إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

يهاجرون وسط صمت مريب للدولة.. التونسيون لن يجدوا قريبا أطباء أكفاء للعلاج ؟؟

 

 

تونس - الصباح

 إلى متى ستظل الدولة صامتة تجاه ظاهرة هجرة الأطباء؟ يتبادر إلى الذهن هذا السؤال المحوري الذي يرقى إلى درجة الأمن القومي الصحي للبلاد كلما سمعت بأن دفعة جديدة من خريجي نخبة البلاد في المجال الطبي بكل اختصاصاتها تستعد للمغادرة بعد النجاح في مناظرة الالتحاق بالطب في فرنسا أو غيرها. كما يطرح السؤال بإلحاح كلما أعلمك طبيبك أنه يستعد للمغادرة رفقة زوجته الطبيبة للعمل خارج البلاد. ولعل السؤال يتملكك بإلحاح عندما تعلم أن مؤسساتنا الاستشفائية أصبحت تعاني من نقص كبير في الأطباء لا سيما في اختصاصات دقيقة ويتوقع كثيرون أن يتحول السؤال اليوم إلى كابوس مزعج عندما تعلم أنه قريبا قد لا يجد التونسيون أطباء أكفاء في البلد وربما يصبحون مضطرين للسفر للحصول على العلاج على غرار ما يحدث اليوم مع بعض الأشقاء من الدول المجاورة ممن يتوافدون على بلادنا للعلاج عند أطباء ومختصين على قدر من الكفاءة ربما لا تتوفر في بلدانهم.

الغريب أن ظاهرة هجرة الأطباء ليست مستجدة ولم تطرح اليوم بل منذ سنوات وحذرت عديد الأطراف من خطورتها وتداعياتها الحالية والمستقبلية وتتفاقم الأرقام يوميا كما اقترح أهل الاختصاص حلول وإجراءات عاجلة ودعا البعض إلى حوار وطني لوقف النزيف ومعالجة عديد المشاكل في القطاع الصحي ..لكن ما من مجيب إلى حد الآن.

ناقوس خطر

مؤخرا وتحديدا في 21 ديسمبر الجاري عقدت لجنة الصحة وشؤون المرأة والأسرة والشؤون الاجتماعية وذوي الإعاقة جلسة خصصتها للاستماع إلى ممثلين عن وزارة الصحة بخصوص مشروع قانون أساسي متعلق ببروتوكول اتفاق بين الجمهورية التونسية وحكومة جمهورية الصين الشعبية حول إرسال فرق طبية صينية إلى البلاد التونسية.

وقالت بالمناسبة المديرة العامة للتعاون الدولي بالوزارة أنها تتعلق بإرسال فرق طبية صينية إلى تونس سيتم بمقتضاها توزيع بعض الأطباء الصينيين على عدد من المستشفيات الجهوية بكل من ولايات جندوبة وسيدي بوزيد وقفصة، وبمركز التكوين المختص في طب الوخز بالإبر بمستشفى المنجي سليم بالمرسى.

ورغم أهمية التعاون الدولي في هذه المجالات وغيرها إلا أن الموضوع يطرح عدة إشكاليات وأسئلة حول الكفاءة والقدرة على التواصل والاهم أن الاتفاقية تدق ناقوس الخطر حول تواصل تفريط الدولة في كفاءاتنا الطبية مقابل اللجوء إلى توريد أخرى مع ما تطرحه من تحديات وإشكاليات على مستوى جودة الخدمات الصحية المقدمة للتونسيين.

إحصائيات

الإحصائيات المفزعة حول هجرة أطباء تونس أصبح يعلمها القاصي والداني وعديد الجهات المعنية بالمسألة دأبت على نشر معطيات محينة حول نزيف هجرة الأدمغة في البلاد وعلى رأسهم الأطباء. ووفقا لإحصائيات عمادة الأطباء، فإنه يغادر تونس سنويا 80 ٪ من الأطباء الشبان حديثي التخرج.

وكشفت دراسة حول هجرة الأطباء قامت بها جمعية الأطباء التونسيين حول العالم وشملت 393 طبيبا تونسيا مهاجرا ، أن 70" بالمائة من الأطباء هاجروا نتيجة ظروف العمل السيئة وان 50 بالمائة تعرضوا للمضايقات المهنية وان 50 بالمائة مستعدون للعودة الى أرض الوطن في حال تحسنت ظروف التأجير".

في فيفري الفارط صرح الكاتب العام للنقابة العامة للأطباء والصيادلة وأطباء الأسنان للصحة العمومية عماد خليفي ان "عدد خريجي اختصاص الطب العائلي الذين أجروا مناظرة ختم الاختصاص سنة 2022 لا يتجاوز ال 70 من مجموع 1200 تمت دعوتهم وخيّر المتخلفون منهم الهجرة الى الخارج".

ويتجه الأطباء الشبان في المرتبة الأولى إلى أوربا فرنسا وألمانيا تحديدا فيما تحتل دول الخليج وكندا المرتب الثانية.

صرح أيضا سمير شطورو رئيس نقابة أطباء القطاع الخاص بإن" 90 بالمائة من الأطباء المتخرجين سنويا يغادرون البلاد للعمل في الخارج، بما يعادل 900 طبيب من إجمالي ألف متخرج من كليات الطب التونسية"

واعتبر شطورو أن "هذا الرقم مفزع وله تأثيرات خطيرة على قطاع الصحة في الخاص والعام إذ بلغ معدل أعمار الأطباء في القطاع الخاص 60 سنة".

مضيفا أن "عدد الأطباء في تونس إجمالا يبلغ حوالي 16000 طبيب وهو رقم يراوح مكانه منذ سنوات بسبب هجرة الأطباء، وتتفاقم الظاهرة في ظل صمت السلطات حتى نواجه اليوم الذي لا نجد فيه طبيبا يعالجنا'' على حد تعبيره.

الدعوة لحوار وطني

لطالما حذرت عديد الهياكل المهنية الطبية من استمرار نزيف هجرة الكفاءات الطبية وصمت الدولة المريب في المقابل تقدموا بمقترحات على غرار جمعية الأطباء التونسيين حول العالم التي أفاد في وقت سابق الناطق الرسمي باسمها قيصر ساسي بأن الجمعية راسلت عمادة الأطباء في تونس بخصوص "المطالبة بإرساء حوار وطني حول 3 محاور أساسية بقطاع الصحة للخروج بجملة من المقترحات والتوصيات التي من شأنها أن تحفز الأطباء بالخارج على العودة وتقطع مع مظاهر العنف وتدهور ظروف العمل بالمستشفيات العمومية".

كما وجهت الجمعية مراسلة الى رئيس الجمهورية قيس سعيد ورئيسة الحكومة السابقة نجلاء بودن ووزير الصحة علي مرابط أشارت فيه الى" تدهور وضع قطاع الصحة بتونس ونزيف هجرة الأطباء التونسيين نحو الخارج محذّرة من تداعيات هذه الظاهرة على القطاع ككل وحذّرت من تداعيات هذه الظاهرة لاسيما وان آخر الإحصائيات للمعهد الوطني للإحصاء تشير الى هجرة نحو 3300 طبيب خلال الخمس سنوات الأخيرة".

في نوفمبر الفارط وعلى هامش أشغال الندوة السنوية الـ27 للجنة الوطنية للأخلاقيات الطبية، التي انتظمت ببادرة من اللجنة الوطنية للأخلاقيات الطبية تحت شعار ''هجرة الكفاءات الطبية وشبه الطبية: رهانات أخلاقية''،أقر وزير الصحة علي المرابط ب"أهمية النظر في مسألة هجرة الكفاءات الطبية وشبه الطبية من عدّة جوانب تتعلق أساسا بتحقيق التوازن بين البلدان وإيجاد إستراتيجية جديدة منظمة بين الدول لمسألة الهجرة" وفق بلاغ الوزارة.

وأكد الوزير ، على" مزيد تشجيع الأطباء الشبان للعمل في تونس لتطوير القطاع الصحي وتحسين مستوى وجودة الخدمات المقدّمة للمواطن" موصيا ب"مزيد تشريك الأطباء الشبان وحثّهم على مزيد الانخراط في خدمة البلاد وتقديم الإضافة في عدة مجالات ومواقع لممارسة مهنتهم النبيلة ومساهمتهم في تحسين الخدمات الموجهة للمواطنين ".

لكن من المهم أن يعلم الوزير والقائمين على الدولة أن إضاعة المزيد من الوقت دون اتخاذ إجراءات عملية وناجعة في معالجة أسباب ظاهرة هجرة الأطباء ستكون كلفته باهظة قريبا.

م.ي

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 يهاجرون وسط صمت مريب للدولة..   التونسيون لن يجدوا قريبا أطباء أكفاء للعلاج ؟؟

 

 

تونس - الصباح

 إلى متى ستظل الدولة صامتة تجاه ظاهرة هجرة الأطباء؟ يتبادر إلى الذهن هذا السؤال المحوري الذي يرقى إلى درجة الأمن القومي الصحي للبلاد كلما سمعت بأن دفعة جديدة من خريجي نخبة البلاد في المجال الطبي بكل اختصاصاتها تستعد للمغادرة بعد النجاح في مناظرة الالتحاق بالطب في فرنسا أو غيرها. كما يطرح السؤال بإلحاح كلما أعلمك طبيبك أنه يستعد للمغادرة رفقة زوجته الطبيبة للعمل خارج البلاد. ولعل السؤال يتملكك بإلحاح عندما تعلم أن مؤسساتنا الاستشفائية أصبحت تعاني من نقص كبير في الأطباء لا سيما في اختصاصات دقيقة ويتوقع كثيرون أن يتحول السؤال اليوم إلى كابوس مزعج عندما تعلم أنه قريبا قد لا يجد التونسيون أطباء أكفاء في البلد وربما يصبحون مضطرين للسفر للحصول على العلاج على غرار ما يحدث اليوم مع بعض الأشقاء من الدول المجاورة ممن يتوافدون على بلادنا للعلاج عند أطباء ومختصين على قدر من الكفاءة ربما لا تتوفر في بلدانهم.

الغريب أن ظاهرة هجرة الأطباء ليست مستجدة ولم تطرح اليوم بل منذ سنوات وحذرت عديد الأطراف من خطورتها وتداعياتها الحالية والمستقبلية وتتفاقم الأرقام يوميا كما اقترح أهل الاختصاص حلول وإجراءات عاجلة ودعا البعض إلى حوار وطني لوقف النزيف ومعالجة عديد المشاكل في القطاع الصحي ..لكن ما من مجيب إلى حد الآن.

ناقوس خطر

مؤخرا وتحديدا في 21 ديسمبر الجاري عقدت لجنة الصحة وشؤون المرأة والأسرة والشؤون الاجتماعية وذوي الإعاقة جلسة خصصتها للاستماع إلى ممثلين عن وزارة الصحة بخصوص مشروع قانون أساسي متعلق ببروتوكول اتفاق بين الجمهورية التونسية وحكومة جمهورية الصين الشعبية حول إرسال فرق طبية صينية إلى البلاد التونسية.

وقالت بالمناسبة المديرة العامة للتعاون الدولي بالوزارة أنها تتعلق بإرسال فرق طبية صينية إلى تونس سيتم بمقتضاها توزيع بعض الأطباء الصينيين على عدد من المستشفيات الجهوية بكل من ولايات جندوبة وسيدي بوزيد وقفصة، وبمركز التكوين المختص في طب الوخز بالإبر بمستشفى المنجي سليم بالمرسى.

ورغم أهمية التعاون الدولي في هذه المجالات وغيرها إلا أن الموضوع يطرح عدة إشكاليات وأسئلة حول الكفاءة والقدرة على التواصل والاهم أن الاتفاقية تدق ناقوس الخطر حول تواصل تفريط الدولة في كفاءاتنا الطبية مقابل اللجوء إلى توريد أخرى مع ما تطرحه من تحديات وإشكاليات على مستوى جودة الخدمات الصحية المقدمة للتونسيين.

إحصائيات

الإحصائيات المفزعة حول هجرة أطباء تونس أصبح يعلمها القاصي والداني وعديد الجهات المعنية بالمسألة دأبت على نشر معطيات محينة حول نزيف هجرة الأدمغة في البلاد وعلى رأسهم الأطباء. ووفقا لإحصائيات عمادة الأطباء، فإنه يغادر تونس سنويا 80 ٪ من الأطباء الشبان حديثي التخرج.

وكشفت دراسة حول هجرة الأطباء قامت بها جمعية الأطباء التونسيين حول العالم وشملت 393 طبيبا تونسيا مهاجرا ، أن 70" بالمائة من الأطباء هاجروا نتيجة ظروف العمل السيئة وان 50 بالمائة تعرضوا للمضايقات المهنية وان 50 بالمائة مستعدون للعودة الى أرض الوطن في حال تحسنت ظروف التأجير".

في فيفري الفارط صرح الكاتب العام للنقابة العامة للأطباء والصيادلة وأطباء الأسنان للصحة العمومية عماد خليفي ان "عدد خريجي اختصاص الطب العائلي الذين أجروا مناظرة ختم الاختصاص سنة 2022 لا يتجاوز ال 70 من مجموع 1200 تمت دعوتهم وخيّر المتخلفون منهم الهجرة الى الخارج".

ويتجه الأطباء الشبان في المرتبة الأولى إلى أوربا فرنسا وألمانيا تحديدا فيما تحتل دول الخليج وكندا المرتب الثانية.

صرح أيضا سمير شطورو رئيس نقابة أطباء القطاع الخاص بإن" 90 بالمائة من الأطباء المتخرجين سنويا يغادرون البلاد للعمل في الخارج، بما يعادل 900 طبيب من إجمالي ألف متخرج من كليات الطب التونسية"

واعتبر شطورو أن "هذا الرقم مفزع وله تأثيرات خطيرة على قطاع الصحة في الخاص والعام إذ بلغ معدل أعمار الأطباء في القطاع الخاص 60 سنة".

مضيفا أن "عدد الأطباء في تونس إجمالا يبلغ حوالي 16000 طبيب وهو رقم يراوح مكانه منذ سنوات بسبب هجرة الأطباء، وتتفاقم الظاهرة في ظل صمت السلطات حتى نواجه اليوم الذي لا نجد فيه طبيبا يعالجنا'' على حد تعبيره.

الدعوة لحوار وطني

لطالما حذرت عديد الهياكل المهنية الطبية من استمرار نزيف هجرة الكفاءات الطبية وصمت الدولة المريب في المقابل تقدموا بمقترحات على غرار جمعية الأطباء التونسيين حول العالم التي أفاد في وقت سابق الناطق الرسمي باسمها قيصر ساسي بأن الجمعية راسلت عمادة الأطباء في تونس بخصوص "المطالبة بإرساء حوار وطني حول 3 محاور أساسية بقطاع الصحة للخروج بجملة من المقترحات والتوصيات التي من شأنها أن تحفز الأطباء بالخارج على العودة وتقطع مع مظاهر العنف وتدهور ظروف العمل بالمستشفيات العمومية".

كما وجهت الجمعية مراسلة الى رئيس الجمهورية قيس سعيد ورئيسة الحكومة السابقة نجلاء بودن ووزير الصحة علي مرابط أشارت فيه الى" تدهور وضع قطاع الصحة بتونس ونزيف هجرة الأطباء التونسيين نحو الخارج محذّرة من تداعيات هذه الظاهرة على القطاع ككل وحذّرت من تداعيات هذه الظاهرة لاسيما وان آخر الإحصائيات للمعهد الوطني للإحصاء تشير الى هجرة نحو 3300 طبيب خلال الخمس سنوات الأخيرة".

في نوفمبر الفارط وعلى هامش أشغال الندوة السنوية الـ27 للجنة الوطنية للأخلاقيات الطبية، التي انتظمت ببادرة من اللجنة الوطنية للأخلاقيات الطبية تحت شعار ''هجرة الكفاءات الطبية وشبه الطبية: رهانات أخلاقية''،أقر وزير الصحة علي المرابط ب"أهمية النظر في مسألة هجرة الكفاءات الطبية وشبه الطبية من عدّة جوانب تتعلق أساسا بتحقيق التوازن بين البلدان وإيجاد إستراتيجية جديدة منظمة بين الدول لمسألة الهجرة" وفق بلاغ الوزارة.

وأكد الوزير ، على" مزيد تشجيع الأطباء الشبان للعمل في تونس لتطوير القطاع الصحي وتحسين مستوى وجودة الخدمات المقدّمة للمواطن" موصيا ب"مزيد تشريك الأطباء الشبان وحثّهم على مزيد الانخراط في خدمة البلاد وتقديم الإضافة في عدة مجالات ومواقع لممارسة مهنتهم النبيلة ومساهمتهم في تحسين الخدمات الموجهة للمواطنين ".

لكن من المهم أن يعلم الوزير والقائمين على الدولة أن إضاعة المزيد من الوقت دون اتخاذ إجراءات عملية وناجعة في معالجة أسباب ظاهرة هجرة الأطباء ستكون كلفته باهظة قريبا.

م.ي