إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

حكاياتهم .. سجناء في الحياة!..

 

يرويها: أبو بكر الصغير

      يتم التفكير في العالم القضائي، مثل عالم السجن، من حيث إستراتيجية القوة والسلطة والنفوذ، أو الحسم حيث يكون من المناسب الذهاب إلى التطرف للانخراط في علاقة قوة، قوة على المجرم أو المخالف للقانون.

    هذه الإستراتيجية، لا يمكن فصلها عن التفكير الأوسع في الشدّة التي يجب أن  تتكرس في المحكمة أو في زنزانة المحكوم عليه، بل حتى الحياة نفسها، في بعدها الأكثر اعتيادية تلتقي في مفهوم السجن كرد فعل منهجي وتلقائي على الجنح والجريمة بما  يشير إلى أن الحرمان من الحرية وحده، وكذلك الاستبعاد والحبس والمراقبة وتقليص أسلوب الحياة إلى الحد الأدنى، أي المعاناة التي يتم فرضها في المقابل، هي التي يمكن أن تفعل ذلك .

  لم يحصل أن تردَّدت كلمة سجن على ألسنة التونسيين وفي أحاديثهم كما هو بارز هذه الفترة.

 أخبار السجن، من فرّ ومن عاد ومن دخل ولم يغادر أو  من أودع  تحفظيا في صدارة كلّ الأخبار، تنافس حتى أخبار أحداث غزة .

    إلقاء القبض على خمسة "إرهابيين" فروا من السجن بينهم أحد الضالعين في اغتيال سياسيين ،  وإلقاء الأجهزة الأمنية القبض عليهم في جبل قرب بوقرنين بعد أن أمسكت الخامس قبلهم بيومين بمنطقة حي التضامن كانت العنوان الأبرز في كلّ برامج الفترات المفتوحة في "البرايم تايم" على قنواتنا التلفزيونية،  إلى حدّ مكن آلاف المشاهدين من ثقافة السجون والتي لم  يكونوا  يعرفون عنها إلا أغاني المساجين في موسيقى المزود التي توثق لجرائم وأفعال مهمشة منسية ومرويات لصيقة بالمتخيل واليومي، ومع ذلك ما يزال فن الزندالي منبوذا في تونس لارتباطه بوسم "البانديّة".

  لم يحصل في كلّ تاريخ سجون تونس آن شهدنا  هذا الوضع، والأهم هذا التواجد داخل السجن نفسه لمثل هذا العدد من سياسيين وأمناء عامين أحزاب ووزراء سابقين ونشطاء سياسيين ونقابيين ورجال أعمال  ومؤثرين الخ ..

 اليوم من بين المسجونين أسماء قد لا يتصور احد أن يراها يوما وراء القضبان، اقلّه بعد  ثورة 14 جانفي 2011 .

    راشد الغنوشي، عبير موسي، كمال اللطيف، مروان مبروك،  غازي الشواشي، جوهر بن مبارك، علي العريض، عبد الرحيم الزواري، رضا بلحاج، مهدي بن غربية  الخ ..

  بما يتّجه الموقف إلى القول إن السجن اليوم يغدو مخبرا مهما للتجربة والبحث بما يضمّه من سجناء من كلّ الفئات والطبقات، بل من كلّ المشارب العقائدية والإيديولوجية والفكرية والسياسية.

   ما يجعل ذلك ممكنًا هو الخطوط الظاهرية للعقل والجسد المسجون، الأقرب قدر الإمكان إلى التجربة في فعل وتأثير الجرح، والندبة والمأساة .

 لكن لا يجب أن يغيب عنا أننا جميعا سجناء في الحياة وعلى أرض الواقع دون قضبان، مقيدون بهمومنا ومشاكلنا دون سلاسل.

 سجناء لشيء نحن صنعناه بأنفسنا، بأيدينا، سجناء لمخاوفنا، ودوافعنا، وشخصياتنا، وعاداتنا، وعواطفنا. لمعظم تصرفاتنا واختياراتنا التي تحركها هذه الميول التي تسيطر علينا. إننا عبيد أنفسنا، لأنه لا يعني شيئاً أن تعرف كيف تتحرر،  إذ  المهم هو أن تعرف ما بإمكانك فعله بحريتك !.

حكاياتهم  ..  سجناء في الحياة!..

 

يرويها: أبو بكر الصغير

      يتم التفكير في العالم القضائي، مثل عالم السجن، من حيث إستراتيجية القوة والسلطة والنفوذ، أو الحسم حيث يكون من المناسب الذهاب إلى التطرف للانخراط في علاقة قوة، قوة على المجرم أو المخالف للقانون.

    هذه الإستراتيجية، لا يمكن فصلها عن التفكير الأوسع في الشدّة التي يجب أن  تتكرس في المحكمة أو في زنزانة المحكوم عليه، بل حتى الحياة نفسها، في بعدها الأكثر اعتيادية تلتقي في مفهوم السجن كرد فعل منهجي وتلقائي على الجنح والجريمة بما  يشير إلى أن الحرمان من الحرية وحده، وكذلك الاستبعاد والحبس والمراقبة وتقليص أسلوب الحياة إلى الحد الأدنى، أي المعاناة التي يتم فرضها في المقابل، هي التي يمكن أن تفعل ذلك .

  لم يحصل أن تردَّدت كلمة سجن على ألسنة التونسيين وفي أحاديثهم كما هو بارز هذه الفترة.

 أخبار السجن، من فرّ ومن عاد ومن دخل ولم يغادر أو  من أودع  تحفظيا في صدارة كلّ الأخبار، تنافس حتى أخبار أحداث غزة .

    إلقاء القبض على خمسة "إرهابيين" فروا من السجن بينهم أحد الضالعين في اغتيال سياسيين ،  وإلقاء الأجهزة الأمنية القبض عليهم في جبل قرب بوقرنين بعد أن أمسكت الخامس قبلهم بيومين بمنطقة حي التضامن كانت العنوان الأبرز في كلّ برامج الفترات المفتوحة في "البرايم تايم" على قنواتنا التلفزيونية،  إلى حدّ مكن آلاف المشاهدين من ثقافة السجون والتي لم  يكونوا  يعرفون عنها إلا أغاني المساجين في موسيقى المزود التي توثق لجرائم وأفعال مهمشة منسية ومرويات لصيقة بالمتخيل واليومي، ومع ذلك ما يزال فن الزندالي منبوذا في تونس لارتباطه بوسم "البانديّة".

  لم يحصل في كلّ تاريخ سجون تونس آن شهدنا  هذا الوضع، والأهم هذا التواجد داخل السجن نفسه لمثل هذا العدد من سياسيين وأمناء عامين أحزاب ووزراء سابقين ونشطاء سياسيين ونقابيين ورجال أعمال  ومؤثرين الخ ..

 اليوم من بين المسجونين أسماء قد لا يتصور احد أن يراها يوما وراء القضبان، اقلّه بعد  ثورة 14 جانفي 2011 .

    راشد الغنوشي، عبير موسي، كمال اللطيف، مروان مبروك،  غازي الشواشي، جوهر بن مبارك، علي العريض، عبد الرحيم الزواري، رضا بلحاج، مهدي بن غربية  الخ ..

  بما يتّجه الموقف إلى القول إن السجن اليوم يغدو مخبرا مهما للتجربة والبحث بما يضمّه من سجناء من كلّ الفئات والطبقات، بل من كلّ المشارب العقائدية والإيديولوجية والفكرية والسياسية.

   ما يجعل ذلك ممكنًا هو الخطوط الظاهرية للعقل والجسد المسجون، الأقرب قدر الإمكان إلى التجربة في فعل وتأثير الجرح، والندبة والمأساة .

 لكن لا يجب أن يغيب عنا أننا جميعا سجناء في الحياة وعلى أرض الواقع دون قضبان، مقيدون بهمومنا ومشاكلنا دون سلاسل.

 سجناء لشيء نحن صنعناه بأنفسنا، بأيدينا، سجناء لمخاوفنا، ودوافعنا، وشخصياتنا، وعاداتنا، وعواطفنا. لمعظم تصرفاتنا واختياراتنا التي تحركها هذه الميول التي تسيطر علينا. إننا عبيد أنفسنا، لأنه لا يعني شيئاً أن تعرف كيف تتحرر،  إذ  المهم هو أن تعرف ما بإمكانك فعله بحريتك !.