-حق الأولوية للمنتفعين بالمساكن الاجتماعية تقدم في مختلف الولايات
كانت حلما لطالما انتظره كثيرون، فهي اعتراف من الدولة التونسية بفضل كل من قدم الغالي والنفيس من أجل مناعة هذا البلد، اعتبرها متابعون خطوة هامة نحو إعادة الاعتبار لأبطال ضحوا من أجل الراية الوطنية وحماية لكل التونسيين وساهموا في دحر الإرهاب تاركين عائلاتهم خلفهم أمانة في أعناق الملايين من هذه البلاد، وفي 9 أفريل 2022 صدر المرسوم عدد 20 لسنة 2022 المتعلق بإحداث مؤسسة "فداء" للإحاطة بضحايا الاعتداءات الإرهابية من العسكريين وأعوان قوات الأمن الداخلي والديوانة وبأولي الحق من شهداء الثورة وجرحاها.
بدأت هذه المؤسسة الوليدة في أعمالها دون توقف، فكان المجهود المبذول كبيرا رغم قصر مدة إحداثها، "الصباح" التقت رئيسها أحمد جعفر الذي تحدث عن قيمة "فداء"، معبرا عن اعتزازه بحجم الثقة الملقاة على عاتقه وكل الفريق العامل معه.
كما تطرق ضيفنا الى أهم الخطوات التي تم اتخاذها من قبل المؤسسة من مرحلة التأسيس الى حد تحديد المنتفعين وحقوق كل فئة، مشيرا الى عديد من النقاط الأخرى التي تجدونها في هذا الحوار.
حاوره: جمال الفرشيشي
*بصفة موجزة كيف يمكن تقديم مسيرتك المهنية؟
أنا خريج مرحلة عليا من المدرسة الوطنيّة للإدارة، متحصل على ماجستير في الحوكمة ومكافحة الفساد وماجستير في مجال التشريعات والقوانين وقد شغلت عديد الوظائف السامية في الدولة انطلاقا من وزارة الصحة إلى رئاسة الحكومة أين عملت في مهمة مكلف بمأمورية بديوان رئيس الحكومة وكذلك بديوان وزارة الدفاع الوطني. كما اشتغلت على عديد الملفات المرتبطة بحوكمة القطاع العام وإصلاح الإدارة وحوكمة قطاع الأمن وقطاع الدفاع.
كما كانت لي عديد المقالات المنشورة في مجال الأخلاقيات والحوكمة في القطاع العام.
*وماذا عن المهمة الجديدة كرئيس لمؤسسة "فداء"؟
يمكن القول إنّ مؤسسة فداء من أنبل المهمات التي كلفت بها إلى حد الآن وأود أن أشكر سيادة رئيس الجمهوريّة على هذه الثقة الكبرى التي منحني إيّاها في أحد من أهمّ المشاريع والبرامج التي أعلن عنها وهي مؤسسة عموميّة ومرفق عامّ يعتبر مكسبا مهّما للبلاد تبرز العلاقة الإنسانيّة بين الدولة ومن ضحوا من أجلها لتكون بمثابة الاعتراف بالجميل لهم وبمثابة العقد الجديد بين الدولة ومواطنيها لتتجاوز بذلك تكريم ورد الاعتبار لضحايا العمليات الإرهابية أو أولي الحق من شهداء الثورة وجرحاها لتمثل رسالة إيجابية لكل من يضحي من أجل وطنه وبلاده.
*أين وصلتم في مرحلة التأسيس؟
طبعا أصعب المراحل في تاريخ المؤسسات هي الفترات الأولى حيث لابدّ أن تنتقل من مجرّد فكرة وإطار قانوني إلى معايشة الواقع ومقارنة النص القانوني بالوضعيات المختلفة للمعنيين بخدمات المؤسسة ولا بدّ من قرارات وشروع في التنفيذ وإلا ستبقى الأمور معلقّة خاصّة وأنّ الإطار القانوني لمؤسسة فداء يتقاطع مع عمل عديد الهياكل العموميّة الأخرى ولم يتضمن إجراءات تطبيقية مفصله.
ورغم التحديات والصعوبات فإنّه يمكن القول إنّ المؤسسة بدأت في الخطوات العمليّة والفعليّة وبدأنا نتجاوز مرحلة التأسيس إلى مرحلة الإنجاز وتقديم الحقوق إلى أصحابها.
*كيف تعاملتم مع هذه المرحلة؟
تعاملنا مع مؤسسة فداء باعتبارها رسالة إنسانية نبيلة وبمنطق الإيفاء بالعهد، فالرسالة التي أوصاني بها السيد رئيس الجمهورية عند تسميتي هي أنّ مؤسسة فداء أمانة ولذلك اخترنا لها كشعار للمؤسسة "أمانة، إخلاص، وفاء" وهي عبارات بمثابة مدونة السلوك والقيم التي يتبناها إطارات وأعوان المؤسسة.
وفي الحقيقة فإن الانطلاقة كانت من خلال فريق عمل تأسيسي من مختلف الوزارات التي تفاعلت إيجابيا وساندت المؤسسة ووفرت لها الدعم حتى نتمكن من القيام بكل تلك الأعمال. والإطارات الذين ساهموا في الأعمال كان أغلبهم متطوعا، إيمانا منهم بأهمية هذا المشروع وأهدافه. ولم يكن تعاملنا مع الموضوع بالطريقة الإدارية التقليدية أو بمنطق الوظيفة بل مشروع مرتبط بأهداف يجب تحقيقها.
*للتذكير.. من هم أصحاب الحقوق والمنتفعون بخدمات المؤسسة؟
لا بدّ من التوضيح هنا أن المرسوم عدد 20 لسنة 2022 حدّد المنتفعين بخدمات المؤسسة بصفة صريحة حتّى لا تتداخل المهام مع هياكل أخرى وهم ينقسمون إلى مجموعتين:
ضحايا العمليّات الإرهابية:
من العسكريين وأعوان قوات الأمن الداخلي والديوانة ويقصد بهم أولي حق من شهداء العمليّات الإرهابيّة والذين سماهم المرسوم" مكفولي الوطن" وهم قرين شهيد الوطن وأبناؤه ووالداه وفي صورة عدم وجودهم يمكن أن تشمل الحقوق إخوته وأخواته وكذلك مصابي الاعتداءات الإرهابيّة من الأسلاك المذكورة.
لو تُقدّم لنا الحقوق والمنافع لهذه المجموعة؟
في الحقيقة الموضوع يتطلب شرحا طويلا ومفصلا ولكن يمكن القول إجمالا أنّ هناك حقوقا ومنافع بمقتضى نصوص سابقة تمت المحافظة عليها تمّ تطويرها نوعيّا بمقتضى مرسوم مؤسسة فداء.
كما أنّ الإحاطة بضحايا العمليّات الإرهابيّة بقيت في بعض الجوانب مشتركة مع هياكل إدارتهم الأصليّة من ذلك إعادة بناء المسار المهني لشهيد الوطن وتمكين ذوي الحقوق من الجراية المقابلة التي تتعهّد بها الوزارة المعنيّة في حين تتكفّل مؤسسة فداء بأبناء شهداء الوطن من جميع النواحي (منح مدرسيّة، سكن مدرسي، سكن جامعي...) إضافة إلى العمل على توفير مساكن اجتماعية بالنسبة لأولي الحق من شهداء العمليّات الإرهابية وكذلك الجرحى الذين تتجاوز نسبة السقوط البدني الخاصّة بهم 50 بالمائة في صورة عدم ملكية مسكن وهناك تقدم في هذا الموضوع قامت به المؤسسة بالتنسيق مع الهياكل المعنيّة.
كما يمنح المرسوم إمكانيّة تمتيع مصابي العمليّات الإرهابيّة الذين لا تحول الإصابة دون مواصلة ممارسة مهامهم وكذلك أرامل شهداء الوطن من الأعوان العموميين الذين لهم أبناء في الكفالة بتوقيت عمل خاص يراعي طبيعة الإصابة أو الحالة النفسيّة للعائلة دون أن يكون لذلك تأثير على المرتب، باتفاق بين مؤسسة فداء والجهة المشغلة وهنا لا بدّ من الإشارة الى أنّ بعض الهياكل استجابت وقامت بتطبيق القانون وهناك من لا يزال مترددا في كيفيّة تطبيق هذا الإجراء وهنا لا بدّ من القول إنّه لا يمكن المزايدة على التضحيات بالنسبة للمرأة التي فقدت قرينها وترك لها أبناء فأضعف الإيمان أن تراعى وضعيتها النفسية والعائلية وتمكينها من توقيت عمل خاص.
*وماذا بشأن المجموعة الأخرى؟
أولي الحق من شهداء الثورة وجرحاها:
المرسوم كان دقيقا بخصوص هذه القائمة كذلك فهم أولي حق شهداء الثورة الذّين استشهدوا في الفترة بين 17 ديسمبر 2010 و28 فيفري 2011 والذين وردت أسماؤهم في القائمة الصادرة بالرائد الرسمي عدد 19 سنة 2011 وعددهم 129 شهيد وكذلك جرحى الثورة البالغ عددهم 634 جريح.
*وهل هي قائمة نهائيّة بالنسبة إليكم؟
نحن لم نتدخل في ضبط القائمة ونعمل وفق ما كلفنا به القانون وقد طال الانتظار لصدور هذه القائمة وفي كل الحالات لابد أن نمر الى العمل والانجاز وتركيز المؤسسة حتى تضمن إيصال الحقوق الى مستحقيها كما أنّ القانون ترك المجال مفتوحا لتعديل القائمة وفق أحكام قضائيّة وقد صدرت فعلا أحكام لفائدة بعض الجرحى لإضافتهم لتلك القائمة وستقوم المؤسسة بإضافتهم ودعوتهم لتقديم بياناتهم لتمكينهم من الحقوق والمنافع الواردة بالمرسوم مثل بقيّة الجرحى.
*كيف وجدتم هذا الملف وكيفيّة إدارته في الفترة السابقة خاصّة وأنّ الموضوع يعود إلى سنة 2011؟
بصراحة وحسب ما أفاد به الجرحى فإن الاهتمام بعائلات شهداء الثورة والجرحى طغى عليه الجانب المناسباتي والظرفي فالإحاطة في المناسبات والأعياد والمنح الظرفيّة بحيث تركوهم في وضعيّة هشاشة ولم تكن هناك رؤية وإرادة سياسية واضحة في هذا الموضوع.
بالرغم في صدور قانون استثنائي في سنة 2012 تم بموجبه انتداب عديد الجرحى في الوظيفة العموميّة بصفة استثنائيّة كما تمّ تمكينهم من منحة ظرفية على جزأين إلا أنّه ليس كل من صدرت أسماؤهم في قائمة الجرحى لديهم وظيفة قارة فقد تبين من خلال التعامل معهم بصفة مباشرة والاستماع الى مشاغلهم وجود وضعيّات صحيّة تتطلب المتابعة والإحاطة ووضعيّات اجتماعيّة كثيرة تتطلب منا التدخل والوقوف الفوري إلى جانبهم، فرّد الاعتبار وتحقيق كرامتهم يتطلب توفير مورد مالي دائم بعيدا عن الطبيعة المناسباتيّة والظرفيّة.
ومن هنا كان العمل على تحديد أولوياتنا من خلال الاستجابة إلى بعض الوضعيات والحالات الاجتماعية بصفة مستعجلة ثم إنّ المؤسسة ليست بلجنة وقتية ولا تقاس أعمال المؤسسات بأشهر معدودات بل سنعمل على تطوير المنافع وشمولها لكل الجرحى أما في هذه المرحلة لا بدّ من إجراءات عاجلة وممكنة التطبيق مثل منح الأبناء الدراسية والجامعية والجرايات نظرا لمفعولها المباشر على وضعية العائلة وتحسين مستوى معيشتها.
هناك من يدعو إلى العودة إلى القانون عدد 26 سنة 2012 وتطبيقه ويرى أنّه ليس هناك حاجة إلى المرسوم عدد 20 لسنة 2022 ولمؤسسة فداء، فما رأيكم؟
رغم أنّي لا أريد الخوض في هذا الموضوع لأنّ المؤسسة منفتحة على الجميع وعلى كل الأفكار والاقتراحات التي يمكن أن تقدّم وتضيف في مجال الإحاطة بعائلات شهداء الثورة وجرحاها على قدر تضحياتهم إلا أنّه عندما نسمع مثل هذا الكلام نتساءل هل هناك من يدفع الى حرمان أولي حق شهداء الثورة وجرحاها من حقوقهم ومن المكاسب التي تحققت لهم بمقتضى الإطار القانوني الجديد.
فتقنيا ليس هناك قانون مستقل بذاته سنة 2012 بل هو تنقيح للمرسوم عدد 97 لسنة 2011 الذي لا يزال ساري المفعول إلى حد الآن بما لا يتعارض مع المرسوم الجديد وفعلا قمنا بتطبيقه في تحديد قائمة المنتفعين بجرايات أولي حق شهداء الثورة وكذلك إعفاء الجرايات التي ستسند لفائدة جرحى الثورة وكذلك جرايات أولي الحق من شهدا الثورة من الأداء.
والعودة إلى مرسوم 97 لسنة 2011 يعني التخلي عن المنح المدرسيّة والجامعيّة وحق الأولويّة في برامج السكن الاجتماعي والمساعدة على بعث المشاريع وبرامج الإدماج المهني وتسهيل الإجراءات الإدارية بالنسبة للمنتفعين بخدمات المؤسسة.
*تحدّثتم عن الجرايات والمنح وبرامج السكن الاجتماعي وهي ملفات كبرى والفترة وجيزة فأين وصلتم؟
صحيح أنّ الفترة وجيزة وقد جرت العادة أن يقع تخصيص مدّة أطول إلى مرحلة التأسيس خاصّة في ظل الإجراءات الإداريّة التي تتسم بالتعقيد إلا أنّ الإرادة القويّة والدعم من قبل أعلى هرم السلطة جعلت المؤسسة تخطو خطوات هامة في مجال الاستعداد لتقديم الحقوق إلى أصحابها.
فبطاقات المنح المدرسيّة والجامعيّة جاهزة وسنشرع في توزيعها نهاية هذا الأسبوع مع مبالغ مالية بمفعول رجعي منذ شهر سبتمبر ولكن على دفعات بحسب تاريخ تقديم الوثائق كما تمّ الشروع في صرف جرايات جرحى الثورة الذين تتوفر فيهم شروط الاستحقاق طبق أحكام المرسوم.
هناك عمل كبير متواصل مع مختلف الولايات لإنهاء وإتمام قاعدة المعطيات حتى تصل الحقوق الى أصحابها.
كما يشهد ملف حق الأولوية في المساكن الاجتماعية تقدما على مستوى مختلف الولايات ولم يسبق أن حظي الموضوع بهذه الجدية.
*هل المرسوم قابل للتعديل أو التطوير وخاصة الفصل 37 منه؟
القانون وسيلة عمل وليس غاية في ذاته وكل شيء قابل للتطوير المهم أن تتكاتف الجهود ونرسي مناخا من الثقة حتى يعود للدولة بريقها في الإيفاء بتعهداتها. كما أنّه لابد من الإشارة أن هناك إرادة قوية وصادقة في الإحاطة بضحايا العمليات الإرهابية وكذلك أولي الحق من شهداء الثورة وجرحاها، ولذلك لن تكون الأيام القادمة إلا طالع خير عليهم وستعمل المؤسسة بكل ما في وسعها لضمان حسن الإحاطة بهم. وستعمل المؤسسة في المرحلة القادمة على محيطها الوطني والدولي بما يضمن إبرام شراكات مع مختلف الهياكل والمنظمات الوطنية والمؤسسات البحثية قصد إحياء الذكرى وتنظيم التظاهرات سواء المرتبطة بتكريم ضحايا العمليات الإرهابية ورد الاعتبار لهم أو بأولي الحق من شهداء الثورة وجرحاها.
-حق الأولوية للمنتفعين بالمساكن الاجتماعية تقدم في مختلف الولايات
كانت حلما لطالما انتظره كثيرون، فهي اعتراف من الدولة التونسية بفضل كل من قدم الغالي والنفيس من أجل مناعة هذا البلد، اعتبرها متابعون خطوة هامة نحو إعادة الاعتبار لأبطال ضحوا من أجل الراية الوطنية وحماية لكل التونسيين وساهموا في دحر الإرهاب تاركين عائلاتهم خلفهم أمانة في أعناق الملايين من هذه البلاد، وفي 9 أفريل 2022 صدر المرسوم عدد 20 لسنة 2022 المتعلق بإحداث مؤسسة "فداء" للإحاطة بضحايا الاعتداءات الإرهابية من العسكريين وأعوان قوات الأمن الداخلي والديوانة وبأولي الحق من شهداء الثورة وجرحاها.
بدأت هذه المؤسسة الوليدة في أعمالها دون توقف، فكان المجهود المبذول كبيرا رغم قصر مدة إحداثها، "الصباح" التقت رئيسها أحمد جعفر الذي تحدث عن قيمة "فداء"، معبرا عن اعتزازه بحجم الثقة الملقاة على عاتقه وكل الفريق العامل معه.
كما تطرق ضيفنا الى أهم الخطوات التي تم اتخاذها من قبل المؤسسة من مرحلة التأسيس الى حد تحديد المنتفعين وحقوق كل فئة، مشيرا الى عديد من النقاط الأخرى التي تجدونها في هذا الحوار.
حاوره: جمال الفرشيشي
*بصفة موجزة كيف يمكن تقديم مسيرتك المهنية؟
أنا خريج مرحلة عليا من المدرسة الوطنيّة للإدارة، متحصل على ماجستير في الحوكمة ومكافحة الفساد وماجستير في مجال التشريعات والقوانين وقد شغلت عديد الوظائف السامية في الدولة انطلاقا من وزارة الصحة إلى رئاسة الحكومة أين عملت في مهمة مكلف بمأمورية بديوان رئيس الحكومة وكذلك بديوان وزارة الدفاع الوطني. كما اشتغلت على عديد الملفات المرتبطة بحوكمة القطاع العام وإصلاح الإدارة وحوكمة قطاع الأمن وقطاع الدفاع.
كما كانت لي عديد المقالات المنشورة في مجال الأخلاقيات والحوكمة في القطاع العام.
*وماذا عن المهمة الجديدة كرئيس لمؤسسة "فداء"؟
يمكن القول إنّ مؤسسة فداء من أنبل المهمات التي كلفت بها إلى حد الآن وأود أن أشكر سيادة رئيس الجمهوريّة على هذه الثقة الكبرى التي منحني إيّاها في أحد من أهمّ المشاريع والبرامج التي أعلن عنها وهي مؤسسة عموميّة ومرفق عامّ يعتبر مكسبا مهّما للبلاد تبرز العلاقة الإنسانيّة بين الدولة ومن ضحوا من أجلها لتكون بمثابة الاعتراف بالجميل لهم وبمثابة العقد الجديد بين الدولة ومواطنيها لتتجاوز بذلك تكريم ورد الاعتبار لضحايا العمليات الإرهابية أو أولي الحق من شهداء الثورة وجرحاها لتمثل رسالة إيجابية لكل من يضحي من أجل وطنه وبلاده.
*أين وصلتم في مرحلة التأسيس؟
طبعا أصعب المراحل في تاريخ المؤسسات هي الفترات الأولى حيث لابدّ أن تنتقل من مجرّد فكرة وإطار قانوني إلى معايشة الواقع ومقارنة النص القانوني بالوضعيات المختلفة للمعنيين بخدمات المؤسسة ولا بدّ من قرارات وشروع في التنفيذ وإلا ستبقى الأمور معلقّة خاصّة وأنّ الإطار القانوني لمؤسسة فداء يتقاطع مع عمل عديد الهياكل العموميّة الأخرى ولم يتضمن إجراءات تطبيقية مفصله.
ورغم التحديات والصعوبات فإنّه يمكن القول إنّ المؤسسة بدأت في الخطوات العمليّة والفعليّة وبدأنا نتجاوز مرحلة التأسيس إلى مرحلة الإنجاز وتقديم الحقوق إلى أصحابها.
*كيف تعاملتم مع هذه المرحلة؟
تعاملنا مع مؤسسة فداء باعتبارها رسالة إنسانية نبيلة وبمنطق الإيفاء بالعهد، فالرسالة التي أوصاني بها السيد رئيس الجمهورية عند تسميتي هي أنّ مؤسسة فداء أمانة ولذلك اخترنا لها كشعار للمؤسسة "أمانة، إخلاص، وفاء" وهي عبارات بمثابة مدونة السلوك والقيم التي يتبناها إطارات وأعوان المؤسسة.
وفي الحقيقة فإن الانطلاقة كانت من خلال فريق عمل تأسيسي من مختلف الوزارات التي تفاعلت إيجابيا وساندت المؤسسة ووفرت لها الدعم حتى نتمكن من القيام بكل تلك الأعمال. والإطارات الذين ساهموا في الأعمال كان أغلبهم متطوعا، إيمانا منهم بأهمية هذا المشروع وأهدافه. ولم يكن تعاملنا مع الموضوع بالطريقة الإدارية التقليدية أو بمنطق الوظيفة بل مشروع مرتبط بأهداف يجب تحقيقها.
*للتذكير.. من هم أصحاب الحقوق والمنتفعون بخدمات المؤسسة؟
لا بدّ من التوضيح هنا أن المرسوم عدد 20 لسنة 2022 حدّد المنتفعين بخدمات المؤسسة بصفة صريحة حتّى لا تتداخل المهام مع هياكل أخرى وهم ينقسمون إلى مجموعتين:
ضحايا العمليّات الإرهابية:
من العسكريين وأعوان قوات الأمن الداخلي والديوانة ويقصد بهم أولي حق من شهداء العمليّات الإرهابيّة والذين سماهم المرسوم" مكفولي الوطن" وهم قرين شهيد الوطن وأبناؤه ووالداه وفي صورة عدم وجودهم يمكن أن تشمل الحقوق إخوته وأخواته وكذلك مصابي الاعتداءات الإرهابيّة من الأسلاك المذكورة.
لو تُقدّم لنا الحقوق والمنافع لهذه المجموعة؟
في الحقيقة الموضوع يتطلب شرحا طويلا ومفصلا ولكن يمكن القول إجمالا أنّ هناك حقوقا ومنافع بمقتضى نصوص سابقة تمت المحافظة عليها تمّ تطويرها نوعيّا بمقتضى مرسوم مؤسسة فداء.
كما أنّ الإحاطة بضحايا العمليّات الإرهابيّة بقيت في بعض الجوانب مشتركة مع هياكل إدارتهم الأصليّة من ذلك إعادة بناء المسار المهني لشهيد الوطن وتمكين ذوي الحقوق من الجراية المقابلة التي تتعهّد بها الوزارة المعنيّة في حين تتكفّل مؤسسة فداء بأبناء شهداء الوطن من جميع النواحي (منح مدرسيّة، سكن مدرسي، سكن جامعي...) إضافة إلى العمل على توفير مساكن اجتماعية بالنسبة لأولي الحق من شهداء العمليّات الإرهابية وكذلك الجرحى الذين تتجاوز نسبة السقوط البدني الخاصّة بهم 50 بالمائة في صورة عدم ملكية مسكن وهناك تقدم في هذا الموضوع قامت به المؤسسة بالتنسيق مع الهياكل المعنيّة.
كما يمنح المرسوم إمكانيّة تمتيع مصابي العمليّات الإرهابيّة الذين لا تحول الإصابة دون مواصلة ممارسة مهامهم وكذلك أرامل شهداء الوطن من الأعوان العموميين الذين لهم أبناء في الكفالة بتوقيت عمل خاص يراعي طبيعة الإصابة أو الحالة النفسيّة للعائلة دون أن يكون لذلك تأثير على المرتب، باتفاق بين مؤسسة فداء والجهة المشغلة وهنا لا بدّ من الإشارة الى أنّ بعض الهياكل استجابت وقامت بتطبيق القانون وهناك من لا يزال مترددا في كيفيّة تطبيق هذا الإجراء وهنا لا بدّ من القول إنّه لا يمكن المزايدة على التضحيات بالنسبة للمرأة التي فقدت قرينها وترك لها أبناء فأضعف الإيمان أن تراعى وضعيتها النفسية والعائلية وتمكينها من توقيت عمل خاص.
*وماذا بشأن المجموعة الأخرى؟
أولي الحق من شهداء الثورة وجرحاها:
المرسوم كان دقيقا بخصوص هذه القائمة كذلك فهم أولي حق شهداء الثورة الذّين استشهدوا في الفترة بين 17 ديسمبر 2010 و28 فيفري 2011 والذين وردت أسماؤهم في القائمة الصادرة بالرائد الرسمي عدد 19 سنة 2011 وعددهم 129 شهيد وكذلك جرحى الثورة البالغ عددهم 634 جريح.
*وهل هي قائمة نهائيّة بالنسبة إليكم؟
نحن لم نتدخل في ضبط القائمة ونعمل وفق ما كلفنا به القانون وقد طال الانتظار لصدور هذه القائمة وفي كل الحالات لابد أن نمر الى العمل والانجاز وتركيز المؤسسة حتى تضمن إيصال الحقوق الى مستحقيها كما أنّ القانون ترك المجال مفتوحا لتعديل القائمة وفق أحكام قضائيّة وقد صدرت فعلا أحكام لفائدة بعض الجرحى لإضافتهم لتلك القائمة وستقوم المؤسسة بإضافتهم ودعوتهم لتقديم بياناتهم لتمكينهم من الحقوق والمنافع الواردة بالمرسوم مثل بقيّة الجرحى.
*كيف وجدتم هذا الملف وكيفيّة إدارته في الفترة السابقة خاصّة وأنّ الموضوع يعود إلى سنة 2011؟
بصراحة وحسب ما أفاد به الجرحى فإن الاهتمام بعائلات شهداء الثورة والجرحى طغى عليه الجانب المناسباتي والظرفي فالإحاطة في المناسبات والأعياد والمنح الظرفيّة بحيث تركوهم في وضعيّة هشاشة ولم تكن هناك رؤية وإرادة سياسية واضحة في هذا الموضوع.
بالرغم في صدور قانون استثنائي في سنة 2012 تم بموجبه انتداب عديد الجرحى في الوظيفة العموميّة بصفة استثنائيّة كما تمّ تمكينهم من منحة ظرفية على جزأين إلا أنّه ليس كل من صدرت أسماؤهم في قائمة الجرحى لديهم وظيفة قارة فقد تبين من خلال التعامل معهم بصفة مباشرة والاستماع الى مشاغلهم وجود وضعيّات صحيّة تتطلب المتابعة والإحاطة ووضعيّات اجتماعيّة كثيرة تتطلب منا التدخل والوقوف الفوري إلى جانبهم، فرّد الاعتبار وتحقيق كرامتهم يتطلب توفير مورد مالي دائم بعيدا عن الطبيعة المناسباتيّة والظرفيّة.
ومن هنا كان العمل على تحديد أولوياتنا من خلال الاستجابة إلى بعض الوضعيات والحالات الاجتماعية بصفة مستعجلة ثم إنّ المؤسسة ليست بلجنة وقتية ولا تقاس أعمال المؤسسات بأشهر معدودات بل سنعمل على تطوير المنافع وشمولها لكل الجرحى أما في هذه المرحلة لا بدّ من إجراءات عاجلة وممكنة التطبيق مثل منح الأبناء الدراسية والجامعية والجرايات نظرا لمفعولها المباشر على وضعية العائلة وتحسين مستوى معيشتها.
هناك من يدعو إلى العودة إلى القانون عدد 26 سنة 2012 وتطبيقه ويرى أنّه ليس هناك حاجة إلى المرسوم عدد 20 لسنة 2022 ولمؤسسة فداء، فما رأيكم؟
رغم أنّي لا أريد الخوض في هذا الموضوع لأنّ المؤسسة منفتحة على الجميع وعلى كل الأفكار والاقتراحات التي يمكن أن تقدّم وتضيف في مجال الإحاطة بعائلات شهداء الثورة وجرحاها على قدر تضحياتهم إلا أنّه عندما نسمع مثل هذا الكلام نتساءل هل هناك من يدفع الى حرمان أولي حق شهداء الثورة وجرحاها من حقوقهم ومن المكاسب التي تحققت لهم بمقتضى الإطار القانوني الجديد.
فتقنيا ليس هناك قانون مستقل بذاته سنة 2012 بل هو تنقيح للمرسوم عدد 97 لسنة 2011 الذي لا يزال ساري المفعول إلى حد الآن بما لا يتعارض مع المرسوم الجديد وفعلا قمنا بتطبيقه في تحديد قائمة المنتفعين بجرايات أولي حق شهداء الثورة وكذلك إعفاء الجرايات التي ستسند لفائدة جرحى الثورة وكذلك جرايات أولي الحق من شهدا الثورة من الأداء.
والعودة إلى مرسوم 97 لسنة 2011 يعني التخلي عن المنح المدرسيّة والجامعيّة وحق الأولويّة في برامج السكن الاجتماعي والمساعدة على بعث المشاريع وبرامج الإدماج المهني وتسهيل الإجراءات الإدارية بالنسبة للمنتفعين بخدمات المؤسسة.
*تحدّثتم عن الجرايات والمنح وبرامج السكن الاجتماعي وهي ملفات كبرى والفترة وجيزة فأين وصلتم؟
صحيح أنّ الفترة وجيزة وقد جرت العادة أن يقع تخصيص مدّة أطول إلى مرحلة التأسيس خاصّة في ظل الإجراءات الإداريّة التي تتسم بالتعقيد إلا أنّ الإرادة القويّة والدعم من قبل أعلى هرم السلطة جعلت المؤسسة تخطو خطوات هامة في مجال الاستعداد لتقديم الحقوق إلى أصحابها.
فبطاقات المنح المدرسيّة والجامعيّة جاهزة وسنشرع في توزيعها نهاية هذا الأسبوع مع مبالغ مالية بمفعول رجعي منذ شهر سبتمبر ولكن على دفعات بحسب تاريخ تقديم الوثائق كما تمّ الشروع في صرف جرايات جرحى الثورة الذين تتوفر فيهم شروط الاستحقاق طبق أحكام المرسوم.
هناك عمل كبير متواصل مع مختلف الولايات لإنهاء وإتمام قاعدة المعطيات حتى تصل الحقوق الى أصحابها.
كما يشهد ملف حق الأولوية في المساكن الاجتماعية تقدما على مستوى مختلف الولايات ولم يسبق أن حظي الموضوع بهذه الجدية.
*هل المرسوم قابل للتعديل أو التطوير وخاصة الفصل 37 منه؟
القانون وسيلة عمل وليس غاية في ذاته وكل شيء قابل للتطوير المهم أن تتكاتف الجهود ونرسي مناخا من الثقة حتى يعود للدولة بريقها في الإيفاء بتعهداتها. كما أنّه لابد من الإشارة أن هناك إرادة قوية وصادقة في الإحاطة بضحايا العمليات الإرهابية وكذلك أولي الحق من شهداء الثورة وجرحاها، ولذلك لن تكون الأيام القادمة إلا طالع خير عليهم وستعمل المؤسسة بكل ما في وسعها لضمان حسن الإحاطة بهم. وستعمل المؤسسة في المرحلة القادمة على محيطها الوطني والدولي بما يضمن إبرام شراكات مع مختلف الهياكل والمنظمات الوطنية والمؤسسات البحثية قصد إحياء الذكرى وتنظيم التظاهرات سواء المرتبطة بتكريم ضحايا العمليات الإرهابية ورد الاعتبار لهم أو بأولي الحق من شهداء الثورة وجرحاها.