مثل مؤخرا حادث انهيار جزء من الواجهة الجنوبية الخارجية لسور المدينة العتيقة بالقيروان أثناء أشغال صيانة وترميم، مناسبة لتسليط الضوء على موضوع ربما أصبح في السنوات الأخيرة من آخر الاهتمامات والأوليات في البلاد وهو موضوع واقع المواقع الأثرية والتاريخية وحتى الطبيعية في البلاد.
ومع استمرار الأزمات السياسية والاقتصادية والمالية في البلاد على امتداد السنوات الأخيرة تراجع الاهتمام بعديد المسائل على غرار مواقعنا الأثرية والتاريخية وعلى أهميتها أصبح من الترف لدى البعض الحديث عنها والتنبيه لما تتعرض له من إهمال واعتداءات.
فعديد المواقع الأثرية في أغلب الجهات تتعرض لشتى صنوف الاعتداءات والتجاوزات سواء بالإهمال وتحولها إلى مصبات أحيانا وغياب أعمال الصيانة والتعهد والترميم بالشكل المطلوب وفي الوقت وبالسرعة اللازمة لتفادي انهيار هذه المعالم. كما تشمل الاعتداءات أشغال الحفر العشوائية بحثا عن الكنوز أو كذلك التوسع العمراني وتشييد مباني ومدن فوق أراضٍ أثرية، وطمس العديد من المعالم التاريخية.
ويحصل كل هذا وسط تهاون غير مبرر من قبل المسؤولين على حماية التراث وتنفيذ القانون.
تحميل المسؤليات
على إثر حادث انهيار جزء من الواجهة الجنوبية الخارجية لسور مدينة القيروان ، سارعت وزارة الشؤون الثقافية للتأكيد على "أنها لن تتوانى في تسليط أشد العقوبات على كل من يثبت التحقيق الإداري تورطه في أي تهاون أو تخاذل في أداء عمله وتحمل مسؤولياته".
وذكر بلاغ الوزارة بالمناسبة أن "وزيرة الشؤون الثقافية حياة قطاط القرمازي تحولت على عين المكان لمعاينة وقائع الحادث وأشرفت على اجتماع طارئ للجنة الجهوية لمجابهة الكوارث بمقر الولاية، تم على إثره اتخاذ إجراءات تمثلت في فتح تحقيق إداري بشأن مراقبة أشغال شركة المقاولات ومتابعتها من قبل المعهد الوطني للتراث بعد أن تم فتح تحقيق قضائي ضد شركة المقاولات التي تعهدت بمشروع الترميم والصيانة والتي تم إسنادها الصفقة حسب التراتيب الجاري بها العمل طبقا للأمر المنظم للصفقات العمومية".
جيد أن تبادر الوزارة إلى فتح تحقيق وتحميل المسؤوليات للمخالفين لكن قبل ذلك وجب التأكيد أنه كان على سلطة الإشراف التحلي بالحزم وتسارع إلى المراقبة وتتبع الاعتداءات وكل تقصير يسجل منذ فترة طويلة سواء في علاقة بالموقع الأثري في القيروان أو في غيره من المواقع الأخرى.
مرد هذا الكلام أنه في فيفري الفارط كان المنسق العلمي للتراث بالمعهد الوطني للتراث بالقيروان فتحي البحري قد صرح بأنه "تم رصد 85 اعتداء على التراث وسط المدينة العتيقة بالقيروان منذ سنة 2011 إلى حد الآن".
مضيفا أن هذه الاعتداءات "تمثلت بالخصوص في بناءات دون رخصة وأشغال هدم وبناء بصفة عشوائية وعمليات تشويه لبناءات وتغيير الصبغة الأصلية لعدد من المباني بالمدينة العتيقة التي صنفت كتراث عالمي إلى جانب عدد من معالم مدينة القيروان".
وبالمناسبة تطرق المنسق العلمي لانطلاق عملية ترميم الواجهة الجنوبية الخارجية لسور المدينة العتيقة بالقيروان الواقعة بين «سيدي السيوري» و«باب الجلادين» مشيرا إلى أن "عملية ترميم هذا الجزء من السور ليست سهلة نظر لان الواجهة الجنوبية شملتها أشغال صيانة بين سنة 1966 و1968 تم خلالها اعتماد الأسمنت في أرضية السور على طول 40 صم وهو ما يتعارض مع تقنيات ترميم المعالم الأثرية".
وأوضح أن "الرجة الأرضية التي شهدتها ولاية القيروان في شهر أوت من سنة 2004 أثرت على عديد المعالم وتسببت في سقوط منازل كما كان تأثير هذه الرجة أكبر على الواجهة الجنوبية للسور التي تبين من خلال البحوث التي قام بها المعهد أن استعمال الأسمنت كان السبب في إحداث تصدعات بهذه الواجهة".
والواضح من خلال كلام المنسق العلمي للتراث أن الجميع على وعي ودراية بوجود تجاوزات في عمليات ترميم سابقة لم تحترم تقنيات ترميم المعالم الأثرية.. وكذلك بوجود تعقيدات في عملية الترميم الجديدة وذلك منذ فيفري الفارط فلماذا لم يتم التدخل في الوقت المناسب للتتبع والمراقبة وتحميل المسؤوليات؟؟
عديد التجاوزات
الملاحظ أيضا من خلال متابعة عمل وزارة الإشراف أن الإشكاليات والتجاوزات لا تقتصر على سور المدينة العتيقة بالقيروان، ففي فيفري الفارط وخلال الاطلاع على سير عمليات الترميم التي طالت المعالم الأثرية والتاريخية لمدينة تونس العتيقة وفي جلسة جمعت وزيرة الشؤون الثقافية حياة قطاط القرمازي بعدد من إطارات المعهد الوطني للتراث تم التطرق إلى التجاوزات والمخالفات والاعتداءات على المعالم التاريخية والأثرية بمدينة تونس العتيقة إذ تم "رصد ما يفوق 100 مخالفة عمرانية منذ سنة 2018 تمثلت أساسا في تغيير الصبغة الأصلية لعدد من المباني وأشغال بناء أو هدم بصفة عشوائية وعمليات تشويه لهذه المعالم الأثرية وسرقتها. وقد تم التأكيد على أهمية تضافر الجهود من قبل السلط المعنية لمواجهة المخالفين وردعهم وحماية المعالم التراثية في مدينة تونس العتيقة التي صنفت منذ سنة 1979 تراثا"، وفق نص بلاغ الوزارة حينها.
وفي وقت سابق زارت وزيرة الشؤون الثقافية عددا من المعالم الأثرية وعاينت بالمناسبة وفق بلاغ الوزارة "الاعتداءات التي طالت معلم "الحنايا" الأثري الروماني وشملت هدم أجزاء منه ونقل أحجار بعد تنفيذ عمليات حفر عشوائية في إطار خطط للتوسع العمراني في المنطقة. واطلعت أيضاً على مجموعة تجاوزات للقيمة التاريخية لمعلم الكراكة في ضاحية حلق الوادي، شملت بناء عدد من أكشاك البيع في محاذاته، في حين تتواصل عملية انجاز مطعم ومقهى، ما يخرق بالكامل الإجراءات المتبعة".
كما أكدت الوزارة في بيانها أنّها "ستحقق في هذه التجاوزات، وتطبق الإجراءات المطلوبة في حق مرتكبيها استناداً إلى التشريعات المعتمدة".
رغم ذلك تستمر الاعتداءات ويستمر الإهمال وعدم إيلاء موضوع حماية المعالم التاريخية والمناطق الأثرية ما تستحقه من اهتمام وصرامة في المراقبة وتتبع المعتدين والمقصرين.
م.ي
تونس – الصباح
مثل مؤخرا حادث انهيار جزء من الواجهة الجنوبية الخارجية لسور المدينة العتيقة بالقيروان أثناء أشغال صيانة وترميم، مناسبة لتسليط الضوء على موضوع ربما أصبح في السنوات الأخيرة من آخر الاهتمامات والأوليات في البلاد وهو موضوع واقع المواقع الأثرية والتاريخية وحتى الطبيعية في البلاد.
ومع استمرار الأزمات السياسية والاقتصادية والمالية في البلاد على امتداد السنوات الأخيرة تراجع الاهتمام بعديد المسائل على غرار مواقعنا الأثرية والتاريخية وعلى أهميتها أصبح من الترف لدى البعض الحديث عنها والتنبيه لما تتعرض له من إهمال واعتداءات.
فعديد المواقع الأثرية في أغلب الجهات تتعرض لشتى صنوف الاعتداءات والتجاوزات سواء بالإهمال وتحولها إلى مصبات أحيانا وغياب أعمال الصيانة والتعهد والترميم بالشكل المطلوب وفي الوقت وبالسرعة اللازمة لتفادي انهيار هذه المعالم. كما تشمل الاعتداءات أشغال الحفر العشوائية بحثا عن الكنوز أو كذلك التوسع العمراني وتشييد مباني ومدن فوق أراضٍ أثرية، وطمس العديد من المعالم التاريخية.
ويحصل كل هذا وسط تهاون غير مبرر من قبل المسؤولين على حماية التراث وتنفيذ القانون.
تحميل المسؤليات
على إثر حادث انهيار جزء من الواجهة الجنوبية الخارجية لسور مدينة القيروان ، سارعت وزارة الشؤون الثقافية للتأكيد على "أنها لن تتوانى في تسليط أشد العقوبات على كل من يثبت التحقيق الإداري تورطه في أي تهاون أو تخاذل في أداء عمله وتحمل مسؤولياته".
وذكر بلاغ الوزارة بالمناسبة أن "وزيرة الشؤون الثقافية حياة قطاط القرمازي تحولت على عين المكان لمعاينة وقائع الحادث وأشرفت على اجتماع طارئ للجنة الجهوية لمجابهة الكوارث بمقر الولاية، تم على إثره اتخاذ إجراءات تمثلت في فتح تحقيق إداري بشأن مراقبة أشغال شركة المقاولات ومتابعتها من قبل المعهد الوطني للتراث بعد أن تم فتح تحقيق قضائي ضد شركة المقاولات التي تعهدت بمشروع الترميم والصيانة والتي تم إسنادها الصفقة حسب التراتيب الجاري بها العمل طبقا للأمر المنظم للصفقات العمومية".
جيد أن تبادر الوزارة إلى فتح تحقيق وتحميل المسؤوليات للمخالفين لكن قبل ذلك وجب التأكيد أنه كان على سلطة الإشراف التحلي بالحزم وتسارع إلى المراقبة وتتبع الاعتداءات وكل تقصير يسجل منذ فترة طويلة سواء في علاقة بالموقع الأثري في القيروان أو في غيره من المواقع الأخرى.
مرد هذا الكلام أنه في فيفري الفارط كان المنسق العلمي للتراث بالمعهد الوطني للتراث بالقيروان فتحي البحري قد صرح بأنه "تم رصد 85 اعتداء على التراث وسط المدينة العتيقة بالقيروان منذ سنة 2011 إلى حد الآن".
مضيفا أن هذه الاعتداءات "تمثلت بالخصوص في بناءات دون رخصة وأشغال هدم وبناء بصفة عشوائية وعمليات تشويه لبناءات وتغيير الصبغة الأصلية لعدد من المباني بالمدينة العتيقة التي صنفت كتراث عالمي إلى جانب عدد من معالم مدينة القيروان".
وبالمناسبة تطرق المنسق العلمي لانطلاق عملية ترميم الواجهة الجنوبية الخارجية لسور المدينة العتيقة بالقيروان الواقعة بين «سيدي السيوري» و«باب الجلادين» مشيرا إلى أن "عملية ترميم هذا الجزء من السور ليست سهلة نظر لان الواجهة الجنوبية شملتها أشغال صيانة بين سنة 1966 و1968 تم خلالها اعتماد الأسمنت في أرضية السور على طول 40 صم وهو ما يتعارض مع تقنيات ترميم المعالم الأثرية".
وأوضح أن "الرجة الأرضية التي شهدتها ولاية القيروان في شهر أوت من سنة 2004 أثرت على عديد المعالم وتسببت في سقوط منازل كما كان تأثير هذه الرجة أكبر على الواجهة الجنوبية للسور التي تبين من خلال البحوث التي قام بها المعهد أن استعمال الأسمنت كان السبب في إحداث تصدعات بهذه الواجهة".
والواضح من خلال كلام المنسق العلمي للتراث أن الجميع على وعي ودراية بوجود تجاوزات في عمليات ترميم سابقة لم تحترم تقنيات ترميم المعالم الأثرية.. وكذلك بوجود تعقيدات في عملية الترميم الجديدة وذلك منذ فيفري الفارط فلماذا لم يتم التدخل في الوقت المناسب للتتبع والمراقبة وتحميل المسؤوليات؟؟
عديد التجاوزات
الملاحظ أيضا من خلال متابعة عمل وزارة الإشراف أن الإشكاليات والتجاوزات لا تقتصر على سور المدينة العتيقة بالقيروان، ففي فيفري الفارط وخلال الاطلاع على سير عمليات الترميم التي طالت المعالم الأثرية والتاريخية لمدينة تونس العتيقة وفي جلسة جمعت وزيرة الشؤون الثقافية حياة قطاط القرمازي بعدد من إطارات المعهد الوطني للتراث تم التطرق إلى التجاوزات والمخالفات والاعتداءات على المعالم التاريخية والأثرية بمدينة تونس العتيقة إذ تم "رصد ما يفوق 100 مخالفة عمرانية منذ سنة 2018 تمثلت أساسا في تغيير الصبغة الأصلية لعدد من المباني وأشغال بناء أو هدم بصفة عشوائية وعمليات تشويه لهذه المعالم الأثرية وسرقتها. وقد تم التأكيد على أهمية تضافر الجهود من قبل السلط المعنية لمواجهة المخالفين وردعهم وحماية المعالم التراثية في مدينة تونس العتيقة التي صنفت منذ سنة 1979 تراثا"، وفق نص بلاغ الوزارة حينها.
وفي وقت سابق زارت وزيرة الشؤون الثقافية عددا من المعالم الأثرية وعاينت بالمناسبة وفق بلاغ الوزارة "الاعتداءات التي طالت معلم "الحنايا" الأثري الروماني وشملت هدم أجزاء منه ونقل أحجار بعد تنفيذ عمليات حفر عشوائية في إطار خطط للتوسع العمراني في المنطقة. واطلعت أيضاً على مجموعة تجاوزات للقيمة التاريخية لمعلم الكراكة في ضاحية حلق الوادي، شملت بناء عدد من أكشاك البيع في محاذاته، في حين تتواصل عملية انجاز مطعم ومقهى، ما يخرق بالكامل الإجراءات المتبعة".
كما أكدت الوزارة في بيانها أنّها "ستحقق في هذه التجاوزات، وتطبق الإجراءات المطلوبة في حق مرتكبيها استناداً إلى التشريعات المعتمدة".
رغم ذلك تستمر الاعتداءات ويستمر الإهمال وعدم إيلاء موضوع حماية المعالم التاريخية والمناطق الأثرية ما تستحقه من اهتمام وصرامة في المراقبة وتتبع المعتدين والمقصرين.