تنظر غدا الدائرة المختصة بالنظر في قضايا العدالة الانتقالية بالمحكمة الابتدائية بتونس في ما عرف بملف الانتهاكات الجسيمة التي لحقت اليساريين خلال الفترة الممتدة من سنة 1974 الى سنة 1975 والتي تضرر فيها اكثر من 20 شخصا من بينهم ستة نساء من المنتمين لحزب اليسار وبينهم ايضا حمة الهمامي وعبد الرؤوف العيادي ومحمد الكيلاني ومحمد الهاشمي الطرودي ومحمد صالح فليس ونجيب العش وحسن المؤذن ويوسف شقرون والبشير الهرماسي وخليفة الكافي واحمد الرداوي وفضيلة وكلثوم التريكي وروضة الغربي وغيرهم.
مفيدة القيزاني
المنسوب لهم الانتهاك في هذا الملف هم كل من عبد القادر قبقة وعبد السلام درغوث شهر "سكابا" وعبد العزيز قبقة والهادي قاسم ومحمد البوهلي وعبد المجيد الخميري وحسين عبيد ومحسن صغيرة وعمار سنكوحي ونور الدين بن عياد ورمضان بن ناصر ومحمد الصفاقسي ومحمد الناصر ومنجي عبيد ومنجي عمارة واحمد عبد اللطيف وعز الدين بن رابح مدير سجن برج الرومي سنة 1975 وعبد السلام الشامي كبير الحراس بنفس السجن حينها والطاهر بلخوجة وعبد المجيد بوسلامة والهادي الفاسي والدكتور الدغري ومحسن عبد السلام ومحمد الرزقي.
اعتراف بوجود تعذيب..
وتعقيبا على ما جاء على لسان المنسوب له الانتهاك الطاهر بلخوجة وهو وزير داخلية سابق ذكر الأستاذ عبد الرؤوف العيادي أن ما جاء على لسانه بكونه لا علم له بأعمال التعذيب زمن وزارته الداخلية لليساريين لا يمت بصلة لمؤلفه les trois décennies de Bourguiba الذي اعترف فيه بوجود تعذيب ومعاملة سيئة على المعتقلين السياسيين وما حرر عليه أن المسؤولية فردية باعتبار أن المتهمين في عهدته فاق المئات ولا يمكن لوزير داخلية أن يكون على جهل وعدم علم بما يحدث فضلا على ان التعذيب الذي سلط على اليساريين كان ممنهجا باعتبار شموله لفئة معينة وعدد كبير من الضحايا وحمل المنسوب له الانتهاك كل المسؤولية.
وعقب محامي المنسوب له الانتهاك الطاهر بلخوجة بأن إدارة الشأن العام زمن تولي وزارة الداخلية لم يكن بيده بل كان من قبل الوكيل العام للجمهورية المدعو محمد فرحات وكان جميع الوزراء يتلقون الأوامر منه.
شهادة عبد الرؤوف العيادي..
كان المحامي عبد الرؤوف العيادي أدلى منذ ما يزيد عن ثلاث سنوات بشهادته في ملف تعذيب اليساريين واعتبر أن المحاكمة انصاف للتاريخ لان التاريخ كتب في محاضر البوليس وفي قاعات المحاكمة والاحكام وجزء كبير من التاريخ يجب أن يطلع عليه الناس حتى لا تتكرر المآسي.
"عشنا كابوسا كبيرا جدا" بهذه الكلمات وصف الاستاذ العيادي ما تعرض له من انتهاكات واضاف أنه كان انخرط في مجموعة الدراسات والعمل الاشتراكي المعروفة باسم" بيرسبكتيف" سنة 1970 وكان حينها طالبا بالسنة الاولى حقوق ويذكر من بين مؤسسي تلك المجموعة المرحوم محمد الشرفي وجلبار نقاش واحمد الرداوي واحمد السماوي وعبد الجليل بوراوي وخميس السماري وهي مجموعة ذات توجهات يسارية مندمجة في الدار الاشتراكية الغربية وكانت ترصد اوضاع البلاد وتبدي مواقفها ومن ثمة تحركاتها على ضوء ذلك وقد رافقت تلك الفترة تجربة التعاضد وما تبعها من تعسف في تنفيذ تلك التجربة وكانت المجموعة من منتقديها داعية الى نظام ديمقراطي تسود فيه الحريات.
مضيفا أنه عايش مؤتمر قربة للاتحاد العام لطلبة تونس سنة 1971 والتي نجحت فيه التيارات المعارضة للنظام الذي انقلب على المؤتمر وفرض أحد منتسبيه المدعو الحبيب شراي كأمين عام للاتحاد مما خلف ردرد فعل لدى الطلبة تمثلت في دخولهم في تحركات واضرابات الى أن جاء مؤتمر فيفري 1972 بكلية الحقوق بتونس الذي حاولت السلطة منعه بالتدخل بواسطة لجان اليقظة التابعين لمليشيا المدعو محمد الصباح وقد تصدى الطلبة لذلك التدخل مما ادى الى استنجاد السلطة باعوان امن النظام العام من بينهم المدعو الحبيب بوب مانعين اتمام المؤتمر في يومه الاخير وبالتالي اجراء الانتخابات وتلته عدة ايقافات في صفوف الطلبة.
وبتاريخ 10مارس1972 تم ايقافه بمنزل والديه بصفاقس من قبل اعوان امن من الجهة من بينهم محمد العروسي وصلاح قاسم ونقل إثرها بمعية الطالب الطاهر بن عمر الى منطقة الامن بصفاقس اين احتفظ بهما لمدة ساعتين ثم نقلا الى منطقة الامن بسوسة اين حلت سيارة تقل اعوان امن من مصلحة سلامة امن التراب.
واوضح العيادي بأن التسمية المذكورة هي استمرار لمصلحة امن التراب التي احدثها المستعمر الفرنسي لمجابهة المناضلين الوطنيين واكد ان عمليه نقله رفقة الطالب تمت بالفصل بينهما بواسطة وعاء بلاستيكي مملوء بالبنزين بما كان يمثله ذلك من خطورة جسيمة على حياتهما في حال حصول حادث او غيره وبوصولهما ادخلا الى وزارة الداخلية من الباب الخلفي وتم الفصل بينهما.
رحلة التعذيب..
يقول العيادي بأنه تم نقله الى الطابق الاول واودع بإحدى الغرف حيث اجلس مباشرة على البلاط ثم نقل الى الطابق الثاني حيث استقبله مأمور الشرطة المتهم حسن عبيد الذي كان يشرف حينها على خلية البحث في حين كان المدعو يوسف علوش في خطة مدير سلامة امن الدولة وهو شخص عمل مع المستعمر الفرنسي وقد احس الشاهد من خلال ما ذكر ومن خلال المعاملة ان العقيدة الامنية نفسها التي كانت سارية عند الاستعمار وهي أن المواطن عدو ووجب كسر ارادته.
ويضيف العيادي بأنه تمت مكافحته مع احد الطلبة ويدعى سالم بن يحي الذي كان اجبر على ذكر اسم العيادي كناشط في المجموعة المذكورة وفي احداث التحركات الطلابية خلال شهر فيفري 1972 وكانت تلك المكافحة تمهيدا للبحث معه الذي لم يتم في ذلك اليوم وانما تمت اعادته الى غرفة الاحتفاظ بعد تسليمه "زاورة" لا غير.
يقول عبد الرؤوف العيادي إنه في صباح اليوم الموالي تمت مباشرة بحثه من قبل المتهم محسن بن عبد السلام تحت اشراف المتهم حسن عبيد الذي كان يسدي التعليمات اما في خصوص مضمون البحث فكان مركزا حول سؤاله عن مكان وجود ارشيف المجموعة من محاضر ومناشير وغيرها فاجابهم بانه قام بحرقها فكان رد فعل الباحث بتهديده بالحرق وقام المتهم رمضان بن الناصر باستعمال ولاعة غازية وقام باشعالها عدة مرات على مستوى ذقن العيادي مما أحدث له حروقا بالمكان بالاضافة الى الإهانات من سب وشتم قبل أن يقرر معذبوه اخضاعه لحصة تعذيب اشد ساهم فيها فريق كامل من الأعوان من ضمنهم المتهم الهادي قاسم ومحسن الصغير ورمضان بن ناصر ومحمد البوهلي واخر يدعى العروسي.
وحشية..
تمثلت أعمال التعذيب في تجريده من كامل ملابسه وطرحه ارضا حيث داس عليه الهادي قاسم بساقه على رقبته اضافة الى الضرب بالسوط مما ادى الى تصببه عرقا الى درجة تبلل الارضية ثم تم وضع قميص داخل فمه لمنعه من الاستغاثة والصراخ بشكل جعله غير قادر على المشي والوقوف حيث اجبر عليهما مع مواصلة ضربه وكل ذلك كان لغاية انتزاع اعترافات منه في خصوص مكان الارشيف ثم نقل للطابق الرابع وعلق في وضع الدجاجة المصلية مع الضرب بواسطة عصا على ساقيه كما عمد المتهم محسن الصغير الى اشعال عود ثقاب وقام بحرقه بواسطته على مستوى جهازه التناسلي وتواصلت عملية التعذيب حوالي ساعة اصبح معها غير قادر على الوقوف والحركة فيما كان يتم صب الماء البارد عليه لتنشيط الدورة الدموية دون جدوى مما اضطر معذبيه الى وضعه في "زاورة" واعيد للطابق الاول واودع بمفرده باحدى الغرف واودع المرحوم محمد بن جنات في الغرفة المجاورة له.
بيت الصابون..
وأضاف العيادي بانه في اليوم الموالي ارجع للطابق الرابع حيث ادخله محمد الرزقي غرفة ضيقة تعرف ببيت الصابون وباشر ضربه بالسوط ومكث بمقر سلامة امن الدولة حوالي 20 يوما نقل خلالها الى فيلا بجهة نعسان تسمى مبروك 2 وهي مكان اخر للاحتفاظ وكانت تحتوي على دهليز حيث شهد تعرض المدعوة دليلة بن عثمان للتعذيب بتعليقها عارية واكد انه خلال اقامته بمقر سلامة امن الدولة كان يستمع الى استغاثة وصراخ العديد من المحتفظ بهم من فعل التعذيب واكد انه نقل بعدها الى سجن 9 افريل بالجناح "e " المخصص للمحكوم عليهم بالاعدام والشواذ جنسيا والسياسيين واودع بالغرفة رقم 17 التي جمع فيها موقوفي احداث فيفري 1972 واستمر ذلك لستة اشهر ثم احيل على الدائرة الجناحية بمحكمة تونس من اجل الانتماء الى جمعية غير مرخص فيها والثلب وترويج اخبار زائفة والاعتداء على موظف عمومي اثناء مباشرته لوظيفته وعقدت المحكمة جلسة واحدة افرجت اثرها على عدد من المتهمين بينهم العيادي ولم يصدر حكم في الغرض.
الترهيب بواسطة كلب..
تحدث العيادي في شهادته أيضا عن رحلة ما بعد مغادرته السجن وقال إنه اوقف بتاريخ 22 نوفمبر 1973 بالمنزل الذي كان يختفي فيه بجهة "ميتيال فيل" بالعاصمة وهو منزل تابع لامرأة ألمانية كانت متعاطفة مع المجموعة وصديقة لاحمد الرداوي واكد ان عملية تعذيبه بدأت من داخل المنزل من خلال ضربه والتهديد بقتله مما جعله يتظاهر بانه يرغب في التحول الى دورة المياه خاصة بعد ترهيب الأعوان له بواسطة كلب شرس مدرب وبداخل بيت الراحة عمد الى اصابة نفسه بواسطة شفرة حلاقة بقطع بعض شرايينه على مستوى المعصمين مما اجبر المتهمين عن التوقف عن تعذيبه والاعتداء عليه وقاموا بنقله الى مقر امن الدولة بوزارة الداخلية اين عرض على طبيب قام برتق جروحه.
واكد العيادي انه قضى اربعة ايام باحد الدهاليز ثم سجن9 افريل ثم حوكم من طرف محكمة أمن الدولة بالسجن لمدة ست سنوات واربعة اشهر ومراقبة ادارية لمدة عشر سنوات وقبل صدور الحكم نقل الى سجن برج الرومي ببنزرت حيث تعرض ومن معه للسب وسوء المعاملة وتم وضعهم امام مدخل دهليز تحت ارضي يتم الوصول اليه عبر مدارج تعد 37 درجة لترهيبهم وتم ايداع من حوكموا في احداث 62 ومعهم المجموعة المعروفة بمجموعة لزهر الشرايطي بالدهليز المذكور باعتبارهم متهمين بمحاولة الانقلاب ضد الزعيم الحبيب بورقيبة وتم ايداعهم وعددهم 17 باحدى "السيلونات" الضيقة جدا حيث يلامسون السقف بسهولة بمجرد رفع ايديهم.
واضاف بان احد حراس السجن عبر عن اسفه واستغرابه من المعاملات التي يتعرضون لها قائلا بان فرنسا لم تكن تجرأ على فعل مثل ذلك معهم وقد قضى اربع سنوات من مدة العقاب المحكوم بها ضده وعلى اثر مرضه تم نقله الى سجن صفاقس لقضاء بقية العقاب وبتاريخ 29جانفي 1978 ايام قليلة بعد احداث المواجهات بين السلطة والاتحاد العام التونسي للشغل حين كانت البلاد في حالة طوارئ تمكن من الفرار من السجن فاعتقلت السلطة والده وتم اجباره على البحث عنه نهارا والاحتفاظ به ليلا بمركز الاحتفاظ.
معاناة ناشط سياسي..
قال العيادي إن معاناته كناشط سياسي وحقوقي لم تتوقف بما تعرض له خلال الحقبتين المذكورتين وانما استمرت في زمن الرئيس السابق بن علي من خلال المضايقات التي كان يتعرض اليها في كسب قوته كمحام واعتداءات بالعنف الشديد من طرف بعض المجموعات المخولة من السلطة كاستهدافه لمحاولة اغتيال بوضع مادة انفجارية بوعاء البنزين بسيارته ووضع التراب بمحرك السيارة ووضع مادة لاصقة بمكان مفتاح تشغيل السياره كما تعرض خلال شهر ديسمبر 2010 الى الاختطاف من امام منزله بمنوبة بعد الاعتداء عليه بالعنف ونقله الى مقر الشرطة العدلية بالقرجاني على خلفية المشاركة في احداث الثورة الاخيرة واكد العيادي بان المتهم الطاهر بلخوجة الذي كان زمن الحادثة وزيرا للداخلية كان على علم بالانتهاكات واعمال التعذيب التي تعرض لها الشاهد رفقة مجموعة اخرى.
تونس-الصباح
تنظر غدا الدائرة المختصة بالنظر في قضايا العدالة الانتقالية بالمحكمة الابتدائية بتونس في ما عرف بملف الانتهاكات الجسيمة التي لحقت اليساريين خلال الفترة الممتدة من سنة 1974 الى سنة 1975 والتي تضرر فيها اكثر من 20 شخصا من بينهم ستة نساء من المنتمين لحزب اليسار وبينهم ايضا حمة الهمامي وعبد الرؤوف العيادي ومحمد الكيلاني ومحمد الهاشمي الطرودي ومحمد صالح فليس ونجيب العش وحسن المؤذن ويوسف شقرون والبشير الهرماسي وخليفة الكافي واحمد الرداوي وفضيلة وكلثوم التريكي وروضة الغربي وغيرهم.
مفيدة القيزاني
المنسوب لهم الانتهاك في هذا الملف هم كل من عبد القادر قبقة وعبد السلام درغوث شهر "سكابا" وعبد العزيز قبقة والهادي قاسم ومحمد البوهلي وعبد المجيد الخميري وحسين عبيد ومحسن صغيرة وعمار سنكوحي ونور الدين بن عياد ورمضان بن ناصر ومحمد الصفاقسي ومحمد الناصر ومنجي عبيد ومنجي عمارة واحمد عبد اللطيف وعز الدين بن رابح مدير سجن برج الرومي سنة 1975 وعبد السلام الشامي كبير الحراس بنفس السجن حينها والطاهر بلخوجة وعبد المجيد بوسلامة والهادي الفاسي والدكتور الدغري ومحسن عبد السلام ومحمد الرزقي.
اعتراف بوجود تعذيب..
وتعقيبا على ما جاء على لسان المنسوب له الانتهاك الطاهر بلخوجة وهو وزير داخلية سابق ذكر الأستاذ عبد الرؤوف العيادي أن ما جاء على لسانه بكونه لا علم له بأعمال التعذيب زمن وزارته الداخلية لليساريين لا يمت بصلة لمؤلفه les trois décennies de Bourguiba الذي اعترف فيه بوجود تعذيب ومعاملة سيئة على المعتقلين السياسيين وما حرر عليه أن المسؤولية فردية باعتبار أن المتهمين في عهدته فاق المئات ولا يمكن لوزير داخلية أن يكون على جهل وعدم علم بما يحدث فضلا على ان التعذيب الذي سلط على اليساريين كان ممنهجا باعتبار شموله لفئة معينة وعدد كبير من الضحايا وحمل المنسوب له الانتهاك كل المسؤولية.
وعقب محامي المنسوب له الانتهاك الطاهر بلخوجة بأن إدارة الشأن العام زمن تولي وزارة الداخلية لم يكن بيده بل كان من قبل الوكيل العام للجمهورية المدعو محمد فرحات وكان جميع الوزراء يتلقون الأوامر منه.
شهادة عبد الرؤوف العيادي..
كان المحامي عبد الرؤوف العيادي أدلى منذ ما يزيد عن ثلاث سنوات بشهادته في ملف تعذيب اليساريين واعتبر أن المحاكمة انصاف للتاريخ لان التاريخ كتب في محاضر البوليس وفي قاعات المحاكمة والاحكام وجزء كبير من التاريخ يجب أن يطلع عليه الناس حتى لا تتكرر المآسي.
"عشنا كابوسا كبيرا جدا" بهذه الكلمات وصف الاستاذ العيادي ما تعرض له من انتهاكات واضاف أنه كان انخرط في مجموعة الدراسات والعمل الاشتراكي المعروفة باسم" بيرسبكتيف" سنة 1970 وكان حينها طالبا بالسنة الاولى حقوق ويذكر من بين مؤسسي تلك المجموعة المرحوم محمد الشرفي وجلبار نقاش واحمد الرداوي واحمد السماوي وعبد الجليل بوراوي وخميس السماري وهي مجموعة ذات توجهات يسارية مندمجة في الدار الاشتراكية الغربية وكانت ترصد اوضاع البلاد وتبدي مواقفها ومن ثمة تحركاتها على ضوء ذلك وقد رافقت تلك الفترة تجربة التعاضد وما تبعها من تعسف في تنفيذ تلك التجربة وكانت المجموعة من منتقديها داعية الى نظام ديمقراطي تسود فيه الحريات.
مضيفا أنه عايش مؤتمر قربة للاتحاد العام لطلبة تونس سنة 1971 والتي نجحت فيه التيارات المعارضة للنظام الذي انقلب على المؤتمر وفرض أحد منتسبيه المدعو الحبيب شراي كأمين عام للاتحاد مما خلف ردرد فعل لدى الطلبة تمثلت في دخولهم في تحركات واضرابات الى أن جاء مؤتمر فيفري 1972 بكلية الحقوق بتونس الذي حاولت السلطة منعه بالتدخل بواسطة لجان اليقظة التابعين لمليشيا المدعو محمد الصباح وقد تصدى الطلبة لذلك التدخل مما ادى الى استنجاد السلطة باعوان امن النظام العام من بينهم المدعو الحبيب بوب مانعين اتمام المؤتمر في يومه الاخير وبالتالي اجراء الانتخابات وتلته عدة ايقافات في صفوف الطلبة.
وبتاريخ 10مارس1972 تم ايقافه بمنزل والديه بصفاقس من قبل اعوان امن من الجهة من بينهم محمد العروسي وصلاح قاسم ونقل إثرها بمعية الطالب الطاهر بن عمر الى منطقة الامن بصفاقس اين احتفظ بهما لمدة ساعتين ثم نقلا الى منطقة الامن بسوسة اين حلت سيارة تقل اعوان امن من مصلحة سلامة امن التراب.
واوضح العيادي بأن التسمية المذكورة هي استمرار لمصلحة امن التراب التي احدثها المستعمر الفرنسي لمجابهة المناضلين الوطنيين واكد ان عمليه نقله رفقة الطالب تمت بالفصل بينهما بواسطة وعاء بلاستيكي مملوء بالبنزين بما كان يمثله ذلك من خطورة جسيمة على حياتهما في حال حصول حادث او غيره وبوصولهما ادخلا الى وزارة الداخلية من الباب الخلفي وتم الفصل بينهما.
رحلة التعذيب..
يقول العيادي بأنه تم نقله الى الطابق الاول واودع بإحدى الغرف حيث اجلس مباشرة على البلاط ثم نقل الى الطابق الثاني حيث استقبله مأمور الشرطة المتهم حسن عبيد الذي كان يشرف حينها على خلية البحث في حين كان المدعو يوسف علوش في خطة مدير سلامة امن الدولة وهو شخص عمل مع المستعمر الفرنسي وقد احس الشاهد من خلال ما ذكر ومن خلال المعاملة ان العقيدة الامنية نفسها التي كانت سارية عند الاستعمار وهي أن المواطن عدو ووجب كسر ارادته.
ويضيف العيادي بأنه تمت مكافحته مع احد الطلبة ويدعى سالم بن يحي الذي كان اجبر على ذكر اسم العيادي كناشط في المجموعة المذكورة وفي احداث التحركات الطلابية خلال شهر فيفري 1972 وكانت تلك المكافحة تمهيدا للبحث معه الذي لم يتم في ذلك اليوم وانما تمت اعادته الى غرفة الاحتفاظ بعد تسليمه "زاورة" لا غير.
يقول عبد الرؤوف العيادي إنه في صباح اليوم الموالي تمت مباشرة بحثه من قبل المتهم محسن بن عبد السلام تحت اشراف المتهم حسن عبيد الذي كان يسدي التعليمات اما في خصوص مضمون البحث فكان مركزا حول سؤاله عن مكان وجود ارشيف المجموعة من محاضر ومناشير وغيرها فاجابهم بانه قام بحرقها فكان رد فعل الباحث بتهديده بالحرق وقام المتهم رمضان بن الناصر باستعمال ولاعة غازية وقام باشعالها عدة مرات على مستوى ذقن العيادي مما أحدث له حروقا بالمكان بالاضافة الى الإهانات من سب وشتم قبل أن يقرر معذبوه اخضاعه لحصة تعذيب اشد ساهم فيها فريق كامل من الأعوان من ضمنهم المتهم الهادي قاسم ومحسن الصغير ورمضان بن ناصر ومحمد البوهلي واخر يدعى العروسي.
وحشية..
تمثلت أعمال التعذيب في تجريده من كامل ملابسه وطرحه ارضا حيث داس عليه الهادي قاسم بساقه على رقبته اضافة الى الضرب بالسوط مما ادى الى تصببه عرقا الى درجة تبلل الارضية ثم تم وضع قميص داخل فمه لمنعه من الاستغاثة والصراخ بشكل جعله غير قادر على المشي والوقوف حيث اجبر عليهما مع مواصلة ضربه وكل ذلك كان لغاية انتزاع اعترافات منه في خصوص مكان الارشيف ثم نقل للطابق الرابع وعلق في وضع الدجاجة المصلية مع الضرب بواسطة عصا على ساقيه كما عمد المتهم محسن الصغير الى اشعال عود ثقاب وقام بحرقه بواسطته على مستوى جهازه التناسلي وتواصلت عملية التعذيب حوالي ساعة اصبح معها غير قادر على الوقوف والحركة فيما كان يتم صب الماء البارد عليه لتنشيط الدورة الدموية دون جدوى مما اضطر معذبيه الى وضعه في "زاورة" واعيد للطابق الاول واودع بمفرده باحدى الغرف واودع المرحوم محمد بن جنات في الغرفة المجاورة له.
بيت الصابون..
وأضاف العيادي بانه في اليوم الموالي ارجع للطابق الرابع حيث ادخله محمد الرزقي غرفة ضيقة تعرف ببيت الصابون وباشر ضربه بالسوط ومكث بمقر سلامة امن الدولة حوالي 20 يوما نقل خلالها الى فيلا بجهة نعسان تسمى مبروك 2 وهي مكان اخر للاحتفاظ وكانت تحتوي على دهليز حيث شهد تعرض المدعوة دليلة بن عثمان للتعذيب بتعليقها عارية واكد انه خلال اقامته بمقر سلامة امن الدولة كان يستمع الى استغاثة وصراخ العديد من المحتفظ بهم من فعل التعذيب واكد انه نقل بعدها الى سجن 9 افريل بالجناح "e " المخصص للمحكوم عليهم بالاعدام والشواذ جنسيا والسياسيين واودع بالغرفة رقم 17 التي جمع فيها موقوفي احداث فيفري 1972 واستمر ذلك لستة اشهر ثم احيل على الدائرة الجناحية بمحكمة تونس من اجل الانتماء الى جمعية غير مرخص فيها والثلب وترويج اخبار زائفة والاعتداء على موظف عمومي اثناء مباشرته لوظيفته وعقدت المحكمة جلسة واحدة افرجت اثرها على عدد من المتهمين بينهم العيادي ولم يصدر حكم في الغرض.
الترهيب بواسطة كلب..
تحدث العيادي في شهادته أيضا عن رحلة ما بعد مغادرته السجن وقال إنه اوقف بتاريخ 22 نوفمبر 1973 بالمنزل الذي كان يختفي فيه بجهة "ميتيال فيل" بالعاصمة وهو منزل تابع لامرأة ألمانية كانت متعاطفة مع المجموعة وصديقة لاحمد الرداوي واكد ان عملية تعذيبه بدأت من داخل المنزل من خلال ضربه والتهديد بقتله مما جعله يتظاهر بانه يرغب في التحول الى دورة المياه خاصة بعد ترهيب الأعوان له بواسطة كلب شرس مدرب وبداخل بيت الراحة عمد الى اصابة نفسه بواسطة شفرة حلاقة بقطع بعض شرايينه على مستوى المعصمين مما اجبر المتهمين عن التوقف عن تعذيبه والاعتداء عليه وقاموا بنقله الى مقر امن الدولة بوزارة الداخلية اين عرض على طبيب قام برتق جروحه.
واكد العيادي انه قضى اربعة ايام باحد الدهاليز ثم سجن9 افريل ثم حوكم من طرف محكمة أمن الدولة بالسجن لمدة ست سنوات واربعة اشهر ومراقبة ادارية لمدة عشر سنوات وقبل صدور الحكم نقل الى سجن برج الرومي ببنزرت حيث تعرض ومن معه للسب وسوء المعاملة وتم وضعهم امام مدخل دهليز تحت ارضي يتم الوصول اليه عبر مدارج تعد 37 درجة لترهيبهم وتم ايداع من حوكموا في احداث 62 ومعهم المجموعة المعروفة بمجموعة لزهر الشرايطي بالدهليز المذكور باعتبارهم متهمين بمحاولة الانقلاب ضد الزعيم الحبيب بورقيبة وتم ايداعهم وعددهم 17 باحدى "السيلونات" الضيقة جدا حيث يلامسون السقف بسهولة بمجرد رفع ايديهم.
واضاف بان احد حراس السجن عبر عن اسفه واستغرابه من المعاملات التي يتعرضون لها قائلا بان فرنسا لم تكن تجرأ على فعل مثل ذلك معهم وقد قضى اربع سنوات من مدة العقاب المحكوم بها ضده وعلى اثر مرضه تم نقله الى سجن صفاقس لقضاء بقية العقاب وبتاريخ 29جانفي 1978 ايام قليلة بعد احداث المواجهات بين السلطة والاتحاد العام التونسي للشغل حين كانت البلاد في حالة طوارئ تمكن من الفرار من السجن فاعتقلت السلطة والده وتم اجباره على البحث عنه نهارا والاحتفاظ به ليلا بمركز الاحتفاظ.
معاناة ناشط سياسي..
قال العيادي إن معاناته كناشط سياسي وحقوقي لم تتوقف بما تعرض له خلال الحقبتين المذكورتين وانما استمرت في زمن الرئيس السابق بن علي من خلال المضايقات التي كان يتعرض اليها في كسب قوته كمحام واعتداءات بالعنف الشديد من طرف بعض المجموعات المخولة من السلطة كاستهدافه لمحاولة اغتيال بوضع مادة انفجارية بوعاء البنزين بسيارته ووضع التراب بمحرك السيارة ووضع مادة لاصقة بمكان مفتاح تشغيل السياره كما تعرض خلال شهر ديسمبر 2010 الى الاختطاف من امام منزله بمنوبة بعد الاعتداء عليه بالعنف ونقله الى مقر الشرطة العدلية بالقرجاني على خلفية المشاركة في احداث الثورة الاخيرة واكد العيادي بان المتهم الطاهر بلخوجة الذي كان زمن الحادثة وزيرا للداخلية كان على علم بالانتهاكات واعمال التعذيب التي تعرض لها الشاهد رفقة مجموعة اخرى.