إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

كواليس واشنطن والعرب.. لعبة السياسة تستدعي من كل صانع قرار، وخاصة في الساحة الفلسطينية على الإلمام بما يجري داخل الكواليس

 

 

عمر حلمي الغول

هناك ثابت في عالم السياسة، ليس كل ما يقال ويتداول في وسائل الإعلام صحيحا، فهناك الكثير من المواقف المعلنة لا تمت بصلة لما يجري تداوله في الغرف المغلقة بين المستويات القيادية السياسية والعسكرية الأمنية. كما لا يوجد ثابت في مواقف الأنظمة إلا مصالح النظام السياسي، وغير ذلك قابل للمساومة والتنازل بما في ذلك القضايا المشتركة مع الأشقاء والأصدقاء، طالما لا يمس كرسي الحاكم ونظامه السياسي. والتجربة الفلسطينية مع الأشقاء والأصدقاء غنية على هذا الصعيد، وان كانت القيادة الفلسطينية تنحو غالبا لتغليب اللغة الدبلوماسية على جوهر موقفها من هذا الحاكم، أو ذاك النظام، حرصا منها على تحييد، أو تجنب ردود أفعال أصحاب المواقف غير الإيجابية، وحرصا على توسيع دائرة الشراكات مع الأنظمة المختلفة بتموجاتها وخلفياتها وحساباتها بما يخدم القضية الوطنية.

بيد أن لعبة السياسة تستدعي من كل صانع قرار، وخاصة في الساحة الفلسطينية على الإلمام بما يجري داخل الكواليس بين الأشقاء ومع دول الإقليم والأقطاب الدولية بمختلف مشاربها وتوجهاتها. وذلك لأخذ الاحتياطات السياسية لوأد أية مواقف تمس بالأهداف الوطنية، او لقطع الطريق على أية انحرافات تستهدف المشروع الوطني والنظام السياسي الفلسطيني، ومنظمة التحرير، الممثل الشرعي والوحيد.

ولا اعرف إن كان صانع القرار يتمكن دوما من الوقوف على مواقف الدول المختلفة، خاصة التي تدور في الخفاء والغرف المغلقة، لا سيما وان حسابات وأجندات الأنظمة العربية، بما في ذلك الأنظمة التي تطلق مواقف علنية داعمة لخيار قيادة منظمة التحرير في مختلف المحافل والمحطات السياسية تتغير من ساعة لأخرى ارتباطا بأكثر من عامل منها: أولا مصالح النظام السياسي نفسه، ثانيا الضغوط الأميركية والإسرائيلية المفروضة عليها؛ ثالثا قدرتها من عدمها على الالتزامات التي تعهدت بها أمام القيادة الفلسطينية؛ رابعا مدى مصداقيتها تجاه القيادة والقضية الفلسطينية؛ خامسا التحولات الدائرة على الأرض المتمخضة عن تداعيات حرب الأرض المحروقة في غزة، وانعكاسها على السيناريوهات المتداولة في أروقة الدول المعنية بالشأن الفلسطيني الإسرائيلي وحل الصراع.

وبعد مرور قرابة الثلاثة أشهر على حرب الإبادة على محافظات الوطن عموما وفي محافظات غزة خصوصا لم تتبلور رؤية واضحة لليوم التالي، ومازال الغموض يكتنف الحلول المطروحة، ولا يوجد سيناريو او رؤية واضحة لدى أي من القوى المختلفة بما في ذلك الولايات المتحدة ودولة إسرائيل والأشقاء العرب، الأمر الذي يخلق حالة من التشويش والضبابية في أوساط القيادة الفلسطينية. لان المعلن من المواقف لا يكفي للبت وحسم الأمور ولجم أهداف الآخرين، لان العاملين الذاتي والموضوعي يلقيان بثقل على المشهد السياسي، مما يدعو صانع القرار للتنبه لما يجري بين القوى المنخرطة في البحث عن حل يتوافق مع معادلة الصراع الدائرة، وأيضا ضرورة التحرك بقوة مع الدول الشقيقة والصديقة والأقطاب الدولية ليبقى للكلمة الفلسطينية الرصيد والثقل المؤثر وتوجيه بوصله الحل بما ينسجم مع الأهداف الوطنية.

وحافزي للكتابة عن هذا الملف ما يجري تداوله في الكواليس بشأن اليوم التالي بعد انقشاع غبار الحرب في البيت الأبيض. حيث عقد في واشنطن في الأيام القليلة الماضية لقاء رباعيا جمع الإدارة الأميركية وإسرائيل وإحدى الدول العربية المؤثرة في الوطن العربي ونخبة من المختصين، وجرى التداول بشأن تشكيل حكومة من أبناء العائلات الفلسطينية في غزة، على شاكلة روابط القرى تدير غزة في اليوم التالي بعيدا عن النظام السياسي الفلسطيني، وبما يستجيب للرؤية الإسرائيلية. وكما فهمت، ان ممثل الدولة العربية وافق على المشروع مبدئيا لفترة زمنية محدودة لا تزيد عن شهور قليلة في حال تمكنت إسرائيل والإدارة الأميركية من تحقيق انجاز على هذا الصعيد. لكن ان لم تنجح، فان دولته غير ملزمة بالمشروع.  

باختصار هناك خضوع للرؤية الإسرائيلية الأمنية من قبل إدارة بايدن، ومن النظام العربي المشارك، وتخلي كل من الطرفين الأخيرين عن وحدة الضفة بما فيها القدس وغزة، وإدارة الظهر للنظام السياسي الفلسطيني وللمؤتمر الدولي لتكريس خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967، ومواصلة هدف تمزيق وتقسيم أبناء الشعب العربي الفلسطيني، وإدخاله في دوامة روابط القرى والكانتونات مجددا في الضفة الفلسطينية، وطبعا مواصلة الاستيطان الاستعماري لبناء دولة إسرائيل الكاملة على فلسطين التاريخية، هذا في حال نجحت حرب الإبادة في تحقيق أهدافها، وتمكن العدو الصهيو أميركي من فرض أجندته واملاءاته على أهل النظام العربي والقيادة الشرعية وعموم الشعب الفلسطيني.

النتيجة التي اعتقدها، من الصعب الافتراض بأنهم سيتمكنون من النجاح، رغم ان موازين القوى تميل لمصلحتهم، لان مفاعيل الحرب الوحشية مازالت تحمل في طياتها متغيرات غير منظورة. لكن هذا يفرض على القيادة الفلسطينية ان تستعد لمواجهة التحديات كافة لتجنب الأخطار الداهمة عليها وعلى الشعب عموما.

*كاتب فلسطيني

كواليس واشنطن والعرب..   لعبة السياسة تستدعي من كل صانع قرار، وخاصة في الساحة الفلسطينية على الإلمام بما يجري داخل الكواليس

 

 

عمر حلمي الغول

هناك ثابت في عالم السياسة، ليس كل ما يقال ويتداول في وسائل الإعلام صحيحا، فهناك الكثير من المواقف المعلنة لا تمت بصلة لما يجري تداوله في الغرف المغلقة بين المستويات القيادية السياسية والعسكرية الأمنية. كما لا يوجد ثابت في مواقف الأنظمة إلا مصالح النظام السياسي، وغير ذلك قابل للمساومة والتنازل بما في ذلك القضايا المشتركة مع الأشقاء والأصدقاء، طالما لا يمس كرسي الحاكم ونظامه السياسي. والتجربة الفلسطينية مع الأشقاء والأصدقاء غنية على هذا الصعيد، وان كانت القيادة الفلسطينية تنحو غالبا لتغليب اللغة الدبلوماسية على جوهر موقفها من هذا الحاكم، أو ذاك النظام، حرصا منها على تحييد، أو تجنب ردود أفعال أصحاب المواقف غير الإيجابية، وحرصا على توسيع دائرة الشراكات مع الأنظمة المختلفة بتموجاتها وخلفياتها وحساباتها بما يخدم القضية الوطنية.

بيد أن لعبة السياسة تستدعي من كل صانع قرار، وخاصة في الساحة الفلسطينية على الإلمام بما يجري داخل الكواليس بين الأشقاء ومع دول الإقليم والأقطاب الدولية بمختلف مشاربها وتوجهاتها. وذلك لأخذ الاحتياطات السياسية لوأد أية مواقف تمس بالأهداف الوطنية، او لقطع الطريق على أية انحرافات تستهدف المشروع الوطني والنظام السياسي الفلسطيني، ومنظمة التحرير، الممثل الشرعي والوحيد.

ولا اعرف إن كان صانع القرار يتمكن دوما من الوقوف على مواقف الدول المختلفة، خاصة التي تدور في الخفاء والغرف المغلقة، لا سيما وان حسابات وأجندات الأنظمة العربية، بما في ذلك الأنظمة التي تطلق مواقف علنية داعمة لخيار قيادة منظمة التحرير في مختلف المحافل والمحطات السياسية تتغير من ساعة لأخرى ارتباطا بأكثر من عامل منها: أولا مصالح النظام السياسي نفسه، ثانيا الضغوط الأميركية والإسرائيلية المفروضة عليها؛ ثالثا قدرتها من عدمها على الالتزامات التي تعهدت بها أمام القيادة الفلسطينية؛ رابعا مدى مصداقيتها تجاه القيادة والقضية الفلسطينية؛ خامسا التحولات الدائرة على الأرض المتمخضة عن تداعيات حرب الأرض المحروقة في غزة، وانعكاسها على السيناريوهات المتداولة في أروقة الدول المعنية بالشأن الفلسطيني الإسرائيلي وحل الصراع.

وبعد مرور قرابة الثلاثة أشهر على حرب الإبادة على محافظات الوطن عموما وفي محافظات غزة خصوصا لم تتبلور رؤية واضحة لليوم التالي، ومازال الغموض يكتنف الحلول المطروحة، ولا يوجد سيناريو او رؤية واضحة لدى أي من القوى المختلفة بما في ذلك الولايات المتحدة ودولة إسرائيل والأشقاء العرب، الأمر الذي يخلق حالة من التشويش والضبابية في أوساط القيادة الفلسطينية. لان المعلن من المواقف لا يكفي للبت وحسم الأمور ولجم أهداف الآخرين، لان العاملين الذاتي والموضوعي يلقيان بثقل على المشهد السياسي، مما يدعو صانع القرار للتنبه لما يجري بين القوى المنخرطة في البحث عن حل يتوافق مع معادلة الصراع الدائرة، وأيضا ضرورة التحرك بقوة مع الدول الشقيقة والصديقة والأقطاب الدولية ليبقى للكلمة الفلسطينية الرصيد والثقل المؤثر وتوجيه بوصله الحل بما ينسجم مع الأهداف الوطنية.

وحافزي للكتابة عن هذا الملف ما يجري تداوله في الكواليس بشأن اليوم التالي بعد انقشاع غبار الحرب في البيت الأبيض. حيث عقد في واشنطن في الأيام القليلة الماضية لقاء رباعيا جمع الإدارة الأميركية وإسرائيل وإحدى الدول العربية المؤثرة في الوطن العربي ونخبة من المختصين، وجرى التداول بشأن تشكيل حكومة من أبناء العائلات الفلسطينية في غزة، على شاكلة روابط القرى تدير غزة في اليوم التالي بعيدا عن النظام السياسي الفلسطيني، وبما يستجيب للرؤية الإسرائيلية. وكما فهمت، ان ممثل الدولة العربية وافق على المشروع مبدئيا لفترة زمنية محدودة لا تزيد عن شهور قليلة في حال تمكنت إسرائيل والإدارة الأميركية من تحقيق انجاز على هذا الصعيد. لكن ان لم تنجح، فان دولته غير ملزمة بالمشروع.  

باختصار هناك خضوع للرؤية الإسرائيلية الأمنية من قبل إدارة بايدن، ومن النظام العربي المشارك، وتخلي كل من الطرفين الأخيرين عن وحدة الضفة بما فيها القدس وغزة، وإدارة الظهر للنظام السياسي الفلسطيني وللمؤتمر الدولي لتكريس خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967، ومواصلة هدف تمزيق وتقسيم أبناء الشعب العربي الفلسطيني، وإدخاله في دوامة روابط القرى والكانتونات مجددا في الضفة الفلسطينية، وطبعا مواصلة الاستيطان الاستعماري لبناء دولة إسرائيل الكاملة على فلسطين التاريخية، هذا في حال نجحت حرب الإبادة في تحقيق أهدافها، وتمكن العدو الصهيو أميركي من فرض أجندته واملاءاته على أهل النظام العربي والقيادة الشرعية وعموم الشعب الفلسطيني.

النتيجة التي اعتقدها، من الصعب الافتراض بأنهم سيتمكنون من النجاح، رغم ان موازين القوى تميل لمصلحتهم، لان مفاعيل الحرب الوحشية مازالت تحمل في طياتها متغيرات غير منظورة. لكن هذا يفرض على القيادة الفلسطينية ان تستعد لمواجهة التحديات كافة لتجنب الأخطار الداهمة عليها وعلى الشعب عموما.

*كاتب فلسطيني