إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

علي اليحياوي مدير مركز الفنون الدرامية بتطاوين لـ"الصباح": شروط الإبداع المسرحي أصبحت شاقة وغير مجدية !

تونس-الصباح

لئن كان التميز حليف المسرح التونسي في السنوات الأخيرة وذلك بشهادة ثلة من الناقدين والمهتمين بـ"أب الفنون"، باعتبار إنتاج العديد من الأعمال الراقية المتوجة محليا وعربيا، فإن الفن الرابع في تونس ما زال يشكو فراغا تشريعيا، ما من شأنه أن يحدث إشكالا على مستوى الإبداع والإنتاج بدليل أن الكثير من المسرحيين أنشأوا مؤسسات وأطرا خاصة للتكوين المسرحي ضمانا لاستقرارهم المادي، في ظل غياب قانون للفنان وعدم توفر سبل الابتكار والعمل المتواصل..

"الصباح" كان لها حديث مع الفنان المسرحي مدير مركز الفنون الدرامية بتطاوين علي اليحياوي للحديث عن أهم المعوقات التي تعترض المسرحيين وآخر التطورات فيما يخص قانون الفنان..

حاوره: وليد عبداللاوي

+بماذا تفسر ميل بعض المسرحيين إلى إنشاء مؤسسات خاصة للتكوين المسرحي مقابل العزوف عن الإنتاج ؟

- بالنسبة للمبدعين في الفن الفن الرابع، الوضع العام للمسرح في تونس غير مشجع  على الإنتاج والنشاط المسرحي المعتاد، ذلك أن شروط الإبداع أصبحت شاقة وغير مجدية ايضا.. ولأن الفنانين ليسوا كائنات فضائية فهم محتاجون لأن يضمنوا قوت يومهم كسائر المواطنين..

للأسف، جراء وضعية قطاع المسرح بالاساس يجد الكثير من الفنانين أنفسهم في ٱخر المطاف يعيشون الخصاصة حد التسول.. وأنا شخصيا أعرف العشرات ممن يعانون الفاقة خاصة اولائك المحرومين من وظائف وسند مادي..

لذلك لا لوم على اولئك الذين يفكرون في إنشاء مؤسسات خاصة وأطر معينة للتكوين المسرحي أو السينمائي لتحقيق العيش الكريم، شرط أن يكون مؤطرا ومراقبا في تكوينه علميا وبيداغوجيا.. ناهيك أن الوضع يزداد تعقيدا..

+وضع صعب جدا للمسرحيين رغم وجود طاقات ومواهب كبيرة في مجال الفن الرابع.. كيف تفسر هذه المفارقة العجيبة؟

-لطالما كان مستوى الفنانين المسرحيين في تونس متميزا.. ثم لا ننسى أن المسرح في نهاية الأمر مادة يمكن أن تباع وتشترى وتصدر أيضا، فإذا فكرنا في قوانين وتشريعات من الممكن خلق فرص للمنتج التونسي للانتشار عربيا وعالميا وبالتالي يمكن للفنان المسرحي أن يجد ضالته واستقراره المادي اللذين من شأنهما أن يساهما في استقراره الفني وتطور إمكانياته الإبداعية..

كذلك لا يمكن لإثنين أن يختلفا في أن القطاع المسرحي يعاني الكثير، خاصة فيما يتعلق بوضعية الفنانين "فريلانس" الذين يتقاضون اجورا زهيدة وفي أوقات غير منتظمة..ثم ان الممثل المسرحي في جل القطاعات الفرجوية البصرية ليست له هوية واضحة داخل المجتمع مما يجعله يقتحم عالم المجتمع الانتاجي المادي الذي لا تتعدى وظيفته الترفيه والتسلية لنجد الممثل بعيدا عن المفاهيم الجمالية التي تعكس المجتمع ويجد الممثل نفسه أمام خيار واحد وهو الانسياق وراء هذا التصور السطحي خوفا من الفقر ومعضلة عدم الاعتراف..

فضلا عن مشاكل الفضاءات على مستوى التوزيع والوضعية المالية والاجتماعية للفنان.. وهنا لا بد أن ننظر إلى الملف بصفة معمقة ثم ننتقل إلى الجزئيات والتفاصيل الهامة لأن علاقتنا بالمسرح ليست منفصلة عن علاقتنا بالمدارس والمجتمع.. المسرح ليس ترفيها هو مكمل للدرس في جامعة،  مكمل للمؤسسة السجنية،  لذوي التوحد، يحمل طرقا علاجية..هو مشروع مجتمعي ولا يمكن الحديث عن المسرح بمعزل عن المجتمع، خلاف ذلك لا يمكن أن نحل المشاكل العالقة.. فنحن لا نفكر في المسرح وعلم النفس وعلم الاجتماع والفكر  والكتاب.. فإصلاح المسرح يجب أن يكون واعيا أشمل واعمق لأنه لا يمثل مؤسسات عرضية أو وقتية أو جعل لإرضاء فئة معينة.."

وهنا أريد أن أوجه رسالة للمسؤولين وهي الالتفات لمراكز الفنون الدرامية واعطائها قيمتها التي تستحق على مستوى التمويل لأنها تقوم بدور كبير على مستوى الجهات خاصة إذا ما اردنا أن نتحدث عن روافد محلية للثقافة الوطنية رغم ان التجربة لا تزال فتية ولم لا يكون الدعم شاملا في كل الولايات..أعتقد أن الحلول موجودة..

+ما الحل إذن.. ونحن إزاء حلول نظرية يفقهها القاصي والداني؟

-قانون الفنان على طاولة مجلس النواب ولكن الى يوم الناس هذا لم ير النور ولم يفعل ولم يصادق عليه ، ونحن الى الٱن في انتظار التفعيل .. للأسف مراكز الفنون الدرامية مثلا مهددة بالاندثار نظرا لغياب القوانين التي تستطيع أن تحميها توفر لها مجالات العمل والجانب الرقابي لتجسد هويات قانونية، وأنا متأكد من أنّ المسؤولين القائمين حاليا على مراكز الفنون الدرامية لو تخلوا عنها لما بقي لها أثر، لأنهم تقريبا متطوعون من حيث التأطير والتكوين..

نقطة أخرى في غاية الأهمية ولها انعكاسات كبيرة على إشعاع المراكز ألا وهي غياب التشريعات التي تسببت في اشتغالنا في ظروف صعبة بل أشعر بأننا نعمل في مجال "الكونترا" جراء غياب قوانين أساسية.. صحيح أننا نطبق القوانين الجاري بها على مستوى الصرف العمومي المعروف لكن لا ننسى ان القطاع المسرحي يتمتع بخصوصيات معينة وهو مجال للتعامل مع فنانين بعيدا عن البيع والشراء وأن أصناف العقود مثلا مع الممثلين تختلف من فنان إلى آخر وفي ظل غياب التشريعات من السهل أن نتورط وأن يثقل كاهلنا كمشرفين على المراكز ..

وانا كأستاذ تربية مسرحية ساهمت في تقديم العديد من المشاريع القانونية والتصورات الإدارية لهذه المراكز ، في أول الأمر كانت في شكل أقطاب، كل إقليم فيه قطب مسرحي يحتوي المراكز المحاذية له.. مشاريع رُفضت على مستوى وزارة المالية ما جعلنا نفكر في تأسيس مؤسسة وطنية تشرف على المراكز لترفض في نهاية المطاف من "المالية".. ثم إنّ الميزانية المخصصة اليوم للمراكز هي في شكل منح قابلة للتخفيض  والغياب.. والحال أننا نطمح إلى تأسيس حقيقي للامركزية وضمان إدارة واضحة المعالم وارشيف للأجيال القادمة..

ورغم تعاقب الحكومات لم نلتمس أولوية للثقافة رغم تأسيس العديد من المؤسسات منذ الثورة على غرار المركز الوطني للسينما والكثير من المؤسسات الأخرى التي حظيت باهتمام كبير عكس قطاع المسرح الذي لا يزال مهمشا بدليل غياب قانون حقوق الفنان إلى الآن.. الأمر الذي وإن دل على شيء فهو يدل على نظرة السياسي غير الواعية وغير المدركة بأهمية "اب الفنون" رغم إثارة الموضوع على مستوى النقابات والإعلام.

ما بلغني هو أنه ثمة برنامج إلحاق المراكز للمسرح الوطني، وفي انتظار صدور القانون الذي تأخر كثيرا.. نحن كمديرين لا نملك اي معطيات عن القانون ونجهل محتواه رغم انه كانت تقع استشارتنا ومحاورتنا في اجتماعات مكثفة..

وللأمانة القطاع المسرحي يعاني الكثير، خاصة فيما يتعلق بوضعية أولائك الفنانين الذين يشتغلون "فريلانس" ويتقاضون اجورا زهيدة في أوقات غير منتظمة..ثم ان الممثل المسرحي في جل القطاعات الفرجوية البصرية ليست له هوية واضحة داخل المجتمع بل ينتمي الى مجتمع انتاجي مادي لا تتعدى وظيفته الترفيه والتسلية لذلك نجد الممثل بعيدا عن المفاهيم الجمالية التي تعكس المجتمع ليجد الممثل نفسه أمام خيار واحد وهو الانسياق وراء هذا التصور السطحي خوفا من الفقر وعدم الاعتراف..

+ ماذا عن نشاط مركز الفنون الدرامية والركحية بتطاوين؟

-نشتغل بالمركب الثقافي بتطاوين في قاعات بسيطة جدا في ظل ظروف صعبة وميزانيات محدودة كذلك الاطار البشري محدود جدا، ونحن كمسؤولين نعيش ضغوطات على مستوى تحمل المسؤولية، إيمانا منا بأهمية المشروع مع السعي لإنجاحه لأنه لدي قناعة بأن مثل هذه التجارب من شأنها ان تساهم في نشر الثقافة المسرحية على مستوى الجهات فضلا عن مساهماتها في المهرجانات، وعلى مستوى التكوين والبحوث، فالأمر كان غائبا ومفقودا.. وهنا أريد أن أشير إلى أننا في مركز تطاوين تمكنا من عقد شراكة مع المعهد الثقافي الفرنسي في تظاهرة على مستوى مسرح الناشئة وهي تظاهرة مهمة جدا لم يسبق أن تم إحياؤها من قبل..ومن المنتظر أن أن يتمدد اعقد الى غاية نهاية 2024  .. علما وأنه كانت تجمعنا سنة 2019 شراكة مع المركز الثقافي السويسري إضافة إلى إنتاج مسرحي على مستوى جميع المراكز، وهو إنتاج ساهم في استقطاب الهواة والجمعيات والتكوين عن طريق إدماج الطاقات الهاوية في الأعمال المحترفة، والتي للأسف لا تستطيع أن تفرض وجودها في المراكز لا على المستوى البصري ولا على المستوى المسرحي نظرا لبعد المسافات ومحدودية الفرص عكس الجهات أين تستطيع أن تبرز وتصقل مواهبها..

كما حرصنا في تطاوين على الخصوصية الثقافية، وعملنا على الثقافة الصحراوية بل حاولنا بلورة الموروث على مستوى اللهجة واللباس.. فضلا عن توظيف عناصر البداوة والصحراء في أعمال مسرحية لأن التنوع الثقافي الجهوي مهم جدا بالنسبة للثقافة الوطنية..طبعا مع الحرص على تقييم كل تجربة..

+هل من أعمال مسرحية جديدة ؟

-ٱخر عمل أنتجه مركز الفنون الدرامية بتطاوين هو مسرحية "شعلة" وهو عمل عرض مؤخرا في "أسبوع المسرح التونسي" وسيتقدم يوم 8ديسمبر في ايام قرطاج المسرحية بقاعة الحمراء في العاصمة..

"شعلة"  دراماتورجيا وإخراج أمينة الدشراوي وسينوغرافيا علي اليحياوي، أداء هيفاء الكامل ومنير الخزري.. وهو مستوحى من مسرحية "الدرس" لJ"يوجين يونسكو"..

وأحداث المسرحية تدور في إحدى المؤسسات الجامعية التونسية لتسليط الضوء على ظاهرة التحرش ومحاولة التعمق فيها كما الطبقية والجهويات وصراع الأجيال من حيث العلاقة بين الاساتذة والطلبة، علما وأن مخرجة "شعلة" اعتمدت على دراسات في علم النفس وعلم الاجتماع وتقارير صادرة عن جمعيات حقوقية.. كما أن"شعلة" تجسد جدلا اجتماعيا وعلميا وثقافيا.. غايتنا من ذلك هو فتح المجال للنقاش بين "الثقافة" والجامعة حول بعض المسائل الهامة المتعلقة بالطلبة والأساتذة الجامعيين أو المحرمات (les tabous )..

علي اليحياوي مدير مركز الفنون الدرامية بتطاوين لـ"الصباح":  شروط الإبداع المسرحي أصبحت شاقة وغير مجدية !

تونس-الصباح

لئن كان التميز حليف المسرح التونسي في السنوات الأخيرة وذلك بشهادة ثلة من الناقدين والمهتمين بـ"أب الفنون"، باعتبار إنتاج العديد من الأعمال الراقية المتوجة محليا وعربيا، فإن الفن الرابع في تونس ما زال يشكو فراغا تشريعيا، ما من شأنه أن يحدث إشكالا على مستوى الإبداع والإنتاج بدليل أن الكثير من المسرحيين أنشأوا مؤسسات وأطرا خاصة للتكوين المسرحي ضمانا لاستقرارهم المادي، في ظل غياب قانون للفنان وعدم توفر سبل الابتكار والعمل المتواصل..

"الصباح" كان لها حديث مع الفنان المسرحي مدير مركز الفنون الدرامية بتطاوين علي اليحياوي للحديث عن أهم المعوقات التي تعترض المسرحيين وآخر التطورات فيما يخص قانون الفنان..

حاوره: وليد عبداللاوي

+بماذا تفسر ميل بعض المسرحيين إلى إنشاء مؤسسات خاصة للتكوين المسرحي مقابل العزوف عن الإنتاج ؟

- بالنسبة للمبدعين في الفن الفن الرابع، الوضع العام للمسرح في تونس غير مشجع  على الإنتاج والنشاط المسرحي المعتاد، ذلك أن شروط الإبداع أصبحت شاقة وغير مجدية ايضا.. ولأن الفنانين ليسوا كائنات فضائية فهم محتاجون لأن يضمنوا قوت يومهم كسائر المواطنين..

للأسف، جراء وضعية قطاع المسرح بالاساس يجد الكثير من الفنانين أنفسهم في ٱخر المطاف يعيشون الخصاصة حد التسول.. وأنا شخصيا أعرف العشرات ممن يعانون الفاقة خاصة اولائك المحرومين من وظائف وسند مادي..

لذلك لا لوم على اولئك الذين يفكرون في إنشاء مؤسسات خاصة وأطر معينة للتكوين المسرحي أو السينمائي لتحقيق العيش الكريم، شرط أن يكون مؤطرا ومراقبا في تكوينه علميا وبيداغوجيا.. ناهيك أن الوضع يزداد تعقيدا..

+وضع صعب جدا للمسرحيين رغم وجود طاقات ومواهب كبيرة في مجال الفن الرابع.. كيف تفسر هذه المفارقة العجيبة؟

-لطالما كان مستوى الفنانين المسرحيين في تونس متميزا.. ثم لا ننسى أن المسرح في نهاية الأمر مادة يمكن أن تباع وتشترى وتصدر أيضا، فإذا فكرنا في قوانين وتشريعات من الممكن خلق فرص للمنتج التونسي للانتشار عربيا وعالميا وبالتالي يمكن للفنان المسرحي أن يجد ضالته واستقراره المادي اللذين من شأنهما أن يساهما في استقراره الفني وتطور إمكانياته الإبداعية..

كذلك لا يمكن لإثنين أن يختلفا في أن القطاع المسرحي يعاني الكثير، خاصة فيما يتعلق بوضعية الفنانين "فريلانس" الذين يتقاضون اجورا زهيدة وفي أوقات غير منتظمة..ثم ان الممثل المسرحي في جل القطاعات الفرجوية البصرية ليست له هوية واضحة داخل المجتمع مما يجعله يقتحم عالم المجتمع الانتاجي المادي الذي لا تتعدى وظيفته الترفيه والتسلية لنجد الممثل بعيدا عن المفاهيم الجمالية التي تعكس المجتمع ويجد الممثل نفسه أمام خيار واحد وهو الانسياق وراء هذا التصور السطحي خوفا من الفقر ومعضلة عدم الاعتراف..

فضلا عن مشاكل الفضاءات على مستوى التوزيع والوضعية المالية والاجتماعية للفنان.. وهنا لا بد أن ننظر إلى الملف بصفة معمقة ثم ننتقل إلى الجزئيات والتفاصيل الهامة لأن علاقتنا بالمسرح ليست منفصلة عن علاقتنا بالمدارس والمجتمع.. المسرح ليس ترفيها هو مكمل للدرس في جامعة،  مكمل للمؤسسة السجنية،  لذوي التوحد، يحمل طرقا علاجية..هو مشروع مجتمعي ولا يمكن الحديث عن المسرح بمعزل عن المجتمع، خلاف ذلك لا يمكن أن نحل المشاكل العالقة.. فنحن لا نفكر في المسرح وعلم النفس وعلم الاجتماع والفكر  والكتاب.. فإصلاح المسرح يجب أن يكون واعيا أشمل واعمق لأنه لا يمثل مؤسسات عرضية أو وقتية أو جعل لإرضاء فئة معينة.."

وهنا أريد أن أوجه رسالة للمسؤولين وهي الالتفات لمراكز الفنون الدرامية واعطائها قيمتها التي تستحق على مستوى التمويل لأنها تقوم بدور كبير على مستوى الجهات خاصة إذا ما اردنا أن نتحدث عن روافد محلية للثقافة الوطنية رغم ان التجربة لا تزال فتية ولم لا يكون الدعم شاملا في كل الولايات..أعتقد أن الحلول موجودة..

+ما الحل إذن.. ونحن إزاء حلول نظرية يفقهها القاصي والداني؟

-قانون الفنان على طاولة مجلس النواب ولكن الى يوم الناس هذا لم ير النور ولم يفعل ولم يصادق عليه ، ونحن الى الٱن في انتظار التفعيل .. للأسف مراكز الفنون الدرامية مثلا مهددة بالاندثار نظرا لغياب القوانين التي تستطيع أن تحميها توفر لها مجالات العمل والجانب الرقابي لتجسد هويات قانونية، وأنا متأكد من أنّ المسؤولين القائمين حاليا على مراكز الفنون الدرامية لو تخلوا عنها لما بقي لها أثر، لأنهم تقريبا متطوعون من حيث التأطير والتكوين..

نقطة أخرى في غاية الأهمية ولها انعكاسات كبيرة على إشعاع المراكز ألا وهي غياب التشريعات التي تسببت في اشتغالنا في ظروف صعبة بل أشعر بأننا نعمل في مجال "الكونترا" جراء غياب قوانين أساسية.. صحيح أننا نطبق القوانين الجاري بها على مستوى الصرف العمومي المعروف لكن لا ننسى ان القطاع المسرحي يتمتع بخصوصيات معينة وهو مجال للتعامل مع فنانين بعيدا عن البيع والشراء وأن أصناف العقود مثلا مع الممثلين تختلف من فنان إلى آخر وفي ظل غياب التشريعات من السهل أن نتورط وأن يثقل كاهلنا كمشرفين على المراكز ..

وانا كأستاذ تربية مسرحية ساهمت في تقديم العديد من المشاريع القانونية والتصورات الإدارية لهذه المراكز ، في أول الأمر كانت في شكل أقطاب، كل إقليم فيه قطب مسرحي يحتوي المراكز المحاذية له.. مشاريع رُفضت على مستوى وزارة المالية ما جعلنا نفكر في تأسيس مؤسسة وطنية تشرف على المراكز لترفض في نهاية المطاف من "المالية".. ثم إنّ الميزانية المخصصة اليوم للمراكز هي في شكل منح قابلة للتخفيض  والغياب.. والحال أننا نطمح إلى تأسيس حقيقي للامركزية وضمان إدارة واضحة المعالم وارشيف للأجيال القادمة..

ورغم تعاقب الحكومات لم نلتمس أولوية للثقافة رغم تأسيس العديد من المؤسسات منذ الثورة على غرار المركز الوطني للسينما والكثير من المؤسسات الأخرى التي حظيت باهتمام كبير عكس قطاع المسرح الذي لا يزال مهمشا بدليل غياب قانون حقوق الفنان إلى الآن.. الأمر الذي وإن دل على شيء فهو يدل على نظرة السياسي غير الواعية وغير المدركة بأهمية "اب الفنون" رغم إثارة الموضوع على مستوى النقابات والإعلام.

ما بلغني هو أنه ثمة برنامج إلحاق المراكز للمسرح الوطني، وفي انتظار صدور القانون الذي تأخر كثيرا.. نحن كمديرين لا نملك اي معطيات عن القانون ونجهل محتواه رغم انه كانت تقع استشارتنا ومحاورتنا في اجتماعات مكثفة..

وللأمانة القطاع المسرحي يعاني الكثير، خاصة فيما يتعلق بوضعية أولائك الفنانين الذين يشتغلون "فريلانس" ويتقاضون اجورا زهيدة في أوقات غير منتظمة..ثم ان الممثل المسرحي في جل القطاعات الفرجوية البصرية ليست له هوية واضحة داخل المجتمع بل ينتمي الى مجتمع انتاجي مادي لا تتعدى وظيفته الترفيه والتسلية لذلك نجد الممثل بعيدا عن المفاهيم الجمالية التي تعكس المجتمع ليجد الممثل نفسه أمام خيار واحد وهو الانسياق وراء هذا التصور السطحي خوفا من الفقر وعدم الاعتراف..

+ ماذا عن نشاط مركز الفنون الدرامية والركحية بتطاوين؟

-نشتغل بالمركب الثقافي بتطاوين في قاعات بسيطة جدا في ظل ظروف صعبة وميزانيات محدودة كذلك الاطار البشري محدود جدا، ونحن كمسؤولين نعيش ضغوطات على مستوى تحمل المسؤولية، إيمانا منا بأهمية المشروع مع السعي لإنجاحه لأنه لدي قناعة بأن مثل هذه التجارب من شأنها ان تساهم في نشر الثقافة المسرحية على مستوى الجهات فضلا عن مساهماتها في المهرجانات، وعلى مستوى التكوين والبحوث، فالأمر كان غائبا ومفقودا.. وهنا أريد أن أشير إلى أننا في مركز تطاوين تمكنا من عقد شراكة مع المعهد الثقافي الفرنسي في تظاهرة على مستوى مسرح الناشئة وهي تظاهرة مهمة جدا لم يسبق أن تم إحياؤها من قبل..ومن المنتظر أن أن يتمدد اعقد الى غاية نهاية 2024  .. علما وأنه كانت تجمعنا سنة 2019 شراكة مع المركز الثقافي السويسري إضافة إلى إنتاج مسرحي على مستوى جميع المراكز، وهو إنتاج ساهم في استقطاب الهواة والجمعيات والتكوين عن طريق إدماج الطاقات الهاوية في الأعمال المحترفة، والتي للأسف لا تستطيع أن تفرض وجودها في المراكز لا على المستوى البصري ولا على المستوى المسرحي نظرا لبعد المسافات ومحدودية الفرص عكس الجهات أين تستطيع أن تبرز وتصقل مواهبها..

كما حرصنا في تطاوين على الخصوصية الثقافية، وعملنا على الثقافة الصحراوية بل حاولنا بلورة الموروث على مستوى اللهجة واللباس.. فضلا عن توظيف عناصر البداوة والصحراء في أعمال مسرحية لأن التنوع الثقافي الجهوي مهم جدا بالنسبة للثقافة الوطنية..طبعا مع الحرص على تقييم كل تجربة..

+هل من أعمال مسرحية جديدة ؟

-ٱخر عمل أنتجه مركز الفنون الدرامية بتطاوين هو مسرحية "شعلة" وهو عمل عرض مؤخرا في "أسبوع المسرح التونسي" وسيتقدم يوم 8ديسمبر في ايام قرطاج المسرحية بقاعة الحمراء في العاصمة..

"شعلة"  دراماتورجيا وإخراج أمينة الدشراوي وسينوغرافيا علي اليحياوي، أداء هيفاء الكامل ومنير الخزري.. وهو مستوحى من مسرحية "الدرس" لJ"يوجين يونسكو"..

وأحداث المسرحية تدور في إحدى المؤسسات الجامعية التونسية لتسليط الضوء على ظاهرة التحرش ومحاولة التعمق فيها كما الطبقية والجهويات وصراع الأجيال من حيث العلاقة بين الاساتذة والطلبة، علما وأن مخرجة "شعلة" اعتمدت على دراسات في علم النفس وعلم الاجتماع وتقارير صادرة عن جمعيات حقوقية.. كما أن"شعلة" تجسد جدلا اجتماعيا وعلميا وثقافيا.. غايتنا من ذلك هو فتح المجال للنقاش بين "الثقافة" والجامعة حول بعض المسائل الهامة المتعلقة بالطلبة والأساتذة الجامعيين أو المحرمات (les tabous )..