جاء في مجلة "هنا تونس" لشهر ماي 1952 والتي كانت تصدر عن إذاعة تونس البريدية وتنشر برامج الإذاعة العربية أنه "في موفى سنة 1954ستقوم بشارع باريس(الحرية حاليا) وركن نهج كليبير (الكويت حاليا) عمارة شاهقة ذات ثلاثة طوابق تتسع لإيواء مختلف المصالح المتفرّقة الآن. وستوضع أربعة استوديوهات تحت تصرّف كل من القسمين العربي والفرنسي وتكون تلك الغرف ذات اتساعات مختلفة تتلاءم ونوع الإذاعة. وبفضل تشييد أستوديو كبير سيتسنى انتصاب أكبر التخوت لتشنيف الأسماع وسيكون ذلك الأستوديو مجهزا في شكل قاعة ترفيه، ولكل قسم أن يتحف فيه العموم بحفلات إذاعيةحسبما يرتئيه". وأعلنت ذات المجلة أنه في غضون سنة 1955 سيبدأ العمل بقاعة التلفزة وأخرى للتلفزة السينمائية ؟.
وإذا كانت البناية جاهزة في الموعد لاحتضان دار الإذاعة فإن التلفزة تأخر إنجازها ربما لأن الاستقلال الداخلي تمفي ذات العامفكان السبب في إبطال المشروع.وقد تأكدنا من ذلك عندما قمنا برحلة شبابية إلى الجزائر المستقلّة حديثا عام 1963 وزرنا المحطة الجهوية للتلفزيون واستوديوهاتها بمدينة "قسنطينة"علما بأن التلفزة الجزائرية انطلقت في ديسمبر من عام 1954وهي آنذاك مستعمرة استيطانية فرنسية.
ظلت الإذاعة الرسمية حتى انتقالها إلىالمقر الجديد في14 أكتوبر1954تبث من مقرها الكائن بساحة المكتب الإسرائيلي (العُملة حاليا) المؤلف من ثلاثة استوديوهات فقط من بينها أستوديو واحد يتوفر فيه الاتساع الملائم وتقوم فيها المصالح العربية والفرنسية بالتمارين والتسجيلات وإذاعة البرامج. كانت ظروف المكان لا توفّر استقبال جوق موسّع باستثناء أوركسترا المحطة الذي يديره مدير الكنسرفتوار وتركيبته متوسطة العدد لكن البناية الجديدة باستوديوهاتها المتسعة ساهمت في تغيير ملامح الموسيقى والغناء بصفة تدريجية.
في آخر يوم من فيفري 1957 وبعد بضعة أشهر من ميلاد الجمهورية ولدت فرقة الإذاعة التي سمّيت في الأول فرقة المحطة وضمت أغلب الموسيقيين العاملين في المجال بغثّهم وسمينهم الذين لا يحترفون صنعة أخرى أو خيّروا العمل بالإذاعة على مهنتهم الأصلية.
والحقيقة أننا لا نملك معلومات عن كيفية انتدابهم سوى أن الذين أدركناهم من الأوائل كانوا على قدر متفاوت من التكوين والثقافة. فمن الجيل الأول نذكرالمنجي حمزة (بوعبدة) الذي كان حُجة في الأدوار والموشحات الشرقية إلى جانب ثقافته الموسوعية ومحمد الزهروني عازف الكلارينات والملحن (اسم الله عليك) والإداري ونّاس كريّم اللذين كانوا يُحسنون القراءة الموسيقية والتدوين وبالڤاسمعمّار عازف الكمان بالممارسة والمتميز بالأسلوب التونسي العتيق.
ضمت الفرقة منذ بداياتها المشهور ينفي مجالهم من العازفين والمغنين والملحنين أمثال رضا القلعي (كمان) وأخيه أحمد (عود) وقدّور الصرارفي(كمان) وحسن الغربي (قانون) وعبد الحميد بلعلجية (ناي) وتولى الإشراف على التسجيل بالأستوديو المطرب الهادي الجويني والعوّاد علي السريتي. لكن الضرورة العملية أوجبت تقسيمها إلى ثلاثة: الفرقة الأولى وتضم العازفين بالنوتة والمختصة بتنفيذ الأعمال الكبرى والفرقة الثانية التي لا يحسن أعضاءها القراءة الموسيقية ويعزفون من الذاكرة (دمغي) وترافق الأغاني الخفيفة والسهلة ثم المجموعة الصوتية التي تضم إلى جانب المنشدين عددا من المطربين المعتمدين مثل أحمد حمزة ومصطفى الشرفي ومحمد الأحمرومحمد أحمد وعلية ونعمة.
تنضّم العمل الموسيقي صلب قسم إداري يشرف عليه الملحّن عبد الحميد السلايتي صهر المدير العام آنذاك السياسي والدبلوماسي بشير المهذّبي (1912-1987) ثم تلاه الموسيقار محمد سعادة (1937-2005) فالمعتمد المخلوع نور الدين الفتني ثم عازف العود عليالسريتي (1919-2007) ومن بعده عبد الحميد بلعلجية (1931-2006). وأثناء الفترة ما بين جانفي1976 وأكتوبر 1977 أسسنا بالتلفزيون مصلحة للموسيقى منفصلة عن الإذاعة ومستقلة بفرقتها أشرفنا على إدارتها ثم انسحبنا منها وزالت حين تبيّن أنها كانت جسما أجنبيا في هيكل متكلّس لا يقبل الشراكة.
كان ديدن الإذاعة منذ البدء التأكيد على الخصوصية التونسية ومحاولة التملّص من عمقها العربي بدعم أكيد من الإدارة السياسية الحاكمة التي كانت تدعوإلى ذلك خصوصا على مستوى التعبير الفني لغةً وموسيقى. فمنذ اليوم الأول تمت دعوة قيدوم الفنانين الشيخ خميّس الترنان للإشراف على مجموعة المنشدين بمساعدة الشيخ الهاوي عبد الرحمان المهدي لتلقين سِجلّ التراث الغنائي الأندلسي الذي يُحييه معهد الرشيدية، كما تمت الاستعانة ببعض أساطين الفن التقليدي المصري الزائرين كعازف القانون فهمي عوض وعازف الكمان عطية شرارة والملحّن عبد العزيز محمد وذلك لتلقين الموشحات والأدوار الشرقية التي تعتبر قاعدة أساسية لفهم أدوات الموسيقى العربية.
(يتبع)
جاء في مجلة "هنا تونس" لشهر ماي 1952 والتي كانت تصدر عن إذاعة تونس البريدية وتنشر برامج الإذاعة العربية أنه "في موفى سنة 1954ستقوم بشارع باريس(الحرية حاليا) وركن نهج كليبير (الكويت حاليا) عمارة شاهقة ذات ثلاثة طوابق تتسع لإيواء مختلف المصالح المتفرّقة الآن. وستوضع أربعة استوديوهات تحت تصرّف كل من القسمين العربي والفرنسي وتكون تلك الغرف ذات اتساعات مختلفة تتلاءم ونوع الإذاعة. وبفضل تشييد أستوديو كبير سيتسنى انتصاب أكبر التخوت لتشنيف الأسماع وسيكون ذلك الأستوديو مجهزا في شكل قاعة ترفيه، ولكل قسم أن يتحف فيه العموم بحفلات إذاعيةحسبما يرتئيه". وأعلنت ذات المجلة أنه في غضون سنة 1955 سيبدأ العمل بقاعة التلفزة وأخرى للتلفزة السينمائية ؟.
وإذا كانت البناية جاهزة في الموعد لاحتضان دار الإذاعة فإن التلفزة تأخر إنجازها ربما لأن الاستقلال الداخلي تمفي ذات العامفكان السبب في إبطال المشروع.وقد تأكدنا من ذلك عندما قمنا برحلة شبابية إلى الجزائر المستقلّة حديثا عام 1963 وزرنا المحطة الجهوية للتلفزيون واستوديوهاتها بمدينة "قسنطينة"علما بأن التلفزة الجزائرية انطلقت في ديسمبر من عام 1954وهي آنذاك مستعمرة استيطانية فرنسية.
ظلت الإذاعة الرسمية حتى انتقالها إلىالمقر الجديد في14 أكتوبر1954تبث من مقرها الكائن بساحة المكتب الإسرائيلي (العُملة حاليا) المؤلف من ثلاثة استوديوهات فقط من بينها أستوديو واحد يتوفر فيه الاتساع الملائم وتقوم فيها المصالح العربية والفرنسية بالتمارين والتسجيلات وإذاعة البرامج. كانت ظروف المكان لا توفّر استقبال جوق موسّع باستثناء أوركسترا المحطة الذي يديره مدير الكنسرفتوار وتركيبته متوسطة العدد لكن البناية الجديدة باستوديوهاتها المتسعة ساهمت في تغيير ملامح الموسيقى والغناء بصفة تدريجية.
في آخر يوم من فيفري 1957 وبعد بضعة أشهر من ميلاد الجمهورية ولدت فرقة الإذاعة التي سمّيت في الأول فرقة المحطة وضمت أغلب الموسيقيين العاملين في المجال بغثّهم وسمينهم الذين لا يحترفون صنعة أخرى أو خيّروا العمل بالإذاعة على مهنتهم الأصلية.
والحقيقة أننا لا نملك معلومات عن كيفية انتدابهم سوى أن الذين أدركناهم من الأوائل كانوا على قدر متفاوت من التكوين والثقافة. فمن الجيل الأول نذكرالمنجي حمزة (بوعبدة) الذي كان حُجة في الأدوار والموشحات الشرقية إلى جانب ثقافته الموسوعية ومحمد الزهروني عازف الكلارينات والملحن (اسم الله عليك) والإداري ونّاس كريّم اللذين كانوا يُحسنون القراءة الموسيقية والتدوين وبالڤاسمعمّار عازف الكمان بالممارسة والمتميز بالأسلوب التونسي العتيق.
ضمت الفرقة منذ بداياتها المشهور ينفي مجالهم من العازفين والمغنين والملحنين أمثال رضا القلعي (كمان) وأخيه أحمد (عود) وقدّور الصرارفي(كمان) وحسن الغربي (قانون) وعبد الحميد بلعلجية (ناي) وتولى الإشراف على التسجيل بالأستوديو المطرب الهادي الجويني والعوّاد علي السريتي. لكن الضرورة العملية أوجبت تقسيمها إلى ثلاثة: الفرقة الأولى وتضم العازفين بالنوتة والمختصة بتنفيذ الأعمال الكبرى والفرقة الثانية التي لا يحسن أعضاءها القراءة الموسيقية ويعزفون من الذاكرة (دمغي) وترافق الأغاني الخفيفة والسهلة ثم المجموعة الصوتية التي تضم إلى جانب المنشدين عددا من المطربين المعتمدين مثل أحمد حمزة ومصطفى الشرفي ومحمد الأحمرومحمد أحمد وعلية ونعمة.
تنضّم العمل الموسيقي صلب قسم إداري يشرف عليه الملحّن عبد الحميد السلايتي صهر المدير العام آنذاك السياسي والدبلوماسي بشير المهذّبي (1912-1987) ثم تلاه الموسيقار محمد سعادة (1937-2005) فالمعتمد المخلوع نور الدين الفتني ثم عازف العود عليالسريتي (1919-2007) ومن بعده عبد الحميد بلعلجية (1931-2006). وأثناء الفترة ما بين جانفي1976 وأكتوبر 1977 أسسنا بالتلفزيون مصلحة للموسيقى منفصلة عن الإذاعة ومستقلة بفرقتها أشرفنا على إدارتها ثم انسحبنا منها وزالت حين تبيّن أنها كانت جسما أجنبيا في هيكل متكلّس لا يقبل الشراكة.
كان ديدن الإذاعة منذ البدء التأكيد على الخصوصية التونسية ومحاولة التملّص من عمقها العربي بدعم أكيد من الإدارة السياسية الحاكمة التي كانت تدعوإلى ذلك خصوصا على مستوى التعبير الفني لغةً وموسيقى. فمنذ اليوم الأول تمت دعوة قيدوم الفنانين الشيخ خميّس الترنان للإشراف على مجموعة المنشدين بمساعدة الشيخ الهاوي عبد الرحمان المهدي لتلقين سِجلّ التراث الغنائي الأندلسي الذي يُحييه معهد الرشيدية، كما تمت الاستعانة ببعض أساطين الفن التقليدي المصري الزائرين كعازف القانون فهمي عوض وعازف الكمان عطية شرارة والملحّن عبد العزيز محمد وذلك لتلقين الموشحات والأدوار الشرقية التي تعتبر قاعدة أساسية لفهم أدوات الموسيقى العربية.