البدائل التسوَوِية والتفاؤل بها هو انسياق نحو عالم الأحلام والتخدير وإشغال العقلية الفلسطينية لسحبها من موقع الثورة، وهذا هو الهدف الأهم للاحتلال الإسرائيلي وراعيه الأميركي
بقلم د. الصحراوي قمعون
صحفي باحث في علوم الإعلام والصحافة
ظل النقاش والسجال داخل حركات التحرر الوطني عبر العالم قائما حول السبل الكفيلة بدحر العدو وتحقيق حق تقرير المصير عبر الاستقلال الوطني، وذلك بالوسائل السلمية أو بالمقاومة المسلحة . وهو سجال عرفته أغلب حركات التحرر الوطنية في العالم الثالث في القرن الماضي من الثورة الجزائرية إلى الثورة الفيتنامية.
وقد شمل هذا النقاش حركة تحرير فلسطين ، وطرحت مبكرا خلاله مختلف السيناريوهات الممكنة لنصرة قضية الشعب الفلسطيني التي اعتبرت في نظر السياسيين والمؤرخين والإعلاميين "مظلمة العصر الحديث"، وقع فيها تهجير شعب كامل والاستيلاء على أراضيه، بدعم من القوى العظمى الفاعلة على الساحة العالمية وفي مقدمتها أمريكا وأوروبا منذ بداية القرن الماضي.
ومنذ سبعينات القرن الماضي ومع تنامي الوعي الوطني التحريري، طرحت داخل أطر القيادة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية السبل الكفيلة بإحقاق الحقوق المشروعة وغير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني، خاصة تلك التي أقرتها الشرعية الدولية عبر قرارات الأمم المتحدة المتتالية منذ طرد الفلسطينيين من ديارهم وإنشاء الكيان الإسرائيلي عام 1948 .
" القتال هو الطريق " لمقاومة المحتل، حسب القيادي الفلسطيني كمال عدوان
لقد ظل الجدل والنقاش قائمين حول ثنائية المقاومة المسلحة أو التسوية السياسية بالمفاوضات وذلك في صفوف قيادة وشعب فلسطين المحتلة. ولازالت بعض مواقف القياديين الفلسطينيين المعلنة في كتب وتحليلات منذ بداية سبعينات القرن الماضي ذات راهنية اليوم، خاصة بعد أن جربت القيادة الفلسطينية خلال العشريتين الماضيتين منذ اتفاقيات أوسلو عام 1993، حلول التسوية السياسية مع ما تبعها من فشل سياسي ذريع لاسترجاع جانب من الحقوق المصادرة والأرض المحتلة ، مما أدى إلى قيام سلطة وطنية في رام الله منزوعة السيادة والسلاح ومحاصرة حد الاختناق من المستوطنات الصهيونية.
وفي الكتاب الذي نشره القيادي كمال عدوان بعنوان "القتال هو الطريق" عام 1972 ونشر في مجلة "دراسات فلسطينية" الفكرية في عدد جويلية 1972 ، يعتبر القيادي أن "البدائل التسوَوِية والتفاؤل بها هو انسياق نحو عالم الأحلام والتخدير وإشغال العقلية الفلسطينية لسحبها من موقع الثورة، وهذا هو الهدف الأهم للاحتلال الإسرائيلي وراعيه الأميركي".
ويكتسي هذا الكتاب راهنية اليوم، إذ يؤكد الرؤية الثاقبة لكمال عدوان أحد مؤسسي وكالة الصحافة الفلسطينية وفا . وقد اغتالته إسرائيل في العاشر من أفريل من عام 1973، مع اثنين من رفاقه من القادة الفلسطينيين وهم محمد يوسف النجار، وكمال ناصر، في عملية إرهابية إسرائيلية في بيروت، لنشاطهم البارز في حركة "فتح" والمقاومة الفلسطينية. وهو اغتيال اندرج في سياق عمليات القتل التي دأبت المخابرات الإسرائيلية على القيام بها ضد قياديين فلسطينيين أبرزهم القيادى خليل الوزير( أبو جهاد) مهندس الانتفاضة الفلسطينية الذي قتل في منزله بتونس في أفريل 1988 على أيدي كومندوس إسرائيلي يقودهم وزير الحرب نفسه الجنرال يهودا باراك.
ويتعرض الكتاب إلى الصراع الذي كان دائرا في ذلك الوقت بين عدد من القيادات والشخصيات الفلسطينية التي كانت تتحكم في زمام الثورة الفلسطينية. هذا الصراع الذي يقوم على سؤال اعتبره الكاتب الشهيد كمال عدوان "خطيراً وانزلاقاً نحو الهزيمة". وهذا السؤال هو : "ما رأيكم لو تحركنا سياسياً؟"، في مقابل سؤال آخر "ما هو مفهوم العمل السياسي؟ ما هي عناصره؟".
ويؤكد عدوان في كتابه بقوله "أن العديد من المبادرات الصادرة عن حلفاء إسرائيل تهدف إلى إخراج العقلية الفلسطينية من إطار الثورة إلى إطار البدائل. وستتعدد البدائل وسيكون لكل مجموعة فلسطينية طموح وتصور ورأي. ويومها يتفتت الموقف الفلسطيني "
ويضيف عدوان أن القوى المعادية تعي بوضوح أن "القضية الفلسطينية تبقى محور القضية العربية وهي القضية الوحيدة المؤهلة لتحريك المنطقة، والثورة الفلسطينية باعتبارها أداة الفعل الفلسطيني، ستظل الطليعة القادرة على استقطاب جميع طلائع الرفض والتغيير في المنطقة العربية، ومركز الفعل في القرار العربي"..
استمرار إرادة القتال عند الإنسان الفلسطيني
في هذا الكتاب يتحدث المفكر الفلسطيني عن توقعاته لمسارات التسوية الفلسطينية والتي تجلت معالمها في السنوات الأخيرة منذ ذلك الوقت، فكانت شبيهة بالتنبؤات المستقبلية. وهو يكشف النقاب أن "القوى المعادية للثورة الفلسطينية قد وضعت خطة لتصفية الوجود الفلسطيني، الذي لن يحسم بالثورة أو قدرتها على الفعل، ما استمرت إرادة القتال عند الإنسان الفلسطيني، وأن استمرار إرادة القتال يعني بالتأكيد تغييراً في القرار العربي لحساب الفعل".
وحسب ما جاء في الكتاب فان الخطة التي اعتمدها من أسماهم "مُصفِّيُو القضية الفلسطينية"، تعتمد على الخطوات التالية:
• أولاً: تصغير الدور الفلسطيني في المعركة وتوسيع إطار القرار العربي ليتضاءل فيه الدور الفلسطيني، وثانياً: انتزاع حق القرار الفلسطيني.، وثالثاً: جر الاهتمام الفلسطيني بعيداً عن الأرض الفلسطينية.، ورابعاً: تمييع التركيز الفلسطيني على القضية الواحدة وتمييع إرادة الفعل وإرادة الرفض، وخامساً: تصفية قوة الرفض، وسادساً: الاستسلام، وسابعاً: استكمال ترتيبات التسوية والاستسلام، وثامناً: تكريس شرعية الاستسلام، وتاسعاً: استيعاب أدوار الرفض عناصر وقيادات. واخيرا عاشراً: استيعاب الوطنية الفلسطينية، واستيعاب الجماهير الفلسطينية.
ويعتبر الكاتب أن عقلية البدائل بدأت عندما تعددت البدائل بطرح قرارات دولية لحل القضية الفلسطينية، مؤكدا أنه بعد كل مواجهة مع الاحتلال يتم طرح مجموعة من البدائل غير الثورة، المهم أن تتفق القوى السياسية الفلسطينية بينها على بديل. ويعتبر عدوان الجملة الأخيرة هي محور مربع البدائل لإطالة أمد الاحتلال.
وهو في هذا السياق يقدم في المقابل في كتابه استقراءا لموقف إسرائيل في استغلال هذا الترنح الفكري الفلسطيني بين السلام والاستسلام لدعم سيطرة العدو الصهيوني على الفكر والأرض المحتلة وما تبقى فيها من أجل "تأبيد هذا الاحتلال".
ويتبين أن أهداف إسرائيل التي توقعها كمال عدوان مبكرا حققتها إسرائيل على مراحل بسبب التخادل الفلسطيني والعربي ومناورات حلفاء إسرائيل وداعميها الأقوياء على الساحة الدولية وفي المنتظم ألأممي. لكن جذوة المقاومة بقيت مشتعلة رغم الأعاصير والحصار .
ويختم كمال عدوان كتابه " القتال هو الطريق"، بالقول: "إن الفرق بين عقلية الثورة وعقلية التسوية، هو الفرق بين الفاعل والمفعول به" .
تحرير الوطن بالتخطيط وتوفير المال والسلاح
في هذا السياق، يجد الشعب الفلسطيني المظلوم العبرة والمثال في شقيقه الشعب الجزائري الذي استطاع بثورة تحريرية مقاتلة دوخت العالم في منتصف القرن الماضي، إنهاء مائة وثلاثين سنة من الاستعمار الفرنسي المباشر والقاسي بفضل تصميمه وعزيمته ونبوغ قيادته التاريخية. كما يجد المثال في شقيقه التونسي الذي جمع بين الكفاح المسلح لثورة 1952 والعمل السياسي حتى تحقيق الاستقلال الكامل . وقد تحقق ذلك بفضل من خططوا في الخفاء لإنهاء حقبة الاستعمار في المنطقة بتوفير المال والسلاح والدعم الدولي. ويوجد على رأس هؤلاء المناضل المغاربي التونسي حافظ إبراهيم بن العلامة الشيخ راجح إبراهيم الملقب "بمنارة الساحل" وأحد مؤسسي الحزب الدستوري الحر مع عبد العزيز الثعالبي ومحي الدين القليبي عام 1920 .
وتجمع المصادر التاريخية على القول أن حافظ إبراهيم خطط لنهاية الاستعمار وهو مقيم في مدريد مقر نشاطه السياسي والفكري، حيث استغل تناقضات الحلفاء في العواصم الأوروبية غداة نهاية الحرب العالمية الثانية، ووظف ما يملكه من شبكة علاقات صداقة كاريزمية مع زعماء حركات التحرر في العالم وفي العالم الثالث، ليقدم المال والسلاح إلي الثورة الجزائرية والثورة المغربية والثورة التونسية ويمكنها من إنهاء الاستعمار بقوة السلاح والقتال تارة، وبقوة التفاوض والسلام تارة أخرى، وهو ما يقر به قادة حركات التحرير في بلدان المغرب العربي الذين يلقبونه، كما الصحافة المغاربية، "بفارس شمال إفريقيا" و"جندي المغرب العربي المجهول".
وتعتبر مسيرة حافظ إبراهيم، كما نهج كمال عدوان، كفيلان بإنارة سبيل المقاومة الفلسطينية حتى تحرير فلسطين في المستقبل المنظور، كما بينته الأجيال المتعاقبة من المقاومة منذ الاحتلال عام 1948، أخرها هذه الأيام عملية "طوفان القدس" التي استعملت تكتيكات إبراهيم في التخطيط الجيد وتوفير المال والسلاح النوعي لعملية ضاربة تصيب العدو المغرور بالصدمة والترويع ، وتدفع به نحو الاستسلام والهروب وإلقاء نفسه في البحر، بعد أن حلت به النكبة وتلتها النكسة على أيدي مقاومة متمرسة ومصممة على تحرير الوطن وتحقيق حق العودة بكل آليات المقاومة الوطنية سواء كانت قومية أو إسلامية أصيلة.
البدائل التسوَوِية والتفاؤل بها هو انسياق نحو عالم الأحلام والتخدير وإشغال العقلية الفلسطينية لسحبها من موقع الثورة، وهذا هو الهدف الأهم للاحتلال الإسرائيلي وراعيه الأميركي
بقلم د. الصحراوي قمعون
صحفي باحث في علوم الإعلام والصحافة
ظل النقاش والسجال داخل حركات التحرر الوطني عبر العالم قائما حول السبل الكفيلة بدحر العدو وتحقيق حق تقرير المصير عبر الاستقلال الوطني، وذلك بالوسائل السلمية أو بالمقاومة المسلحة . وهو سجال عرفته أغلب حركات التحرر الوطنية في العالم الثالث في القرن الماضي من الثورة الجزائرية إلى الثورة الفيتنامية.
وقد شمل هذا النقاش حركة تحرير فلسطين ، وطرحت مبكرا خلاله مختلف السيناريوهات الممكنة لنصرة قضية الشعب الفلسطيني التي اعتبرت في نظر السياسيين والمؤرخين والإعلاميين "مظلمة العصر الحديث"، وقع فيها تهجير شعب كامل والاستيلاء على أراضيه، بدعم من القوى العظمى الفاعلة على الساحة العالمية وفي مقدمتها أمريكا وأوروبا منذ بداية القرن الماضي.
ومنذ سبعينات القرن الماضي ومع تنامي الوعي الوطني التحريري، طرحت داخل أطر القيادة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية السبل الكفيلة بإحقاق الحقوق المشروعة وغير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني، خاصة تلك التي أقرتها الشرعية الدولية عبر قرارات الأمم المتحدة المتتالية منذ طرد الفلسطينيين من ديارهم وإنشاء الكيان الإسرائيلي عام 1948 .
" القتال هو الطريق " لمقاومة المحتل، حسب القيادي الفلسطيني كمال عدوان
لقد ظل الجدل والنقاش قائمين حول ثنائية المقاومة المسلحة أو التسوية السياسية بالمفاوضات وذلك في صفوف قيادة وشعب فلسطين المحتلة. ولازالت بعض مواقف القياديين الفلسطينيين المعلنة في كتب وتحليلات منذ بداية سبعينات القرن الماضي ذات راهنية اليوم، خاصة بعد أن جربت القيادة الفلسطينية خلال العشريتين الماضيتين منذ اتفاقيات أوسلو عام 1993، حلول التسوية السياسية مع ما تبعها من فشل سياسي ذريع لاسترجاع جانب من الحقوق المصادرة والأرض المحتلة ، مما أدى إلى قيام سلطة وطنية في رام الله منزوعة السيادة والسلاح ومحاصرة حد الاختناق من المستوطنات الصهيونية.
وفي الكتاب الذي نشره القيادي كمال عدوان بعنوان "القتال هو الطريق" عام 1972 ونشر في مجلة "دراسات فلسطينية" الفكرية في عدد جويلية 1972 ، يعتبر القيادي أن "البدائل التسوَوِية والتفاؤل بها هو انسياق نحو عالم الأحلام والتخدير وإشغال العقلية الفلسطينية لسحبها من موقع الثورة، وهذا هو الهدف الأهم للاحتلال الإسرائيلي وراعيه الأميركي".
ويكتسي هذا الكتاب راهنية اليوم، إذ يؤكد الرؤية الثاقبة لكمال عدوان أحد مؤسسي وكالة الصحافة الفلسطينية وفا . وقد اغتالته إسرائيل في العاشر من أفريل من عام 1973، مع اثنين من رفاقه من القادة الفلسطينيين وهم محمد يوسف النجار، وكمال ناصر، في عملية إرهابية إسرائيلية في بيروت، لنشاطهم البارز في حركة "فتح" والمقاومة الفلسطينية. وهو اغتيال اندرج في سياق عمليات القتل التي دأبت المخابرات الإسرائيلية على القيام بها ضد قياديين فلسطينيين أبرزهم القيادى خليل الوزير( أبو جهاد) مهندس الانتفاضة الفلسطينية الذي قتل في منزله بتونس في أفريل 1988 على أيدي كومندوس إسرائيلي يقودهم وزير الحرب نفسه الجنرال يهودا باراك.
ويتعرض الكتاب إلى الصراع الذي كان دائرا في ذلك الوقت بين عدد من القيادات والشخصيات الفلسطينية التي كانت تتحكم في زمام الثورة الفلسطينية. هذا الصراع الذي يقوم على سؤال اعتبره الكاتب الشهيد كمال عدوان "خطيراً وانزلاقاً نحو الهزيمة". وهذا السؤال هو : "ما رأيكم لو تحركنا سياسياً؟"، في مقابل سؤال آخر "ما هو مفهوم العمل السياسي؟ ما هي عناصره؟".
ويؤكد عدوان في كتابه بقوله "أن العديد من المبادرات الصادرة عن حلفاء إسرائيل تهدف إلى إخراج العقلية الفلسطينية من إطار الثورة إلى إطار البدائل. وستتعدد البدائل وسيكون لكل مجموعة فلسطينية طموح وتصور ورأي. ويومها يتفتت الموقف الفلسطيني "
ويضيف عدوان أن القوى المعادية تعي بوضوح أن "القضية الفلسطينية تبقى محور القضية العربية وهي القضية الوحيدة المؤهلة لتحريك المنطقة، والثورة الفلسطينية باعتبارها أداة الفعل الفلسطيني، ستظل الطليعة القادرة على استقطاب جميع طلائع الرفض والتغيير في المنطقة العربية، ومركز الفعل في القرار العربي"..
استمرار إرادة القتال عند الإنسان الفلسطيني
في هذا الكتاب يتحدث المفكر الفلسطيني عن توقعاته لمسارات التسوية الفلسطينية والتي تجلت معالمها في السنوات الأخيرة منذ ذلك الوقت، فكانت شبيهة بالتنبؤات المستقبلية. وهو يكشف النقاب أن "القوى المعادية للثورة الفلسطينية قد وضعت خطة لتصفية الوجود الفلسطيني، الذي لن يحسم بالثورة أو قدرتها على الفعل، ما استمرت إرادة القتال عند الإنسان الفلسطيني، وأن استمرار إرادة القتال يعني بالتأكيد تغييراً في القرار العربي لحساب الفعل".
وحسب ما جاء في الكتاب فان الخطة التي اعتمدها من أسماهم "مُصفِّيُو القضية الفلسطينية"، تعتمد على الخطوات التالية:
• أولاً: تصغير الدور الفلسطيني في المعركة وتوسيع إطار القرار العربي ليتضاءل فيه الدور الفلسطيني، وثانياً: انتزاع حق القرار الفلسطيني.، وثالثاً: جر الاهتمام الفلسطيني بعيداً عن الأرض الفلسطينية.، ورابعاً: تمييع التركيز الفلسطيني على القضية الواحدة وتمييع إرادة الفعل وإرادة الرفض، وخامساً: تصفية قوة الرفض، وسادساً: الاستسلام، وسابعاً: استكمال ترتيبات التسوية والاستسلام، وثامناً: تكريس شرعية الاستسلام، وتاسعاً: استيعاب أدوار الرفض عناصر وقيادات. واخيرا عاشراً: استيعاب الوطنية الفلسطينية، واستيعاب الجماهير الفلسطينية.
ويعتبر الكاتب أن عقلية البدائل بدأت عندما تعددت البدائل بطرح قرارات دولية لحل القضية الفلسطينية، مؤكدا أنه بعد كل مواجهة مع الاحتلال يتم طرح مجموعة من البدائل غير الثورة، المهم أن تتفق القوى السياسية الفلسطينية بينها على بديل. ويعتبر عدوان الجملة الأخيرة هي محور مربع البدائل لإطالة أمد الاحتلال.
وهو في هذا السياق يقدم في المقابل في كتابه استقراءا لموقف إسرائيل في استغلال هذا الترنح الفكري الفلسطيني بين السلام والاستسلام لدعم سيطرة العدو الصهيوني على الفكر والأرض المحتلة وما تبقى فيها من أجل "تأبيد هذا الاحتلال".
ويتبين أن أهداف إسرائيل التي توقعها كمال عدوان مبكرا حققتها إسرائيل على مراحل بسبب التخادل الفلسطيني والعربي ومناورات حلفاء إسرائيل وداعميها الأقوياء على الساحة الدولية وفي المنتظم ألأممي. لكن جذوة المقاومة بقيت مشتعلة رغم الأعاصير والحصار .
ويختم كمال عدوان كتابه " القتال هو الطريق"، بالقول: "إن الفرق بين عقلية الثورة وعقلية التسوية، هو الفرق بين الفاعل والمفعول به" .
تحرير الوطن بالتخطيط وتوفير المال والسلاح
في هذا السياق، يجد الشعب الفلسطيني المظلوم العبرة والمثال في شقيقه الشعب الجزائري الذي استطاع بثورة تحريرية مقاتلة دوخت العالم في منتصف القرن الماضي، إنهاء مائة وثلاثين سنة من الاستعمار الفرنسي المباشر والقاسي بفضل تصميمه وعزيمته ونبوغ قيادته التاريخية. كما يجد المثال في شقيقه التونسي الذي جمع بين الكفاح المسلح لثورة 1952 والعمل السياسي حتى تحقيق الاستقلال الكامل . وقد تحقق ذلك بفضل من خططوا في الخفاء لإنهاء حقبة الاستعمار في المنطقة بتوفير المال والسلاح والدعم الدولي. ويوجد على رأس هؤلاء المناضل المغاربي التونسي حافظ إبراهيم بن العلامة الشيخ راجح إبراهيم الملقب "بمنارة الساحل" وأحد مؤسسي الحزب الدستوري الحر مع عبد العزيز الثعالبي ومحي الدين القليبي عام 1920 .
وتجمع المصادر التاريخية على القول أن حافظ إبراهيم خطط لنهاية الاستعمار وهو مقيم في مدريد مقر نشاطه السياسي والفكري، حيث استغل تناقضات الحلفاء في العواصم الأوروبية غداة نهاية الحرب العالمية الثانية، ووظف ما يملكه من شبكة علاقات صداقة كاريزمية مع زعماء حركات التحرر في العالم وفي العالم الثالث، ليقدم المال والسلاح إلي الثورة الجزائرية والثورة المغربية والثورة التونسية ويمكنها من إنهاء الاستعمار بقوة السلاح والقتال تارة، وبقوة التفاوض والسلام تارة أخرى، وهو ما يقر به قادة حركات التحرير في بلدان المغرب العربي الذين يلقبونه، كما الصحافة المغاربية، "بفارس شمال إفريقيا" و"جندي المغرب العربي المجهول".
وتعتبر مسيرة حافظ إبراهيم، كما نهج كمال عدوان، كفيلان بإنارة سبيل المقاومة الفلسطينية حتى تحرير فلسطين في المستقبل المنظور، كما بينته الأجيال المتعاقبة من المقاومة منذ الاحتلال عام 1948، أخرها هذه الأيام عملية "طوفان القدس" التي استعملت تكتيكات إبراهيم في التخطيط الجيد وتوفير المال والسلاح النوعي لعملية ضاربة تصيب العدو المغرور بالصدمة والترويع ، وتدفع به نحو الاستسلام والهروب وإلقاء نفسه في البحر، بعد أن حلت به النكبة وتلتها النكسة على أيدي مقاومة متمرسة ومصممة على تحرير الوطن وتحقيق حق العودة بكل آليات المقاومة الوطنية سواء كانت قومية أو إسلامية أصيلة.