وائل الدحدوح اسم تعود عليه متتبعو الأخبار القادمة من غزة في ظل حرب الإبادة الجماعية التي يتعرض لها القطاع، وتعاطفوا معه واهتزوا لما تعرضت له عائلته من استهداف من جيش الاحتلال الإسرائيلي يوم 25 أكتوبر الماضي، وتحولت كلمته "معلش بينقموا منا في أولادنا"، وهو يتلقى نبأ مقتل زوجته وأربعة عشرة من أفراد عائلته بينهم ابنه وابنته وحفيده، إلى شعار لافت على مختلف المواقع الاجتماعية للصمود في وجه الاحتلال.. عاد وائل الدحدوح رغم الصدمة ورغم هول المصاب إلى المصدح وهو الذي يدرك أن المرحلة تأبى الفراغ، وأن نقل ما يجري على أرض غزة من قتل للنساء والأطفال ومن تدمير للبيوت والمساجد والكنائس والمستشفيات والمدارس على رؤوس أصحابها مسؤولية إعلامية وإنسانية وأخلاقية وتاريخية أيضا ...
وائل الدحدوح الصحفي الذي يواصل القيام برسالته تحت القصف أسير سابق في سجون الاحتلال طوال سبع سنوات ما منعه من تحقيق طموحه في دراسة الطب. عمل مراسلا للجزيرة ومديرا لمكتبها في غزة، استهدف جيش الاحتلال أقاربه واغتال زوجته وابنه وابنته يوم 25 أكتوبر 2023. تولى وائل الدحدوح كمراسل لقناة الجزيرة بغزة تغطية الحروب التي شهدها القطاع المحاصر، وأشهرها حرب 2008/2009 و2012 و2014 و2021 و2023.
يقول وائل الدحدوح في حواره الذي خص به "الصباح"، "نحن كصحفيين نغطي حدثا تاريخيا وإنسانيا مصيريا ولا مكان لليأس بيننا وهذا أيضا يجعل على كاهلنا مخاوف مضاعفة فنحن مشاريع شهادة في كل حين ومن الطبيعي جدا أن نخشى على أسرنا وأهلنا. ويذكر محدثنا أن هذه الحرب مختلفة عن كل الحروب السابقة في غزة. ويضيف محدثنا "نضطر في أحيان كثيرة إلى توزيع أسرنا وأقاربنا على أكثر من مكان حتى لو استهدف مكان في هذه الحرب المجنونة يمكن للبعض النجاة". ويشدد الدحدوح على أن المساعدات تدخل في حدود دنيا وهي نقطة من بحر لاحتياجات الأهالي. ويخلص الدحدوح إلى القول "نحن أحيانا نستغرب من أنفسنا ومن هذا الصمود الأسطوري، ولولا أن الله يمن علينا بهذا الصبر لما أمكن لنا احتمال ما نتعرض له. ويقول ربما أيضا هناك شيء آخر يتعلق بنوعية الناس على امتداد عشرات السنين في غزة فنحن لم نعرف ترف العيش ونعيش من أزمة إلى أخرى ومن حصار إلى حصار ولا نعيش مثل غيرنا من الشعوب، وهذا ما يمنحنا هذه الطاقة والقدرة على التحمل والصمود والثبات.. و فيما يلي نص الحديث .
حوار: اسيا العتروس
* ثمانون يوما تمر على جريمة الإبادة الجماعية التي تقترف في حق غزة وأهلها، كيف يعيش الصحفي في غزة أهوال هذه الحرب، وكيف يتعاطى مع مخاطرها؟
-الموضوع ليس سهلا، والحياة على هذا النحو في غزة معاناة، ولكن نحن ندفع الثمن مضاعفا كصحفيين وكمواطنين وفي الحالتين هناك دائما أثمان باهظة وأوجاع كبيرة نتجرعها وجروح نازفة لا تندمل. ما يحدث في غزة حرب مكلفة ومؤلمة ومختلفة عن كل الحروب السابقة من حيث الخسائر ومن حيث الأسلحة ومن حيث إصرار المقاومة وثبات الأهالي أيضا ولذلك نحن كصحفيين في قلب الخطر وقد تم استهداف نحو مائة صحفي حتى الآن والرقم مرشح كل يوم للارتفاع وهو رقم يفوق عدد الصحفيين الذين قتلوا في فيتنام خلال عشرين عاما. إسرائيل تستهدف الجميع، ما تعرضت له خلال هذه الحرب أني فقدت 14 من أفراد عائلتي ابني محمود وابنتي شامة وحفيدي ادم وزوجتي وحتى أبناء إخوتي وأقاربي. هذه حياتنا كصحفيين ونحن كغيرنا من أهالي غزة عشنا النزوح والتشريد القسري والاعتداءات والاستهداف المتكرر وفقدان المعدات واضطررنا للنزوح من غزة إلى خان يونس إلى رفح إلى دير البلح. هذا هو المشهد وهذه هي حياتنا لذلك هناك أثمان باهظة ندفعها في نهاية المطاف، نحن نغطي حدثا تاريخيا وإنسانيا مصيريا ولا مكان لليأس بيننا وهذا أيضا يجعل على كاهلنا مخاوف مضاعفة فنحن مشاريع شهادة في كل حين ومن الطبيعي جدا أن نخشى على أسرنا وأهلنا. نضطر في أحيان كثيرة إلى توزيع أسرنا وأقاربنا على أكثر من مكان حتى لو استهدف مكان في هذه الحرب المجنونة يمكن للبعض النجاة.
مطلوب منا أن نعيش هذا الاستنزاف الكبير وهو في الحقيقة استنزاف نفسي وجسدي في وقت واحد. نحاول البقاء على تواصل مع عائلاتنا وفي نفس الوقت مطالبون بتوفير الخيام والماء والخبز وغير ذلك من الاحتياجات الأساسية إن توفرت وفي أكثر الأحيان غير متوفرة وكذلك الشأن بالنسبة لشبكات التواصل في حدود المتاح، وفي أحيان كثيرة يكون هناك انقطاع شبه تام ولا يمكننا معرفة أخبار عائلاتنا في الجنوب والعكس صحيح أيضا. وإن وفقنا في التواصل مع أهلنا ليس بإمكاننا التنقل لتقديم المساعدة لهم. الشعور بالعجز من أصعب المشاعر التي تسكن الإنسان هذا هو الواقع كما نعيشه.
* هذه الحرب مختلفة كما قلت عن سابقاتها كيف ذلك؟
-نعم هذه الحرب مختلفة في كل شيء على مستوى الإحساس والمشاعر، كما على مستوى القتلى والدمار والخراب. الحرب أجبرتنا أن نواجه ظروفا في الحياة لا يمكن تخيلها، ولكن علينا أن نصمد وأن نستمر..، القادم غير واضح .
* ما صحة الأنباء بشأن بداية إدخال مساعدات إنسانية حيوية إلى قطاع غزة؟
-المساعدات تدخل في حدود دنيا وهي نقطة من بحر الاحتياجات للأهالي الذين لا يجدون الماء أو الغذاء والدواء أو الخيم أو الوقود، الناس يحتاجون كل شيء في ظل الدمار والخراب والتشرد الحاصل وفي ظل استمرار القصف الناري على الرؤوس، وحلول موسم الشتاء والأمطار وعودة الجميع إلى حياة بدائية وإلى الطبخ على الحطب وهذا هو حال غزة ..
* إلى متى يمكن أن تستمر هذه الحرب؟
- إذا كان الأمر يتعلق برؤية واضحة وتاريخ محدد لنهاية الحرب فلا احد يملك الإجابة والفرص متساوية لاستمرار العدوان إلى أمد بعيد أو إنهاء الحرب قريبا، والأمر مرتبط بتطورات الأحداث الميدانية. هناك محتجون في قبضة المقاومة كل هذا يحتاج إلى حلول، ولكن الحلول سهلة وليست متوفرة بما يجعل استمرارية الحرب أو توقفها قائما. ولكن هناك معطيات يجب الانتباه لها ومنها موقف الرأي العام الإسرائيلي وهيبة إسرائيل وصورتها أمام حلفائها، وهذا يجعلها أمام خيارات صعبة جدا. وهناك على الميدان المقاومة الفلسطينية مازالت ثابتة وتتحدث أن في جعبتها الكثير. والرهائن الأسرى وبينهم خاصة الجنود، ورقة قوية بإمكانها خلط كل الأوراق في الداخل الإسرائيلي وهناك تفاصيل يمكن أن تكون حساسة ومعقدة قد تؤدي إلى ما يشبه الصفقة. ربما يعمد جيش الاحتلال بعد الانتهاء من عمليات التدمير والعقاب الجماعي أن يسعى إلى الانسحاب من جانب واحد والحفاظ على ما بقي من ماء الوجه. الاحتلال لم ينجز شيئا في المجال العسكري والقضاء على "حماس" وعودة الرهائن وهذا أمر وارد، ما يعني أن اللجوء إلى هذا الخيار أمر محتمل، مع إبقاء الجيش تحت سيطرته لمناطق عازلة. من الواضح أن الاحتلال يريد إخلاء الساحة حتى يتسنى له العمل بعيدا عن أي احراجات أو بعيدا عن أعين الصحافيين الذين ينقلون للعالم الجانب الإنساني والأخلاقي الكاذب لجيش الاحتلال .
* لماذا يصر الاحتلال على استهداف الصحفيين، ولماذا يزعجه حضور الصحفيين والمصورين الذين ينقلون ما يحدث على الأرض؟
-من الواضح أن الصحافيين مازالوا مستمرين في التغطية رغم القصف والاستهداف، وهذا أبلغ رد على جرائم الاحتلال. الأسرة الصحفية وكل الزملاء هنا في غزة وفي الضفة هم سفراء القضية اليوم ومستمرون في تحمل الرسالة. لم تتوقف الصورة من غزة والمسيرة مستمرة بما يتوفر لنا من إمكانيات و رغم الثمن الباهظ والتهديدات نحن مستمرون في مهمتنا وهذا الأهم في هذا السياق باعتبار التحدي الذي يفرضه الاحتلال ونحن من جانبنا قبلنا التحدي مهما كان الثمن. الصحفيون ليسوا جزءا من المعركة هم ينقلون الحقيقة ولذلك هم مستهدفون ولكنهم مستمرون في أداء المهمة .
* من أين يأتي أهل غزة والفلسطينيين عموما بهذه القدرة على التحمل والجلد والصبر؟
-الذي يربط على القلوب في مثل هذه الظروف هو الله عز وجل، ما يحدث على الأرض من تفاصيل وأهوال تنوء بحمله الجبال، حتى نحن أحيانا نستغرب من أنفسنا ومن هذا الصمود الأسطوري، ولولا أن الله يمن علينا بهذا الصبر لما أمكن لنا احتمال ما نتعرض له. ربما أيضا هناك شيء آخر يتعلق بنوعية الناس على امتداد عشرات السنين في غزة فنحن لم نعرف ترف العيش، ونعيش من أزمة إلى أخرى ومن حصار إلى حصار ولا نعيش مثل غيرنا من الشعوب منذ انتفاضة 1988 وبعد عودة السلطة إلى فلسطين ثم انهيار مسار أوسلو بقينا على هذا الحال بين التطاحن والاحتياجات والحروب..، في السنوات الأخيرة مرت علينا أربعة حروب قبل هذه الحرب وفي خضم كل ذلك عشنا حصارا استمر ثمانية عشرة عاما أنتج أناسا لديهم حصانة إزاء نوائب الحياة، وقدرة على التعايش مع الصعوبات والتمسك بالأرض. هذا لا يعني أننا شعب لا يحب الحياة بالعكس نحن في غزة نتمنى الحياة ونتعلق بالحياة ونتمنى أن نعيش ونتمتع كغيرنا. ولكن في نهاية المطاف هذا قدرنا رغم فقدان الأمل في أي انفراج. الناس متشبثون بهذه القضية وهذا الأهم .
*أنت على الميدان وترى ما لا يمكن رؤيته ما صحة ما يتردد بشأن مواصلة جيش الاحتلال بكل الطرق المتاحة التضييق على أهالي غزة ودفعهم إلى الحدود مع مصر هربا من الموت، وهل صحيح أن المشهد قريب من تكرار نكبة الـ48 والـ67؟
-هذا كان أهم أهداف ناتنياهو منذ بداية الحرب، ولكن الخيار تراجع إلى حد كبير والسبب هو صمود الناس الذين تدمر على رؤوسهم المباني والمدارس والمستشفيات. نحن إزاء 30 ألف شهيد على الأقل وأعداد ضخمة من الجرحى، وإزاء موجة نزوح غير مسبوقة وتهجير واستهداف حتى على الطرق التي يقولون إنها آمنة ويدعون الناس للذهاب إليها. لا يزال هناك في المناطق الشمالية وفي بيت حنون وبيت لاهيا أناس متمسكون بالبقاء فيما بقي من بيوتهم. الناس تلاحقهم الدبابات والطائرات وهذا الأمر بالتأكيد يزيدهم صمودا منقطع النظير. الناس هم واقع الحال الذي يعيشونه .
* وائل الدحدوح أنت أمام المصدح على مدار الساعة تنقل أخبار غزة وجرائم الاحتلال، أي رسالة يمكن لك أن توجهها إلى العالم وإلى كل الصحفيين في كل العالم؟
- حتى نختصر الكلام وسيتعين علي الاستعداد للمراسلة التالية أقول مطلوب مني الوقوف أمام الكاميرا وطبعا لا نستخصر أي جهد من الشعوب أو من الزملاء بالكلمة بالدعاء بالمسيرات والصغير مع الصغير كبير وكل الجهود لدعم أهلنا في غزة مقدرة. مطلوب من الزملاء الصحفيين في كل العالم الضغط على المؤسسات الدولية للضغط على إسرائيل ووقف الاستهداف الهمجي الكبير على الصحفيين حتى يتسنى لهم القيام بعملهم والتوقف عن استهداف غزة .
تونس- الصباح
وائل الدحدوح اسم تعود عليه متتبعو الأخبار القادمة من غزة في ظل حرب الإبادة الجماعية التي يتعرض لها القطاع، وتعاطفوا معه واهتزوا لما تعرضت له عائلته من استهداف من جيش الاحتلال الإسرائيلي يوم 25 أكتوبر الماضي، وتحولت كلمته "معلش بينقموا منا في أولادنا"، وهو يتلقى نبأ مقتل زوجته وأربعة عشرة من أفراد عائلته بينهم ابنه وابنته وحفيده، إلى شعار لافت على مختلف المواقع الاجتماعية للصمود في وجه الاحتلال.. عاد وائل الدحدوح رغم الصدمة ورغم هول المصاب إلى المصدح وهو الذي يدرك أن المرحلة تأبى الفراغ، وأن نقل ما يجري على أرض غزة من قتل للنساء والأطفال ومن تدمير للبيوت والمساجد والكنائس والمستشفيات والمدارس على رؤوس أصحابها مسؤولية إعلامية وإنسانية وأخلاقية وتاريخية أيضا ...
وائل الدحدوح الصحفي الذي يواصل القيام برسالته تحت القصف أسير سابق في سجون الاحتلال طوال سبع سنوات ما منعه من تحقيق طموحه في دراسة الطب. عمل مراسلا للجزيرة ومديرا لمكتبها في غزة، استهدف جيش الاحتلال أقاربه واغتال زوجته وابنه وابنته يوم 25 أكتوبر 2023. تولى وائل الدحدوح كمراسل لقناة الجزيرة بغزة تغطية الحروب التي شهدها القطاع المحاصر، وأشهرها حرب 2008/2009 و2012 و2014 و2021 و2023.
يقول وائل الدحدوح في حواره الذي خص به "الصباح"، "نحن كصحفيين نغطي حدثا تاريخيا وإنسانيا مصيريا ولا مكان لليأس بيننا وهذا أيضا يجعل على كاهلنا مخاوف مضاعفة فنحن مشاريع شهادة في كل حين ومن الطبيعي جدا أن نخشى على أسرنا وأهلنا. ويذكر محدثنا أن هذه الحرب مختلفة عن كل الحروب السابقة في غزة. ويضيف محدثنا "نضطر في أحيان كثيرة إلى توزيع أسرنا وأقاربنا على أكثر من مكان حتى لو استهدف مكان في هذه الحرب المجنونة يمكن للبعض النجاة". ويشدد الدحدوح على أن المساعدات تدخل في حدود دنيا وهي نقطة من بحر لاحتياجات الأهالي. ويخلص الدحدوح إلى القول "نحن أحيانا نستغرب من أنفسنا ومن هذا الصمود الأسطوري، ولولا أن الله يمن علينا بهذا الصبر لما أمكن لنا احتمال ما نتعرض له. ويقول ربما أيضا هناك شيء آخر يتعلق بنوعية الناس على امتداد عشرات السنين في غزة فنحن لم نعرف ترف العيش ونعيش من أزمة إلى أخرى ومن حصار إلى حصار ولا نعيش مثل غيرنا من الشعوب، وهذا ما يمنحنا هذه الطاقة والقدرة على التحمل والصمود والثبات.. و فيما يلي نص الحديث .
حوار: اسيا العتروس
* ثمانون يوما تمر على جريمة الإبادة الجماعية التي تقترف في حق غزة وأهلها، كيف يعيش الصحفي في غزة أهوال هذه الحرب، وكيف يتعاطى مع مخاطرها؟
-الموضوع ليس سهلا، والحياة على هذا النحو في غزة معاناة، ولكن نحن ندفع الثمن مضاعفا كصحفيين وكمواطنين وفي الحالتين هناك دائما أثمان باهظة وأوجاع كبيرة نتجرعها وجروح نازفة لا تندمل. ما يحدث في غزة حرب مكلفة ومؤلمة ومختلفة عن كل الحروب السابقة من حيث الخسائر ومن حيث الأسلحة ومن حيث إصرار المقاومة وثبات الأهالي أيضا ولذلك نحن كصحفيين في قلب الخطر وقد تم استهداف نحو مائة صحفي حتى الآن والرقم مرشح كل يوم للارتفاع وهو رقم يفوق عدد الصحفيين الذين قتلوا في فيتنام خلال عشرين عاما. إسرائيل تستهدف الجميع، ما تعرضت له خلال هذه الحرب أني فقدت 14 من أفراد عائلتي ابني محمود وابنتي شامة وحفيدي ادم وزوجتي وحتى أبناء إخوتي وأقاربي. هذه حياتنا كصحفيين ونحن كغيرنا من أهالي غزة عشنا النزوح والتشريد القسري والاعتداءات والاستهداف المتكرر وفقدان المعدات واضطررنا للنزوح من غزة إلى خان يونس إلى رفح إلى دير البلح. هذا هو المشهد وهذه هي حياتنا لذلك هناك أثمان باهظة ندفعها في نهاية المطاف، نحن نغطي حدثا تاريخيا وإنسانيا مصيريا ولا مكان لليأس بيننا وهذا أيضا يجعل على كاهلنا مخاوف مضاعفة فنحن مشاريع شهادة في كل حين ومن الطبيعي جدا أن نخشى على أسرنا وأهلنا. نضطر في أحيان كثيرة إلى توزيع أسرنا وأقاربنا على أكثر من مكان حتى لو استهدف مكان في هذه الحرب المجنونة يمكن للبعض النجاة.
مطلوب منا أن نعيش هذا الاستنزاف الكبير وهو في الحقيقة استنزاف نفسي وجسدي في وقت واحد. نحاول البقاء على تواصل مع عائلاتنا وفي نفس الوقت مطالبون بتوفير الخيام والماء والخبز وغير ذلك من الاحتياجات الأساسية إن توفرت وفي أكثر الأحيان غير متوفرة وكذلك الشأن بالنسبة لشبكات التواصل في حدود المتاح، وفي أحيان كثيرة يكون هناك انقطاع شبه تام ولا يمكننا معرفة أخبار عائلاتنا في الجنوب والعكس صحيح أيضا. وإن وفقنا في التواصل مع أهلنا ليس بإمكاننا التنقل لتقديم المساعدة لهم. الشعور بالعجز من أصعب المشاعر التي تسكن الإنسان هذا هو الواقع كما نعيشه.
* هذه الحرب مختلفة كما قلت عن سابقاتها كيف ذلك؟
-نعم هذه الحرب مختلفة في كل شيء على مستوى الإحساس والمشاعر، كما على مستوى القتلى والدمار والخراب. الحرب أجبرتنا أن نواجه ظروفا في الحياة لا يمكن تخيلها، ولكن علينا أن نصمد وأن نستمر..، القادم غير واضح .
* ما صحة الأنباء بشأن بداية إدخال مساعدات إنسانية حيوية إلى قطاع غزة؟
-المساعدات تدخل في حدود دنيا وهي نقطة من بحر الاحتياجات للأهالي الذين لا يجدون الماء أو الغذاء والدواء أو الخيم أو الوقود، الناس يحتاجون كل شيء في ظل الدمار والخراب والتشرد الحاصل وفي ظل استمرار القصف الناري على الرؤوس، وحلول موسم الشتاء والأمطار وعودة الجميع إلى حياة بدائية وإلى الطبخ على الحطب وهذا هو حال غزة ..
* إلى متى يمكن أن تستمر هذه الحرب؟
- إذا كان الأمر يتعلق برؤية واضحة وتاريخ محدد لنهاية الحرب فلا احد يملك الإجابة والفرص متساوية لاستمرار العدوان إلى أمد بعيد أو إنهاء الحرب قريبا، والأمر مرتبط بتطورات الأحداث الميدانية. هناك محتجون في قبضة المقاومة كل هذا يحتاج إلى حلول، ولكن الحلول سهلة وليست متوفرة بما يجعل استمرارية الحرب أو توقفها قائما. ولكن هناك معطيات يجب الانتباه لها ومنها موقف الرأي العام الإسرائيلي وهيبة إسرائيل وصورتها أمام حلفائها، وهذا يجعلها أمام خيارات صعبة جدا. وهناك على الميدان المقاومة الفلسطينية مازالت ثابتة وتتحدث أن في جعبتها الكثير. والرهائن الأسرى وبينهم خاصة الجنود، ورقة قوية بإمكانها خلط كل الأوراق في الداخل الإسرائيلي وهناك تفاصيل يمكن أن تكون حساسة ومعقدة قد تؤدي إلى ما يشبه الصفقة. ربما يعمد جيش الاحتلال بعد الانتهاء من عمليات التدمير والعقاب الجماعي أن يسعى إلى الانسحاب من جانب واحد والحفاظ على ما بقي من ماء الوجه. الاحتلال لم ينجز شيئا في المجال العسكري والقضاء على "حماس" وعودة الرهائن وهذا أمر وارد، ما يعني أن اللجوء إلى هذا الخيار أمر محتمل، مع إبقاء الجيش تحت سيطرته لمناطق عازلة. من الواضح أن الاحتلال يريد إخلاء الساحة حتى يتسنى له العمل بعيدا عن أي احراجات أو بعيدا عن أعين الصحافيين الذين ينقلون للعالم الجانب الإنساني والأخلاقي الكاذب لجيش الاحتلال .
* لماذا يصر الاحتلال على استهداف الصحفيين، ولماذا يزعجه حضور الصحفيين والمصورين الذين ينقلون ما يحدث على الأرض؟
-من الواضح أن الصحافيين مازالوا مستمرين في التغطية رغم القصف والاستهداف، وهذا أبلغ رد على جرائم الاحتلال. الأسرة الصحفية وكل الزملاء هنا في غزة وفي الضفة هم سفراء القضية اليوم ومستمرون في تحمل الرسالة. لم تتوقف الصورة من غزة والمسيرة مستمرة بما يتوفر لنا من إمكانيات و رغم الثمن الباهظ والتهديدات نحن مستمرون في مهمتنا وهذا الأهم في هذا السياق باعتبار التحدي الذي يفرضه الاحتلال ونحن من جانبنا قبلنا التحدي مهما كان الثمن. الصحفيون ليسوا جزءا من المعركة هم ينقلون الحقيقة ولذلك هم مستهدفون ولكنهم مستمرون في أداء المهمة .
* من أين يأتي أهل غزة والفلسطينيين عموما بهذه القدرة على التحمل والجلد والصبر؟
-الذي يربط على القلوب في مثل هذه الظروف هو الله عز وجل، ما يحدث على الأرض من تفاصيل وأهوال تنوء بحمله الجبال، حتى نحن أحيانا نستغرب من أنفسنا ومن هذا الصمود الأسطوري، ولولا أن الله يمن علينا بهذا الصبر لما أمكن لنا احتمال ما نتعرض له. ربما أيضا هناك شيء آخر يتعلق بنوعية الناس على امتداد عشرات السنين في غزة فنحن لم نعرف ترف العيش، ونعيش من أزمة إلى أخرى ومن حصار إلى حصار ولا نعيش مثل غيرنا من الشعوب منذ انتفاضة 1988 وبعد عودة السلطة إلى فلسطين ثم انهيار مسار أوسلو بقينا على هذا الحال بين التطاحن والاحتياجات والحروب..، في السنوات الأخيرة مرت علينا أربعة حروب قبل هذه الحرب وفي خضم كل ذلك عشنا حصارا استمر ثمانية عشرة عاما أنتج أناسا لديهم حصانة إزاء نوائب الحياة، وقدرة على التعايش مع الصعوبات والتمسك بالأرض. هذا لا يعني أننا شعب لا يحب الحياة بالعكس نحن في غزة نتمنى الحياة ونتعلق بالحياة ونتمنى أن نعيش ونتمتع كغيرنا. ولكن في نهاية المطاف هذا قدرنا رغم فقدان الأمل في أي انفراج. الناس متشبثون بهذه القضية وهذا الأهم .
*أنت على الميدان وترى ما لا يمكن رؤيته ما صحة ما يتردد بشأن مواصلة جيش الاحتلال بكل الطرق المتاحة التضييق على أهالي غزة ودفعهم إلى الحدود مع مصر هربا من الموت، وهل صحيح أن المشهد قريب من تكرار نكبة الـ48 والـ67؟
-هذا كان أهم أهداف ناتنياهو منذ بداية الحرب، ولكن الخيار تراجع إلى حد كبير والسبب هو صمود الناس الذين تدمر على رؤوسهم المباني والمدارس والمستشفيات. نحن إزاء 30 ألف شهيد على الأقل وأعداد ضخمة من الجرحى، وإزاء موجة نزوح غير مسبوقة وتهجير واستهداف حتى على الطرق التي يقولون إنها آمنة ويدعون الناس للذهاب إليها. لا يزال هناك في المناطق الشمالية وفي بيت حنون وبيت لاهيا أناس متمسكون بالبقاء فيما بقي من بيوتهم. الناس تلاحقهم الدبابات والطائرات وهذا الأمر بالتأكيد يزيدهم صمودا منقطع النظير. الناس هم واقع الحال الذي يعيشونه .
* وائل الدحدوح أنت أمام المصدح على مدار الساعة تنقل أخبار غزة وجرائم الاحتلال، أي رسالة يمكن لك أن توجهها إلى العالم وإلى كل الصحفيين في كل العالم؟
- حتى نختصر الكلام وسيتعين علي الاستعداد للمراسلة التالية أقول مطلوب مني الوقوف أمام الكاميرا وطبعا لا نستخصر أي جهد من الشعوب أو من الزملاء بالكلمة بالدعاء بالمسيرات والصغير مع الصغير كبير وكل الجهود لدعم أهلنا في غزة مقدرة. مطلوب من الزملاء الصحفيين في كل العالم الضغط على المؤسسات الدولية للضغط على إسرائيل ووقف الاستهداف الهمجي الكبير على الصحفيين حتى يتسنى لهم القيام بعملهم والتوقف عن استهداف غزة .