إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

حرب إبادة في غزة.. وسقوط أخلاقي للإعلام الغربي

 

 

تجلى الكذب الإعلامي في أتعس وأبشع مظاهره خلال شهرين من القصف والقتل العمد في مختلف القنوات الأوروبية والأمريكية

بقلم د. الصحراوي قمعون

صحفي باحث في علوم الإعلام والصحافة

   في الوقت الذي تتواصل فيه حرب الإبادة الجماعية العلنية للشعب الفلسطيني في غزة المحتلة أمام أنظار العالم ، يواصل الإعلام الغربي سلوك سياسة النعامة بدفن رأسه في التراب والإدعاء بأنه لا يرى شيئا من المجازر المرتكبة ضد الفلسطينيين منذ أكثر من شهرين قتل فيها أكثر من سبعة عشر ألف مدني أغلبهم من النساء والأطفال، إلى جانب عشرات الآلاف من المصابين .

       ويتفنن الإعلام الغربي الأوروبي الأمريكي في إخفاء الحقائق والتضييق على نشر تقارير الإدانة، ويقوم بالتعتيم على الكثير من المجازر، في سياسة تضليل إعلامي ممنهج . كما تتفنن عدة وسائل إعلام مكتوبة ومسموعة ومرئية الكترونية في قلب الحقائق والانحياز الواضح إلي وجهة نظر المعتدي الإسرائيلي وتنقلها كما هي دون تثبت أو مراجعة. وتصبح الدعاية الإسرائيلية في ذلك هي محور النقاش الذي تنطلق منه التحاليل وتدخلات الكرونيكورات الجهابذة الذين تبدو على وجوههم وسماهم خفايا الكذب الذي يُخْفونَ تقيّة . وقد كنا تعودنا عليهم موضوعيين في الأيام الإخبارية العادية في تلك القنوات الفرنسية الإخبارية مثل "ألْ سي إي" أو "بي أفْ أمْ تي في" أو "سي نيوز" وباقي الجوقة الإعلامية الفرنسية . ولكن الجوقة كشفت سوءاتها خلال حرب غزة المفتوحة كجرح غائر في سجل الجرائم الطويلة ضد الإنسانية عبر العالم.

   لقد تجلى الكذب الإعلامي في أتعس وأبشع مظاهره خلال شهرين من القصف والقتل العمد، في مختلف القنوات الأوروبية والأمريكية المنحازة إلى الكيان الصهيوني وهي تقدم دون مواربة دعاية تزعم أن إسرائيل هي "الضحية الأولي" في منطقة الشرق الأوسط، وقد فر الشعب اليهودي ونجا من محرقة النازيين في الحرب العالمية الثانية، فها هو من جديد يتعرض إلي "محرقة على يد حركة حماس". هكذا تردد الدعاية الإسرائيلية دون كلل عبر وسائل الإعلام الغربية أبجديات اللغة الخشبية التي حفظتها عن زعيم الدعاية النازية غوبلز المشهور بقولته " ِاكذب اكذب اكذب، حتى يصدّقك الجميع" .

   لقد شعر التونسيون وسائر مواطني البلاد المغاربية الذين يتابعون القنوات الإخبارية الفرنسية، كعينة من الإعلام الغربي، بالقرف والاحتقار من المحتوى الهزيل لهذه القنوات والبعد عن الحقيقة، بعد أن أمعن منشطوها وصحفيوها المعروفون ، في الكذب والبهتان حد الزور، وفي لي ذراع الحقائق لإيجاد تبرير للسياسات الإسرائيلية وللتصميم الإجرامي على القتل الجماعي أمام أنظار العالم وعدساته.

    وطوال سنوات تعود هؤلاء المشاهدون على متابعة برامج تلك القنوات والإعجاب حد التقديس بهذا الصحفي أو ذاك لموضوعيته في تناول الأحداث . ولكن الخيبة الكبيرة كانت في الموعد مع أحداث غزة حيث اختفي البعض منهم خوفا ورعبا من العقوبة وقطع الرزق والتشريد، في حين ظهر الباقي على وجهه الحقيقي دون مساحيق، كمروج أصيل ومحترف للكذب ومختلِق ومضخّم للإشاعات وقالبٍ للحقائق وناشرٍ للترّهات والأراجيف الإسرائيلية، التي عادة ما يروج لها إعلام دول العالم الثالث الذي تتحكم فيه الحكومات . ولكن إعلام الدول الصناعية، مثل فرنسا، كما بينته دراسة حديثة، يؤكد أن تسعين بالمائة من المؤسسات الإعلامية الفرنسية يملكها تسعة من رجال الأعمال والصناعيين النافذين وهم من أصدقاء وأبناء إسرائيل، أبرزهم فانسون بولوري، و برنار أرنو، الذين يملكون إمبراطوريات إعلامية واتصالية ضاربة تُركّع من تريد وترفع من تريد، حسب الدراسة .

الإعلام منحاز في التسلل

  لقد ظلت الآلة الإعلامية الموالية لإسرائيل تشتغل في كل أزمة أو حرب تشهدها فلسطين أو منطقة الشرق الأوسط أو الساحة الدولية عموما على مدى العشريات الماضية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية ونشأة اسرئيل على أنقاض فلسطين عام 1948. وكانت إسرائيل تربح في كل مرة المعركة الإعلامية ، بوابة المعركة العسكرية والسياسية دون إطلاق رصاصة واحدة في المطبعة أو الأستوديو أو الانترنات . فلها في تلك المواقع الصحفية والإعلامية أزلامها وسدَنتها وخدَمها وحشَمها من الصحافيين ومن المخبرين والمتزلفين مادحي الغرب الاستعماري من المناذرة والغساسنة الجدد المستقرين في باريس ولندن كصحافة مهاجرة . ولم يقدر أي من أثرياء العرب ورجال أعمالهم أن يقتحموا الميدان الصحفي الإعلامي الدعائي والاتصالي، فاكتفوا بالرياضة ، لأن قطاع الإعلام يظل تحت هيمنة اللوبي اليهودي المسيحي المهيمن، في تحالف استراتيجي تاريخي، على الحياة السياسية والفكرية والبرلمانية والجمعياتية والمنظمات الأهلية وسدَنة حقوق الإنسان وكهنة تشكيلات حرية التعبير فيها. وحتى بعض الأقلام والأصوات والوجوه الصحفية الشابة النزيهة من الجيل الثاني للمهاحرين من تونس والمغرب والجزائر، التي وجدت لها منفذا في ذلك المشهد الإعلامي خلال السنوات والعشرية الماضية بفضل كفاءتها وامتلاكها للثقافة الفرنسية، اضطرت إلى التراجع والانكفاء والسير وراء آلة الدعاية والبروباغاندا الصهيونية في وسائل الإعلام الفرنسية . ولم يكن لهؤلاء الأيتام في مأدبة اللئام ، من خيار غير ركوب الموجة أو الفصل أو الإبعاد أو الطرد التعسفي، كما في أعتى الديكتاتوريات في العالم، وهو ما حصل لكثيرين في تلفزيون "بي بي س" البريطاني و"فرانس 24" الفرنسية في أزمة حرب غزة الأخيرة.

  لقد تعودت الدعاية الإسرائيلية على السيطرة من خلال الرقابة العسكرية، على الأخبار والتقارير التي تصدر من تل أبيب وتوزع على سائر ممالك أوروبا الإعلامية فتتلقفها تلفزيونات بروكسال وباريس ولندن وبرلين وروما وتعتمد عليها مادة إخبارية أساسية يتم على أساسها التجويق الإعلامي الأوروبي وتنسيق الخطوط التحريرية في خط تحريري أحادي ببغائي يجيد العزف علي نغمة إسرائيل و"حقها في الدفاع عن نفسها" مقابل نفي الحديث عن جرائمها، حيث يتم التفنن في إظهار الكيان الإسرائيلي كحمامة ديمقراطية وحقوقية وتعددية في منطقة يحيط بها الصقور الكواسر المتربصون بها .

   هكذا تردد الدعاية الإسرائيلية في دول أوروبا وأمريكا صباح مساء ويوم الأحد، معزوفتها التي مجها القراء والمستمعون والمشاهدون والمبحرون. وهي دعاية تجد نفسها قد تجاوزها الزمن بظهور محامل الإعلام المباشر التفاعلي لشبكات التواصل الاجتماعي ونشر الفيديوهات . ورغم ما تقوم به إدارة هذه الشبكات الاتصالية للميديا الجديدة من عمليات مراقبة وغلق لمواقع وصفحات فايسبوكية وتويترية إكْسِيّة، بدعوى مقاومة خطاب العنف، فقد تمكنت عملية نشر الفيديوهات والصور عن المجازر الإسرائيلية من إفشال خطة الآلة الدعائية الإسرائيلية القائمة على الباطل حيث ظهر الحق الفلسطيني على تلك المحامل وزهق الباطل الصهيوني، بعد أن ضربته أحداث غزة ودمغته، فإذا هو زاهق، كما بينته المظاهرات الحاشدة المناصرة للفلسطينيين عبر عواصم العالم كله، وهو ما مثل زلزالا تاريخيا في الكيان الإسرائيلي لازالت ارتداداته مستمرة ونتائجه قادمة في المستقبل المنظور. وتتعالى الأن المطالبات عبر العالم بمحاكمة قادة إسرائيل كمجرمي حرب وقتلة للأطفال في محاكمة تشبه محاكمة نورمبارغ للقادة النازيين غداة الحرب العالمية الثانية.

    وفي ذلك الفضاء الميدياتيكي الجديد المفتوح، انتشرت مئات الأغاني الشبابية المؤثرة والمعبرة عن النقمة والتضامن العالمي مع ضحايا القصف . وتقول كلمات إحدى الأغاني الأمريكية على تلك المحامل الشعبية بكل حرقة :" أذهب كل ليلة ولا أستطيع النوم. أتمنى فقط أن يستطيع الطفل الفلسطيني أن يكبر ويرى أمه . لا أستطيع فعل شيء حيال القنابل التي تتساقط على غزة. أتألم بشدة والله . هل تعلم إلى أين تذهب الضرائب التي أدفعها. إلى القتل بدم بارد . روح شابة فقيرة، كل ما كانت تعرفه هو الحب. كل العالم تحول من العمى إلى الصمت بينما أنا أقول: الحرية لفلسطين" .

  وفي فيديو آخر غير قابل للصنصرة قالت صحفية فلسطينية باكية :" لا تلوموا أجدادنا في عام 48 . الآن أدركنا معنى أن تضطر أن تغادر أرضك مقهورا تحت النار . بل لُومُوا المجتمع الدولي وهذا العالم الصامت الذي تركنا نموت ستين يوما تحت القصف. ولكننا صامدون ".

 

 

 

 

 

 

 

 

حرب إبادة في غزة.. وسقوط أخلاقي للإعلام الغربي

 

 

تجلى الكذب الإعلامي في أتعس وأبشع مظاهره خلال شهرين من القصف والقتل العمد في مختلف القنوات الأوروبية والأمريكية

بقلم د. الصحراوي قمعون

صحفي باحث في علوم الإعلام والصحافة

   في الوقت الذي تتواصل فيه حرب الإبادة الجماعية العلنية للشعب الفلسطيني في غزة المحتلة أمام أنظار العالم ، يواصل الإعلام الغربي سلوك سياسة النعامة بدفن رأسه في التراب والإدعاء بأنه لا يرى شيئا من المجازر المرتكبة ضد الفلسطينيين منذ أكثر من شهرين قتل فيها أكثر من سبعة عشر ألف مدني أغلبهم من النساء والأطفال، إلى جانب عشرات الآلاف من المصابين .

       ويتفنن الإعلام الغربي الأوروبي الأمريكي في إخفاء الحقائق والتضييق على نشر تقارير الإدانة، ويقوم بالتعتيم على الكثير من المجازر، في سياسة تضليل إعلامي ممنهج . كما تتفنن عدة وسائل إعلام مكتوبة ومسموعة ومرئية الكترونية في قلب الحقائق والانحياز الواضح إلي وجهة نظر المعتدي الإسرائيلي وتنقلها كما هي دون تثبت أو مراجعة. وتصبح الدعاية الإسرائيلية في ذلك هي محور النقاش الذي تنطلق منه التحاليل وتدخلات الكرونيكورات الجهابذة الذين تبدو على وجوههم وسماهم خفايا الكذب الذي يُخْفونَ تقيّة . وقد كنا تعودنا عليهم موضوعيين في الأيام الإخبارية العادية في تلك القنوات الفرنسية الإخبارية مثل "ألْ سي إي" أو "بي أفْ أمْ تي في" أو "سي نيوز" وباقي الجوقة الإعلامية الفرنسية . ولكن الجوقة كشفت سوءاتها خلال حرب غزة المفتوحة كجرح غائر في سجل الجرائم الطويلة ضد الإنسانية عبر العالم.

   لقد تجلى الكذب الإعلامي في أتعس وأبشع مظاهره خلال شهرين من القصف والقتل العمد، في مختلف القنوات الأوروبية والأمريكية المنحازة إلى الكيان الصهيوني وهي تقدم دون مواربة دعاية تزعم أن إسرائيل هي "الضحية الأولي" في منطقة الشرق الأوسط، وقد فر الشعب اليهودي ونجا من محرقة النازيين في الحرب العالمية الثانية، فها هو من جديد يتعرض إلي "محرقة على يد حركة حماس". هكذا تردد الدعاية الإسرائيلية دون كلل عبر وسائل الإعلام الغربية أبجديات اللغة الخشبية التي حفظتها عن زعيم الدعاية النازية غوبلز المشهور بقولته " ِاكذب اكذب اكذب، حتى يصدّقك الجميع" .

   لقد شعر التونسيون وسائر مواطني البلاد المغاربية الذين يتابعون القنوات الإخبارية الفرنسية، كعينة من الإعلام الغربي، بالقرف والاحتقار من المحتوى الهزيل لهذه القنوات والبعد عن الحقيقة، بعد أن أمعن منشطوها وصحفيوها المعروفون ، في الكذب والبهتان حد الزور، وفي لي ذراع الحقائق لإيجاد تبرير للسياسات الإسرائيلية وللتصميم الإجرامي على القتل الجماعي أمام أنظار العالم وعدساته.

    وطوال سنوات تعود هؤلاء المشاهدون على متابعة برامج تلك القنوات والإعجاب حد التقديس بهذا الصحفي أو ذاك لموضوعيته في تناول الأحداث . ولكن الخيبة الكبيرة كانت في الموعد مع أحداث غزة حيث اختفي البعض منهم خوفا ورعبا من العقوبة وقطع الرزق والتشريد، في حين ظهر الباقي على وجهه الحقيقي دون مساحيق، كمروج أصيل ومحترف للكذب ومختلِق ومضخّم للإشاعات وقالبٍ للحقائق وناشرٍ للترّهات والأراجيف الإسرائيلية، التي عادة ما يروج لها إعلام دول العالم الثالث الذي تتحكم فيه الحكومات . ولكن إعلام الدول الصناعية، مثل فرنسا، كما بينته دراسة حديثة، يؤكد أن تسعين بالمائة من المؤسسات الإعلامية الفرنسية يملكها تسعة من رجال الأعمال والصناعيين النافذين وهم من أصدقاء وأبناء إسرائيل، أبرزهم فانسون بولوري، و برنار أرنو، الذين يملكون إمبراطوريات إعلامية واتصالية ضاربة تُركّع من تريد وترفع من تريد، حسب الدراسة .

الإعلام منحاز في التسلل

  لقد ظلت الآلة الإعلامية الموالية لإسرائيل تشتغل في كل أزمة أو حرب تشهدها فلسطين أو منطقة الشرق الأوسط أو الساحة الدولية عموما على مدى العشريات الماضية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية ونشأة اسرئيل على أنقاض فلسطين عام 1948. وكانت إسرائيل تربح في كل مرة المعركة الإعلامية ، بوابة المعركة العسكرية والسياسية دون إطلاق رصاصة واحدة في المطبعة أو الأستوديو أو الانترنات . فلها في تلك المواقع الصحفية والإعلامية أزلامها وسدَنتها وخدَمها وحشَمها من الصحافيين ومن المخبرين والمتزلفين مادحي الغرب الاستعماري من المناذرة والغساسنة الجدد المستقرين في باريس ولندن كصحافة مهاجرة . ولم يقدر أي من أثرياء العرب ورجال أعمالهم أن يقتحموا الميدان الصحفي الإعلامي الدعائي والاتصالي، فاكتفوا بالرياضة ، لأن قطاع الإعلام يظل تحت هيمنة اللوبي اليهودي المسيحي المهيمن، في تحالف استراتيجي تاريخي، على الحياة السياسية والفكرية والبرلمانية والجمعياتية والمنظمات الأهلية وسدَنة حقوق الإنسان وكهنة تشكيلات حرية التعبير فيها. وحتى بعض الأقلام والأصوات والوجوه الصحفية الشابة النزيهة من الجيل الثاني للمهاحرين من تونس والمغرب والجزائر، التي وجدت لها منفذا في ذلك المشهد الإعلامي خلال السنوات والعشرية الماضية بفضل كفاءتها وامتلاكها للثقافة الفرنسية، اضطرت إلى التراجع والانكفاء والسير وراء آلة الدعاية والبروباغاندا الصهيونية في وسائل الإعلام الفرنسية . ولم يكن لهؤلاء الأيتام في مأدبة اللئام ، من خيار غير ركوب الموجة أو الفصل أو الإبعاد أو الطرد التعسفي، كما في أعتى الديكتاتوريات في العالم، وهو ما حصل لكثيرين في تلفزيون "بي بي س" البريطاني و"فرانس 24" الفرنسية في أزمة حرب غزة الأخيرة.

  لقد تعودت الدعاية الإسرائيلية على السيطرة من خلال الرقابة العسكرية، على الأخبار والتقارير التي تصدر من تل أبيب وتوزع على سائر ممالك أوروبا الإعلامية فتتلقفها تلفزيونات بروكسال وباريس ولندن وبرلين وروما وتعتمد عليها مادة إخبارية أساسية يتم على أساسها التجويق الإعلامي الأوروبي وتنسيق الخطوط التحريرية في خط تحريري أحادي ببغائي يجيد العزف علي نغمة إسرائيل و"حقها في الدفاع عن نفسها" مقابل نفي الحديث عن جرائمها، حيث يتم التفنن في إظهار الكيان الإسرائيلي كحمامة ديمقراطية وحقوقية وتعددية في منطقة يحيط بها الصقور الكواسر المتربصون بها .

   هكذا تردد الدعاية الإسرائيلية في دول أوروبا وأمريكا صباح مساء ويوم الأحد، معزوفتها التي مجها القراء والمستمعون والمشاهدون والمبحرون. وهي دعاية تجد نفسها قد تجاوزها الزمن بظهور محامل الإعلام المباشر التفاعلي لشبكات التواصل الاجتماعي ونشر الفيديوهات . ورغم ما تقوم به إدارة هذه الشبكات الاتصالية للميديا الجديدة من عمليات مراقبة وغلق لمواقع وصفحات فايسبوكية وتويترية إكْسِيّة، بدعوى مقاومة خطاب العنف، فقد تمكنت عملية نشر الفيديوهات والصور عن المجازر الإسرائيلية من إفشال خطة الآلة الدعائية الإسرائيلية القائمة على الباطل حيث ظهر الحق الفلسطيني على تلك المحامل وزهق الباطل الصهيوني، بعد أن ضربته أحداث غزة ودمغته، فإذا هو زاهق، كما بينته المظاهرات الحاشدة المناصرة للفلسطينيين عبر عواصم العالم كله، وهو ما مثل زلزالا تاريخيا في الكيان الإسرائيلي لازالت ارتداداته مستمرة ونتائجه قادمة في المستقبل المنظور. وتتعالى الأن المطالبات عبر العالم بمحاكمة قادة إسرائيل كمجرمي حرب وقتلة للأطفال في محاكمة تشبه محاكمة نورمبارغ للقادة النازيين غداة الحرب العالمية الثانية.

    وفي ذلك الفضاء الميدياتيكي الجديد المفتوح، انتشرت مئات الأغاني الشبابية المؤثرة والمعبرة عن النقمة والتضامن العالمي مع ضحايا القصف . وتقول كلمات إحدى الأغاني الأمريكية على تلك المحامل الشعبية بكل حرقة :" أذهب كل ليلة ولا أستطيع النوم. أتمنى فقط أن يستطيع الطفل الفلسطيني أن يكبر ويرى أمه . لا أستطيع فعل شيء حيال القنابل التي تتساقط على غزة. أتألم بشدة والله . هل تعلم إلى أين تذهب الضرائب التي أدفعها. إلى القتل بدم بارد . روح شابة فقيرة، كل ما كانت تعرفه هو الحب. كل العالم تحول من العمى إلى الصمت بينما أنا أقول: الحرية لفلسطين" .

  وفي فيديو آخر غير قابل للصنصرة قالت صحفية فلسطينية باكية :" لا تلوموا أجدادنا في عام 48 . الآن أدركنا معنى أن تضطر أن تغادر أرضك مقهورا تحت النار . بل لُومُوا المجتمع الدولي وهذا العالم الصامت الذي تركنا نموت ستين يوما تحت القصف. ولكننا صامدون ".