تونس – الصباح
يحيي التونسيون اليوم الذكرى 13 لاندلاع الثورة التي انطلقت شرارتها الأولى بسيدي بوزيد في مثل هذا اليوم من سنة 2010 إثر إضرام الشاب محمد البوعزيزي، وهو بائع متجول، النار في جسده أمام مقر ولاية سيدي بوزيد تعبيرا عن غضبه إثر مصادرة عربته مصدر رزقه الوحيد. 17 ديسمبر 2023 هو عيد الثورة خاصة أن رئيس الجمهورية قيس سعيد كان قد أعلن منذ سنتين عن تغيير موعد الاحتفال بالثورة ليصبح يوم 17 ديسمبر تاريخا للاحتفال بهذا الحدث الذي أحدث تغييرات في تاريخ تونس المعاصر، وذلك عوضا عن 14 جانفي من كل سنة مثلما كان عليه الأمر منذ 2011 إلى غاية 2020، معتبرا أن التاريخ الأول غير ملائم.
وأخذت الأحداث في 17 ديسمبر 2010 منحى سياسيا واجتماعيا كان كفيلا لإشعال فتيل الاحتجاج والرفض لسياسة الدولة في ظل ما خلفه الحيف وغياب العدالة الاجتماعية إضافة إلى تفشي المحسوبية والفساد وتكميم الحريات وارتفاع البطالة في صفوف الشباب لاسيما من حاملي الشهائد العليا، من حالة احتقان واسعة، لتتسع رقعة التحركات الاحتجاجية وتعم الثورة كامل جهات الجمهورية تقريبا. واختزلت شعارات "شغل حرية كرامة وطنية" الخطوط العريضة لمطالب وانتظارات المواطنين من ردة الفعل الشعبية الرافضة للنظام وسياسته مما جعل البعض يطلق عليها اسم ثورة "الياسمين" وملهمة أو فاتحة الربيع العربي.
وقد أسفرت المظاهرات التي شملت عدة مدن في تونس عن سقوط العديد من القتلى والجرحى من المتظاهرين نتيجة تصادمهم مع قوات الأمن. الأمر الذي أجبَر الرئيس زين العابدين بن علي على إقالة عدد من الوزراء بينهم وزير الداخلية رفيق بالحاج قاسم وعين محله أحمد فريعة وأمر بفتح تحقيق في اتهامات بالفساد طالت بعض المسؤولين وأمر بإطلاق سراح المعتقلين خلال الاحتجاجات الشعبية في خطوة لتهدئة الأوضاع ولتخفيف حدة الاحتقان والاحتجاجات. وقدم وعودا لمعالجة المشاكل التي نادى بحلها المتظاهرون. كما أعلن عن عزمه على عدم الترشح لانتخابات الرئاسة عام 2014. وتم بعد خطابه فتح المواقع المحجوبة في تونس كاليوتيوب بعد 5 سنوات من الحَجب، بالإضافة إلى تخفيض أسعار بعض المنتجات الغذائية. لكن ذلك لم يوقف الاحتجاجات التي توسعت رقعتها.
لذلك سميت ثورة الحرية والكرامة، ورغم ما خلفته من أعداد للشهداء والجرحى بعد أن راهنت السلطة على استعمال قوة الدولة و"البوليس" لقمع الثائرين إلا أنها توجت بإسقاط منظومة حكم الرئيس الراحل زين العابدين بن علي إثر فراره ومغادرته البلاد رفقة بعض أفراد عائلته بشكل مفاجئ لتكون وجهته السعودية مساء 14 جانفي 2011.
ولعل أهمية المناسبة التاريخية والرمزية من العوامل التي تجعلها حاضرة في أذهان التونسيين وراسخة في تاريخ الدولة المعاصرة نظرا لما نتج عنها من تحولات دستورية وسياسية واجتماعية وثقافية وهيكلية تجسدت بالأساس في المرحلة التي تاريخ 14 جانفي 2011 إلى اليوم. لكن ذلك لم ينعكس ايجابيا على الوضعين الاقتصادي والاجتماعي الأمر الذي جعل انتظارات الجميع لتحقيق أهداف الثورة معلقة.
تحولات مفصلية
يمكن تقسيم مرحلة ما بعد ثورة 2011 في تونس إلى مراحل مفصلية في تاريخ تونس المعاصر، وذلك استنادا إلى ما ذهب له بعض المؤرخين والمتابعين للمستجدات وتطورات الأحداث والخيارات والتغييرات التي نتج عنها حدوث تحولات و"هزات" كبرى وعقبات ومطبات وخيارات كانت لها تداعيات متفاوتة الأهمية على المدى القصير والبعيد في تاريخ تونس والوضع العام في الدولة. وهي مراحل حددت بما بعد الثورة وقبل تنظيم أول انتخابات حرة ونزيهة في تونس في أكتوبر 2011 ثم أخرى كانت أكثر أحداث وهزات وصدى على مستويين وطني وعالمي تواصلت إلى وضع دستور جديد سنة 2014 والمصادقة عليه رسميا ثم تنظيم انتخابات تشريعية ورئاسية في نهاية نفس السنة ثم مرحلة أخرى لم تخل بدورها من هزات وتغييرات ومنعطفات لكنها كانت أكثر استقرارا تخللها تنظيم انتخابات تشريعية ورئاسية نهاية سنة 2019 وتواصلت بنفس النسق إلى غاية وضع نهاية لها إثر القرارات الرئاسية الصادرة عن قيس سعيد يوم 25 جويلية 2021 والتي بموجبها دخلت بلادنا مرحلة مسار جديد في التأسيس لجمهورية ثالثة.
فكانت المرحلة الأولى التي تلت اندلاع الثورة والهبة الشعبية الواسعة المناهضة للسياسة القمعية التي انتهجها نظام بن علي ورغم محاولاته التراجع وتقديم تنازلات ووعود بالإصلاحات إلى غاية هروبه خارج حدود الوطن وما تبعه من إيقافات لعدد من أفراد عائلته وبعض القائمين على منظومة حكمه ممن حملهم البعض مسؤولية الفساد والتغول.
كما سجلت نفس المرحلة إحداث هياكل وهيئات، الغرض منها التمهيد لإصلاحات سياسية ودستورية وقانونية موسعة تراعي في تفاصيلها وأهدافها نزعة التونسيين إلى نظام تشاركي متاح لكل التونسيين دون إقصاء أو تحيز لفئة أو جهة معينة.
وقد أجمع أغلب المتابعين لأحداث الثورة التي عرفتها بلادنا داخل تونس وخارجها على أهمية هذه المرحلة الانتقالية والتأسيسية لمرحلة الجمهورية الجديدة والنظام على اعتبار أن من عوامل نجاحها وفرادتها مقارنة بما عرفته أغلب الشعوب والبلدان الأخرى من ثورات، هو وحدة صف التونسيين ضد منظومة الحكم الديكتاتورية السائدة التي كانت مسيطرة في ظل حكم الحزب الواحد وحمل الجميع لنفس الشعارات التي تطالب بالتشغيل والحرية كشروط أساسية للعيش الكريم وانخراط المواطنين في تأمين الأحياء والمدن وحماية المؤسسات والمنشآت العمومية إلى جانب المؤسسة العسكرية. فكانت "لجان حماية الثورة" حاضرة في كل جهة. وهو نفس التكاتف والانسجام الذي برز خلال الفترة الأولى لسقوط منظومة بن علي ومحافظة مؤسسات الدولة على كيانها ومواصلة عملها رغم ما عرفته الساحة التونسية من إيقافات لبعض المحسوبين على المنظومة السابقة. فانصب اهتمام الأغلبية من أجل المضي إلى البحث عن مخرجات قانونية من حالة الفراغ في الدولة وضع لبنات مرحلة جديدة تختلف عن سابقتها في سياقات دستورية وقانونية.
وهو تقريبا ما تمت بلورته في ظرف وجيز عندما تم في مرحلة أولى تعيين محمد الغنوشي رئيسا للجمهورية ليتم تدارك ذلك استجابة للرفض الواسع لهذا التمشي الدستوري ليعود محمد الغنوشي إلى نفس منصبه في منظومة ما قبل الثورة وتعيينه بعد ثلاثة أيام وزيرا أول ليشكل حكومته الثانية. وهو نفس التاريخ أي 17 جانفي 2011 تم تكوين ثلاث لجان وهي اللجنة العليا للإصلاح السياسي، ولجنة تقصي الحقائق عن الفساد والرشوة واللجنة الوطنية لاستقصاء الحقائق حول التجاوزات والانتهاكات. وكانت المرحلة بين 14 جانفي وأكتوبر 2011 فارقة في تاريخ تونس. حيث نجح المجتمع المدني بمختلف أطيافه بالتعاون مع المؤسسة العسكرية والكفاءات التونسية في الإدارة أو غيرها من الأكاديميين والفئات الشابة التي صنعت ربيع الثورة في تأمين سير تنظيمها والاستعداد لضمان العبور إلى مرحلة تأسيس منظومة جديدة ودستور جديد بعد إجماع عديد الجهات على ضرورة التخلي على دستور 1959 بما يمثله من نظام رئاسي دكتاتوري، وذلك بهدف التمهيد والإعداد لإرساء نظام يكفل الحريات ويستجيب في أهدافه وأبعاده لتحقيق أهداف الثورة وانتظارات التونسيين منها، رغم شبه غياب السلطة الرسمية وغياب للمؤسسة الأمنية تقريبا في تلك المرحلة.
فطغى على المرحلة الأولى للثورة الجدل في مستويات دستورية وسياسية بالأساس. تمحورت في خطوطها العريضة، حول طبيعة النظام والدولة والانتصار لنظام يقطع في شكله وشروطه الدستورية مع النظام الذي أسقطته الثورة، وشاركت في تحديد توجهاته بشكل مباشر وغير مباشر، كل مكونات وشرائح المجتمع التونسي بعد أن تحول نبض الشارع إلى نبراس للتفكير والنقاش والمشاركة في صياغة سياسة الدولة.
فسجلت خلال هذه المرحلة عودة عدد كبير من المعارضين السياسيين لزين العبدين بن علي من الخارج، على غرار منصف المرزوقي وراشد الغنوشي وكمال الجندوبي وغيرهم من الناشطين السياسيين والمدنيين ممن اختاروا الهروب من قمع النظام الديكتاتوري. فضلا عن الإفراج عن المساجين السياسيين في تونس ضمن قانون العفو التشريعي العام الذي استفاد منه عدد كبير ممن يقضون عقوبات سجنية في تونس صادرة في حقهم قبل 14 جانفي 2011.
معادلة الانتقال
تم الإعلان رسميا عن أحداث الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي بموجب مرسوم صادر عن الرئيس المؤقت فؤاد المبزع في غرة مارس لتتولى الإشراف على مسار الانتقال الديمقراطي في تونس بعد الثورة والقيام بالإصلاحات السياسية، برئاسة عياض بن عاشور. وذلك بعد اندماج لجنة حماية الثورة واللجنة العليا للإصلاح السياسي. وهي هيئة وطنية ثورية شبه تشريعية، ضمت في تركيبتها المتنوعة 71 عضوا في مرحلة أولى واتسعت تركيبتها لتصبح 120 عضوا في نهاية الشهر، ثم 155 بعد شهرين من تأسيسها. وتتكون الهيئة من 12 حزبا سياسيا و19 نقابة ومنظمة، إضافة إلى منظمات وجمعيات المجتمع المدني وقطاع الأعمال بما في ذلك الإسلاميون المعتدلون والاشتراكيون والقوميون العرب والبعثيون والتروتسكيون والماويون. فضلا عن تمثيلية الشباب والجهات.
واستطاعت هذه الهيئة الانتهاء الى تحقيق معادلة الانتقال إلى مرحلة جديدة في تاريخ تونس من القيام بمهامها في مدة وجيزة، وذلك بعد المصادقة على عدة قوانين منظمة لسير دواليب الدولة وتنظيمها في تلك المرحلة وأهمها وضع قانون الانتخابات وتكوين الهيئة العليا المستقلة للانتخابات. ليكون تاريخ انتهاء مهامها يوم 13 أكتوبر 2011، أي قبل عشرة أيام من تنظيم انتخابات 23 أكتوبر 2011 لتفسح بذلك المجال للمجلس الوطني التأسيسي، على أن تكون مدة عمل هذه المؤسسة التشريعية عاما فقط وتكون مهمتها إعداد دستور جديدة للدولة.
ووجدت قرارات الهيئة المتعلقة بالأساس بقانون الانتخابات وما تضمنه من فصول تتيح فرص أكبر لمختلف الأطياف السياسية لاسيما الأحزاب الصغرى والناشئة والمرأة ومختلف الفئات والشرائح الاجتماعية. في المقابل تم إبعاد كل من تحمل مسؤولية في صلب هياكل حزب التجمع الدستوري الديمقراطي، لا يحق له الترشح لهذه الانتخابات. ونفس الشيء بالنسبة لكل شخص ناشد الرئيس زين العابدين بن علي الترشح لولاية سادسة في 2014.
ولأول مرة في تاريخ تونس يمكن للتونسيين في الخارج التصويت والترشح للانتخابات.
المجلس التأسيسي والمنعطف الصعب
أحدثت مرحلة ما بعد انتخابات أكتوبر 2011 منعرجا جديدا في تاريخ تونس المعاصر في مستويات سياسية واجتماعية وثقافية وفكرية وأمنية، بعد فوز حركة النهضة بأغلبية المقاعد في المجلس الوطني التأسيسي بـ85 مقعدا ودخولها في تحالف ثلاثي مع حزبي المؤتمر من أجل الجمهورية الذي فاز بـ26 مقعدا والتكتل بـ20 مقعدا لتصبح "الترويكا" صاحبة الأغلبية في المجلس. وتحول الجدل في مختلف الأوساط في تونس من الحديث والنقاش وطرح المسائل المتعلقة بتحقيق أهداف الثورة وتشغيل العاطلين عن العمل والقضاء على الفساد ومقاومته إلى الحديث عن مسائل وظواهر أخرى طغى عليها الطابع "الإيديولوجي"ّ. وهو ما شكل منطلقا لضرب وحدة صف الشارع التونسي وتقسيم المجتمع بعد تفشي ظواهر التكفير واختلاط الدعوي بالسياسي وانتشار ممارسات ومظاهر دخيلة على المجتمع التونسي تحت غطاء حزبي سياسي كانت حركة النهضة الحاضنة لتلك الفئات والظواهر حسب تأكيد عديد الجهات. وقد تجلى ذلك بالأساس في الجدل القائم في المؤسسة التشريعية حول الدستور الجديد. الأمر الذي أثار مخاوف عديد الجهات في تونس من سياسيين وناشطين مدنيين وغيرهم.
وقد كانت تلك المرحلة ثرية بالأحداث والمستجدات لعل من أبرزها اغتيال أحد عناوين المعارضة السياسية والرافضين للمشروع الجديد الذي تقوده حركة النهضة وتعمل على تنفيذه في تونس الراحل شكري بلعيد يوم 6 فيفري 2013 وما خلفته الحادثة من ردود فعل وطنية ودولية وتوسع حالة الاحتقان الشعبي على نحو جعل مسألة الأمن والسلم الاجتماعي في "الميزان" من جديد. الأمر الذي دفع حمادي الجبالي إلى تقديم استقالة حكومته، ليتم تعيين وزير داخليته علي العريض خلفا له لاسيما بعد تواصل العمليات الإرهابية والاغتيالات السياسية إثر اغتيال النائب بالمجلس الوطني التأسيسي محمد البراهمي يوم 25 جويلية 2013. وانطلاق مسألة الحوار الوطني كخيار أمثل انخرطت فيه المنظمات الوطنية والمجتمع المدني والمجتمع السياسي من أجل تحقيق المعادلة الأمنية والسياسية المطلوبة وذلك بمشاركة الرباعي المتكون من الاتحاد العام التونسي للشغل برئاسة حسين العباسي والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية برئاسة وداد بوشماوي والهيئة الوطنية للمحامين برئاسة الفاضل محفوظ فيما ترأس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان عبدالستار بن موسى. ليتولى هذا الرباعي المشاركة وتأطير حوار مع سلطة الإشراف ممثلة في الرئاسات الثلاث، رئيس الجمهورية المؤقت أي منصف المرزوقي ومصطفى بن جعفر رئيس المجلس الوطني التأسيسي ورئيسي الحكومة، كل من علي العريض في مرحلة أولى ومهدي جمعة في مرحلة ثانية، والذي بدأ عمله منذ 5 أكتوبر 2013 وتوج نتائجه بالحصول على جائزة نوبل للسلام سنة 2015 كاعتراف دولي بأهمية الدور الذي لعبه في تأطير مبادرة السلام وتجنيب بلادنا الدخول في منزلقات أمنية خطيرة خاصة أمام انتشار الحملات الدعوية والتكفيرية وغيرها من الظواهر التي أصبحت تشكل خطرا على المجتمع التونسي حسب تأكيد عديد الجهات. فأصبح الحديث عن الجهاد والإرهاب وشبكات تفسير الشباب واستقطابه مسألة مطروحة للعلن في المشهد العام وانخراط بعض المؤسسات الإعلامية في هذه الأجندات.
كما ساهمت الاختلافات حول طبيعة الدستور وطول الجدل حول بعض التوجهات والخيارات وعدم التزام المجلس الوطني لتأسيسي بالمدة المحددة لعمله المقدرة بعام، في إثارة المخاوف وتوسيع رقعة المعارضين للمسار الذي تقوده حركة النهضة. لتتواصل الضغوط على نواب المجلس عبر تعدد الاعتصامات والوقفات الاحتجاجية انخرطت فيها مختلف الجهات السياسية في سياق الصراع السياسي والحملات الانتخابية استعدادا للانتخابات المنتظرة ما بعد وضع دستور الجمهورية الجديدة. خاصة أن الأحزاب الناشئة والأخرى الباحثة عن تحالفات جديدة على غرار نداء تونس والجبهة الشعبية التي تضم العائلة اليسارية وغيرها، كانت تراهن بجدة على البقاء إيجاد مداخل لها إلى مراكز القرار عبر الاستحقاقات الانتخابية الرئاسية والتشريعية.
الانتقال الديمقراطي
تم الاتفاق اصطلاحيا ودستوريا على دخول بلادنا في مرحلة لانتقال الديمقراطي بما تعنيه من انتقال تونس نحو الديمقراطية عمليا وقانونيا تعد المرحلة الحديثة من تاريخ تونس المعاصر وفق تمش يحدده دستور جديد، رغم الاختلافات حول بداية فترة الانتقال الديمقراطي بين من يعتبرها منذ اندلاع الشرارة الأولى للثورة وبين شق آخر يرى أن سقوط منظومة بن علي هو نقطة بداية مرحلة الانتقال الديمقراطي. وبين من يربط نهاية مرحلة الانتقال الديمقراطي من نهاية 2014 حتى سنة 2015 وذلك بانتخاب مجلس نواب الشعب الذي بدأ أعماله في 2 ديسمبر 2014 وانتخاب رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي الذي باشر من جهته مهامه في 31 ديسمبر من نفس السنة وانتصاب حكومة الحبيب الصيد في 6 فيفري 2015 إضافة إلى ما تبع تلك المراحل من التغيرات التاريخية الهامة من إنشاء وتنصيب الهيئات الدستورية الجديدة في سنة 2016 وانطلاق الجدل والعمل من أجل بعث وتأسيس بقية الهيئات الدستورية الأخرى في مراحل لاحقة لها. رغم ما أثاره دخول حزبي نداء تونس وحركة النهضة في تحالف إثر انتخابات 2014 من جدل أدت إلى حدوث تصدعات في وانشقاقات ومن ثمة انهيار الحزب الأول الذي فاز بأغلبية المقاعد في البرلمان بـ86 مقعدا فيما حاز الثاني 69 مقعدا.
وقد أدت تداعيات تلك المرحلة وما عرفته من خيارات وقرارات طغت عليها المصالح الحزبية الضيقة على حساب المصلحة الوطنية، إلى تصدع العلاقة بين الشارع التونسي والطبقة السياسية لاسيما بعد أن أكدت عديد الجهات مجانبة السلطة القائمة والطبقة السياسية للأهداف الثورة وانتظارات الشعب منها. وهو تقريبا ما أدى في مرحلة لاحقة إلى تلاشي حزب "نداء تونس" والقطيعة بين رئيس الجمهورية ورئيس نفس الحزب الباجي قايد السبسي ورئيس الحكومة يوسف الشاهد بعد إعلان الأول قطع التحالف مع النهضة مقابل إعلان الثاني مغادرته حزبه الأم والمضي إلى تأسيس جسم سياسي جديدا "تحيا تونس" تولى رئاسته لأنه كان يراهن بجدية على خوص الانتخابات الرئاسية والتشريعية 2019. وقد لعبت مؤسسات سبر الآراء وعدة جهات أخرى دورا كبيرا في الترويج والدعاية لذلك.
حسم الصندوق
حسمت نتائج الانتخابات الرئاسية والتشريعية في تونس 2019 في الوضع السياسي القائم في الدولة بعد تأكيد الهيئة العليا المستقلة للانتخابات تراجع الإقبال على الانتخابات مقارنة بما كان عليه الأمر في الانتخابات السابقة ليكون في حدود 41 % مسجلة بذلك حصول أحزاب جديدة على مقاعد بالبرلمان أكدت عديد الجهات على مدى خطورة التشتت في المقاعد على الانسجام وسير العمل في المؤسسة التشريعية.
فيما كان الإقبال على الانتخابات الرئاسية مغايرا لما كان عليه الأمر في التشريعية إذ كان في حدود 8.984% في الجولة الأولى و55.02 % في الجولة الثانية بعد ترشح كل من قيس سعيد كمستقل ونبيل القروي رئيس حزب "قلب تونس الفتي للدور الثاني. على اعتبار أن اختيار هذا الثنائي القادم لعالم السياسة حديثا مقاربة ببقية المترشحين وأغلبهم من الناشطين والفاعلين في المشهد السياسي يعد تأكيدا لرفض الشارع التونسي للطبقة السياسية وبداية إعلان القطيعة معها.
المسار الاستثنائي
قد عرفت تونس هزات سياسية أخرى في مرحلة ما بعد الانتخابات المذكورة سابقا، بعد دخول الرؤساء الثلاثة في صراع على الصلاحيات لاسيما أمام الرفض الواسع لانتخاب راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة رئيسا للبرلمان والمعارضة الواسعة لسياسيته داخل قبة بادرو وخارجها، مقابل تمسك سعيد بصلاحياته كرئيس للجمهورية لاسيما في ظل ما كان يحمله من أفكار وأهداف وتطلعات تختلف مع ما هو سائد. ورفضه قبول أو الانخراط في المبادرات المطروحة من مختلف القوى السياسية. وساهمت تداعيات الجائحة الوبائية "كوفيد 19" وتراكم الأزمات الاقتصادية والسياسية في تأجيج الشارع التونسي وخروجه في تحركات احتجاجية مناهضة لمنظومة الحكم التي تقودها حركة النهضة، وخاصة أمام تواتر مشاهد العنف وترذيل العمل البرلماني والسياسي لينجح سعيد في التقاط اللحظة وتحويلها إلى مكسب لمشروعه السياسي باتخاذ القرارات المصيرية يوم 25 جويلية 2021 ودورها في تغيير مسار الوضع برمته في الدولة بعد إقالة حكومة المشيشي وتجميد البرلمان ثم حذف دستور 2014 وحل البرلمان ووضع دستور جديد وتنظيم انتخابات تشريعية سابقة لأوانها والمضي قدما في تفعيل الجمهورية الجديدة.
التعددية الحزبية
بعد سقوط منظومة حكم بن علي كان في تونس ثمانية أحزاب سياسية فقط تنشط بشكل قانوني في الدولة تأسست قبل الثورة التونسية تتوزع بين خمس عائلات فكرية وسياسية وهي الليبرالية واليسارية والقومية العربية والإسلامية والبيئية. وكان في مقدمتها حزب التجمع الدستوري المهيمن على الدولة إضافة إلى حركة الديمقراطيين الاشتراكيين وحزب الوحدة الشعبية والحزب الديمقراطي التقدمي والحزب الاجتماعي التحرري والاتحاد الديمقراطي الوحدوي فضلا عن حركة التجديد والتكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات وحزب الخضر للتقدم. لتشهد مرحلة ما بعد 2011 طفرة كبيرة في بعث الأحزاب والجمعيات خاصة بعد صدور المرسومين عدد 87 و 88 لسنة 2011 مؤرخ في 24 سبتمبر 2011 باقتراح من الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي وما يمكنان من تسهيلات لتكوين الأحزاب السياسية بالنسبة للأول والجمعيات والانتماء لها بالنسبة للثاني في إطار معاضدة دور المجتمع المدني. ليساهم ذلك التعدد في إحداث حركية نشيطة في المجتمع التونسي خاصة أمام الإقبال الكبير للتونسيين على الانخراط في العمل والنشاط السياسي والمدني بمختلف توجهاتها وأجنداتها ومستفيدة من هامش الحرية الذي تحقق في مناخ تونس ما بعد الثورة. إذ أكدت رئاسة الحكومة في بيان صادر عنها في جويلية 2020 أن عدد الأحزاب السياسية في تونس بلغ 244 حزب بحسب.
لكن لم يعد لهذه الأجسام الحزبية أي دور في المشهد العام اليوم.. فضلا عن تلاشي عدد كبير منها وتراجع دور المنظمات والهياكل القطاعية والمدنية، والذي أرجع سببه مختص في علم الاجتماع السياسي إلى استعادة الدولة لدورها وسيادتها وفقا للدستور الجديد وما منحه من صلاحيات واسعة لرئيس الجمهورية.
تواريخ وأحداث في سطور
17 ديسمبر 2010: انطلاق شرارة الثورة التونسية في مدينة سيدي بوزيد بعد أن أضرم محمد البوعزيزي في نفسه النار، وتوفي يوم 4 جانفي بمستشفى الحروق ببن عروس متأثرا بحروقه البيلغة.
14 جانفي 2011: هروب الرئيس زين العابدين بن علي إلى السعودية وسقوط نظامه.
14 جانفي 2011: تعيين الوزير الأول محمد الغنوشي رئيسًا مؤقتًا للبلاد بموجب الفصل 56 من الدستور التونسي.
15 جانفي 2011: المجلس الدستوري التونسي يعين رئيس مجلس النواب فؤاد المبزع رئيسًا للبلاد بموجب الفصل 57 من الدستور التونسي.
17- جانفي: تشكلت حكومة جديدة برئاسة الوزير الأول محمد الغنوشي شارك فيها عدد من زعماء المعارضة، وأعلن الغنوشي أن الحكومة ستعمل بعيدًا عن الأحزاب السياسية، كما أعلن عن حاجة الحكومة إلى ستة أشهر على الأقل قبل إجراء الانتخابات العامة. وأكد على التزام حكومته بالإفراج عن السجناء السياسيين وتشكيل لجنة لتقصي الحقائق ومحاربة الفساد السياسي والتجاوزات والتحقيق مع أصحاب الثروات الهائلة أو المشتبه في فسادهم.
17 جانفي 2011: تكوين ثلاث لجان وهي اللجنة العليا للإصلاح السياسي ولجنة تقصي الحقائق عن الفساد والرشوة واللجنة
الوطنية لاستقصاء الحقائق حول التجاوزات والانتهاكات.
-27 جانفي: أعيد تشكيل الحكومة بعد رفض الشارع التونسي لها، فقدم الوزير الأول محمد الغنوشي يوم 27 فيفري استقالته أمام القنوات التلفزية في نقل مباشر، فأوكل الرئيس التونسي المؤقت فؤاد المبزع المهمة إلى الباجي قائد السبسي لتشكيل حكومة جديدة فشكلها وترأسها في 7 مارس 2011.
19 فيفري 2011: رئيس الجمهورية التونسية المؤقت فؤاد المبزع يصدر مرسوم العفو التشريعي العام فيما يخض العديد من الجرائم قبل 14 جانفي 2011.
27 فيفري 2011: الوزير الأول محمد الغنوشي يستقيل ويخلفه الباجي قائد السبسي الذي يشكل حكومته.
9 مارس 2011: حل حزب التجمع الدستوري الديمقراطي نهائيًا.
15 مارس 2011: إنشاء الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي واعتبارها سلطة تشريعية ثورية حاكمة، وذلك بعد اندماج اللجنة العليا للإصلاح السياسي ولجنة حماية الثورة وتكليف الفاضل بن عاشور برئاستها.
23 مارس 2011: تعليق العمل بدستور تونس 1959.
18 أفريل 2011: إنشاء الهيئة العليا المستقلة للانتخابات التي ستنظم وتشرف على أول انتخابات حرة ونزيهة في البلاد.
23 أكتوبر 2011: تنظيم أول انتخابات حرة ونزيهة وديمقراطية وانتخاب المجلس الوطني التأسيسي وفوز حركة النهضة بأغلبية كبيرة غير مطلقة وتكوين تحالف الترويكا مع حزبي التكتل والمؤتمر من أجل الجمهورية وبهذا يصبح لديهم أغلبية مطلقة في المجلس الوطني التأسيسي.
10 ديسمبر 2011: المجلس التأسيسي يصادق على قانون التنظيم المؤقت للسلط العمومية وهو الذي سيسير شؤون الدولة في انتظار الدستور الرسمي.
13 ديسمبر 2011: انتخاب المنصف المرزوقي رئيسًا للبلاد من قبل نواب المجلس التأسيسي.
24 ديسمبر 2011: تعيين حمادي الجبالي، القيادي بحركة النهضة، رئيسًا للحكومة والمصادقة على حكومته من قبل المجلس التأسيسي.
6 فيفري 2013: اغتيال المعارض اليساري شكري بلعيد أمام منزله في تونس العاصمة من قبل أشخاص منتمين إلى تيار أنصار الشريعة حسب وزارة الداخلية.
15 مارس 2013: تعيين علي العريض القيادي بحركة النهضة، رئيسًا للوزراء والمصادقة على حكومته من قبل المجلس التأسيسي.
25 جويلية 2013: اغتيال المعارض محمد براهمي أمام منزله في تونس العاصمة من قبل بوبكر الحكيم المنتمي إلى تيار أنصار الشريعة حسب وزارة الداخلية.
26 جانفي 2014: المجلس التأسيسي يصادق على دستور تونس الجديد بأغلبية أي 200 صوت من بين 217 صوتا.
27 جانفي 2014: الرئاسات الثلاث (رئيس الجمهورية والحكومة والمجلس) يختمون الدستور في احتفال وطني.
29 جانفي 2014: تعيين مهدي جمعة، بصفته مستقلا، رئيسًا للوزراء والمصادقة على حكومته من قبل المجلس التأسيسي.
7 فيفري 2014: احتفال دولي في المجلس التأسيسي بدعوة من رئاسة الجمهورية بمناسبة المصادقة على الدستور حضرته العشرات من القادة الدوليين.
26 أكتوبر 2014: القيام بالانتخابات التشريعية الأولى بعد الدستور الجديد والثانية بعد الثورة، وفوز حركة نداء تونس بـ86 مقعد تليها حركة النهضة بـ69 مقعد بعيدا عن بقية الأحزاب.
23 نوفمبر 2014: القيام بالانتخابات الرئاسية الأولى بعد الدستور الجديد والثانية بعد الثورة، وانتقال الباجي قائد السبسي للدور الثاني بعد تحصله على 39.46% من الأصوات مع المنصف المرزوقي الذي تحصل على 33.43%.
2 ديسمبر 2014: الجلسة الافتتاحية لمجلس نواب الشعب الجديد.
4 ديسمبر 2014: انتخاب محمد الناصر رئيسا للمجلس وعبد الفتاح مورو نائبا أول له وفوزية بن فضة الشعار نائبة ثانية له.
21 ديسمبر 2014: القيام بالدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية وفوز الباجي قائد السبسي بالرئاسة بـ55.68% أمام المنصف المرزوقي المنتهية ولايته والذي تحصل على 44.42%.
31 ديسمبر 2014: تنصيب الباجي قائد السبسي رئيسا للجمهورية خلفا للمنصف المرزوقي.
6 فيفري 2015: تعيين الحبيب الصيد رئيسًا للوزراء والمصادقة على حكومته من قبل مجلس نواب الشعب.
9 أكتوبر 2015: فوز الرباعي الراعي للحوار الوطني في تونس بجائزة نوبل للسلام في 2015، وذلك لمساهمتهم الكبيرة في إنجاح مسار الانتقال الديمقراطي في تونس، والخروج بها من مرحلة الخطر إلى الاستقرار.
15 جوان 2016: هيئة الحقيقة والكرامة تغلق باب تلقي الملفات حول الانتهاكات والتجاوزات والفساد والتعذيب في العهد السابق، وتعلن أنها تلقت 65 ألف ملف.
27 أوت 2016: تعيين يوسف الشاهد من نداء تونس، رئيسًا للوزراء والمصادقة على حكومته من قبل مجلس نواب الشعب.
23 أكتوبر 2016: تنظيم انتخابات المجلس الأعلى للقضاء الأولى بعد الثورة والأولى في تاريخ البلاد.
17 نوفمبر 2016: انطلاق أولى جلسات الاستماع العلنية لضحايا الاستبداد من قبل هيئة الحقيقة والكرامة، والتي بثت على الهواء مباشرة.
6 ماي 2018: أجريت أول انتخابات بلدية منذ الثورة، وتصدرت فيها حركة النهضة بـ27%، يليها "نداء تونس" بـ22%.
24 سبتمبر: أعلن الرئيس السبسي انتهاء علاقة التوافق مع حركة النهضة إثر خلاف حول حكومة يوسف الشاهد الثانية.
25 جويلية 2019: وفاة الباجي قائد السبسي وتعيين محمد الناصر رئيس مجلس نواب الشعب رئيسا مؤقتا للدولة.
6 أكتوبر 2019: إجراء الانتخابات التشريعية وإفرازها تصدر حركة النهضة نتائجها بـ52 مقعدا يليها حزب قلب تونس.
14 أكتوبر 2019: إعلان فوز قيس سعيد في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية المبكرة.
25 جويلية 2021: إعلان إقالة حكومة هشام المشيشي وتجميد البرلمان.
22 سبتمبر 2021 أصدر الرئيس سعيد مرسوما رئاسيا يعلق العمل بدستور 2014.
11 أكتوبر 2021: الإعلان عن حكومة جديدة للرئيس برئاسة نجلاء بودن وأداء أفرادها اليمين أمام رئيس الجمهورية بقصر الرئاسة بقرطاج.
5 فيفري 2022 حل الرئيس قيس سعيد المجلس الأعلى للقضاء.
30 مارس 2022 أعلن الرئيس عن حل البرلمان بشكل نهائي.
25 جويلية 2022 إجراء استفتاء على الدستور الجديد.
17 أوت 2022: دخول الدستور الجديد حيز التنفيذ والمرور عمليا إلى الجمهورية الثانية.
17 ديسمبر 2022: إجراء انتخابات تشريعية سابقة لأوانها.
13 مارس 2023: البرلمان الجديد يعقد أولى جلساته
وزراء أول ورؤساء حكومات
عين الرئيس المؤقت فؤاد المبزع وزيرين أوّلين في 10 أشهر وهما كل من محمد الغنوشي والراحل الباجي قائد السبسي. فيما عين المنصف المرزوقي 3 وزراء أول في 3 سنوات وهما كل من حمادي الجبالي وعلي العريض والمهدي جمعة.
عين الباجي قائد السبسي بعد انتخابه رئيسا للجمهورية نهاية سنة 2014 وزيرين أولين في 5 سنوات وهما الحبيب الصيد ويوسف الشاهد. أما قيس سعيد فقد عين 4 وزراء أول منذ انتخابه رئيسا للجمهورية نهاية 2019 واثر إنهاء الانتخابات التشريعية ومباشرة البرلمان لمهامه، وهما كل من الحبيب الجمني الذي لم تحظ حكومته بثقة البرلمان ثم الياس الفخفاخ فهشام المشيشي وبعد استقالة حكومة هذا الأخير إثر قرارات سعيد في 25 جويلية 2021 تم تعيين نجلاء بودن رئيسة للحكومة وهي أول أمرة تعتلي هذا المنصب في تاريخ تونس، وخلفها أحمد الحشاني بعد إقالتها.
ويذكر أن الراحل الحبيب بورقيبة الذي ترأس الجمهورية بعد حصول تونس على استقلالها سنة 1956 عين 5 وزراء أول في 30 سنة. فيما عين الراحل زين العابدين بن علي 3 وزراء أول خلال 23 سنة من حكمه هم كل من الراحلين الهادي البكوش وحامد القروي إضافة إلى محمد الغنوشي.