الترفيع في خطايا التأخير يستند إلى "ما اتسمت به المنظومة الحالية للخطايا من محدودية على مستوى ردع المطالبين بالأداء خاصة وأنها أصبحت دون كلفة الاقتراض"
بقلم:إسكندر السلامي(*)
لا تدخر المنظومة الجبائية في تونس جهدا في استنباط الموارد من أجل الحفاظ على توازنات المالية العمومية. إلا أنّ ما رشحت به قوانين المالية منذ سنوات من إجراءات تمس الفئات الضعيفة للمجتمع التونسي أكثر من غيرها يعزز فرضية تحالف غريب بينها وبين نوائب الدهرمن جهة، وبينها وبين من يستثمر منذ عقود في بؤس المواطنين والمؤسسات الاقتصادية الهشة من جهة أخرى. وتتعزز هذه الفرضية من خلال تزامن ما تضمنته مراسيم قوانين المالية الأخيرة والإجراءات المتعلقة بالنظام التقديري مع تردي الأوضاع المعيشية وانعدام الاستقرار. ويرى عديد المواطنين في الإجراءات الأخيرة إطلالة جديدة لدولة المجبى التي تعودت خلال الفترات الحالكة من تاريخ البلاد الاستقواء على الفئات الضعيفة والتضحية بها من أجل تغطية نفقاتها.
المنظومة الجبائية استهداف للضعفاء في الأزمات الحالكة
إن زمن أزمة الكوفيد 19 ليس ببعيد.فما كاد يمضي يومان على إقرار الحجر الصحي العام حتى أصدرت وزارة المالية بتاريخ 24 مارس 2020 بلاغا تدعو فيه المطالبين بالأداء إلى إيداع تصاريحهم الجبائية التي يحل أجلها بتاريخ 28 مارس 2020. ودعتهم إلى ذلك من خلال "القيام بتحويل بنكي أو بريدي لمبلغ الأداء وإرسال التصاريح ومؤيدات انجاز التحويل عبر البريد الالكتروني".
كان الأمر صادما بالنسبة إلى عديد المواطنين ذلك أنه بعد خطابات رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة التي تبعث على الأمل، وبعد أن أحيلت جميع القوى الحية بالبلاد على البطالة من خلال إجراءات الحجر الصحي الشامل برزت لهم وزارة المالية لتطلب منهم الخروج لإيداع التصاريح الجبائية وخلاصها. وكأنها لا تأبه للوباء الذي يجتاح البلاد ولما تم اتخاذه من إجراءات صحية وقانونية تمنع التنقل والتجول.
ما بقي في أذهان الفئات الهشة من تجار وحرفيين أن الدولة لا تكترث لصحة المواطن، وأن المساعدات التي تم الإعلان عنها آنذاك والإجراءات التي تم اتخاذها خصصت لمن له الامكانيات في حين أن ضعفاء الحال تركوا إلى مصيرهم، بل كانوا وقود آلة تعودت طحن الفئات الضعيفة.
ترفيع متواصل وغير مسبوق في الأعباء الضريبية
تضمن مرسوم قانون المالية لسنة 2023 الترفيع في الحد الأدنى المستوجب عن كل تصريح شهري أو سنوي فأصبح كل تاجر وكل مؤسسة مطالبين بدفع حد أدنى من الأداءات حتى في صورة عدم تحقيق أي نشاط. ذلك أن كل تاجر وكل حرفي أصبح مطالبا بدفع 20 دينارا شهريا في حال عدم تحقيق أي نشاط أي ما يعادل 240 دينارا في السنة، مع حد أدنى بعنوان الضريبة على دخل الأشخاص الطبيعيين قدره 300 دينار، وحد أدنى بعنوان المساهمة التضامنية الاجتماعية قدره 004 دينار أي ما مجموعه 940 دينار سنويا في صورة عدم تحقيق أية مداخيل. ويرتفع هذا الحد الأدنى من الأداءات بالنسبة إلى الشركات إلى 30 دينارا شهريا و500 دينار بعنوان التصريح السنوي بالضريبة على الشركات مع 400 دينار بعنوان المساهمة التضامنية الاجتماعية أي ما مجموعه 1260 دينارا سنويا. قد لا يكون لهذه المبالغ تأثير يذكر عندما يتعلق الأمر بشركات كبرى ومتوسطة أو بالنسبة إلى أغلب أصحاب المهن الحرة، إلا أنه وبالنسبة إلى الحرفيين وصغار التجار الذين تم إلحاقهم بالنظام الحقيقي وأصحاب الشركات الصغرى - تركوا لمصيرهم أثناء الأزمات المتتالية - فإن الأعباء التي فرضت عليهم تمثل حملا ثقيلا يضاف إلى كلفة الالتزامات المحمولة عليهم في إطار هذا النظام الجديد الذي يساوي بينهم وبين الشركات المتوسطة والكبرى في الالتزامات الجبائية رغم أنهم غير متساوين من حيث القدرة على مجابهة تكاليفه. وتعتبر هذه الإجراءات مخالفة لمبدأ واقعية الأداء والذي يقتضي ألا يطالب أحد بدفع ضرائب على المداخيل والأرباح إلا في حدود المداخيل أو الأرباح التي يحققها.
أعباء جبائية إضافية تتعارض مع الحق في النفاذ إلى العدالة
لم يقتصر الترفيع في الأداءات على إجراءات الحد الأدنى للضرائب المباشرة والمساهمة التضامنية الاجتماعية. ذلك أن مرسوم قانون المالية لسنة 2023 تضمن أيضا الترفيع في نسبة الأداء على القيمة المضافة بالنسبة إلى جميع الخدمات القانونية والمحاسبية. فتم الترفيع بـ6 نقاط في نسبة الأداء على القيمة المضافة المطبق على الخدمات القانونية المسداة من قبل المحامين والعدول المنفذين وغيرهم من مسدي الخدمات القانونية لترتفع نسبة الأداء على القيمة المضافة الموظفة على أتعابهم وأجورهم إلى19 بالمائة عوضا عن 13 بالمائة. ونتج عن هذا الترفيع ارتفاع كلفة الخدمات القانونية. وهو ما يتعارض مع الحق في النفاذ إلى العدالة. ويعتبر ارتفاع كلفة الإجراءات القانونية والقضائية من العوائق التي تحول دون النفاذ إلى العدالة. وتختلف درجة التأثر بهذه الإجراءات من شريحة إلى أخرى ذلك أن الشركات والمؤسسات الاقتصادية الخاضعة للأداء على القيمة المضافة أقل تأثرا بهذا الاجراء نظرا إلى إمكانية طرح الأداء على القيمة المضافة الذي ستتحمله بمناسبة دفع ثمن الخدمات القانونية. وخلافا لذلك سيؤثر الترفيع في نسبة الأداء على القيمة المضافة مباشرة في قدرة المواطن العادي على تحمل كلفة التقاضي باعتباره سيتحمل الأداء على القيمة المضافة كاملا ضمن ثمن الخدمة الذي سيدفعه.
ويبدو أن الترفيع في كلفة الإجراءات القانونية والقضائية لم ينته بعد، ذلك أن مشروع قانون المالية لسنة 2024 يتضمن بدوره توظيف معلوم على مطالب الأذون على العرائض وعلى مطالب الأوامر بالدفع وعلى عرائض الطعون في الأذون والأوامر المذكورة قدره 10 دنانير.
ويجدر التنبه إلى أن الترفيع في تكلفة النفاذ إلى العدالة من خلال إثقالها بالأداءات والمعاليم يجعل من التقاضي والدفاع عن الحقوق عملية مكلفة لا يقدر على الانتفاع بها إلا من تتوفر لديه الإمكانيات المادية. ويؤدي ارتفاع تكاليف التقاضي والنفاذ إلى الخدمات القانونية إلى حرمان ضعاف الحال من النفاذ إلى القضاء رغم أنهم أشد حاجة إلى العدالة من غيرهم.
المنظومة البنكية والمنظومة الجبائية اتحاد المنطق
تزامن الترفيع في خطايا التأخير وخطايا المراقبة الذي تضمنه مرسوم قانون المالية لسنة 2023 مع مرور البلاد بأزمة اقتصادية حادة خلفتها جائحة الكورونا تفاقمت بتبعات الحرب الأوكرانية الروسية. وزاد من تعقيد هذه الأزمات الترفيع في نسبة الفائدة المديرية. وبالرغم من الإجماع حول صعوبة الوضع الاقتصادي ومعاناة المؤسسات وخاصة الصغرى- تجد صعوبة في النفاذ إلى التمويلات اللازمة لمواصلة نشاطها وعدم قدرتها على تسديد ما تخلد بذمتها من ديون متراكمة مع تفاقم وضعها المالي بارتفاع نسب الفائدة البنكية- فإن وزارة المالية لم تتورع عن إثقال كاهلها بإجراءات جديدة تزيد من أعبائها. ومنها ما تضمنه الفصل 59 من مرسوم قانون المالية لسنة 2023 من ترفيع في نسب خطايا التأخير وخطايا المراقبة بالإضافة إلى إقرار خطايا جديدة توظف كلها على التأخر في إيداع التصاريح. وللتذكير فإن قانون المالية لسنة 2019 تضمن إجراء مماثلا.
ويعلل مسؤولو وزارة المالية هذا الاجراء بمقارنة لنسب خطايا التأخير بنسب الفائدة البنكية لينتهي تبريرهم إلى ضرورة الأخذ بعين الاعتبار لكلفة الاقتراض في تحديد نسب خطايا التأخير. وتضمنت وثيقة شرح أسباب قانون المالية لسنة 2023 أن الترفيع في خطايا التأخير يستند إلى " ما اتسمت به المنظومة الحالية للخطايا من محدودية على مستوى ردع المطالبين بالأداء خاصة وأنها أصبحت دون كلفة الاقتراض".
ورغم ما تتسم به المنظومة البنكية من ارتفاع في كلفة الاقتراض وانحرافات في معاملاتها مع المقترضين من أفراد ومؤسسات وما آلت إليه نسب الفائدة من ارتفاع جنوني فإن وزارة المالية ومن خلال مبررات الفصل 59 تضع نفسها في تنافس مع المنظومة البنكية وكأنها تطمح إلى تسجيل نتائج على غرار الأرباح القياسية التي حققتها البنوك في هذه الفترة الحالكة التي تعيشها البلاد. فطموحها مكشوف في الدخول إلى نادي المستفيدين من المعاناة المتواصلة للمواطنين والمؤسسات. ويتعزز هذا الطموح من خلال ما تكشفه ميزانية سنة 2023 من موارد ترنو وزارة المالية إلى تحقيقها بمضاعفة موارد الخطايا مقارنة بسنة 2022.
ورغم الإجماع الحاصل حول انحرافات القطاع البنكي والشطط الذي تتسم به نسب الفائدة فإن وزارة المالية اعتبرته وضعا طبيعيا تعتمده معيارا في صياغة إجراءات الترفيع المستفز لخطايا التأخير.
*مستشار جبائي مختص في المجال الضريبي
الترفيع في خطايا التأخير يستند إلى "ما اتسمت به المنظومة الحالية للخطايا من محدودية على مستوى ردع المطالبين بالأداء خاصة وأنها أصبحت دون كلفة الاقتراض"
بقلم:إسكندر السلامي(*)
لا تدخر المنظومة الجبائية في تونس جهدا في استنباط الموارد من أجل الحفاظ على توازنات المالية العمومية. إلا أنّ ما رشحت به قوانين المالية منذ سنوات من إجراءات تمس الفئات الضعيفة للمجتمع التونسي أكثر من غيرها يعزز فرضية تحالف غريب بينها وبين نوائب الدهرمن جهة، وبينها وبين من يستثمر منذ عقود في بؤس المواطنين والمؤسسات الاقتصادية الهشة من جهة أخرى. وتتعزز هذه الفرضية من خلال تزامن ما تضمنته مراسيم قوانين المالية الأخيرة والإجراءات المتعلقة بالنظام التقديري مع تردي الأوضاع المعيشية وانعدام الاستقرار. ويرى عديد المواطنين في الإجراءات الأخيرة إطلالة جديدة لدولة المجبى التي تعودت خلال الفترات الحالكة من تاريخ البلاد الاستقواء على الفئات الضعيفة والتضحية بها من أجل تغطية نفقاتها.
المنظومة الجبائية استهداف للضعفاء في الأزمات الحالكة
إن زمن أزمة الكوفيد 19 ليس ببعيد.فما كاد يمضي يومان على إقرار الحجر الصحي العام حتى أصدرت وزارة المالية بتاريخ 24 مارس 2020 بلاغا تدعو فيه المطالبين بالأداء إلى إيداع تصاريحهم الجبائية التي يحل أجلها بتاريخ 28 مارس 2020. ودعتهم إلى ذلك من خلال "القيام بتحويل بنكي أو بريدي لمبلغ الأداء وإرسال التصاريح ومؤيدات انجاز التحويل عبر البريد الالكتروني".
كان الأمر صادما بالنسبة إلى عديد المواطنين ذلك أنه بعد خطابات رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة التي تبعث على الأمل، وبعد أن أحيلت جميع القوى الحية بالبلاد على البطالة من خلال إجراءات الحجر الصحي الشامل برزت لهم وزارة المالية لتطلب منهم الخروج لإيداع التصاريح الجبائية وخلاصها. وكأنها لا تأبه للوباء الذي يجتاح البلاد ولما تم اتخاذه من إجراءات صحية وقانونية تمنع التنقل والتجول.
ما بقي في أذهان الفئات الهشة من تجار وحرفيين أن الدولة لا تكترث لصحة المواطن، وأن المساعدات التي تم الإعلان عنها آنذاك والإجراءات التي تم اتخاذها خصصت لمن له الامكانيات في حين أن ضعفاء الحال تركوا إلى مصيرهم، بل كانوا وقود آلة تعودت طحن الفئات الضعيفة.
ترفيع متواصل وغير مسبوق في الأعباء الضريبية
تضمن مرسوم قانون المالية لسنة 2023 الترفيع في الحد الأدنى المستوجب عن كل تصريح شهري أو سنوي فأصبح كل تاجر وكل مؤسسة مطالبين بدفع حد أدنى من الأداءات حتى في صورة عدم تحقيق أي نشاط. ذلك أن كل تاجر وكل حرفي أصبح مطالبا بدفع 20 دينارا شهريا في حال عدم تحقيق أي نشاط أي ما يعادل 240 دينارا في السنة، مع حد أدنى بعنوان الضريبة على دخل الأشخاص الطبيعيين قدره 300 دينار، وحد أدنى بعنوان المساهمة التضامنية الاجتماعية قدره 004 دينار أي ما مجموعه 940 دينار سنويا في صورة عدم تحقيق أية مداخيل. ويرتفع هذا الحد الأدنى من الأداءات بالنسبة إلى الشركات إلى 30 دينارا شهريا و500 دينار بعنوان التصريح السنوي بالضريبة على الشركات مع 400 دينار بعنوان المساهمة التضامنية الاجتماعية أي ما مجموعه 1260 دينارا سنويا. قد لا يكون لهذه المبالغ تأثير يذكر عندما يتعلق الأمر بشركات كبرى ومتوسطة أو بالنسبة إلى أغلب أصحاب المهن الحرة، إلا أنه وبالنسبة إلى الحرفيين وصغار التجار الذين تم إلحاقهم بالنظام الحقيقي وأصحاب الشركات الصغرى - تركوا لمصيرهم أثناء الأزمات المتتالية - فإن الأعباء التي فرضت عليهم تمثل حملا ثقيلا يضاف إلى كلفة الالتزامات المحمولة عليهم في إطار هذا النظام الجديد الذي يساوي بينهم وبين الشركات المتوسطة والكبرى في الالتزامات الجبائية رغم أنهم غير متساوين من حيث القدرة على مجابهة تكاليفه. وتعتبر هذه الإجراءات مخالفة لمبدأ واقعية الأداء والذي يقتضي ألا يطالب أحد بدفع ضرائب على المداخيل والأرباح إلا في حدود المداخيل أو الأرباح التي يحققها.
أعباء جبائية إضافية تتعارض مع الحق في النفاذ إلى العدالة
لم يقتصر الترفيع في الأداءات على إجراءات الحد الأدنى للضرائب المباشرة والمساهمة التضامنية الاجتماعية. ذلك أن مرسوم قانون المالية لسنة 2023 تضمن أيضا الترفيع في نسبة الأداء على القيمة المضافة بالنسبة إلى جميع الخدمات القانونية والمحاسبية. فتم الترفيع بـ6 نقاط في نسبة الأداء على القيمة المضافة المطبق على الخدمات القانونية المسداة من قبل المحامين والعدول المنفذين وغيرهم من مسدي الخدمات القانونية لترتفع نسبة الأداء على القيمة المضافة الموظفة على أتعابهم وأجورهم إلى19 بالمائة عوضا عن 13 بالمائة. ونتج عن هذا الترفيع ارتفاع كلفة الخدمات القانونية. وهو ما يتعارض مع الحق في النفاذ إلى العدالة. ويعتبر ارتفاع كلفة الإجراءات القانونية والقضائية من العوائق التي تحول دون النفاذ إلى العدالة. وتختلف درجة التأثر بهذه الإجراءات من شريحة إلى أخرى ذلك أن الشركات والمؤسسات الاقتصادية الخاضعة للأداء على القيمة المضافة أقل تأثرا بهذا الاجراء نظرا إلى إمكانية طرح الأداء على القيمة المضافة الذي ستتحمله بمناسبة دفع ثمن الخدمات القانونية. وخلافا لذلك سيؤثر الترفيع في نسبة الأداء على القيمة المضافة مباشرة في قدرة المواطن العادي على تحمل كلفة التقاضي باعتباره سيتحمل الأداء على القيمة المضافة كاملا ضمن ثمن الخدمة الذي سيدفعه.
ويبدو أن الترفيع في كلفة الإجراءات القانونية والقضائية لم ينته بعد، ذلك أن مشروع قانون المالية لسنة 2024 يتضمن بدوره توظيف معلوم على مطالب الأذون على العرائض وعلى مطالب الأوامر بالدفع وعلى عرائض الطعون في الأذون والأوامر المذكورة قدره 10 دنانير.
ويجدر التنبه إلى أن الترفيع في تكلفة النفاذ إلى العدالة من خلال إثقالها بالأداءات والمعاليم يجعل من التقاضي والدفاع عن الحقوق عملية مكلفة لا يقدر على الانتفاع بها إلا من تتوفر لديه الإمكانيات المادية. ويؤدي ارتفاع تكاليف التقاضي والنفاذ إلى الخدمات القانونية إلى حرمان ضعاف الحال من النفاذ إلى القضاء رغم أنهم أشد حاجة إلى العدالة من غيرهم.
المنظومة البنكية والمنظومة الجبائية اتحاد المنطق
تزامن الترفيع في خطايا التأخير وخطايا المراقبة الذي تضمنه مرسوم قانون المالية لسنة 2023 مع مرور البلاد بأزمة اقتصادية حادة خلفتها جائحة الكورونا تفاقمت بتبعات الحرب الأوكرانية الروسية. وزاد من تعقيد هذه الأزمات الترفيع في نسبة الفائدة المديرية. وبالرغم من الإجماع حول صعوبة الوضع الاقتصادي ومعاناة المؤسسات وخاصة الصغرى- تجد صعوبة في النفاذ إلى التمويلات اللازمة لمواصلة نشاطها وعدم قدرتها على تسديد ما تخلد بذمتها من ديون متراكمة مع تفاقم وضعها المالي بارتفاع نسب الفائدة البنكية- فإن وزارة المالية لم تتورع عن إثقال كاهلها بإجراءات جديدة تزيد من أعبائها. ومنها ما تضمنه الفصل 59 من مرسوم قانون المالية لسنة 2023 من ترفيع في نسب خطايا التأخير وخطايا المراقبة بالإضافة إلى إقرار خطايا جديدة توظف كلها على التأخر في إيداع التصاريح. وللتذكير فإن قانون المالية لسنة 2019 تضمن إجراء مماثلا.
ويعلل مسؤولو وزارة المالية هذا الاجراء بمقارنة لنسب خطايا التأخير بنسب الفائدة البنكية لينتهي تبريرهم إلى ضرورة الأخذ بعين الاعتبار لكلفة الاقتراض في تحديد نسب خطايا التأخير. وتضمنت وثيقة شرح أسباب قانون المالية لسنة 2023 أن الترفيع في خطايا التأخير يستند إلى " ما اتسمت به المنظومة الحالية للخطايا من محدودية على مستوى ردع المطالبين بالأداء خاصة وأنها أصبحت دون كلفة الاقتراض".
ورغم ما تتسم به المنظومة البنكية من ارتفاع في كلفة الاقتراض وانحرافات في معاملاتها مع المقترضين من أفراد ومؤسسات وما آلت إليه نسب الفائدة من ارتفاع جنوني فإن وزارة المالية ومن خلال مبررات الفصل 59 تضع نفسها في تنافس مع المنظومة البنكية وكأنها تطمح إلى تسجيل نتائج على غرار الأرباح القياسية التي حققتها البنوك في هذه الفترة الحالكة التي تعيشها البلاد. فطموحها مكشوف في الدخول إلى نادي المستفيدين من المعاناة المتواصلة للمواطنين والمؤسسات. ويتعزز هذا الطموح من خلال ما تكشفه ميزانية سنة 2023 من موارد ترنو وزارة المالية إلى تحقيقها بمضاعفة موارد الخطايا مقارنة بسنة 2022.
ورغم الإجماع الحاصل حول انحرافات القطاع البنكي والشطط الذي تتسم به نسب الفائدة فإن وزارة المالية اعتبرته وضعا طبيعيا تعتمده معيارا في صياغة إجراءات الترفيع المستفز لخطايا التأخير.