إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

رغم نجاحها في تسديد جزء هام من ديونها العمومية.. الدولة تتمسك بخيار الاقتراض وتدخل ذروة استحقاقات جديدة ثقيلة مع حلول 2024

 

تونس-الصباح

مازالت الدولة تتمسك في خيارها الأوحد لحل مشكلاتها المالية وهو الاقتراض، حسب ما جاء في النسخة المعروضة على مجلس نواب الشعب من مشروع قانون المالية لسنة 2024، والتي أظهرت ارتفاعا كبيرا في نسبة اعتماد تونس على القروض الخارجية للسنة القادمة، وهو ما سيزيد من تبعيتها المالية للخارج خاصة ان نسبة كبيرة من هذه القروض ستكون خارجية وبالعملة الصعبة...

وحتى ان نجاح الدولة في سداد جزء هام من ديونها الخارجية خلال سنة 2023، بما يناهز الـ81.2% وبقيمة 7264 مليون دينار، لم يستطع أن يحد من نزيف التداين العمومي لتونس الذي مازال يلقي بتداعياته الثقيلة على توازنات البلاد المالية والاقتصادية ويعمق تبعيتها المالية للخارج وللمؤسسات الدولية المانحة التي أظهرت عزوفها مؤخرا في التعامل مع تونس والتي على رأسها صندوق النقد الدولي...

والمؤسف أن الدولة لم  تتعظ بعد من كل خيباتها السابقة على مستوى التعامل مع ملف الاقتراض والتداين، وبقيت حبيسة املاءات الخارج دون التفكير في التعويل على محركاتنا الاقتصادية التي تتطلب فقط إيلاءها الأولوية القصوى لتحقق من خلالها الثروة على غرار الفسفاط والسياحة والاستثمار...

فمع مطلع 2024، تكون الدولة مقبلة على استحقاقات ثقيلة ممثلة في قروض خارجية ستحل آجالها بداية من شهر جانفي المقبل، وبقيمة 1000 مليون دينار كأول قسط من جملة القروض الخارجية المطالبة بسدادها، بقيمة تناهز إجمالا 9.745 مليون دينار، مع مستحقات داخلية تدخل في الاقتراض الداخلي بقيمة 8.120 مليون دينار من حجم جملي للتداين العمومي للسنة المقبلة بقيمة 17.900 مليون دينار...

وكانت الوكالة العالمية "فيتش رايتنغ" قد أعلنت منذ أشهر فقط، في احدث تقرير لها، عن حاجة تونس إلى 2 مليار دولار لسداد ديونها الخارجية خلال سنة 2023، لافتة إلى أن الاحتياجات التمويلية لتونس سترتفع إلى 16.8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي خلال السنة القادمة، مدفوعة بالإنفاق الإضافي الكبير لامتصاص صدمة الحرب في أوكرانيا، علما وأنها بصدد سداد ديون خارجية بقيمة 1.4 مليار دولار مع موفى العام الحالي.

كما كشفت الوكالة أن تونس تتفاوض على تمويل آخر بقيمة 1.8 مليار دولار أمريكي قالت إن أغلبه من دول مجلس التعاون الخليجي مؤكدة أن ذلك سيمكن بالإضافة إلى المدفوعات المخططة من صندوق النقد الدولي وديون ثنائية ومتعددة الأطراف وتمويل السوق المحلي من تغطية الميزانية واحتياجات التمويل الخارجي في عام 2023.

خطة التمويل لتونس محفوفة بالمخاطر

واعتبرت وكالة "فيتيش رايتنغ" أن خطة التمويل لتونس  تقدم رسالة مطمئنة لقدرتها على مواجهة التزامات خدمة الدين الخارجي القادمة، لكن تبقى محفوفة بالكثير من المخاطر، محذرة بذلك من أن ضغوط التمويل قد تظهر مجددا، إذا انحرفت تونس عن أهداف برنامج صندوق النقد الدولي أو إذا ظلت أسعار السلع الأساسية أعلى من توقعاتها.

وأبرزت الوكالة أن ذروة استحقاقات الديون الخارجية ستكون في عام 2024، حوالي 2.6 مليار دولار أمريكي ، و850 مليون اورو سندات دولية، متوقعة أن ينخفض العجز العام إلى 5.6٪ من الناتج المحلي الإجمالي سنة 2023 و الى 3.8٪ من الناتج المحلي الإجمالي سنة 2024 ، مقابل 7.3٪ سنة 2022 ، كما توقعت الوكالة ان تمكن الإجراءات الجبائية المتخذة من الحفاظ على موارد جبائية في حدود ما بين 25٪ و26٪ من الناتج المحلي الإجمالي مقابل معدل 22.5٪ في السنوات الخمس الماضية.

واعتبرت الوكالة، أن اتفاق الأجور الموقع مع الاتحاد العام التونسي للشغل في سبتمبر من السنة المنقضية سيحد من نمو كتلة الأجور إلى 5.5٪ سنويًا على مدى السنوات الثلاث المقبلة، ما يعني انخفاضًا في القيمة الحقيقية، مشددة على أن الإلغاء التدريجي في دعم الوقود من شانه أن يكون عاملاً أساسياً في إعادة التوازنات المالية للبلاد.

وكانت "فيتش" قد كشفت في تقرير سابق، حول آفاق القطاع المصرفي التونسي على المدى القصير، أن البنوك التونسية ستواجه زيادة حادة في مخاطر التخلف عن سداد الائتمان، كما لاحظت الوكالة حسب التقرير، أن القدرة على إدارة القروض المصرفية في تونس تضعف أكثر مع انتهاء الإجراءات المتخذة لإعادة جدولتها.

وفي الحقيقة لم تكن وكالة "فيتش" لوحدها التي تؤكد على وجود  مخاطر كبيرة تواجه تونس جراء مواصلتها التعويل على الاقتراض لحل مشكلاتها المالية من عجز في الميزانية وتوسع في عجز للميزان التجاري وغيرها من الصعوبات التي تواجهها لأكثر من 10 سنوات، فقد أجمعت العديد من الجهات الخارجية وحتى المحلية الرسمية  أن مستوى التداين عرف ارتفاعا ملحوظا ..

حيث عرف حجم الديون العمومية لتونس خلال السنوات الأخيرة ارتفاعا لتمر من 52،66 بالمائة في 2015 إلى 81،52 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي في 2020، والى مستوى 90،13 بالمائة مع نهاية سنة 2022، ليصل حجم قائم الدين العمومي خلال كامل سنة 2023 إلى أكثر من 117 مليار دينار متجاوزا الـ100 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي مع توقعات بان تصل ديون تونس إلى 124 مليار دينار في 2024...

التعاون الثنائي لتخفيف عبء التداين الخارجي

ومع ذلك مازالت تونس تعول على الاقتراض الخارجي كحل من الحلول السريعة والعاجلة لسد ثغرة العجز الحاصل بميزانيتها ولتلبية كل نفقاتها العمومية وصولا إلى الأجور باعتبار أنها أقفلت لسنوات باب الاستثمار وبقي معطلا لأكثر من 10 سنوات، وهو الذي يعد المحرك الأبرز ليكون المخرج من مصيدة التداين التي تتخبط فيها تونس لسنوات طويلة....

كما أن الدولة لم تيأس بعد من اتفاق تمويل جديد مع صندوق النقد الدولي -رغم الاكراهات التي تحوم حول هذا الاتفاق- ولم ترم المنديل وهي بصدد تحسس طريق جديدة لمواصلة المفاوضات مع هذه المؤسسة المالية المانحة، وحتى أن الحكومة لم تضمن قرض الصندوق هذه المرة في مشروع قانون المالية الجديد كفرضية، إلا إنها في الخفاء تشتغل على إعادة سير التفاوض من اجل الظفر بهذا القرض..

في حين أن العديد من خبراء الاقتصاد، اعتبروا أن الحل اليوم ليس القطع نهائيا، مع فكرة وخيار التداين، بل لابد من التفكير في كيفية استقطاب تمويلات خارجية عبر التعاون المالي الثنائي خاصة مع البلدان الشقيقة والصديقة ولا يجب التعويل فقط على جهات مالية مانحة دون سواها ..

من ذلك، بينت وكالة فيتش في تقريرها الأخير أن أي موافقة لتعبئة قروض خارجية جديدة مستقبلا لتونس ستكون مدعومة باتفاقات مالية ثنائية مع بلدان صديقة ومن جهات وصناديق مالية مانحة على غرار دول الجوار، الجزائر مثلا ودول الخليج والبنوك الإفريقية للتنمية وللتصدير والاستيراد.. وغيرها من المؤسسات المانحة ..

وهذه الفكرة يمكن أن تتجه إليها الدولة دون هوادة، وهي التي نجحت في ظرف وصف بالصعب اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا خلال كامل سنة 2023، في تعبئة تمويلات عبر هذه الآلية، مما قد يكون مؤشرا هاما لتمرير رسائل طمأنة الى الخارج حول مدى مصداقية تونس في إيفائها بتعهداتها المالية مما سيضمن لها تواجدها في خارطة التداين العالمية دون شروط مجحفة ولا املاءات قد تضرب السلم الاجتماعي ..

وفاء بن محمد

رغم نجاحها في تسديد جزء هام من ديونها العمومية..  الدولة تتمسك بخيار الاقتراض وتدخل ذروة استحقاقات جديدة ثقيلة مع حلول 2024

 

تونس-الصباح

مازالت الدولة تتمسك في خيارها الأوحد لحل مشكلاتها المالية وهو الاقتراض، حسب ما جاء في النسخة المعروضة على مجلس نواب الشعب من مشروع قانون المالية لسنة 2024، والتي أظهرت ارتفاعا كبيرا في نسبة اعتماد تونس على القروض الخارجية للسنة القادمة، وهو ما سيزيد من تبعيتها المالية للخارج خاصة ان نسبة كبيرة من هذه القروض ستكون خارجية وبالعملة الصعبة...

وحتى ان نجاح الدولة في سداد جزء هام من ديونها الخارجية خلال سنة 2023، بما يناهز الـ81.2% وبقيمة 7264 مليون دينار، لم يستطع أن يحد من نزيف التداين العمومي لتونس الذي مازال يلقي بتداعياته الثقيلة على توازنات البلاد المالية والاقتصادية ويعمق تبعيتها المالية للخارج وللمؤسسات الدولية المانحة التي أظهرت عزوفها مؤخرا في التعامل مع تونس والتي على رأسها صندوق النقد الدولي...

والمؤسف أن الدولة لم  تتعظ بعد من كل خيباتها السابقة على مستوى التعامل مع ملف الاقتراض والتداين، وبقيت حبيسة املاءات الخارج دون التفكير في التعويل على محركاتنا الاقتصادية التي تتطلب فقط إيلاءها الأولوية القصوى لتحقق من خلالها الثروة على غرار الفسفاط والسياحة والاستثمار...

فمع مطلع 2024، تكون الدولة مقبلة على استحقاقات ثقيلة ممثلة في قروض خارجية ستحل آجالها بداية من شهر جانفي المقبل، وبقيمة 1000 مليون دينار كأول قسط من جملة القروض الخارجية المطالبة بسدادها، بقيمة تناهز إجمالا 9.745 مليون دينار، مع مستحقات داخلية تدخل في الاقتراض الداخلي بقيمة 8.120 مليون دينار من حجم جملي للتداين العمومي للسنة المقبلة بقيمة 17.900 مليون دينار...

وكانت الوكالة العالمية "فيتش رايتنغ" قد أعلنت منذ أشهر فقط، في احدث تقرير لها، عن حاجة تونس إلى 2 مليار دولار لسداد ديونها الخارجية خلال سنة 2023، لافتة إلى أن الاحتياجات التمويلية لتونس سترتفع إلى 16.8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي خلال السنة القادمة، مدفوعة بالإنفاق الإضافي الكبير لامتصاص صدمة الحرب في أوكرانيا، علما وأنها بصدد سداد ديون خارجية بقيمة 1.4 مليار دولار مع موفى العام الحالي.

كما كشفت الوكالة أن تونس تتفاوض على تمويل آخر بقيمة 1.8 مليار دولار أمريكي قالت إن أغلبه من دول مجلس التعاون الخليجي مؤكدة أن ذلك سيمكن بالإضافة إلى المدفوعات المخططة من صندوق النقد الدولي وديون ثنائية ومتعددة الأطراف وتمويل السوق المحلي من تغطية الميزانية واحتياجات التمويل الخارجي في عام 2023.

خطة التمويل لتونس محفوفة بالمخاطر

واعتبرت وكالة "فيتيش رايتنغ" أن خطة التمويل لتونس  تقدم رسالة مطمئنة لقدرتها على مواجهة التزامات خدمة الدين الخارجي القادمة، لكن تبقى محفوفة بالكثير من المخاطر، محذرة بذلك من أن ضغوط التمويل قد تظهر مجددا، إذا انحرفت تونس عن أهداف برنامج صندوق النقد الدولي أو إذا ظلت أسعار السلع الأساسية أعلى من توقعاتها.

وأبرزت الوكالة أن ذروة استحقاقات الديون الخارجية ستكون في عام 2024، حوالي 2.6 مليار دولار أمريكي ، و850 مليون اورو سندات دولية، متوقعة أن ينخفض العجز العام إلى 5.6٪ من الناتج المحلي الإجمالي سنة 2023 و الى 3.8٪ من الناتج المحلي الإجمالي سنة 2024 ، مقابل 7.3٪ سنة 2022 ، كما توقعت الوكالة ان تمكن الإجراءات الجبائية المتخذة من الحفاظ على موارد جبائية في حدود ما بين 25٪ و26٪ من الناتج المحلي الإجمالي مقابل معدل 22.5٪ في السنوات الخمس الماضية.

واعتبرت الوكالة، أن اتفاق الأجور الموقع مع الاتحاد العام التونسي للشغل في سبتمبر من السنة المنقضية سيحد من نمو كتلة الأجور إلى 5.5٪ سنويًا على مدى السنوات الثلاث المقبلة، ما يعني انخفاضًا في القيمة الحقيقية، مشددة على أن الإلغاء التدريجي في دعم الوقود من شانه أن يكون عاملاً أساسياً في إعادة التوازنات المالية للبلاد.

وكانت "فيتش" قد كشفت في تقرير سابق، حول آفاق القطاع المصرفي التونسي على المدى القصير، أن البنوك التونسية ستواجه زيادة حادة في مخاطر التخلف عن سداد الائتمان، كما لاحظت الوكالة حسب التقرير، أن القدرة على إدارة القروض المصرفية في تونس تضعف أكثر مع انتهاء الإجراءات المتخذة لإعادة جدولتها.

وفي الحقيقة لم تكن وكالة "فيتش" لوحدها التي تؤكد على وجود  مخاطر كبيرة تواجه تونس جراء مواصلتها التعويل على الاقتراض لحل مشكلاتها المالية من عجز في الميزانية وتوسع في عجز للميزان التجاري وغيرها من الصعوبات التي تواجهها لأكثر من 10 سنوات، فقد أجمعت العديد من الجهات الخارجية وحتى المحلية الرسمية  أن مستوى التداين عرف ارتفاعا ملحوظا ..

حيث عرف حجم الديون العمومية لتونس خلال السنوات الأخيرة ارتفاعا لتمر من 52،66 بالمائة في 2015 إلى 81،52 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي في 2020، والى مستوى 90،13 بالمائة مع نهاية سنة 2022، ليصل حجم قائم الدين العمومي خلال كامل سنة 2023 إلى أكثر من 117 مليار دينار متجاوزا الـ100 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي مع توقعات بان تصل ديون تونس إلى 124 مليار دينار في 2024...

التعاون الثنائي لتخفيف عبء التداين الخارجي

ومع ذلك مازالت تونس تعول على الاقتراض الخارجي كحل من الحلول السريعة والعاجلة لسد ثغرة العجز الحاصل بميزانيتها ولتلبية كل نفقاتها العمومية وصولا إلى الأجور باعتبار أنها أقفلت لسنوات باب الاستثمار وبقي معطلا لأكثر من 10 سنوات، وهو الذي يعد المحرك الأبرز ليكون المخرج من مصيدة التداين التي تتخبط فيها تونس لسنوات طويلة....

كما أن الدولة لم تيأس بعد من اتفاق تمويل جديد مع صندوق النقد الدولي -رغم الاكراهات التي تحوم حول هذا الاتفاق- ولم ترم المنديل وهي بصدد تحسس طريق جديدة لمواصلة المفاوضات مع هذه المؤسسة المالية المانحة، وحتى أن الحكومة لم تضمن قرض الصندوق هذه المرة في مشروع قانون المالية الجديد كفرضية، إلا إنها في الخفاء تشتغل على إعادة سير التفاوض من اجل الظفر بهذا القرض..

في حين أن العديد من خبراء الاقتصاد، اعتبروا أن الحل اليوم ليس القطع نهائيا، مع فكرة وخيار التداين، بل لابد من التفكير في كيفية استقطاب تمويلات خارجية عبر التعاون المالي الثنائي خاصة مع البلدان الشقيقة والصديقة ولا يجب التعويل فقط على جهات مالية مانحة دون سواها ..

من ذلك، بينت وكالة فيتش في تقريرها الأخير أن أي موافقة لتعبئة قروض خارجية جديدة مستقبلا لتونس ستكون مدعومة باتفاقات مالية ثنائية مع بلدان صديقة ومن جهات وصناديق مالية مانحة على غرار دول الجوار، الجزائر مثلا ودول الخليج والبنوك الإفريقية للتنمية وللتصدير والاستيراد.. وغيرها من المؤسسات المانحة ..

وهذه الفكرة يمكن أن تتجه إليها الدولة دون هوادة، وهي التي نجحت في ظرف وصف بالصعب اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا خلال كامل سنة 2023، في تعبئة تمويلات عبر هذه الآلية، مما قد يكون مؤشرا هاما لتمرير رسائل طمأنة الى الخارج حول مدى مصداقية تونس في إيفائها بتعهداتها المالية مما سيضمن لها تواجدها في خارطة التداين العالمية دون شروط مجحفة ولا املاءات قد تضرب السلم الاجتماعي ..

وفاء بن محمد