع هناك على جدرانها لوحة رخامية تؤرخ زيارته الشخصية والرسمية السياسية لهم أعترافا منه بأعمالهم وأفضالهم ـ ولا فضل لوطني على الوطن ـ ومشاريعهم وسمى رجالات منهم في مناصب عليا في الدولة والإدارة، وحرص على إكرام الفنانين المخلصين لفنهم الرفيع. وقد بقيت له ذكرى عزيزة على نفسه: يوم كان فنانا مسرحيا هاويا فلقد مثل دورا مسرحيا في "رواية شهداء الوطنية" على ركح المسرح الى جانب المطربة النجمة والممثلة الكبيرة حبيبة مسيكة ـ أعظم ممثلة ومطربة وراقصة في عصرها ـ وقد ذكرها المؤلف الأستاذ فاخر بألف تعبير جميل ـ وكان الممثل الهاوي الحبيب بورقيبة يرفض ان يستلم من مدير الفرقة التمثيلية كاشي على ما اضطلع به من دور إذا هو اشترط أن يكون أجره على عمله الفني قبلة من الفنانة حبيبة مسيكة تطبعها على خده ! فما أروع هذا المشهد !
وكاتب رثاه المفكر الحبيب بورقيبة لم ينخرط في حزب سياسي سواء كان الحزب الحر الدستوري التونسي أو الحزب الشيوعي أو الحزب الإشتراكي الذي كانت غالبيته من اليهود التونسيين المناهضين للإستعمار الفرنسي حينا والمهادن له أحيانا، ولا في أية منظمة شبه سياسية ودينية. إنه حر طليق من تلك القيود لأنه لا يأتمر بأوامر مهما كانت وتكن، ولم يطلب في حياته قط مكافأته بمال أو بمنصب إذا ما تكلم عن أو مع رئيس أو وزير أو مدير عام خطير وبعضهم من معارفه وأصحابه، بالإضافة إلى أنه كان يشوش على سياسة الرئيس الجليل ولكنه كان يكره الوصوليين والمنتهزين والببغاوات والجهال في الحزب الواحد الأحد. تلك هي بعض صفاتي وقد استدعاني الرئيس إلى مقابلته في قصر قرطاج مرتين مع زملاء صحافيين وكنت في رفقة أستاذي وصديقي الأستاذ الشاذلي القليبي رحمه الله رحمة واسعة وهذا الكتاب ثري بالمعلومات والسير والأشعار والأزجال وكلمات الأغاني والصور الشمسية لوجوه الفنانات والفنانين والكاريكور. وأعتبره من أهم الكتب التونسية التي صدرت خلال السنوات القليلة الماضية ف المجال الثقافي حول تاريخ تونس الثقافي المعاصر والحديث.