إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

إسرائيل أخر جيوب تصفية الاستعمار

 

 

إذا كانت إسرائيل تبوأت المكانة التأسيسية والاستعمارية المتعالية في المنطقة على مدى تلك العقود فإنها ستتعرض إلي ارتدادات هذا المبدأ العام الحتمي أو التاريخي

بقلم د. الصحراوي قمعون

صحفي باحث في علوم الإعلام والصحافة

  منذ هجوم " طوفان القدس"، تعيش إسرائيل أوضاع نهاية حقبة مصيرية في تاريخها وفي تاريخ العلاقات الدولية، وبداية حقبة جديدة بنهاية إسرائيل العدوانية كأخر جيوب تصفية الاستعمار عبر العالم، في ارتباط وثيق بالتحولات المسجلة على الصعيد العالمي بقرب أفول قوة مهيمنة على العالم وصعود قوة أخرى تأخذ مكانها وتستعد لإقامة نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب، قوامه الحرية والعدالة والسلام للجميع دون تفرقة .

   لقد جثم الاستعمار الغربي لأكثر من قرنين من الزمن على صدر العالم وسيطر علي شعوبه وموارده البشرية والطبيعية والمنجمية . وكانت بداية تكريس الاستعمار الغربي، مؤتمر برلين المنعقد عام 1884 تحت رعاية المستشار أوتو فون بيزمارك مستشار ألمانيا التي خرجت منتصرة من حربها مع فرنسا لعام 1871 . وكان ذلك المؤتمر أكبر تجسيم للنزعة الكولونيالية الأوروبية الغربية المتحاربة مع بعضها والمتضامنة فيما بينها ضد العدو الخارجي . وقد ضم ممثلي أربع عشرة دولة أوروبية متعطشة كلها لاقتسام بقايا دول العالم في إفريقيا والعالم العربي والإسلامي وخاصة ممالك الإمبراطورية العثمانية المتهاوية والملقبة سخرية من القوى الغربية " بالرجل المريض في الأستانة".

      أجراس النهاية الحتمية

لقد قرعت أجراس النهاية المحتومة تاريخيا في أوروبا الاستعمارية مع تسلسل الحروب التي شنتها ممالكها فيما بينها وكانت أكبرها الحرب العالمية الأولي من 1914 الي 1918 التي راح ضحيتها ثمانية عشر مليون قتيل، من بينهم أربعين ألف قتيل تونسي على جبهات قتال أوروبا.

   ولكن تلك الحرب المدمرة أسفرت عن ظهور مبادئ الرئيس الأمريكي ويلسون الداعية إلى حرية تقرير مصير الشعوب المستعمرة. وظهرت في سياق ذلك عصبة الأمم وهي منظمة ستصبح فيما بعد الأمم المتحدة وتعمل على ضمان السلم العالمي ومنع الحروب . وكان من نتائج ذلك أيضا ظهور التحركات الوطنية من أجل المساواة والعدالة في البلدان المستعمرة التي ظهرت فيها الأحزاب السياسية الوطنية على غرار الحزب الدستوري الحر في تونس عام 1920 المطالب بالحقوق المشروعة للشعب التونسي في إدارة شؤونه والوصول إلى الاستقلال .

   كانت الحرب العالمية الثانية مأساة إنسانية أخري تسببت فيها أوروبا بنزعتها الرومانية العدوانية التوسعية ، قتل فيها أكثر من ستين مليون شخص ودارت فصولها الأخيرة في شمال إفريقيا في مصر وليبيا وتونس بالخصوص، حيث لازالت الألغام التي تركها المتحاربون من قوات المحور والحلفاء، تحصد أرواح التونسيين خاصة في المناطق التي شهدت معارك تكتيكية كبرى مثل مناطق الجنوب التونسي في خط مارث مطماطة الذي يشبهه الخبراء العسكريون ب"خط ماجينو"، الصحراوي .

   ولكن تلك الحرب أسفرت بالمقابل عن هزيمة فرنسا والقوى الاستعمارية، ثم انتصارها في النهاية، بعد تدخل كل من أمريكا من الغرب والاتحاد السوفياتي من الشرق اللذين اقتسما أوروبا الغربية والشرقية، مما مثل تغييرا جوهريا في موازين القوي في العالم على حساب القوى الاستعمارية التقليدية . ومثل هذا التغيير فرصة أخرى للدول المستعمرة لدق مسمار أخر في نعش الحقبة الاستعمارية، حيث تعالت من جديد أصوات الحركات الوطنية المطالبة بتقرير المصير والاستقلال . وتبين للشعوب المضطهدة زيف دعاية الاستعمار عن قوته الجبارة وأنه قوة لا تقهر، بعد أن تكبد الهزائم المتتالية في الحرب العالمية الثانية، ثم في معركة ديان بيان فو في الهند الصينية عام 1954، وتجرئ الوطنيين على مقارعة الاستعمار في العديد من الدول في إفريقيا والعالم العربي وأسيا . ودقت حركة التحرير الوطني التونسية المسمار الأخير في نعش الاستعمار بإعلان الزعيم الوطني الحبيب بورقيبة المعروف بنزعته السلمية المعتدلة، اندلاع الثورة المسلحة ضد المستعمر في تونس في 18 جانفي 1952 ، بعد أن صعدت فرنسا من قمعها للوطنيين على أيدي المقيم العام المتطرف دو هوتكلوك. وستتلو ذلك الثورة الجزائرية المندلعة في أول نوفمبر 1954 لتنهي بعد ثماني سنوات من الكفاح المسلح استعمارا مباشرا واستيطانيا دام مائة وثلاثين سنة من 1830 إلى 1962 وتقدم للعالم ملحمة تحريرية نموذجية لازالت تدرس في كليات حروب التحرير الوطنية، ومفادها أن لا أحد قادرا على الوقوف في وجه الشعوب وتوقها إلى الحرية والاستقلال، والتي جسمها الشاعر أبو القاسم الشابي في بيت شعري مشهور يقول :

 إذا الشعب يوما أراد الحياة ** فلا بد أن يستجيب القدر .

   لقد تحققت منذ ذلك الوقت استقلالات كل شعوب العام المستعمرة والمضطهدة في إفريقيا واسيا، ولازال أخر جيب استعماري قائما في فلسطين المحتلة تحت يافطة دولة إسرائيل اليهودية التي بعثتها القوى الاستعمارية تكفيرا عن ذنوبها حيال ما تعرض له اليهود من اضطهاد على يد النازيين في الحرب العالمية الثانية . وهو اضطهاد لم يكن للعرب أو للفلسطينيين أي يد أو ناقة أو جمل . ولكن الظروف العالمية في ذلك الوقت كانت ملائمة غداة نهاية الحرب لمنح اليهود دولة أقاموها عام 1948 برعاية الأمم المتحدة ، انتصبت على أنقاض شعب فلسطين الذي وقع تهجيره بالحديد والنار، مستمرة في الوجود والتوسع على حساب الجيران إلى جانب امتلاكها أكثر من مائتي قنبلة نووية تهدد بها الجيران وتريد أن تكون فوق القانون الدولي وشرطي الشرق الأوسط وصاحبة اليد الطولي عبر العالم تهدد بها بالقتل والاغتيال كل من انتقدها أو عارضها في العالم . وقد تفننت الدولة العبرية في الابتزاز وفرض شروط التطبيع والعمالة والولاء لها مستفيدة من جوقة التضليل الإعلامي الذي تمارسه الدول الغربية ومختلف وسائل الإعلام لديها التي تبقي فيها رغم التجويق والتعتيم الكثير من الشرفاء والشجعان للدفاع عن الحق والعدل وحرية التعبير.

    نهاية التعاطف الدولي

وإذا كانت إسرائيل تبوأت المكانة التأسيسية والاستعمارية المتعالية في المنطقة على مدى تلك العقود بفضل تضافر العوامل الداخلية بعصبية الوحدة الوطنية اليهودية، والخارجية بالمساندة المطلقة لها ظالمة أو مظلومة من طرف الدول الغربية الراعية لها، وكل وسائل الإعلام الغربية، فإنها ستتعرض إلي ارتدادات هذا المبدإ العام الحتمي أو التاريخي الخلدوني عليها . ولعل ذلك تجلى في تسلسل الأحداث خلال العام الماضي والجاري حيث فقدت إسرائيل زمام المبادرة الذي تعودت على امتلاكه في كل الحروب والمواجهات العسكرية والدبلوماسية مع العرب والفلسطينيين . وجاء ذلك بعد الزلزال الذي ضرب تل أبيب في أكتوبر الماضي لهذا العام 2023 حين هاجمت مجموعة من الكومندوس الفلسطيني، مسلحة بالعزيمة والتخطيط الجيد والأسلحة الخفيفة لتلحق هزيمة بالجيش الإسرائيلي لم تعرفها إسرائيل طيلة وجودها. ولأول مرة تتعرض إسرائيل إلى الهزيمة ويقتل ويصاب لها الآلاف من الجنود ويأسر لها المئات من جنودها في عملية كوماندوس خاطفة لشباب فلسطينيين سيطروا خلالها على ثكنات عسكرية ومخابراتية للموساد في المستوطنات المحيطة بقطاع غزة .

  لقد كان رد فعل إسرائيل الجريحة كاسرا مثل الديك المذبوح، بالقصف العشوائي لمساكن المدنيين وكل المستشفيات والمدارس التابعة في أغلبها لمنظمات إغاثة أممية ودولية .وقد عرى ذلك الرد الهمجي الطبيعة الهمجية والوحشية للكيان الإسرائيلي وخلق موجة غير مسبوقة من التعاطف الدولي والإقليمي عبر العالم تمثل في مظاهرات ومسيرات وتعبيرات سلمية وثقافية انحازت كلها بكل عفوية وتلقائية إلى قضية الشعب الفلسطيني الأعزل . وبلغ التعاطف الشعبي العربي والإسلامي والعالمي أوجه أمام استمرار مظاهر قتل الأطفال والنساء. وقد بين أن نهاية إسرائيل قريبة وهي تنتظر مزيد التغيير في الساحة الدولية ومزيد انكفاء واستكمال تراجع القوة الأمريكية الأوروبية التي هبت غداة الهجوم السونامي الفلسطيني الصاعق بكل ألتها الحربية وبوارجها وجنودها لحماية إسرائيل التي ظهرت أمام العالم أنها "نمر من ورق" كما تقول العبارة الصينية، سقط كرتونيا أمام هجوم ميليشيات، وهو الجيش الذي يدعي أنه لا يقهر، وهو رابع أقوى جيش في العالم" حسب الدعاية الإسرائيلية

التطبيع مع الشعب الفلسطيني أولا

   يبدو العالم الذي يسير نحو تعدد الأقطاب متّجها نحو حقبة عالمية جديدة لا يسيطر فيها كليا الغرب الأوروبي الأمريكي على دفة الحكم. وهي حقبة تجد فيها إسرائيل نفسها معزولة على الصعيد الإقليمي والدولي ولن تفيدها مئات الرؤوس النووية. وعليها أن تقوم بالتطبيع مع الشعب الفلسطيني ودول الطوق للتعايش السلمي في المنطقة وإعادة الأرض إلى أصحابها أو المغادرة والعودة من حيث أتى الإباء المؤسسون في منتصف القرن الماضي . وهي فرضية أصبحت أكثر من مطروحة بعد احتدام فصول الحرب الأهلية بين الصقور والحمائم وبين المعتدلين والمتطرفين حد الميز العنصرية في إسرائيل، عبر عنها الصحفي الإسرائيلي أري شابيت، في مقال له مؤخرا في صحيفة " هاأرتس" بقوله :"لا طعم للعيش في هذه البلاد ولا للكتابة في هاأرتس .. يجب توديع الأصدقاء والانتقال إلى سان فرانسيسكو أو برلين أو باريس . يجب النظر بهدوء ومشاهدة دولة إسرائيل وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة".

 

 

 

 

 

 

 

إسرائيل أخر جيوب تصفية الاستعمار

 

 

إذا كانت إسرائيل تبوأت المكانة التأسيسية والاستعمارية المتعالية في المنطقة على مدى تلك العقود فإنها ستتعرض إلي ارتدادات هذا المبدأ العام الحتمي أو التاريخي

بقلم د. الصحراوي قمعون

صحفي باحث في علوم الإعلام والصحافة

  منذ هجوم " طوفان القدس"، تعيش إسرائيل أوضاع نهاية حقبة مصيرية في تاريخها وفي تاريخ العلاقات الدولية، وبداية حقبة جديدة بنهاية إسرائيل العدوانية كأخر جيوب تصفية الاستعمار عبر العالم، في ارتباط وثيق بالتحولات المسجلة على الصعيد العالمي بقرب أفول قوة مهيمنة على العالم وصعود قوة أخرى تأخذ مكانها وتستعد لإقامة نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب، قوامه الحرية والعدالة والسلام للجميع دون تفرقة .

   لقد جثم الاستعمار الغربي لأكثر من قرنين من الزمن على صدر العالم وسيطر علي شعوبه وموارده البشرية والطبيعية والمنجمية . وكانت بداية تكريس الاستعمار الغربي، مؤتمر برلين المنعقد عام 1884 تحت رعاية المستشار أوتو فون بيزمارك مستشار ألمانيا التي خرجت منتصرة من حربها مع فرنسا لعام 1871 . وكان ذلك المؤتمر أكبر تجسيم للنزعة الكولونيالية الأوروبية الغربية المتحاربة مع بعضها والمتضامنة فيما بينها ضد العدو الخارجي . وقد ضم ممثلي أربع عشرة دولة أوروبية متعطشة كلها لاقتسام بقايا دول العالم في إفريقيا والعالم العربي والإسلامي وخاصة ممالك الإمبراطورية العثمانية المتهاوية والملقبة سخرية من القوى الغربية " بالرجل المريض في الأستانة".

      أجراس النهاية الحتمية

لقد قرعت أجراس النهاية المحتومة تاريخيا في أوروبا الاستعمارية مع تسلسل الحروب التي شنتها ممالكها فيما بينها وكانت أكبرها الحرب العالمية الأولي من 1914 الي 1918 التي راح ضحيتها ثمانية عشر مليون قتيل، من بينهم أربعين ألف قتيل تونسي على جبهات قتال أوروبا.

   ولكن تلك الحرب المدمرة أسفرت عن ظهور مبادئ الرئيس الأمريكي ويلسون الداعية إلى حرية تقرير مصير الشعوب المستعمرة. وظهرت في سياق ذلك عصبة الأمم وهي منظمة ستصبح فيما بعد الأمم المتحدة وتعمل على ضمان السلم العالمي ومنع الحروب . وكان من نتائج ذلك أيضا ظهور التحركات الوطنية من أجل المساواة والعدالة في البلدان المستعمرة التي ظهرت فيها الأحزاب السياسية الوطنية على غرار الحزب الدستوري الحر في تونس عام 1920 المطالب بالحقوق المشروعة للشعب التونسي في إدارة شؤونه والوصول إلى الاستقلال .

   كانت الحرب العالمية الثانية مأساة إنسانية أخري تسببت فيها أوروبا بنزعتها الرومانية العدوانية التوسعية ، قتل فيها أكثر من ستين مليون شخص ودارت فصولها الأخيرة في شمال إفريقيا في مصر وليبيا وتونس بالخصوص، حيث لازالت الألغام التي تركها المتحاربون من قوات المحور والحلفاء، تحصد أرواح التونسيين خاصة في المناطق التي شهدت معارك تكتيكية كبرى مثل مناطق الجنوب التونسي في خط مارث مطماطة الذي يشبهه الخبراء العسكريون ب"خط ماجينو"، الصحراوي .

   ولكن تلك الحرب أسفرت بالمقابل عن هزيمة فرنسا والقوى الاستعمارية، ثم انتصارها في النهاية، بعد تدخل كل من أمريكا من الغرب والاتحاد السوفياتي من الشرق اللذين اقتسما أوروبا الغربية والشرقية، مما مثل تغييرا جوهريا في موازين القوي في العالم على حساب القوى الاستعمارية التقليدية . ومثل هذا التغيير فرصة أخرى للدول المستعمرة لدق مسمار أخر في نعش الحقبة الاستعمارية، حيث تعالت من جديد أصوات الحركات الوطنية المطالبة بتقرير المصير والاستقلال . وتبين للشعوب المضطهدة زيف دعاية الاستعمار عن قوته الجبارة وأنه قوة لا تقهر، بعد أن تكبد الهزائم المتتالية في الحرب العالمية الثانية، ثم في معركة ديان بيان فو في الهند الصينية عام 1954، وتجرئ الوطنيين على مقارعة الاستعمار في العديد من الدول في إفريقيا والعالم العربي وأسيا . ودقت حركة التحرير الوطني التونسية المسمار الأخير في نعش الاستعمار بإعلان الزعيم الوطني الحبيب بورقيبة المعروف بنزعته السلمية المعتدلة، اندلاع الثورة المسلحة ضد المستعمر في تونس في 18 جانفي 1952 ، بعد أن صعدت فرنسا من قمعها للوطنيين على أيدي المقيم العام المتطرف دو هوتكلوك. وستتلو ذلك الثورة الجزائرية المندلعة في أول نوفمبر 1954 لتنهي بعد ثماني سنوات من الكفاح المسلح استعمارا مباشرا واستيطانيا دام مائة وثلاثين سنة من 1830 إلى 1962 وتقدم للعالم ملحمة تحريرية نموذجية لازالت تدرس في كليات حروب التحرير الوطنية، ومفادها أن لا أحد قادرا على الوقوف في وجه الشعوب وتوقها إلى الحرية والاستقلال، والتي جسمها الشاعر أبو القاسم الشابي في بيت شعري مشهور يقول :

 إذا الشعب يوما أراد الحياة ** فلا بد أن يستجيب القدر .

   لقد تحققت منذ ذلك الوقت استقلالات كل شعوب العام المستعمرة والمضطهدة في إفريقيا واسيا، ولازال أخر جيب استعماري قائما في فلسطين المحتلة تحت يافطة دولة إسرائيل اليهودية التي بعثتها القوى الاستعمارية تكفيرا عن ذنوبها حيال ما تعرض له اليهود من اضطهاد على يد النازيين في الحرب العالمية الثانية . وهو اضطهاد لم يكن للعرب أو للفلسطينيين أي يد أو ناقة أو جمل . ولكن الظروف العالمية في ذلك الوقت كانت ملائمة غداة نهاية الحرب لمنح اليهود دولة أقاموها عام 1948 برعاية الأمم المتحدة ، انتصبت على أنقاض شعب فلسطين الذي وقع تهجيره بالحديد والنار، مستمرة في الوجود والتوسع على حساب الجيران إلى جانب امتلاكها أكثر من مائتي قنبلة نووية تهدد بها الجيران وتريد أن تكون فوق القانون الدولي وشرطي الشرق الأوسط وصاحبة اليد الطولي عبر العالم تهدد بها بالقتل والاغتيال كل من انتقدها أو عارضها في العالم . وقد تفننت الدولة العبرية في الابتزاز وفرض شروط التطبيع والعمالة والولاء لها مستفيدة من جوقة التضليل الإعلامي الذي تمارسه الدول الغربية ومختلف وسائل الإعلام لديها التي تبقي فيها رغم التجويق والتعتيم الكثير من الشرفاء والشجعان للدفاع عن الحق والعدل وحرية التعبير.

    نهاية التعاطف الدولي

وإذا كانت إسرائيل تبوأت المكانة التأسيسية والاستعمارية المتعالية في المنطقة على مدى تلك العقود بفضل تضافر العوامل الداخلية بعصبية الوحدة الوطنية اليهودية، والخارجية بالمساندة المطلقة لها ظالمة أو مظلومة من طرف الدول الغربية الراعية لها، وكل وسائل الإعلام الغربية، فإنها ستتعرض إلي ارتدادات هذا المبدإ العام الحتمي أو التاريخي الخلدوني عليها . ولعل ذلك تجلى في تسلسل الأحداث خلال العام الماضي والجاري حيث فقدت إسرائيل زمام المبادرة الذي تعودت على امتلاكه في كل الحروب والمواجهات العسكرية والدبلوماسية مع العرب والفلسطينيين . وجاء ذلك بعد الزلزال الذي ضرب تل أبيب في أكتوبر الماضي لهذا العام 2023 حين هاجمت مجموعة من الكومندوس الفلسطيني، مسلحة بالعزيمة والتخطيط الجيد والأسلحة الخفيفة لتلحق هزيمة بالجيش الإسرائيلي لم تعرفها إسرائيل طيلة وجودها. ولأول مرة تتعرض إسرائيل إلى الهزيمة ويقتل ويصاب لها الآلاف من الجنود ويأسر لها المئات من جنودها في عملية كوماندوس خاطفة لشباب فلسطينيين سيطروا خلالها على ثكنات عسكرية ومخابراتية للموساد في المستوطنات المحيطة بقطاع غزة .

  لقد كان رد فعل إسرائيل الجريحة كاسرا مثل الديك المذبوح، بالقصف العشوائي لمساكن المدنيين وكل المستشفيات والمدارس التابعة في أغلبها لمنظمات إغاثة أممية ودولية .وقد عرى ذلك الرد الهمجي الطبيعة الهمجية والوحشية للكيان الإسرائيلي وخلق موجة غير مسبوقة من التعاطف الدولي والإقليمي عبر العالم تمثل في مظاهرات ومسيرات وتعبيرات سلمية وثقافية انحازت كلها بكل عفوية وتلقائية إلى قضية الشعب الفلسطيني الأعزل . وبلغ التعاطف الشعبي العربي والإسلامي والعالمي أوجه أمام استمرار مظاهر قتل الأطفال والنساء. وقد بين أن نهاية إسرائيل قريبة وهي تنتظر مزيد التغيير في الساحة الدولية ومزيد انكفاء واستكمال تراجع القوة الأمريكية الأوروبية التي هبت غداة الهجوم السونامي الفلسطيني الصاعق بكل ألتها الحربية وبوارجها وجنودها لحماية إسرائيل التي ظهرت أمام العالم أنها "نمر من ورق" كما تقول العبارة الصينية، سقط كرتونيا أمام هجوم ميليشيات، وهو الجيش الذي يدعي أنه لا يقهر، وهو رابع أقوى جيش في العالم" حسب الدعاية الإسرائيلية

التطبيع مع الشعب الفلسطيني أولا

   يبدو العالم الذي يسير نحو تعدد الأقطاب متّجها نحو حقبة عالمية جديدة لا يسيطر فيها كليا الغرب الأوروبي الأمريكي على دفة الحكم. وهي حقبة تجد فيها إسرائيل نفسها معزولة على الصعيد الإقليمي والدولي ولن تفيدها مئات الرؤوس النووية. وعليها أن تقوم بالتطبيع مع الشعب الفلسطيني ودول الطوق للتعايش السلمي في المنطقة وإعادة الأرض إلى أصحابها أو المغادرة والعودة من حيث أتى الإباء المؤسسون في منتصف القرن الماضي . وهي فرضية أصبحت أكثر من مطروحة بعد احتدام فصول الحرب الأهلية بين الصقور والحمائم وبين المعتدلين والمتطرفين حد الميز العنصرية في إسرائيل، عبر عنها الصحفي الإسرائيلي أري شابيت، في مقال له مؤخرا في صحيفة " هاأرتس" بقوله :"لا طعم للعيش في هذه البلاد ولا للكتابة في هاأرتس .. يجب توديع الأصدقاء والانتقال إلى سان فرانسيسكو أو برلين أو باريس . يجب النظر بهدوء ومشاهدة دولة إسرائيل وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة".