بشير الجويني لـ"الصباح": القدرة على بلورة مقاربات عملية هو المحدد للعلاقات الدولية مستقبلا
تونس – الصباح
تجددت الدعوات الموجهة إلى الجهات الرسمية في تونس مطالبة بمراجعة بلادنا لسياستها الخارجية خاصة فيما يتعلق بعلاقاتها مع بعض بلدان الاتحاد الأوروبي مقابل الدعوة إلى التوجه إلى إفريقيا والصين، وعودة الجدل بذلك حول بعض المسائل والمقاربات التي لها تأثير مباشر وغير مباشر في طبيعة العلاقة بين بلادنا من جهة بلدان الضفة الشمالية للبحر الأبيض الموسط من جهة ثانية وما تطرحه من مراجعة شاملة للاتفاقات وبرامج الشراكة والتعاون في مختلف المجالات لعل آخرها ما توجه به بعض نواب البرلمان منذ يومين إلى وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج نبيل عمار أثناء حضوره بقصر باردو، مناقشة ميزانية الوزارة، من مطالبة بمراجعة علاقة تونس مع الاتحاد الأوروبي وبعض البلدان الأوروبية تحديدا مقابل انفتاح الدبلوماسية التونسية على علاقات ومحاور جديدة في ظل ما يعرفه العالم اليوم من تغيرات جيوإستراتيجية وسياسية.
يأتي ذلك في الوقت الذي يخيم فيه شبه "فتور" على العلاقات القائمة بين الجانبين التونسي والأوروبي بعد أن حقق الطرفان تقاربا كبيرا وسريعا خلال الصائفة المنقضية إثر دخول السلطات التونسية مع نظرائها من بلدان أوروبية وفي مقدمتها إيطاليا، وبتزكية من الاتحاد الأوروبي، في ماراطون من اللقاءات الرسمية توجت في مرحلة أولى بإبرام اتفاقات بالجملة وصفها الطرفان في بيان مشترك صدر في الغرض بـ"حزمة شراكة شاملة".
لكن وفي الوقت الذي اتجه فيه الطرفان لتفعيل البرامج والاتفاقات المبرمة بينهما، بدأت بوادر وعوامل "فشلها" تطفو على سطح الأحداث بعد أشهر قليلة. لتتوقف المفاوضات والمشاورات وتتعثر برامج ومشاريع التعاون والشراكة المزمع تنفيذها رغم مراهنة الطرفين عليها لحلحلة بعض الأزمات وإيجاد حلول للأوضاع المتردية لاسيما في مستوى اقتصادي واجتماعي في تونس في ظل عدم موافقة صندوق النقد الدولي على منح بلادنا القرض الذي طال انتظاره، وتفاقم أزمة الهجرة غير النظامية وتداعياتها السلبية في الفضاء الأوروبي، فضلا عن الاتفاق المتعلق بمراجعة الاتفاقات الاقتصادية والتجارية بين الجانبين التونسي والأوروبي وتنزيل ذلك من قبل المتابعين لشؤون السياسية والوطنية في سياق السعي لإعادة الاعتبار للسيادة الوطنية ومن ثمة العمل على ترجيح كفة موازين القوى.
وفسر بشير الجويني، الباحث المختص في العلاقات الدولية تكرر مثل هذه الدعوات في حديثه حول المسألة لـ"الصباح"، بأن تونس لها عدة نقاط قوة إيجابية تحسب لها في سياستها الخارجية خاصة مع شركائها الاستراتيجيين. وهو ما اعتبره مقياسا محددا لعلاقة بلادنا مع هؤلاء بما في ذلك بلدان الاتحاد الأوروبي وغيرها من البلدان الأخرى.
واعتبر محدثنا ما يشهده العالم من تطورات وأحداث خاصة على مستوى إقليمي من شأنه أن يؤثر على سياسة الدولة الخارجية وتكون له تداعياته على مستقبل علاقاتها إقليميا ودوليا. لكن ذلك، يشترط حسب رأي الجويني مدى قدرة الجهات الرسمية على تحويل تلك النقاط الإيجابية ونقاط القوة إلى فعل وبرامج كفيلة بتحقيق الفائدة المرجوة للدولة.
ويذكر أن وزير الشؤون الخارجية أكد في نفس المناسبة تحت قبة البرلمان "أن تونس ترفض أن تكون حارسا لحدود أي دولة، باعتبار أن هذه المسألة شكلت العامل المتحكم في مسار الحوار والاتفاقات المعلقة المبرمة بين تونس وبلدان الضفة الشمالية للمتوسط.
وكان رئيس الجمهورية قيس سعيد قد أكد في عديد المناسبات على تمسك بلادنا بسياسة "ندية" في سياستها الخارجية. وهو تقريبا نفس العامل الذي دفعه في بداية أكتوبر الماضي لاتخاذ قرار رفض مساعدة مالية قرر الاتحاد الأوروبي منحها لبلادنا في إطار اتفاق لمكافحة الهجرة غير النظامية. وعلل سعيد هذا الرفض "ليس لزهد المبلغ، بل لأن هذا المقترح يتعارض مع مذكرة التفاهم التي تم توقيعها في تونس، ومع الروح التي سادت أثناء مؤتمر روما في جويلية الماضي والذي كان بمبادرة تونسية-إيطالية". خاصة أن بلادنا تراهن على مواصلة البحث عن سبل تطوير وتفعيل ما جاء في مذكرة التفاهم الشاملة تلك لكن وفق رؤية ومقاربة تخدم المصلحة الوطنية على جميع المستويات.
كما أثار قرار تونس رفض دخول عدد من البرلمانيين الأوروبيين إلى بلادنا في منتصف سبتمبر الماضي جدلا واسعا على مستويين وطني ودولي على اعتبار علاقة ذلك بتعثر الاتفاقات بين الجانبين التونسي والأوروبي وتواتر ردود الأفعال والتصريحات من عدة جهات أوروبية، فيما رحب البعض الآخر بالموقف التونسي واعتبره تأكيدا لتعافي سياستها الخارجية ومساعيها لاستعادة قوتها وقدرتها على التمسك بسيادتها وقرارها الوطني، إلا أن البعض الآخر انتقد تلك الخيارات، إذ اعتبر وزير الخارجية السابق أحمد ونيس ذلك الموقف بالمفاجئ نظرا لتناقضه مع ركائز السياسة الخارجية لتونس المبنية على الحوار ومد جسور التواصل مع الشركاء لاسيما الاتحاد الأوروبي.
في المقابل تواصل بلادنا توسيع دائرة اتفاقاتها الثنائية مع الجانب الإيطالي بعد إبرام جملة من الاتفاقات في نهاية أكتوبر الماضي في مجالات فلاحية وتشغيلية وفضلا عن توقيع اتفاق تونسي إيطالي لوضع إطار قانوني للهجرة. خاصة أن رئيس الجمهورية يراهن على المرور إلى مرحلة العمل والتفعيل لما ورد في مذكرة التفاهم التونسية الأوروبية نظرا لمزايا ذلك على الجانب التونسي في المدى القصير والمدى البعيد أيضا.
ويرى البعض الآخر أنه من شأن اختلاف المواقف الدولية من تطورات الوضع في فلسطين بعد تواصل الاعتداءات الوحشية والمجازر المرتكبة من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي على غزة للشهر الثاني على التوالي ودعم بعض البلدان الأوروبية بما في ذلك تلك التي كانت تروج لانتصارها للديمقراطية وحقوق الإنسان للحرب الصهيونية، أن يؤثر على مستقبل العلاقات ويلقي بثقله على الاتفاقات والمشاريع المزمع إقامتها. باعتبار أن سياسة تونس الخارجية اختارت منذ البداية الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني واعتبرتها قضية عادلة في إطار الانتصار لحقوق الشعوب وحقوق الإنسان ورفض الاحتلال في المقابل كانت فرنسا وألمانيا وعدة بلدان أوروبية وغربية أخرى تدعم قوات الاحتلال في هذه الحرب رغم حالة الرفض الواسعة في الشارع العالمي.
ويرى الباحث في العلاقات الدولية في هذا السياق أن حرب الاحتلال الإسرائيلي على غزة وما عرفته من تغير في المواقف الدولية من شأنه أن يؤثر على مستقبل العلاقات الدولية في المرحلة القادمة مؤكدا "العالم ما قبل 7 أكتوبر 2023 ليس كما هو في المرحلة ما بعدها ومن شان هذه السياسات والتغيرات أن تتبلور خلال المراحل القادمة بناء على ما يمكن تقديمه من مقاربات عملية من أي طرف كان تونسيا أو أوروبيا أو إفريقيا وعربيا".
نزيهة الغضباني
بشير الجويني لـ"الصباح": القدرة على بلورة مقاربات عملية هو المحدد للعلاقات الدولية مستقبلا
تونس – الصباح
تجددت الدعوات الموجهة إلى الجهات الرسمية في تونس مطالبة بمراجعة بلادنا لسياستها الخارجية خاصة فيما يتعلق بعلاقاتها مع بعض بلدان الاتحاد الأوروبي مقابل الدعوة إلى التوجه إلى إفريقيا والصين، وعودة الجدل بذلك حول بعض المسائل والمقاربات التي لها تأثير مباشر وغير مباشر في طبيعة العلاقة بين بلادنا من جهة بلدان الضفة الشمالية للبحر الأبيض الموسط من جهة ثانية وما تطرحه من مراجعة شاملة للاتفاقات وبرامج الشراكة والتعاون في مختلف المجالات لعل آخرها ما توجه به بعض نواب البرلمان منذ يومين إلى وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج نبيل عمار أثناء حضوره بقصر باردو، مناقشة ميزانية الوزارة، من مطالبة بمراجعة علاقة تونس مع الاتحاد الأوروبي وبعض البلدان الأوروبية تحديدا مقابل انفتاح الدبلوماسية التونسية على علاقات ومحاور جديدة في ظل ما يعرفه العالم اليوم من تغيرات جيوإستراتيجية وسياسية.
يأتي ذلك في الوقت الذي يخيم فيه شبه "فتور" على العلاقات القائمة بين الجانبين التونسي والأوروبي بعد أن حقق الطرفان تقاربا كبيرا وسريعا خلال الصائفة المنقضية إثر دخول السلطات التونسية مع نظرائها من بلدان أوروبية وفي مقدمتها إيطاليا، وبتزكية من الاتحاد الأوروبي، في ماراطون من اللقاءات الرسمية توجت في مرحلة أولى بإبرام اتفاقات بالجملة وصفها الطرفان في بيان مشترك صدر في الغرض بـ"حزمة شراكة شاملة".
لكن وفي الوقت الذي اتجه فيه الطرفان لتفعيل البرامج والاتفاقات المبرمة بينهما، بدأت بوادر وعوامل "فشلها" تطفو على سطح الأحداث بعد أشهر قليلة. لتتوقف المفاوضات والمشاورات وتتعثر برامج ومشاريع التعاون والشراكة المزمع تنفيذها رغم مراهنة الطرفين عليها لحلحلة بعض الأزمات وإيجاد حلول للأوضاع المتردية لاسيما في مستوى اقتصادي واجتماعي في تونس في ظل عدم موافقة صندوق النقد الدولي على منح بلادنا القرض الذي طال انتظاره، وتفاقم أزمة الهجرة غير النظامية وتداعياتها السلبية في الفضاء الأوروبي، فضلا عن الاتفاق المتعلق بمراجعة الاتفاقات الاقتصادية والتجارية بين الجانبين التونسي والأوروبي وتنزيل ذلك من قبل المتابعين لشؤون السياسية والوطنية في سياق السعي لإعادة الاعتبار للسيادة الوطنية ومن ثمة العمل على ترجيح كفة موازين القوى.
وفسر بشير الجويني، الباحث المختص في العلاقات الدولية تكرر مثل هذه الدعوات في حديثه حول المسألة لـ"الصباح"، بأن تونس لها عدة نقاط قوة إيجابية تحسب لها في سياستها الخارجية خاصة مع شركائها الاستراتيجيين. وهو ما اعتبره مقياسا محددا لعلاقة بلادنا مع هؤلاء بما في ذلك بلدان الاتحاد الأوروبي وغيرها من البلدان الأخرى.
واعتبر محدثنا ما يشهده العالم من تطورات وأحداث خاصة على مستوى إقليمي من شأنه أن يؤثر على سياسة الدولة الخارجية وتكون له تداعياته على مستقبل علاقاتها إقليميا ودوليا. لكن ذلك، يشترط حسب رأي الجويني مدى قدرة الجهات الرسمية على تحويل تلك النقاط الإيجابية ونقاط القوة إلى فعل وبرامج كفيلة بتحقيق الفائدة المرجوة للدولة.
ويذكر أن وزير الشؤون الخارجية أكد في نفس المناسبة تحت قبة البرلمان "أن تونس ترفض أن تكون حارسا لحدود أي دولة، باعتبار أن هذه المسألة شكلت العامل المتحكم في مسار الحوار والاتفاقات المعلقة المبرمة بين تونس وبلدان الضفة الشمالية للمتوسط.
وكان رئيس الجمهورية قيس سعيد قد أكد في عديد المناسبات على تمسك بلادنا بسياسة "ندية" في سياستها الخارجية. وهو تقريبا نفس العامل الذي دفعه في بداية أكتوبر الماضي لاتخاذ قرار رفض مساعدة مالية قرر الاتحاد الأوروبي منحها لبلادنا في إطار اتفاق لمكافحة الهجرة غير النظامية. وعلل سعيد هذا الرفض "ليس لزهد المبلغ، بل لأن هذا المقترح يتعارض مع مذكرة التفاهم التي تم توقيعها في تونس، ومع الروح التي سادت أثناء مؤتمر روما في جويلية الماضي والذي كان بمبادرة تونسية-إيطالية". خاصة أن بلادنا تراهن على مواصلة البحث عن سبل تطوير وتفعيل ما جاء في مذكرة التفاهم الشاملة تلك لكن وفق رؤية ومقاربة تخدم المصلحة الوطنية على جميع المستويات.
كما أثار قرار تونس رفض دخول عدد من البرلمانيين الأوروبيين إلى بلادنا في منتصف سبتمبر الماضي جدلا واسعا على مستويين وطني ودولي على اعتبار علاقة ذلك بتعثر الاتفاقات بين الجانبين التونسي والأوروبي وتواتر ردود الأفعال والتصريحات من عدة جهات أوروبية، فيما رحب البعض الآخر بالموقف التونسي واعتبره تأكيدا لتعافي سياستها الخارجية ومساعيها لاستعادة قوتها وقدرتها على التمسك بسيادتها وقرارها الوطني، إلا أن البعض الآخر انتقد تلك الخيارات، إذ اعتبر وزير الخارجية السابق أحمد ونيس ذلك الموقف بالمفاجئ نظرا لتناقضه مع ركائز السياسة الخارجية لتونس المبنية على الحوار ومد جسور التواصل مع الشركاء لاسيما الاتحاد الأوروبي.
في المقابل تواصل بلادنا توسيع دائرة اتفاقاتها الثنائية مع الجانب الإيطالي بعد إبرام جملة من الاتفاقات في نهاية أكتوبر الماضي في مجالات فلاحية وتشغيلية وفضلا عن توقيع اتفاق تونسي إيطالي لوضع إطار قانوني للهجرة. خاصة أن رئيس الجمهورية يراهن على المرور إلى مرحلة العمل والتفعيل لما ورد في مذكرة التفاهم التونسية الأوروبية نظرا لمزايا ذلك على الجانب التونسي في المدى القصير والمدى البعيد أيضا.
ويرى البعض الآخر أنه من شأن اختلاف المواقف الدولية من تطورات الوضع في فلسطين بعد تواصل الاعتداءات الوحشية والمجازر المرتكبة من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي على غزة للشهر الثاني على التوالي ودعم بعض البلدان الأوروبية بما في ذلك تلك التي كانت تروج لانتصارها للديمقراطية وحقوق الإنسان للحرب الصهيونية، أن يؤثر على مستقبل العلاقات ويلقي بثقله على الاتفاقات والمشاريع المزمع إقامتها. باعتبار أن سياسة تونس الخارجية اختارت منذ البداية الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني واعتبرتها قضية عادلة في إطار الانتصار لحقوق الشعوب وحقوق الإنسان ورفض الاحتلال في المقابل كانت فرنسا وألمانيا وعدة بلدان أوروبية وغربية أخرى تدعم قوات الاحتلال في هذه الحرب رغم حالة الرفض الواسعة في الشارع العالمي.
ويرى الباحث في العلاقات الدولية في هذا السياق أن حرب الاحتلال الإسرائيلي على غزة وما عرفته من تغير في المواقف الدولية من شأنه أن يؤثر على مستقبل العلاقات الدولية في المرحلة القادمة مؤكدا "العالم ما قبل 7 أكتوبر 2023 ليس كما هو في المرحلة ما بعدها ومن شان هذه السياسات والتغيرات أن تتبلور خلال المراحل القادمة بناء على ما يمكن تقديمه من مقاربات عملية من أي طرف كان تونسيا أو أوروبيا أو إفريقيا وعربيا".