إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

استثمرت في "العزوف" للخروج من "العزلة".. تقاطع موقف المعارضة والشارع التونسي في مقاطعة الانتخابات

 

تونس – الصباح

يبدو أن نسبة كبيرة من مكونات الطبقة السياسية في تونس لاسيما منها المعارضة تحاول "التقاط" اللحظة وتوظيفها لصالحها والتأسيس لعلاقة جديدة مع الشارع التونسي، وذلك بعد الإعلان عن تدني نسبة مشاركة التونسيين في انتخابات المجالس المحلية الأخيرة، التي قاربت 12 % حسب ما أعلنت عنه الهيئة العليا المستقلة للانتخابات. لتحاول أن تحول عزوف التونسيين عن المشاركة في الانتخابات إلى فرصة للخروج من العزلة التي أصبحت تتخبط فيها بعد 25 جويلية 2021 ونفور الشارع التونسي من حولها بما ذلك الأحزاب التي كانت تحظى بقواعد شعبية واسعة مثلما كانت تروج لذلك. وتجسد هذه العزلة بالأساس في عدم استجابة الشارع والقواعد الشعبية لدعوات ومبادرات أغلب مكونات هذه الطبقة السياسية في التحركات والأنشطة التي نظمتها منذ دخول الدولة في مسارها الاستثنائي إلى غاية هذه المرحلة إلى حد أن عدد كبير من تلك الأحزاب بصدد التلاشي والاندثار.

فالعودة إلى متابعة ما ورد في بيانات الأحزاب المعارضة التي صدرت مؤخرا وكانت محورها الأساسي التفاعل مع انتخابات المجالس المحلية في دورتها الأولى إما بالدعوات للمقاطعة أو التقييم أو النقد أو التبرير والتفسير، إضافة إلى تصريحات البعض الآخر من السياسيين المعارضين لسياسة الدولة اليوم التي يقودها رئيس الجمهورية قيس سعيد ورفضهم لمشروعه، يتبين محاولة هؤلاء السياسيين البحث عن مصالحة مع الشارع التونسي و"تبني" موقفه من السلطة الذي يعتقد البعض أن عزوفه هذا يفسر برفضه للسياسة والخيارات التي ينتهجها رئيس الجمهورية، بما يمكنه من المراهنة على هذا المعطى لاستثماره في معارضته لسياسة سعيد من ناحية والسعي لاستمالة الرأي العام وجس نبض الشارع التونسي لاسيما في ظل حالة الاحتقان والشعور بالإحباط المخيمة بعد ما يقارب عامين ونصف من عمر المسار الجديد للدولة بقيادة سعيد وعدم التوصل بعد لحلحلة الوضع المتردي أو الأزمات المتراكمة الاقتصادية والاجتماعية وتردي الخدمات بالأساس وغياب أي بوادر للإصلاحات والتغييرات المنتظرة التي لطالما تعلقت بها همة نسب كبيرة من المواطنين وكانت من بين أبرز الأسباب التي دفعته لانتخاب رئيس الجمهورية قيس سعيد والخروج للتعبير عن رفض المنظومة القائمة يوم 25 جويلية 2021 في كامل ربوع الجمهورية والمطالبة بإسقاطها والترحيب بالقرارات التي اتخذها رئيس الجمهورية آنذاك.

فالعزوف عن المشاركة في الانتخابات ومختلف المحطات التي تضمنتها روزنامة الخارطة الخاصة بمرحلة الإجراءات الاستثنائية لما بعد 25 جويلية 2021 بدءا بالاستشارة الوطنية مرورا بالاستشارة على الدستور والانتخابات التشريعية السابقة لأوانها التي دارت في ديسمبر الماضي وكانت نسبة المشاركة في حدود 11.22%  وصولا إلى الانتخابات الأخيرة، لكن هؤلاء المعارضين للمسار اختاروا القفز على اللحظة الراهنة التي تأتي في خضم وضع اجتماعي واقتصادي وسياسي جد صعب.

الأمر الذي فتح المجال للتأويلات والقراءات بين من يعتبر أنه لا جدوى من أي محاولة للمعارضة للعودة إلى واجهة الأحداث والاهتمام بعد استيفائها كل "أوراقها" التي تمكنها من استعادة علاقتها بالقواعد الشعبية والعودة إلى دوائر القرار والسلطة طالما لم تقم بالمراجعات اللازمة وحافظت على نفس أدواتها وأساليبها وآلياتها ولم تجنح للتغيير. والبعض الآخر يرى أن الأهم هو إيجاد معطيات وعوامل جديدة تكون في مستوى المكاسب للمعارضة توظفها في مواصلة معارضتها للسلطة القائمة وتبرير رفضها للخيارات والسياسية المتبعة.

لذلك اعتبرت نرجس باباي، مختصة في الاتصال، في حديثها عن المسألة لـ"الصباح"، أن الأرقام الخاصة بالانتخابات تعد من بين أبرز المعطيات التي تعكس الموقف الحقيقي للمواطنين في الدولة. لذلك اعتبرت في محاولة المعارضة اليوم "الركوب" على حدث العزوف في تعبيرها عن رفض النظام القائم ونقدها لـ"السيستام" على اعتبار أنه بعد أكثر من عامين من مسك سعيد بسياسة تسيير الدولة لم يتغير الوضع ولم ير الجميع نتائج لتغيير السلطة والمنظومة التي كانت تحكم وهياكلها. وأضافت قائلة: "طبيعي أن توظف الأحزاب المعارضة هذا الوضع لصالحها وتراهن عليها كطريقة من طرق التعبير في نقدها ومعارضتها للسلطة. خاصة أن الجميع، مواطنون ومعارضة يتقاطعون في نفس النتيجة وهي عدم تغيير الوضع وغياب الإصلاحات الممكنة أو المنتظرة على أرض الواقع بقطع النظر عن نتائج هذا التوظيف".

من جانبه اعتبر المحلل السياسي صلاح الدين الجورشي، في تحليله لهذه المسألة لـ"الصباح"، أن الأحزاب الموجودة مهما كان ضعفها لها جمهورها. وأضاف قائلا: "تبقى نسبة الموالين لهذه الأحزاب لاسيما منها التي اختارت صف المعارضة في تونس في هذه المرحلة، مجهولة بل يمكن القول إنها ضعيفة. والعزوف عن المشاركة في الانتخابات لا يعني بالضرورة أن الشارع التونسي موالي لها أو أخذ بتوجيهات المعارضة واستجاب لدعواتها للمقاطعة. لأن الشارع اليوم له دوافعه الخاصة للعزوف والمقاطعة. وهو في تقديري يحافظ على نفس المسافة من المعارضة كما من السلطة".

لأنه يعتبر أن الشارع له موقف من الطرفين وحمل مسؤولية العزوف هذه للسلطة على اعتبار أن خياراتها وسياستها المتبعة وما تتضمنه من نقائص عمقت الهوة بينها وبين المواطنين، رغم أن الشارع كان في بداية المسار في شبه توافق معها، وفق تقديره.

وفي جانب آخر من تحليله للمسألة قال الجورشي: "في تقديري الأحزاب المعارضة لم تستطع الخروج من المأزق الذي تتخبط فيه إلا بعد إعادة النظر في مكوناتها. لأن مشكلتها بالأساس ذاتية داخلية حيث تفتقد للثقة إن لم تكن الثقة في أوساطها منعدمة". مؤكدا أن المعارضة ورغم المبادرات والجبهات والتكتلات والانصهارات التي تحاول تجريبها وتجسيدها في ظل هذا المرحلة، لم تنف غياب الثقة فيما بينها على اعتبار أن كل طرف يحاول توظيف مزايا أي برنامج أو رؤية أو مبادرة لصالحه.

وأكد محدثنا أن كل الأحزاب والقوى المعارضة اليوم هي في حالة ضعف تتفاوت من مستوى ضعيف إلى أضعف. وقال: "كلها ترزح وتتخبط تحت خط الضعف وبعضها تلاشى واندثر والبعض الآخر بصدد التلاشي بما في ذلك الأحزاب التي أكثر تنظيما هي أيضا بصدد التلاشي وخطر الاندثار يتهددها".

لذلك يعتبر أن أي محاولة من المعارضة لتبني معطى "العزوف" والتأسيس عليه في هذه المرحلة لن يمكنها من إنقاذ وضعها الصعب وخطر التلاشي الذي يهدد بقاءها.

نزيهة الغضباني

استثمرت في "العزوف" للخروج من "العزلة"..   تقاطع موقف المعارضة والشارع التونسي في مقاطعة الانتخابات

 

تونس – الصباح

يبدو أن نسبة كبيرة من مكونات الطبقة السياسية في تونس لاسيما منها المعارضة تحاول "التقاط" اللحظة وتوظيفها لصالحها والتأسيس لعلاقة جديدة مع الشارع التونسي، وذلك بعد الإعلان عن تدني نسبة مشاركة التونسيين في انتخابات المجالس المحلية الأخيرة، التي قاربت 12 % حسب ما أعلنت عنه الهيئة العليا المستقلة للانتخابات. لتحاول أن تحول عزوف التونسيين عن المشاركة في الانتخابات إلى فرصة للخروج من العزلة التي أصبحت تتخبط فيها بعد 25 جويلية 2021 ونفور الشارع التونسي من حولها بما ذلك الأحزاب التي كانت تحظى بقواعد شعبية واسعة مثلما كانت تروج لذلك. وتجسد هذه العزلة بالأساس في عدم استجابة الشارع والقواعد الشعبية لدعوات ومبادرات أغلب مكونات هذه الطبقة السياسية في التحركات والأنشطة التي نظمتها منذ دخول الدولة في مسارها الاستثنائي إلى غاية هذه المرحلة إلى حد أن عدد كبير من تلك الأحزاب بصدد التلاشي والاندثار.

فالعودة إلى متابعة ما ورد في بيانات الأحزاب المعارضة التي صدرت مؤخرا وكانت محورها الأساسي التفاعل مع انتخابات المجالس المحلية في دورتها الأولى إما بالدعوات للمقاطعة أو التقييم أو النقد أو التبرير والتفسير، إضافة إلى تصريحات البعض الآخر من السياسيين المعارضين لسياسة الدولة اليوم التي يقودها رئيس الجمهورية قيس سعيد ورفضهم لمشروعه، يتبين محاولة هؤلاء السياسيين البحث عن مصالحة مع الشارع التونسي و"تبني" موقفه من السلطة الذي يعتقد البعض أن عزوفه هذا يفسر برفضه للسياسة والخيارات التي ينتهجها رئيس الجمهورية، بما يمكنه من المراهنة على هذا المعطى لاستثماره في معارضته لسياسة سعيد من ناحية والسعي لاستمالة الرأي العام وجس نبض الشارع التونسي لاسيما في ظل حالة الاحتقان والشعور بالإحباط المخيمة بعد ما يقارب عامين ونصف من عمر المسار الجديد للدولة بقيادة سعيد وعدم التوصل بعد لحلحلة الوضع المتردي أو الأزمات المتراكمة الاقتصادية والاجتماعية وتردي الخدمات بالأساس وغياب أي بوادر للإصلاحات والتغييرات المنتظرة التي لطالما تعلقت بها همة نسب كبيرة من المواطنين وكانت من بين أبرز الأسباب التي دفعته لانتخاب رئيس الجمهورية قيس سعيد والخروج للتعبير عن رفض المنظومة القائمة يوم 25 جويلية 2021 في كامل ربوع الجمهورية والمطالبة بإسقاطها والترحيب بالقرارات التي اتخذها رئيس الجمهورية آنذاك.

فالعزوف عن المشاركة في الانتخابات ومختلف المحطات التي تضمنتها روزنامة الخارطة الخاصة بمرحلة الإجراءات الاستثنائية لما بعد 25 جويلية 2021 بدءا بالاستشارة الوطنية مرورا بالاستشارة على الدستور والانتخابات التشريعية السابقة لأوانها التي دارت في ديسمبر الماضي وكانت نسبة المشاركة في حدود 11.22%  وصولا إلى الانتخابات الأخيرة، لكن هؤلاء المعارضين للمسار اختاروا القفز على اللحظة الراهنة التي تأتي في خضم وضع اجتماعي واقتصادي وسياسي جد صعب.

الأمر الذي فتح المجال للتأويلات والقراءات بين من يعتبر أنه لا جدوى من أي محاولة للمعارضة للعودة إلى واجهة الأحداث والاهتمام بعد استيفائها كل "أوراقها" التي تمكنها من استعادة علاقتها بالقواعد الشعبية والعودة إلى دوائر القرار والسلطة طالما لم تقم بالمراجعات اللازمة وحافظت على نفس أدواتها وأساليبها وآلياتها ولم تجنح للتغيير. والبعض الآخر يرى أن الأهم هو إيجاد معطيات وعوامل جديدة تكون في مستوى المكاسب للمعارضة توظفها في مواصلة معارضتها للسلطة القائمة وتبرير رفضها للخيارات والسياسية المتبعة.

لذلك اعتبرت نرجس باباي، مختصة في الاتصال، في حديثها عن المسألة لـ"الصباح"، أن الأرقام الخاصة بالانتخابات تعد من بين أبرز المعطيات التي تعكس الموقف الحقيقي للمواطنين في الدولة. لذلك اعتبرت في محاولة المعارضة اليوم "الركوب" على حدث العزوف في تعبيرها عن رفض النظام القائم ونقدها لـ"السيستام" على اعتبار أنه بعد أكثر من عامين من مسك سعيد بسياسة تسيير الدولة لم يتغير الوضع ولم ير الجميع نتائج لتغيير السلطة والمنظومة التي كانت تحكم وهياكلها. وأضافت قائلة: "طبيعي أن توظف الأحزاب المعارضة هذا الوضع لصالحها وتراهن عليها كطريقة من طرق التعبير في نقدها ومعارضتها للسلطة. خاصة أن الجميع، مواطنون ومعارضة يتقاطعون في نفس النتيجة وهي عدم تغيير الوضع وغياب الإصلاحات الممكنة أو المنتظرة على أرض الواقع بقطع النظر عن نتائج هذا التوظيف".

من جانبه اعتبر المحلل السياسي صلاح الدين الجورشي، في تحليله لهذه المسألة لـ"الصباح"، أن الأحزاب الموجودة مهما كان ضعفها لها جمهورها. وأضاف قائلا: "تبقى نسبة الموالين لهذه الأحزاب لاسيما منها التي اختارت صف المعارضة في تونس في هذه المرحلة، مجهولة بل يمكن القول إنها ضعيفة. والعزوف عن المشاركة في الانتخابات لا يعني بالضرورة أن الشارع التونسي موالي لها أو أخذ بتوجيهات المعارضة واستجاب لدعواتها للمقاطعة. لأن الشارع اليوم له دوافعه الخاصة للعزوف والمقاطعة. وهو في تقديري يحافظ على نفس المسافة من المعارضة كما من السلطة".

لأنه يعتبر أن الشارع له موقف من الطرفين وحمل مسؤولية العزوف هذه للسلطة على اعتبار أن خياراتها وسياستها المتبعة وما تتضمنه من نقائص عمقت الهوة بينها وبين المواطنين، رغم أن الشارع كان في بداية المسار في شبه توافق معها، وفق تقديره.

وفي جانب آخر من تحليله للمسألة قال الجورشي: "في تقديري الأحزاب المعارضة لم تستطع الخروج من المأزق الذي تتخبط فيه إلا بعد إعادة النظر في مكوناتها. لأن مشكلتها بالأساس ذاتية داخلية حيث تفتقد للثقة إن لم تكن الثقة في أوساطها منعدمة". مؤكدا أن المعارضة ورغم المبادرات والجبهات والتكتلات والانصهارات التي تحاول تجريبها وتجسيدها في ظل هذا المرحلة، لم تنف غياب الثقة فيما بينها على اعتبار أن كل طرف يحاول توظيف مزايا أي برنامج أو رؤية أو مبادرة لصالحه.

وأكد محدثنا أن كل الأحزاب والقوى المعارضة اليوم هي في حالة ضعف تتفاوت من مستوى ضعيف إلى أضعف. وقال: "كلها ترزح وتتخبط تحت خط الضعف وبعضها تلاشى واندثر والبعض الآخر بصدد التلاشي بما في ذلك الأحزاب التي أكثر تنظيما هي أيضا بصدد التلاشي وخطر الاندثار يتهددها".

لذلك يعتبر أن أي محاولة من المعارضة لتبني معطى "العزوف" والتأسيس عليه في هذه المرحلة لن يمكنها من إنقاذ وضعها الصعب وخطر التلاشي الذي يهدد بقاءها.

نزيهة الغضباني