إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

أية ذاكرة وأي دور لاتحاد الشغالين في زمن التحولات الكبرى

اليوم منظومة الحكم القائمة وجزء كبير من الشعب لا يستسيغون أن يكون للاتحاد دور سياسي ويطالبونه بأن يفك الارتباط بين دوره النقابي والسياسي

بقلم نوفل سلامة:

أعاد نور الدين الطبوبي الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل عند حضوره مناسبة إحياء الذكرى الواحدة والسبعين لاغتيال الزعيم النقابي فرحات حشاد في يوم 5 ديسمبر من سنة 1952على أيدي جهاز المخابرات الفرنسية وعملائه من التونسيين ، أعاد الحديث عن تاريخ الاتحاد النضالي ودوره الحاسم في حركة التحرير الوطني وأكّد على أهمية استحضار الذاكرة النقابية والمسار التاريخي الذي قطعه الاتحاد منذ نشأته وتكوينه كأحد القوى الديمقراطية التقدمية في البلاد المدافعة عن قيم الحرية والمساواة والعدالة في مواجهة قوى الاستغلال المعادية للحقوق والحريات النقابية وذكّر بما اعتبره هوية وطنية متأصلة في العمل النقابي والجذور التي تميز العمل النقابي في تونس عن غيره من اتحادات الشغل في العالم والوطن العربي باعتباره رافدا من روافد النضال السياسي والنقابي ضد المستعمر وأحد المكونات الرئيسية المشاركة في بناء الدولة الوطنية واعتبر أن إحياء الذاكرة الوطنية للاتحاد الذي تأسس على محاربة الظلم والاستغلال والتسلط والاستعباد والدفاع عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية لعموم التونسيين مسألة مهمة حتى يتم نقل هذا الإرث النقابي للأجيال القادمة ومن أجل تأثيث الذاكرة الوطنية وحفظها من النسيان والتهميش.

جاء هذا الحديث المكثف في كلمة الطبوبي عن التاريخ والذاكرة والهوية للاتحاد العام التونسي للشغل وكل هذا الحرص على استعادة الحديث عن الدور الذي لعبته المنظمة الشغيلة في كل المراحل المؤثرة التي مرت بها البلاد في سياق ما تعرفه العلاقة بين الاتحاد ومنظومة الحكم التي تشكلت بعد 25 جويلية 2021 من توتر حاد وصل إلى حد القطيعة أحيانا وفي سياق ما يشهده العالم من تحولات كبرى في النظرة إلى الاجسام الوسيطة وإلى الدور الذي تلعبه في المجتمع وفي سياق نظرة الرئيس قيس سعيد لمنظومة الديمقراطية التمثيلية ومكوناتها من أحزاب سياسية وجمعيات مجتمع مدني ونقابات واعلام ونخب والتي يراها دون فائدة بعد أن تحولت إلى مصدر لإنتاج الفساد وتفريخه وتوريثه وبعد أن تعالت الأصوات مطالبة بمراجعة فكرة الديمقراطية التمثيلية ومكوناتها وإحلال بدل عنها أفكار أخرى وآليات مختلفة تكون أكثر جدوى و تعبيرا وتمثيلية للشعب.

المشكل الذي يثيره حديث الطبوبي حول تاريخ الاتحاد والتذكير بكل المحطات النضالية التي مر بها واستحضار الذاكرة والهوية التي تميز بها طيلة مسيرته أنه يطرح سؤالا مهما يتعلق بقيمة هذا الحديث اليوم والبلاد تعرف تحولا كبيرا في المشهد السياسي وفي ممارسة الحكم وتحولا آخر بخصوص الفكر السياسي الذي يحكم البلاد والذي يقلل من دور الاجسام الوسيطة ولا يراها شريكا ضروريا في ممارسة الحكم .

المشكل الذي يعترضنا في كلام الطبوبي في معرفة هل ما زال ممكنا أن يلعب الاتحاد الدور نفسه الذي لعبه في زمن الاستعمار وبعده وعرف به خلال عشريات بعد الاستقلال ؟ هل ما زال اليوم من الممكن أن نقبل بدور للاتحاد يمتزج فيه السياسي بالنقابي بالاجتماعي؟ هل من الممكن اليوم والعالم يشهد تحولا كبيرا في النظرة إلى الديمقراطية التمثيلية وتراجعا في انخراط الشعوب في الانتماء الحزبي وفي الثقة في النقابات والعمل الجمعياتي وكل عمل مؤسسا تي أن نرى الاتحاد بنفس الصورة التي تأسس عليها؟

اليوم منظومة الحكم القائمة وجزء كبير من الشعب لا يستسيغون أن يكون للاتحاد دور سياسي ويطالبونه بأن يفك الارتباط بين دوره النقابي والسياسي وأن لا يتدخل في الحكم وأن يكتفي بلعب الدور الأساسي الذي عرفت به كل النقابات والذي من أجله تأسسواوهو الدفاع عن العمال و مطالب الشغالين الاجتماعية من تحسين ظروفهم وتحسين مقدرتهم الشرائية لا غير وإلا يكون قد تحول إلى حزب سياسي والحال أنه منظمة شغيلة دورها الدفاع عن مطالب الطبقة العاملة اللصيقة بالعمل لا غير.

وهذا يعني حسب هذا التصور وهذه النظرة أنه إذا كان الاتحاد نتيجة لسياق تاريخي معين وظروف حكمت عليه أن يلعب دورا في النضال الوطني وأن يعضد عمل السياسيين وجهدهم في معركة التحرير ومقاومة المستعمر وأن يكون حاضرا في الكثير من المحطات التي رافقت بناء الدولة بعد الاستقلال فإن هذا لا يعني ولا يشرع أن يظل الاتحاد يمارس دورا سياسيا إلى جانب دوره النقابي ولا يعني كذلك أن يبقى دوما يتدخل في تسيير الشأن العام ويشارك في الحكم.

اليوم هناك رغبة جامحة للقطع مع المشهد القديم الذي كان فيه الاتحاد رقما صعبا في معادلة الحكم ورغبة جامحة من أجل العودة إلى الحالة الطبيعية التي عليها كل الاتحادات في العالم ورغبة في إعادة ترتيب البيت من جديد بوضع كل مؤسسة في مكانها وأن تلتزم بدورها الحقيقي ورغبة في ارجاع الاتحاد منظمة نقابية تدافع عن العمال لا غير من دون أن يكون لها أي دور خارج دائرتها الضيقة.

اليوم هناك قناعة عند القائمين على منظومة الحكم الحالية وجزء كبير من الشعب أن الذاكرة والهوية النقابية والتاريخ النضالي إبان معركة التحرير الوطني وإن سمحت في ظرف تاريخي معين أن يكون للاتحاد دور سياسي إلى جانب دوره النقابي فإن هذه الصورة لا يمكن أن تستمر إلى الابد وأن السياق الوطني الحالي وحتى العالمي يحتم أن تنتهي وأن يعود الاتحاد منظمة عمالية لا غير لا دور سياسي لها غير دورها في الدفاع عن مطالب العمال المهنية.

أية ذاكرة وأي دور لاتحاد الشغالين في زمن التحولات الكبرى

اليوم منظومة الحكم القائمة وجزء كبير من الشعب لا يستسيغون أن يكون للاتحاد دور سياسي ويطالبونه بأن يفك الارتباط بين دوره النقابي والسياسي

بقلم نوفل سلامة:

أعاد نور الدين الطبوبي الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل عند حضوره مناسبة إحياء الذكرى الواحدة والسبعين لاغتيال الزعيم النقابي فرحات حشاد في يوم 5 ديسمبر من سنة 1952على أيدي جهاز المخابرات الفرنسية وعملائه من التونسيين ، أعاد الحديث عن تاريخ الاتحاد النضالي ودوره الحاسم في حركة التحرير الوطني وأكّد على أهمية استحضار الذاكرة النقابية والمسار التاريخي الذي قطعه الاتحاد منذ نشأته وتكوينه كأحد القوى الديمقراطية التقدمية في البلاد المدافعة عن قيم الحرية والمساواة والعدالة في مواجهة قوى الاستغلال المعادية للحقوق والحريات النقابية وذكّر بما اعتبره هوية وطنية متأصلة في العمل النقابي والجذور التي تميز العمل النقابي في تونس عن غيره من اتحادات الشغل في العالم والوطن العربي باعتباره رافدا من روافد النضال السياسي والنقابي ضد المستعمر وأحد المكونات الرئيسية المشاركة في بناء الدولة الوطنية واعتبر أن إحياء الذاكرة الوطنية للاتحاد الذي تأسس على محاربة الظلم والاستغلال والتسلط والاستعباد والدفاع عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية لعموم التونسيين مسألة مهمة حتى يتم نقل هذا الإرث النقابي للأجيال القادمة ومن أجل تأثيث الذاكرة الوطنية وحفظها من النسيان والتهميش.

جاء هذا الحديث المكثف في كلمة الطبوبي عن التاريخ والذاكرة والهوية للاتحاد العام التونسي للشغل وكل هذا الحرص على استعادة الحديث عن الدور الذي لعبته المنظمة الشغيلة في كل المراحل المؤثرة التي مرت بها البلاد في سياق ما تعرفه العلاقة بين الاتحاد ومنظومة الحكم التي تشكلت بعد 25 جويلية 2021 من توتر حاد وصل إلى حد القطيعة أحيانا وفي سياق ما يشهده العالم من تحولات كبرى في النظرة إلى الاجسام الوسيطة وإلى الدور الذي تلعبه في المجتمع وفي سياق نظرة الرئيس قيس سعيد لمنظومة الديمقراطية التمثيلية ومكوناتها من أحزاب سياسية وجمعيات مجتمع مدني ونقابات واعلام ونخب والتي يراها دون فائدة بعد أن تحولت إلى مصدر لإنتاج الفساد وتفريخه وتوريثه وبعد أن تعالت الأصوات مطالبة بمراجعة فكرة الديمقراطية التمثيلية ومكوناتها وإحلال بدل عنها أفكار أخرى وآليات مختلفة تكون أكثر جدوى و تعبيرا وتمثيلية للشعب.

المشكل الذي يثيره حديث الطبوبي حول تاريخ الاتحاد والتذكير بكل المحطات النضالية التي مر بها واستحضار الذاكرة والهوية التي تميز بها طيلة مسيرته أنه يطرح سؤالا مهما يتعلق بقيمة هذا الحديث اليوم والبلاد تعرف تحولا كبيرا في المشهد السياسي وفي ممارسة الحكم وتحولا آخر بخصوص الفكر السياسي الذي يحكم البلاد والذي يقلل من دور الاجسام الوسيطة ولا يراها شريكا ضروريا في ممارسة الحكم .

المشكل الذي يعترضنا في كلام الطبوبي في معرفة هل ما زال ممكنا أن يلعب الاتحاد الدور نفسه الذي لعبه في زمن الاستعمار وبعده وعرف به خلال عشريات بعد الاستقلال ؟ هل ما زال اليوم من الممكن أن نقبل بدور للاتحاد يمتزج فيه السياسي بالنقابي بالاجتماعي؟ هل من الممكن اليوم والعالم يشهد تحولا كبيرا في النظرة إلى الديمقراطية التمثيلية وتراجعا في انخراط الشعوب في الانتماء الحزبي وفي الثقة في النقابات والعمل الجمعياتي وكل عمل مؤسسا تي أن نرى الاتحاد بنفس الصورة التي تأسس عليها؟

اليوم منظومة الحكم القائمة وجزء كبير من الشعب لا يستسيغون أن يكون للاتحاد دور سياسي ويطالبونه بأن يفك الارتباط بين دوره النقابي والسياسي وأن لا يتدخل في الحكم وأن يكتفي بلعب الدور الأساسي الذي عرفت به كل النقابات والذي من أجله تأسسواوهو الدفاع عن العمال و مطالب الشغالين الاجتماعية من تحسين ظروفهم وتحسين مقدرتهم الشرائية لا غير وإلا يكون قد تحول إلى حزب سياسي والحال أنه منظمة شغيلة دورها الدفاع عن مطالب الطبقة العاملة اللصيقة بالعمل لا غير.

وهذا يعني حسب هذا التصور وهذه النظرة أنه إذا كان الاتحاد نتيجة لسياق تاريخي معين وظروف حكمت عليه أن يلعب دورا في النضال الوطني وأن يعضد عمل السياسيين وجهدهم في معركة التحرير ومقاومة المستعمر وأن يكون حاضرا في الكثير من المحطات التي رافقت بناء الدولة بعد الاستقلال فإن هذا لا يعني ولا يشرع أن يظل الاتحاد يمارس دورا سياسيا إلى جانب دوره النقابي ولا يعني كذلك أن يبقى دوما يتدخل في تسيير الشأن العام ويشارك في الحكم.

اليوم هناك رغبة جامحة للقطع مع المشهد القديم الذي كان فيه الاتحاد رقما صعبا في معادلة الحكم ورغبة جامحة من أجل العودة إلى الحالة الطبيعية التي عليها كل الاتحادات في العالم ورغبة في إعادة ترتيب البيت من جديد بوضع كل مؤسسة في مكانها وأن تلتزم بدورها الحقيقي ورغبة في ارجاع الاتحاد منظمة نقابية تدافع عن العمال لا غير من دون أن يكون لها أي دور خارج دائرتها الضيقة.

اليوم هناك قناعة عند القائمين على منظومة الحكم الحالية وجزء كبير من الشعب أن الذاكرة والهوية النقابية والتاريخ النضالي إبان معركة التحرير الوطني وإن سمحت في ظرف تاريخي معين أن يكون للاتحاد دور سياسي إلى جانب دوره النقابي فإن هذه الصورة لا يمكن أن تستمر إلى الابد وأن السياق الوطني الحالي وحتى العالمي يحتم أن تنتهي وأن يعود الاتحاد منظمة عمالية لا غير لا دور سياسي لها غير دورها في الدفاع عن مطالب العمال المهنية.